تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: سلامة الأبدان في كمال الصيام

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي سلامة الأبدان في كمال الصيام



    سلامة الأبدان في كمال الصيام (1)









    كتبه/ علاء بكر


    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فالصيام عبادة قديمة فَرَضَها الله تعالى على الأمم السابقة، أدَّاها مَن سبقنا مِن الرسل والنبيين، ومَن سار على نهجهم مِن اتباعهم المؤمنين الصالحين، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، ومع أن الصيام عبادة محضة لله تعالى أمر بها ورتَّب عليها الثواب الجزيل، وجعل للصائمين بابًا في الجنة لا يدخل منه إلا أهل الصيام، يُنادَى عليهم منه، فإذا دخلوا أغلق دونهم فلا يدخل منه غيرهم؛ إلا أنه مما لا شك فيه أيضًا: أن للصيام فوائد بدنية ونفسية كثيرة وعظيمة ينالها أهل الصيام إذا أحسنوا صومهم، والتزموا بما ينبغي عليهم فيه، بل يعتبر الأطباءُ الصيامَ مدرسة لتقوية وتنشيط البدن، ومستشفى لعلاج العديد من الأمراض.

    ومع التسليم بأن حديث: "صوموا تصحوا" لا يصح؛ فإن معناه صحيح، داخل في عموم قوله تعالى: "وأن تصوموا خير لكم"، وليس غريبًا أو جديدًا على الأسماع أن هناك في عالمنا الكثير من الكائنات الحية من غير البشر، تمارس صورًا من الصيام في حياتها وبصفة دورية، ولا تستغنَى عنه، بل جبلت وفطرت على ذلك؛ فهو غريزة فيها تجد فيه صلاحها ومنفعتها.

    ففي فصل الشتاء تنخفض الحرارة ويقل الغذاء، فتمارس أنواعٌ من الكائنات الحية صومًا اختياريًّا، فتسكن بعض الحيوانات في جحورها بضعة أسابيع أو بضعة شهور تمتنع أو تقلل فيها من الحركة وتناول الطعام، ومن أشهرها: "الدب القطبي" الذي ينام ساكنًا قرابة خمسة أشهر مِن كل عام، ومنها: أسماك تدفن نفسها في قاع الماء الذي تعيش فيه لمدة زمنية، ومنها: برمائيات تدفن نفسها في الطين أو الرمل في فترة الشتاء، ومن أشهرها: الضفادع في بياتها الشتوي، وتصوم أنواع عديدة من الأسماك والطيور المهاجرة خلال فترة هجرتها إلى أماكن التزاوج و الدفء، وهناك حشرات تمر بمرحلة من التحوصل أو التشرنق بدون طعام أو حراك.

    والعجيب: أن هذه الكائنات على اختلافها تعود -أو تخرج- بعد مدة صيامها تلك، وقد أصبحت أكثر حيوية ونشاطًا؛ فالدببة تخرج من بياتها الشتوي أقل وزنًا وأكثر نشاطًا، وأسرع حركة، والضفادع تخرج من بياتها لتملأ الدنيا انتشارًا ونقيقًا، والطيور المهاجرة ترجع أكثر نشاطًا وصداحًا، والحشرات تخرج من بياتها على صورة فراشات رشيقة تطير في الهواء.

    وهذه الأمور المعلومة والمشاهدة في حياتنا بانتظام تعد في حقيقتها أمور فطرية تهتدي إليها وتمارسها هذه الكائنات على اختلافها بالغريزة، وتلعب دورًا مهمًّا في الحفاظ على الحياة واستمرار النوع، أي: أن هذه الصور من الصوم المنتظم عند هذه الكائنات ضرورية لحياتها، ومن هنا يأتي السؤال -والذي بالطبع يحتاج إلى الإجابة عنه-: هل للإنسان نصيب أو حاجة لهذه الصور من الصيام؟

    لقد توالت الأبحاث والدراسات العلمية التي أجريت شرقًا وغربًا حول الصيام، وأكَّدت تلك الأبحاث والدراسات بما لا يدع مجالًا للشك: أن هناك فوائد ومنافع للصيام تعود على الإنسان بدنيًّا ونفسيًّا، وبالتالي حاجة الإنسان في كلِّ زمان ومكان للصوم، بل ربما كانت حاجة الإنسان في زماننا للصوم المنتظم أكثر من الأزمنة التي مضت لكثرة المأكولات الدسمة، وكثرة الملوثات.

