أحكامُ العيديّة

محمد سليمان نصر الله الفرا




راسلنِي عددٌ مِن الكِرامِ مُستفسرينَ عن بعضِ الأحكامِ الشرعيّةِ المُتعلِّقةِ بعيديّاتِ النّسوانِ والصّبيانِ، ولم تَخْلُ بعضُ أسئلتِهِم من غرابةٍ وطرافةٍ، فحرّرتُ هذه الرسالةَ المُختصرةَ في أحكامِ العيديّةِ، وقد جاءَت في ستِّ نقاطٍ، إليكَ بيانَها:
1. العيديّةُ هي مبلغٌ من المالِ يُعطَى للنّساءِ والأطفَالِ على سبيلِ الصّلةِ والهديّةِ، اعتادَ الناسُ على تقديمِهَا في العيدَينِ، وهي مشروعةٌ، ويدلُّ لاستحبابِها عمومُ الأحاديثِ الحاثّةِ على التّهادِي؛ كحديثِ أمّ المؤمنينَ عائشةَ رضيَ اللهُ عنهَا أنّ النّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: (تهَادَوْا تَزدَادُوا حُبًّا) [الطبراني: 6/54].
2. إنّ العيديّةَ ليسَت شَرطاً لِصلَةِ الرّحمِ، وإنّما هيَ من تمامِها في حق الموسِرِ القادرِ عليها، ويتأكّدُ استحبابُ إعطائِها للرّحِم المحرَّمةِ؛ كالأمّهاتِ، والجدّاتِ، والبناتِ، والأخواتِ، والعمّاتِ، والخالاتِ، وأمّهاتِ الزّوجاتِ.
3. إنّ العيديّةَ تأخذُ أحكامَ الهبةِ المُعيّنةِ، فتصِحُّ مِن كلِّ جائزِ التّصرُّفِ بتمليكِ مالِه المَعلومِ المَوجودِ لغيرِه [الروض المربع: 341]، وتنعقدُ بالإيجابِ والقبولِ اللفظيِّ، وتصحُّ بالمُعاطاةِ دونَ تلفُّظٍ، وتلزمُ بالقبضِ عند الحنفيّةِ والشّافعيّةِ والحنابلةِ في روايةٍ عن أحمَد [حاشية ابن عابدين: 5/730، نهاية المحتاج: 5/410، كشاف القناع: 10/122].
4. يترتّبُ على القَولِ بلُزومِ العيديّةِ بالقبضِ أنّهُ لا يَجوزُ للواهِبِ أن يرجِعَ فِي عيديّتِهِ بعدَ قبضِهَا، ويُستثنَى من ذلكَ عيديّةُ الأصلِ لفرعِهِ؛ لحديثِ ابنِ عبّاسٍ رضيَ اللهُ عَنهُمَا أنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أن يُعْطيَ عطيَّةً أو يَهَبَ هبةً، فيرجعَ فيها إلَّا الوَالدَ فِيما يُعطِي لولدِهُ، ومَثلُ الذِي يُعطِي عطيَّةً، فيرجِعُ فيهَا كمَثَلِ الكَلبِ يَأكلُ، فإذَا شَبعَ قاءَ، ثمَّ عادَ فِي قَيئِهِ) [الاقتراح، لابن دقيق العيد: 122، وإسناده صحيح].
5. عيديّةُ الزّوجةِ مِلكٌ خالصٌ لهَا، لا يَجوزُ لزوجِها أخذُها، ولا التّصرّفُ فيهَا، إلا بإذنِ زوجتِهِ؛ لعمومِ حديثِ حنيفةَ الرّقّاشيّ رضيَ اللهُ عنهُ أنّ النّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: (لا يَحِلُّ مَالُ امرِيءٍ مُسلمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفسٍ مِنهُ) [المستدرك: 1/93].
6. عِيديّةُ الصّبية الصّغارِ ملكٌ لهُم، ويقومُ أولياؤُهم مقامَهُم في قبضِها، وحفظِها، ولا يتصرّفُ الوليُّ في مَالِ الصّغيرِ إلا بما يُصلِحُهُ ويحفظُهُ، فيُمكّنُ الصّغارُ مَمَّا يُدخلُ عليهِم الفرحةَ مِن عيديّتِهم بالمَعروفِ، دونَ إسرافٍ ولا تقتيرٍ، ويلزمُ الأولياءَ حِفظُ الباقِي لهُم، وإنفاقُه علَى ما يَنفعُهُم مِن ألبِسَةٍ ونحوِها؛ لعمُومِ قولِه تعالَى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: 5].
واللهُ تعالَى أعلمُ.