(1101) - (حديث: " لا يطوف بالبيت عريان " متفق عليه (ص 263) .
* صحيح.
وهو من حديث أبى هريرة , وعلى بن أبى طالب , وعبد الله بن عباس.
أما حديث أبى هريرة , فيرويه حميد بن عبد الرحمن عنه قال: " بعثنى أبو بكر الصديق فى الحجة التى أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع , فى رهط يؤذنون فى الناس يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك , ولا يطوف بالبيت عريان ".
أخرجه البخارى (1/409 , 2/298 , 3/163 , 249) ومسلم (4/106 ـ 107) وأبو نعيم فى " المستخرج " (20/178/1) وأبو داود (1946) والنسائى (2/40) وابن سعد فى " الطبقات " (2/1/121 ـ 122) والبيهقى (5/87 ـ 88) وزاد أبو داود فى آخره: " ويوم الحج الأكبر يوم النحر , والحج الأكبر الحج ".
وهى عند البخارى فى رواية بلفظ: " وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر ".
وهذا يشعر بأن هذه الزيادة ليست من المرفوع إلى النبى صلى الله عليه وسلم , وقد صرحت بذلك رواية مسلم ففيها: " قال ابن شهاب: فكان حميد بن عبد الرحمن يقول: يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبى هريرة ".
وهى رواية للبخارى أيضا , ولذلك جزم الحافظ فى " الفتح " (8/258) بأنها مدرجة فى الحديث , وأنها من قول حميد بن عبد الرحمن استنبطه من قوله تعالى: (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر) ومن مناداة أبى هريرة بذلك بأمر أبى بكر يوم النحر ".
وعنده فى الرواية الثانية: " فنبذ أبو بكر إلى الناس فى ذلك العام , فم يحج عام حجة الوداع الذى حج فيه النبى صلى الله عليه وسلم مشرك ".
وزاد فى رواية رابعة: " قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلى بن أبى طالب وأمره أن يؤذن بـ (براءة) , قال أبو هريرة: فأذن معنا على يوم النحر فى أهل منى بـ (براءة) , وأن لا يحج بعد العام مشرك , ولا يطوف بالبيت عريان ".
وقد تابعه المحرر بن أبى هريرة عن أبيه قال: " جئت مع على بن أبى طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ,
بـ (براءة) , قال: ما كنتم تنادون؟ قال: كنا ننادى أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة , ولا يطوف بالبيت عريان , ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فأجله وأمده إلى أربعة أشهر , فإذا مضت الأربعة أشهر فإن الله برىء من المشركين ورسوله , ولا يحج بعد العام مشرك , فكنت أنادى حتى صحل صوتى".
أخرجه النسائى والدارمى (1/332 ـ 333 , 2/237) وأحمد (2/299) والحاكم (2/331) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبى.
قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير المحرر بن أبى هريرة وقد أورده ابن حبان فى " الثقات " (1/235) وقال: " روى عنه الشعبى وأهل الكوفة ".
قلت: وروى عنه غيرهم من الكبار كالزهرى وعطاء وعكرمة , فهو ثقة إن شاء الله , فقول الحافظ فيه " مقبول " غير مقبول! وعليه فالإسناد صحيح.
وأما حديث على , فيرويه زيد بن أثيع قال: " سالت عليا رضى الله عنه بأى شىء بعثت ـ يعنى يوم بعثه النبى صلى الله عليه وسلم مع أبى بكر رضى الله عنه فى الحجة؟ - قال: بعثت بأربع , لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة , ولا يطوف بالبيت عريان , ومن كان بينه وبين النبى صلى الله عليه وسلم عهد , فعهده إلى مدته , ولا يحج المشركون والمسلمون بعد عامهم هذا".
أخرجه الترمذى (1/165 , 2/184) والدارمى (2/68) وأحمد (1/79) ,
والحميدى (48) كلهم عن سفيان بن عيينة عن إسحاق عن زيد به , وقال الترمذى: " حديث حسن , ورواه الثورى عن أبى إسحاق عن بعض أصحابه عن على ".