    ومن المعلوم: أن الجسم يقوم بإحراق المواد الغذائية المهضومة؛ للحصول على الطاقة اللازمة للحركة والعمل، وينتج عن هذا الاحتراق ذرات حرة من الأكسجين لها تأثير سيئ على جدران الخلايا وعلى الدهون في الجسم؛ إذ تسبب الكثير من الأمراض، وتبدي مظاهر الشيخوخة خاصة التجاعيد.

    ويزيد الأمر سوءًا: أننا صرنا نأكل يوميًّا كميات كبيرة من أطعمة أغلبها دسمة مليئة بالدهون والمقليات، والحوادق والتوابل، ونتعرض إلى كميات ليست بالقليلة من الملوثات في الخضروات والفواكه بتأثير المبيدات والأسمدة، إلى جانب تلوث الهواء عبر أدخنة المصانع والشركات، وعوادم المركبات المتنوعة، والسيارات ووسائل النقل المختلفة، بل وتلوث مياه الشرب نتيجة إلى تزايد تلوث مصادرها.

    ويقوم الجهاز الهضمي للإنسان يوميًّا، ولساعات طويلة بعمليات الهضم والامتصاص والإفراز، بدءًا من طحن الطعام في الفم، ونقله وتحريكه حتى إخراج فضلاته، وعمليات الهضم والتمثيل الغذائي لكل هذه المواد تستهلك جزءًا كبيرًا من طاقة الكبد الذي يلعب دورًا كبيرًا في مقاومة الأمراض من خلال تطهير الجسم من السموم الضارة من خلال معادلة سميتها وتسهيل عمليات إخراجها من الجسم حفاظًا عليه من أضرارها المدمرة.

    كما أن هناك أنواعًا من المأكولات تحدث مشاكل عديدة في الجسم كالتي تسبب الحساسية: كالأسماك والبيض، والمانجو والفراولة، والموز والشكولاتة، وهناك وجبات كثيرة فيها دهون تضر الجلد حيث تتسبب في ظهور حب الشباب والدمامل والبثور والتهابات الجلد، وتزيد فرص حدوث ذلك بزيادة كميات المأكول منها، وتقل وتنقص احتمالات الإصابة بذلك بالتقليل منها.

    ومما يزيد الأمر سوءًا: أن السموم التي تدخل الجسم مع تناول الأطعمة واستنشاق الهواء الملوث تظل داخل الجسم عادة ذائبة، وملتصقة بالدهون، وتتصف بكونها في تزايد وتراكم مستمر، تزيد بزيادة الدهون في الجسم وتنقص بنقصها.

    ويزيد الأمر سوءًا: حال مرض الجسم فيصبح كثرة الطعام -خاصة غير المناسب لطبيعة المرض- عبئًا على الجسم حيث يستهلك من الجسم طاقة يحتاجها المريض في مقاومة المرض، ويستهلك الهضم والتمثيل الغذائي جزءًا من طاقة الجسم، ويقلل من دور الكبد الكبير في مقاومة أمراض الجسم؛ إذ إنه ينقي الدم ويطهره من السموم الضارة -كما ذكرنا-.

    وتتسبب الأطعمة كثيرة الأملاح والكوليسترول في زيادة ضغط الدم في الشرايين، كما أن للإكثار من تناول المنبهات: كالشاي والقهوة تأثيره أيضًا على الشرايين، ويحدث اضطرابات في ضربات القلب، ولا ننسى أن الإكثار من الطعام عامة يسبب البدانة والسمنة بكل ما تجلبه من أمراض ومضاعفات سيئة على البدن، كما أن الإكثار من السكريات والنشويات يضر البدن عادة، ويضر مرضى السكر خاصة، ويزيد كذلك من العبء والحمل الملقى على البدن عامة وعلى البنكرياس خاصة.

    فإذا صام الإنسان صيامًا منتظمًا لعدة أسابيع متتالية؛ فهو بذلك يسدي لجسمه خدمة جليلة، لها مردودها النافع على البدن كله، من جهة تقليل مرات وكميات الطعام التي يتناولها يوميًّا، ومن جهة إعطاء أجهزة وأعضاء الجسم المختلفة الراحة لساعاتٍ طويلةٍ يوميًّا؛ لاستعادة حيويتها ونشاطها الطبيعي من جديد، وهذا ظاهر وواضح.

