صنع في رمضان!
كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فرمضان يصنعك: صناعة تجدد الإيمان، وتهيئ الإنسان للفوز بالرضوان، والعتق من النيران، صناعةُ تُصلِح القلوب وتُعالِج العيوب، صناعة تأذن لظلمة القلب أن ترحل، ولنور الإيمان أن يبزغ، ولربيع القلب أن يتدفق.
ففي شهر رمضان تتجلَّى تلك الغيوم القابعة على قلوبنا طيلة العام، فما مِن قلبٍ إلا وله سحابة كسحابة القمر تظلمه، فيحتاج إلى نور الإيمان كي يبدده، كما في الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر بينما القمر مضيء إذ علته سحابة فأظلم إذ تجلت عنه فأضاء".
وها هو شهر رمضان قد جاءنا ليحقق التقوى في نفوسنا بصناعة قرآنية: "يا أيها الذين آمنوا كُتِب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، فالتقوى درة مفقودة، وغاية منشودة من أجلها شُرع الصيام، ومن أجلها حُقَّ لنا أن نسعى لصلاح قلوبنا قبل أبداننا، فالتقوى محلها القلب كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره ثلاث مرات قائلًا: 'التقوى ها هنا".
ولذلك يعد هذا القلب هو محط الاهتمام الأول الذي يجب العناية به من أول يوم في رمضان؛ فبصلاحه يستقيم الإيمان، ويُصنع الإنسان على ما يرضي الرحمن؛ فنفوز حينئذٍ بالسعادة والرضوان، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يستقيم إيمانُ عبدٍ حتى يستقيم قلبه"؛ ولذلك فالمؤمن الصادق العاقل يجب أن يستغل هذا الشهر ببركاته ورحماته، وما فيه من طاعاتٍ في علاج ظلمة قلبه؛ لا أن يشغل نفسه فيه بما يُخططه له أعداء الأمة عبر أبواقهم الذين يأبون إلا أن يضيعوا تلك الفرصة على أبناء الأمة، ويريدون طبقًا لمخططات أسيادهم في الغرب أن يغرقوا أبناء الأمة في مستنقعات المسلسلات الرمضانية المدمِّرة للأخلاقيات والقِيَم والسلوكيات، والمُبْعِدَة لهم عن العودة إلى ربِّ الأرض والسماوات!
فسبحان الله!
الله العزيز الكريم الرحيم، يفتح لعباده أبواب جنانه في رمضان وييسر لهم سبل صلاح القلب، والعتق من النيران، ويغلق أبوابها دونهم، بينما أبواق أعداء الأمة يأبون إلا أن يصدوهم عن أسباب نجاتهم، ويمعنون في فتنتهم وتضييعهم، وتشكيكهم في أحكام دينهم!
وصدق الله تعالى إذ يقول في كتابه الكريم: "وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا"؛ فلننتبه لتلك الفرصة التي سرعان ما تنفلت من أيدينا -وقد مرَّ الثلث والثلث كثير-، فرمضان كما قال الله: "أيامًا معدودات".
فلنحرص على السبق في هذه الأيام، وأولى السبق هو سبق القلب إلى الله؛ الذي به يطيب المقام، ويستقيم الإيمان، وتحصل ثمرة الصيام والقيام والقرآن.
ولنحرص على قلوبنا مِن أسهم أعدائنا، ولنحفظها بغض أبصارنا، وحفظ ألسنتنا، وصيانة ديننا.
فاللهم خذ بأيدينا إليك، وأقبِل بقلوبنا عليك، وارزقنا قلوبًا مخمومة -أي: نقية-، وألسنة صادقة، واكتب لنا رضوانك، والعتق من نيرانك، والفوز بالدرجات العلا من جنانك.
اللهم آمين.