قلت: وخالفهما إسرائيل إسنادا ومتنا.
أما السند فإنه قال: " عن أبى بكر " بدل " على " أعنى أنه جعله من مسند أبى بكر , وليس من مسند على.
أما المتن , فإنه زاد فى آخره: " قال: فسار (يعنى أبا بكر) بها ثلاثا ثم قال لعلى رضى الله عنه: الحقه فرد على أبا بكر , وبلغها أنت , قال: ففعل , قال: فلما قدم على النبى صلى الله عليه وسلم أبو بكر بكى , قال: يا رسول الله حدث فى شىء؟ قال: ما حدث فيك إلا خير , ولكن أمرت أن لا يبلغه إلا أنا ورجل منى ".
أخرجه أحمد (1/3) : حدثنا وكيع قال: قال إسرائيل قال أبو إسحاق ... وكذا أخرجه أبو يعلى فى " مسنده " (8/2 ـ فاتح) : حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا وكيع به.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين , إلا أن فى رواية إسرائيل عن أبى إسحاق لين سمع منه بآخرة كما قال الإمام أحمد , وهو حفيده فإنه إسرائيل بن يونس بن أبى إسحاق السبيعى الهمدانى , وقد تفرد بهذه الزيادة عن جده دون ابن عيينة , فلا تطمئن النفس لها , على أن فى السند علة أخرى وهى عنعنة أبى إسحاق فى جميع الطرق فإنه كان مدلسا , ثم إنه لم يسم شيخه زيدا فى رواية الثورى عنه كما ذكره الترمذى , والثورى أثبت الناس فى أبى إسحاق كما فى " التهذيب " والله أعلم.
وأنكر ما فى هذه الزيادة استرداد النبى صلى الله عليه وسلم لأبى بكر بعد ثلاث , فإن جميع الروايات تدل على أن أبا بكر رضى الله عنه استمر أميرا على الحج فى هذه السنة التى كانت قبل حجة الوداع , وأصرح الروايات فى ذلك حديث ابن عباس الآتى , وظنى أن ذلك من تخاليط أبى إسحاق , فإنه كان اختلط فى آخر عمره.
وأما حديث ابن عباس , فيرويه مقسم عنه قال: " بعث النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأمره أن ينادى بهؤلاء الكلمات , ثم أتبعه عليا فبينا أبو بكر فى بعض الطريق , إذ سمع رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء , فخرج أبو بكر فزعا , فظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإذا هو على , فدفع إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , وأمر عليا أن ينادى بهؤلاء الكلمات , فانطلقا فحجا , فقام على أيام التشريق , فنادى , ذمة الله ورسوله بريئة من كل مشرك , فسيحوا فى الأرض أربعة أشهر , ولا يحجن بعد العام مشرك , ولا يطوف بالبيت عريان , ولا يدخل الجنة إلا مؤمن , وكان على ينادى , فإذا عيى قام أبو بكر فنادى بها ".
أخرجه الترمذى (2/184) وقال: " حديث حسن غريب ".
قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال البخارى , فهو صحيح الإسناد , فلا أدرى لم أقتصر الترمذى على تحسينه؟
وله شاهد مرسل من حديث أبى جعفر محمد بن على رضى الله عنهم بنحوه , وفيه: " فخرج على بن أبى طالب رضى الله عنه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أدرك أبا بكر بالطريق , فلما رآه أبو بكر قال: أأمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور , ثم مضيا , فأقام أبو بكر للناس الحج ... حتى إذا كان يوم النحر قام على بن أبى طالب رضى الله عنه فأذن فى الناس بالذى أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال.... " الحديث.
أخرجه ابن إسحاق فى " السيرة " (4/190) بسند حسن مرسل.
الكتاب : إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل
المؤلف : محمد ناصر الدين الألباني