    وقد أجريت دراسات وأبحاث عديدة في الغرب على صيام المرء صيامًا كليًّا بالامتناع عن الطعام والشراب بالكلية، أو صيامًا جزئيًّا بالامتناع عن الطعام كلية، والاقتصار على شرب الماء فقط، لمدة 12 ساعة متصلة يوميًّا، ولمدة 4 أسابيع متتالية، فتوصل العلماء على فوائد ومنافع لهذا الصوم لا يسع المرء تجاهلها، وتؤكد على أهمية أن يصوم الإنسان بانتظام على فتراتٍ من العام؛ حفاظًا على صحته العامة وسلامته، وتجديدًا لحيوية أجهزة الجسم، واستعادة كمال نشاطها وقدراتها من حين لآخر.

    فالإنسان إذا صام لساعات طويلة أثناء اليوم يبدأ الجسم في استهلاك وحرق المواد الغذائية المخزنة فيه، مثل: الجليكوجين والدهون؛ للحصول على الطاقة اللازمة للحركة والعمل، ثم يتجه إلى بعد ذلك إلى حرق واستهلاك أنسجته الداخلية، وعادة يبدأ الجسم باستهلاك الخلايا التالفة أو المريضة أو الهرمة، فإذا عاد لحالته الطبيعية من تناول الطعام عوَّض الجسم هذه الخلايا التالفة أو الضعيفة التي أحرقت واستهلكت بخلايا جديدة قوية نشيطة، فالصيام هنا أشبه بجراح يستأصل من الجسم خلال فترات الصيام الطويلة الخلايا الميتة والضعيفة، ويستبدلها عند العودة لتناول الطعام بخلايا صحيحة قوية، وفي هذا فائدة أيما فائدة للجسم.

    وأثناء فترة الصيام لساعات طويلة يستريح الجسم خلالها من عمليات الهضم والتمثيل الغذائي، ويتوقف فيها بالتالي إنتاج ذرات الأكسجين الحرة ذات التأثير المدمر على خلايا الجسم؛ مما يساعد على الوقاية من الأمراض، ويؤخر من الدخول في مظاهر الشيخوخة، ويفقد الجسم بعضًا من وزنه الزائد، مع استعادة نشاط الجسم وحيويته من جديد.

    ففي بعض التجارب وُجِد أن: تقليل الطعام لبعض الفئران بنسبة الثلث يزيد في أعمارها بنسبة تصل إلى 40 %، وتتأخر لديها علامات ومظاهر الشيخوخة وتتحسن حالتها الصحية البيولوجية بصورة أفضل، فتستطيع أن تعمل بعد ذلك بمعدلات عمل أعلى، ولفترة عمل أطول مقارنة في ذلك كله بالفئران الأخرى التي ظلت طوال فترة التجارب تأكل طعامها المعتاد كاملًا.

    وأثبتت تجارب أخرى: أن الجهاز الهضمي يستريح طوال ساعات الصيام الطويلة من طحن الطعام وتحريكه ونقله ومن الإفراز والهضم والامتصاص، وهذه الراحة تعد بالفعل ضرورية للجهاز الهضمي -ولفترة طويلة نسبيًّا- تتاح للجهاز الهضمي فيها صيانة وترميم نفسه، وتتاح أيضًا: الفرصة لأجزائه المريضة أن تتداوي وتقاوم مرضها؛ هذا إلى جانب استفادة الجسم من الطاقة المتوفرة التي كان يبذلها الجهاز الهضمي طوال ساعات الأكل، إلى جانب تفرغ الكبد لتطهير الجسم من السموم في الدم حيث تزيد نسبة تطهير الكبد لسموم الجسم خلال ساعات الصيام بنحو (25 – 30) %، حيث إنه مع الصيام يتوفر جزء كبير من الدم الذي كان يذهب إلى الجهاز الهضمي عقب تناول الطعام.

    كما وجد أيضًا: أن كثيرًا من حالات الأرق والقلق واضطرابات النوم التي تصاحب البعض؛ بسبب الإفراط في الطعام أو تناول أطعمة غير مناسبة، والتي قد تصل إلى حدِّ الحرمان من النوم الهادئ ليلًا بسبب حموضة في المعدة أو انتفاخ ومغص في الأمعاء ناتج عن عسر الهضم.

    وبالطبع يساعد تلاشي ذلك كله بالصيام على أن ينام الإنسان في هدوء، كما تقل معاناة القلب؛ خاصة عند مرضى القلب حيث يقل العبء على القلب بقلة تعاطي السوائل والشاي والقهوة والماء، والتي تزيد من حجم الدم وتؤدي إلى زيادة العبء على القلب واضطراب ضرباته.

    ولهذه المنافع والفوائد تبلورت فكرة استخدام الصوم كعلاج طبي خاصة للأشخاص الذين يعانون من السمنة والبدانة، وأمراض الجهاز الهضمي المختلفة، وأمراض الجهاز العصبي والسمنة، وأدَّى تراجع هذه الأمراض، بل والشفاء منها بالصيام إلى انتشار المصحات في الغرب التي تعد الصيام المنتظم وسيلة من وسائل علاج الحالات المذكورة، وغيرها.



    ومع كل ما ذكرناه فيما سبق -وذكره كثيرون حول فوائد ومنافع الصيام للأبدان؛ السليمة منها والسقيمة، كل بحسبه- فإننا ننبه على: أن كمالَ هذه الاستفادة مرهون بكمال هذا الصيام، وكمال ما جاء في الإسلام من أحكام وآداب تناول الطعام عامة، وأحكام وآداب الصيام خاصة؛ لذا فعلى كل صائم أن يعلم أن صلاحه الدنيوي والديني هو في التزامه في صيامه بما جاء في الكتاب والسنة في هذا الشأن، مع الاقتداء في ذلك بما ورد من هديه صلى الله عليه وسلم في كل ما يتعلق بهذا الموضوع جملة وتفصيلًا؛ فخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

    قال ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم: (زاد المعاد) في (فصل: في هديه صلى الله عليه و سلم في الصيام) وكأنه معنا الآن وبيننا: (وللصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة، وحمايتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة، التي إذا استولت عليها أفسدتها، واستفراغ المواد الرديئة المانعة له من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات).

    ويضيف: (والمقصود أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة والفِطَر المستقيمة شرعه الله لعباده؛ رحمة لهم، وإحسانًا إليهم، وحمية وجُنَّة. وكان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أكمل الهدي، وأعظم تحصيل للمقصود وأسهله على النفوس).


    وعن هديه صلى الله عليه وسلم في الانتظام في الصيام طوال العام إضافة إلى صيام شهر رمضان يقول ابن القيم رحمه الله: (كان صلى الله عليه وسلم يصوم حتى يقال لا يفطر، ويفطر حتى يقال لا يصوم، وما استكمل صيام شهر غير رمضان، وما كان يصوم في شهر أكثر مما يصوم في شعبان، ولم يكن يخرج عنه شهر حتى يصوم منه).

    وللحديث بقية إن شاء الله.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: سلامة الأبدان في كمال الصيام

    سلامة الأبدان في كمال الصيام (2)



    كتبه/ علاء بكر



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فللانتظام في الصيام طوال العام فوائده ومنافعه، وهو أمر محمود مطلوب من العبد، مرغوب فيه، على أن يكون على أكمل صوم وأتمه، كما وردت أحكامه وآدابه في القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وهذا باب واسع نذكر بعضًا مما يتيسر منه:

    عدم الإسراف في الأكل والشراب:

    وهذا تصديقًا وامتثالًا لقول الله تعالى: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"، وتنفيذًا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم: "بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بد فاعلًا؛ فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسِه".

    ولا يَخْفَى ما في الإفراط في الطعام والشراب للصائم وغير الصائم مِن مَضَارٍّ، فكثرة الطعام والشراب يثقل عمل الجهاز الهضمي، وأثناء عملية هضم الطعام وامتصاصه يتوجَّه جزءٌ كبيرٌ من الدم في الجسم (نحو 25 % من الدم) إلى الجهاز الهضمي، ويقل الدم المتوجه للأطراف والمخ نسبيًّا؛ لذا يشعر الإنسان بعد الإكثار من الطعام والشراب بالوخم وثقل الحركة، وضعف الرغبة في العمل، والميل إلى الكسل، مع قلة التركيز.

    وقد نبَّه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه"؛ ولذا قيل قديمًا: "إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة"، ومع المبالغة في الشبع وامتلاء البطن تكون الدعة والخمول، والرغبة في الازدياد من الشهوات والمتع الحسية، وتنامي الرغبة في الاستجابة لوساوس الشيطان لابن آدم، وفي الحديث المرفوع: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم"، وتقليل الطعام والشراب يضيق مجاريه وحركته؛ ولذا فمع الانتظام في الصيام لأسابيع، وتقليل مرات وكمية الطعام والشراب فيها تتحسن الحالة البدنية والذهنية، وتختفي متاعب الجهاز الهضمي؛ خاصة المعدة والقولون والكبد.

    فإذا واظب العبد على الصيام بهذه الكيفية لأيامٍ عديدةٍ طوال شهور العام: كما في صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع، أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصيام الست من شوال، ويوم عاشوراء، ويوم عرفة لغير الحاج، ونحو ذلك، مع صيام شهر رمضان بأكمله؛ قلل ذلك كله من انطلاق ذرات الأكسجين الحرة في الجسم بأضرارها الجسيمة على جدران الخلايا والدهون والبروتينات، والتي تعجل بظهور مظاهر وأعراض وأمراض الشيخوخة على الإنسان.

    ويزيد من أهمية ذلك: أننا في عصر نتناول من الطعام والشراب، أكثر بكثيرٍ مما نستهلك في الحركة والعمل في ظلِّ عصر التكنولوجيا، والتقدُّم العلمي والتقني؛ مما يورثنا السمنة والبدانة التي أصبحت أحد أكبر مشاكل العصر إلى جانب أمراض البول السكري، والقلب والأوعية الدموية، وارتفاع ضغط الدم؛ هذا في وقت تزايدت فيه السموم الضارة التي تدخل أجسامنا نتيجة تلوث البيئة؛ فالهواء ملوث بعوادم المصانع ووسائل النقل، والمياه ملوثة بتلوث الأنهار، والنباتات ملوثة من الإفراط والتمادي في استخدام المبيدات والأسمدة والكيماويات في الزراعة، حتى زادت بيننا نِسَب الإصابة بالسرطانات، والفشل الكلوي والكبدي بما لم يُعرَف من قَبْل، وصارت فرص النجاة الميسرة والسهلة، وغير المكلفة تتمثَّل في الصيام المنتظِم، وتقليل الطعام وتحسين البيئة، ومنع التلوث بأنواعه، وممارسة الرياضة البدنية.

    الإفطار على الرطب والماء:

    كان من هديه صلى الله عليه وسلم الإفطار بعد صيام يومه على رطبات أو تمر، أو يحسو حسوات من الماء، وهذا فيه من الفوائد الكثير، فعن أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم يكن فعلى تمرات، فإن لم تكن تمرًا حسا حسوات من ماء"، وعن سلمان بن عامر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أفطر أحدكم؛ فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور"، وفي الحديث كمال شفقته صلى الله على أمته ونصحه لهم؛ إذ (عند نهاية مرحلة الصيام -في نهاية يوم الصوم- يهبط مستوى تركيز الجلوكوز والأنسولين من دم الوريد البابي الكبدي، وهذا يقلل بدوره نفاذ الجلوكوز وأخذه بواسطة خلايا الكبد والأنسجة الطرفية: كخلايا العضلات، وخلايا الأعصاب، ويكون قد تحلل كل المخزون من الجليكوجين الكبدي أو كاد، وتعتمد الأنسجة حينئذٍ في الحصول على الطاقة من أكسدة الأحماض الدهنية، وأكسدة الجلوكوز المصنَّع في الكبد من الأحماض الأمينية والجليسيرول) (راجع: مشتاق لرمضان، إيهاب الشريف، وانظر: الرطب والنخلة، د. عبد الله عبد الرازق السعيد).

    وهذا يتسبب في تكوين الأجسام الكيتونية الضارة التي تؤثِّر على حموضية الدم؛ لذا فإمداد الجسم سريعًا بالجلوكوز في هذا الوقت له فوائد مهمة، وفي الرطب والتمر نسبة عالية من السكريات تؤدي هذا الدور ببراعة؛ إذ تتراوح السكريات فيها ما بين 75 و87 % يشكل سكر الجلوكوز 55 % منها، والفركتوز 45 %، ويتحول هذا الفركتوز إلى جلوكوز بسرعة فائقة، ويتم امتصاصه مباشرة من الجهاز الهضمي ليلبي حاجة الجسم من الطاقة؛ خاصة الأنسجة التي تعتمد عليه أساسًا كخلايا المخ والأعصاب، وخلايا الدم الحمراء؛ علاوة على احتواء الرطب والتمر على نسبة من البروتينات والدهون، وبعض الفيتامينات والمعادن المهمة، وعليه يرتفع تركيز الجلوكوز بسرعة في دم الوريد البابي الكبدي فور امتصاصه، ويدخل إلى الكبد أولًا ثم خلايا المخ والدم، والجهاز العصبي والعضلي، وجميع الأنسجة الأخرى التي هيأها الله تعالى لتكون السكريات غذائها الأمثل والأيسر للحصول منها على الطاقة، وعليه يتوقف (تأكسد الأحماض الدهنية فيقطع الطريق على تكون الأجسام الكيتونية الضارة، وتزول أعراض الأعياء والضعف العام والاضطراب البسيط في الجهاز العصبي إن وجدت لتأكسد كميات كبيرة من الدهون، كما يوقف تناول الجلوكوز عملية تصنيع الجلوكوز في الكبد، فيتوقف هدم الأحماض الأمينية، وبالتالي حفظ بروتين الجسم) (المصدر السابق).

    (وعلى العكس من ذلك لو بدأ الإنسان فطره بتناول المواد البروتينية أو الدهنية؛ فهي لا تُمتص إلا بعد فترة طويلة من الهضم والتحلل، ولا تؤدي الغرض في إسعاف حاجة الجسم السريعة للطاقة؛ فضلًا عن أن ارتفاع الأحماض الأمينية في الجسم نتيجة للغذاء الخالي من السكريات -أو حتى الذي يحتوي على كميات قليلة منه- يؤدي إلى هبوط سكر الدم؛ ولهذا يمكن أن ندرك الحكمة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإفطار على التمر، واستحبابه كذلك في السحور) (المصدر السابق)، ففي حديث أبي هريرة المرفوع: "نعم سحور المؤمن التمر".

    وينبغي أيضًا: تجنب تناول الماء بغزارة في بداية الفطر الصيام، فيكفي أن يحسو العبد حسواتٍ من الماء، كما كان هديه صلى الله عليه وسلم، وهذا يذهب الظمأ ويطفئ حرارة الصوم، ويعد وينبِّه المعدة لاستقبال الطعام بعد طول توقف، ففي الحديث: "حسا حسوات من ماء"؛ يقال: حسا الرجل الحساء، أي: تناوله جرعة بعد جرعة، والحسوة: ملء الفم مما يحسى. والحسوة: الشيء القليل.

    ومن أحكام الإسلام وآدابه التي فيها سلامة الأبدان وقوتها، وكمال استفادتها من الصوم دون الإضرار بالبدن:

    تعجيل الإفطار ومنع الوصال:

    فمِن السنة: تعجيل الصائم تناول إفطاره، وترك وصال الصيام عقب نهاية وقته بدخول الليل، ومعلوم أنه بعد ساعات الصيام الطويلة خاصة في فصل الصيف أو مع شدة الحر، أو عقب يوم من العمل الكثير المرهق يحتاج المرء إلى سرعة رفع معدل الجلوكوز المنخفض في الدم من جهة، وسرعة إيقاف آلية إنتاج الجسم للأجسام الكيتونية الضارة الناتجة من الحصول على الطاقة اللازمة للجسم من حرق الأحماض الدهنية والأمينية من جهة أخرى؛ لذا فمن الأهمية بمكان تعجيل الفطر، وأن يتناول الصائم بعض الأغذية الغنية بالسكريات البسيطة مع جرعات من الماء قبل أن يصلي صلاة المغرب.

    ونظرًا لحاجة جسم الصائم للطعام فقد أثبتت التجارب العلمية أن درجة امتصاص جسم الصائم للطعام تكون عالية جدًّا في ذلك الوقت؛ لذا فهو يستفيد استفادة كاملة من كلِّ ما يتناوله عقب دخول وقت الإفطار، ولذا فهو لا يحتاج إلى كثيرٍ طعامٍ وقتها بقدر كون هذا الطعام غنيًّا بالسكريات؛ ولهذا ينصح الصائم بالاكتفاء بكميات قليلة من الطعام في إفطاره لكونها ستكون كافية مع سرعة وقوة الهضم والامتصاص لتحقيق التوازن المطلوب للجسم بسرعة، وتلاشي نتائج وآثار الصيام لساعات طويلة، بينما تسبب كثرة تناول الطعام في الإفطار حالة من الامتلاء والتخمة والخمول.

    تناول طعام السحور متأخرًا:

    من الأمور التي تخفف عن الجسم معاناة الصيام نهارًا تناول وجبة السحور ليلًا قبل أذان الفجر، وتأخير هذه الوجبة إلى قرب الأذان الصادق، ولا يخفى ما في ذلك من منافع؛ خاصة مع أخبر به النبي صلى الله من بركة السحور.

    ويظهر أثر ذلك جليًّا في الفارق بين مَن صام ويصوم من غير سحور، وبين من صام ويصوم مع السحور، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن السحور بركة أعطاكموها الله فلا تدعوها"، وقال: "إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين"، وقال: "تسحروا ولو بجرعة من ماء"، وقال: "نعم سحور المؤمن التمر".

    المداومة على استعمال السواك:

    السواك عود من الأراك ونحوه تدلَّك به الأسنان ليذهب الصفرة ونحوها، ويستعمل في كل وقت، وهو أوكد في وقت الوضوء والصلاة، ففي الحديث: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، وأيضًا: "السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب".

    وهو مِن سنن الفطرة، ويجوز في الصيام وغير الصيام، في أول اليوم أو آخره؛ لعموم الأدلة، قال ابن القيم: (وفي السواك عدة منافع: يطيب الفم، ويشد اللثة، ويقطع البلغم، ويصح المعدة، ويصفي الصوت، ويعين على هضم الطعام، ويسهل مجاري الكلام، وينشط للقراءة والذكر والصلاة، ويطرد النوم، ويرضي الرب، ويعجب الملائكة، ويكثر الحسنات) (زاد المعاد).

    ويضيف ابن القيم: (ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث، ولحاجة الصائم إليه؛ لأنه مرضاة للرب، ومرضاته مطلوبة في الصوم أشد من طلبها في الفطر؛ ولأنه مطهرة للفم، والطهور للصائم من أفضل أعماله، وأجمع الناس على أن للصائم أن يتمضمض وجوبًا واستحبابًا، والمضمضة أبلغ من السواك. والسواك لا يزيل الخلوف -أي: رائحة خلوف فم الصائم- فإن سببه -أي: الخلوف- قائم، وهو: خلو المعدة من الطعام، وإنما يزول أثره، وهو المنعقد على الأسنان واللثة أيضًا؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم علَّم أمته ما يستحب لهم في الصيام وما يكره لهم، ولم يجعل السواك من القسم المكروه، وهو يعلم أنهم يفعلونه، وقد حضهم عليه بأبلغ ألفاظ العموم والشمول، وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مرارًا كثيرة تفوت الإحصاء، ويعلم أنهم يقتدون به، ولم يقل لهم يومًا من الدهر لا تستاكوا بعد الزوال، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع) (المصدر السابق). قال الشوكاني: (والحق أنه يستحب السواك للصائم أول النهار وآخره، وهو مذهب جمهور العلماء) (نيل الأوطار).

    ويعد استخدام السواك مفيدًا لنظافة الفم والأسنان، إلى جانب الفوائد والمنافع الأخرى على الفم والأسنان؛ فالصيام: يعطي الفرصة لراحة الأنسجة المخاطية للفم من تلقي الإفرازات الهاضمة التي تطلقها الغدة اللعابية الفمية، كما يُوجِد الصيام الفرصة لبعض الخمائر الموجودة ضمن المفرزات اللعابية داخل الفم للقضاء على الجراثيم التي إذا تركت تحدِث بعض أمراض اللثة، وقد تسبب تخلخل الأسنان، كما تعطى الفرصة خلال الصيام لأنسجة الفم الرخوة التي تكون قد جرحت بتأثير الأطعمة الخشنة لترمم نفسها جيدًا بعيدًا عن الحوامض التي ينتجها الطعام في الفم.

    كما تعطى الفرصة لفوهات أقنية الغدد اللعابية داخل الفم، وهي بالملايين لتأخذ بعض الراحة من عملها الدؤوب المستمر، مع ارتياح الأنسجة اللينة في باطن الفم واللسان من التعرُّض وامتصاص قطران السجائر وترسبه على اللثة، وقاع الفم وما بين الأسنان، وبالتالي تقليل فرص الإصابة بالسرطان في الفم والحنجرة والرئتين (مشتاق لرمضان).

    ولا يخفى أن شهر رمضان فرصة ذهبية لكلِّ المدخنين للإقلاع عن التدخين نهائيًّا، والتخلص من رائحة الدخان الكريهة المزعجة، وذلك بالصبر على ترك التدخين ليلًا -وهو أهون- كما تركه طوال ساعات النهار الطويلة -وهو أصعب- وكان فيها معظم أعماله ونشاطه.

    تجنب الغضب والانفعال والصخب والمخاصمة:

    فمِن آداب الصيام: ترك اللغو والصخب والرفث والجهل، واجتناب الغضب من باب أولى، والغضب منهي عنه في رمضان وغيره، وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم"، وفي الحديث: أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: "لا تغضب"، فردد مرارًا، فقال: "لا تغضب"، وفي الصحيحين من حديث سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه مغضبًا قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول النبي صلى الله عليه و سلم؟! قال: إني لستُ بمجنون. وفي الحديث: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب".

    و ذلك أنه (إذا اعترى الصائم غضب، وانفعل وتوتر؛ ازداد إفراز الأدرنالين زيادة كبيرة، وقد يصل إلى 20 أو 30 ضعفًا عن معدله العادي أثناء الغضب الشديد أو العراك، فإن حَدَث هذا في أول الصوم أثناء فترة الهضم والامتصاص يؤدي إلى اضطراب هضم الغذاء وامتصاصه -زيادة على الاضطراب العام في جميع أجهزة الجسم-؛ ذلك لأن الأدرنالين يعمل على ارتخاء العضلات الملساء في الجهاز الهضمي، ويقلل من تقلصات المرارة، ويعمل على تضييق الأوعية الدموية الطرفية، وتوسيع الأوعية التاجية، كما يرفع الضغط الدموي الشرياني، ويزيد كمية الدم الواردة إلى القلب وعدد دقاته.

    وإذا حدث الغضب والشجار في منتصف النهار أو آخره أثناء فترة ما بعد الامتصاص تحلل ما بقي من مخزون الجليكوجين في الكبد، وتحلل بروتين الجسم إلى أحماض أمينية، وتأكسد المزيد من الأحماض الدهنية؛ كل ذلك ليرتفع مستوى الجلوكوز في الدم فيحترق ليمد الجسم بالطاقة اللازمة في حال الشجار والعراك، وكذا تستهلك الطاقة بغير ترشيد، كما أن بعض الجلوكوز قد يفقد مع البول إن زاد عن المعدل الطبيعي، وبالتالي يفقد الجسم كمية من الطاقة الحيوية المهمة في غير فائدة تعود عليه، ويضطر إلى استهلاك الطاقة من الأحماض الدهنية التي يؤكسد المزيد منها.

    وقد تؤدي إلى تولد الأجسام الكيتونية الضارة في الدم، كما أن الازدياد الشديد للأدرينالين في الدم يعمل على خروج كميات كبيرة من الماء من الجسم بواسطة الإدرار البولي، كما يرتفع معدل الاستقلاب الأساسي عند الغضب والتوتر نتيجة لارتفاع الأدرينالين والشد العضلي، وارتفاع الأدرينالين قد يؤدي لنوبات قلبية أو موت الفجاءة عند بعض الأشخاص المهيئين لذلك؛ نتيجة لارتفاع ضغط الدم وارتفاع حاجة عضلة القلب للأكسجين من جراء ازدياد سرعته، وقد يتسبب الغضب أيضًا في النوبات الدماغية لدى المصابين بارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين، كما أن ارتفاع الأدرنالين نتيجة للضغط النفسي في حالات الغضب والتوتر يزيد من تكون الكوليسترول من الدهن البروتيني منخفض الكثافة، والذي قد يزداد أثناء الصوم، وثبتت علاقته بمرض تصلب الشرايين؛ ولهذا وغيره -مما عُرِف ومما لم يُعرَف- وصَّى النبي صلى الله عليه وسلم الصائم بالسكينة وعدم الصخب والانفعال، أو الدخول في عراك مع الآخرين) (مشتاق لرمضان).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •