تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: أسئلة المؤمنين

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي أسئلة المؤمنين




    أسئلة المؤمنين(1)


    الأستاذ مجاهد ديرانية









    لحكمة يعلمها الله



    هل ينتصر الخير حتماً؟ لماذا سمح الله بوجود الشر؟ كيف يكون في الشر خير؟ لماذا يسكت الله عن الظلم ويمد في آجال الظالمين؟ لماذا يموت الأخيار مبكرين؟ ما سبب البلاء؟ لماذا لا يُستجاب الدعاء؟ إذا كنا متوكلين على الله حقاً فلماذا نطلب المساعدة من الناس؟ هل الإسلام دين خيالي غير قابل للتطبيق؟ إذا قامت دولة الحق فهل تبقى أبداً؟ لماذا نُتعب أنفسنا من أجل انتصار لا يدوم؟



    الأسئلة السابقة ليست جديدة، لكن المؤمنين يطرحونها اليوم كما لم يطرحوها من قبل، فقد ثقل الحِمْل على الناس وطالت المحنة فأثارت مكنونات النفوس، فأمسى كثيرون فرائسَ للقلق والهواجس، وباتوا حَيارَى يبحثون عن أجوبة مقنعة تُطمئن نفوسهم القلقة وتحفظ عليها الإيمان واليقين.



    لعلكم لاحظتم أنني جمعت الأسئلة كلها تحت عنوان واحد: "أسئلة المؤمنين"، لأن جوابها لا يمكن تقديمُه ولا يمكن فهمه إلا باللغة التي يعرفها ويفهمها المؤمنون، فمَن لم يؤمن بالإسلام ابتداءً أو شكّ في نصوصه وتصوره للإنسان والحياة والوجود فلن تنفعه هذه الأجوبة، ولا أظن أنه سيجد غيرها أبداً في أي مكان.



    * * *



    "لحكمة يعلمها الله". كثيراً ما يسأل المبتلَون بأنواع البلاء: لماذا يا ربّ؟ فلا يجدون جواباً سوى تلك الكلمات، فيطمئنون زماناً ويسكتون، لكن البلاء يستمر ويتعاظم فيدفعهم إلى السؤال من جديد. وما تزال الأسئلة تعصف بأذهانهم القلقة فيكررون السؤال مرة بعد مرة، ويسمعون الجواب نفسه في المرات جميعاً، وذات يوم يبلغ الاحتمال بأحدهم غايتَه فيصرخ غاضباً: ما معنى لحكمة يعلمها الله؟ ما هذه الحكمة التي لم يعرفها ولا يفهمها أحدٌ من الناس؟



    الذين بلغ بهم اليأس والغضب هذا المبلغ هم الذين أقصّ عليهم هذه القصة.



    أخذني أبي ذات يوم إلى المدرسة وأنا في الرابعة، لم آلَفْ فراق الأب والأم ولم آنَس إلى الأغراب، ثم تركني ومضى. ما زلت أذكر صورة ذلك اليوم الحزين من وراء حجاب السنين؛ خمسٌ وخمسون سنة لم تُنسِني رهبته وكآبته. أُغلِق الباب على عشرين طفلاً من المخلوقات الرقيقة الضعيفة، ونظر الصغير حوله فرأى وجوهاً غريبة لا يعرفها، فاندفع إلى الباب يريد فتحه واللحاق بالأب الذي اختفى وتركه وحيداً بين الغرباء. وكذلك صنع كل واحد من الأطفال، فما كان من المعلّمة إلا أن جَرّت الطاولة فوضعتها وراء الباب، ثم جلست فوقها فأغلقت طريق النجاة الوحيد إلى عالم الحرية والأمان!



    أمضى الأطفال وقتاً طويلاً بالبكاء، ربما اليومَ بطوله، حتى عاد الآباء فحرروهم من الحبس ورفعوا عنهم البلاء. لكنّ الغدَ كان محمَّلاً بالمزيد من تلك الآلام، وغداةَ الغد والذي بعده وبعده... وفي كل يوم يتشبث الطفل بأبيه، لكنّ أباه يُسْلمه إلى الكرب المُضني ويمضي. لماذا يا أبتِ؟ لحكمة ستعلمها يا صغيري ذات يوم.



    وجاء اليوم الذي انكشفت فيه الحكمةُ فعرفها الصغير.



    * * *



    ما كل عمل يعمله الكبار يفهم حكمتَه الصغار، ولكنهم يَقبلون ويسكتون ويطمئنّون لأنهم يشعرون أنهم في أيد أمينة، رغم أن الفرق بين عقل الصغير وعقل الكبير هو فرقُ الأضعاف المفردة، ثلاثةُ أضعاف أو خمسةٌ أو عشرة. ولتكن مئةَ ضعف، ولتكن ألفاً، فهل فكرتم قَطّ بالفرق بين علم المخلوق وعلم الخالق؟ بين حكمة الخالق وحكمة المخلوق؟



    إن الأبوين يطالبان صغيرَهما بالاستسلام لرأيهما لأنهما على يقين أنهما أعلم بما هو صالح له، وهما واثقان من محبتهما له ورحمتهما به، فلن يختارا له إلا الخير. وما نسبةُ علمهما بخير الصغير إلى علم الخالق بخير المخلوق؟ لماذا يرضى الواحد منا لنفسه بأن يهيمن على حياة الطفل الصغير ولا يرضى أن يهيمن عليه ويختار له قدرَه الربُّ الرحيمُ الحكيم العليم؟



    لماذا أتجرأ وأنا الأب فأقول لولدي الصغير وهو يتجرّع الدواء المُرّ: ثق بي وتجرّعْه، فإن وراء مرارته الظاهرة ما لا تعلمه من الخير والنفع والشفاء. لماذا أقول لولدي ذلك ثم ألتفت إلى ربي متسخّطاً غاضباً وأقول: لماذا كتبت عليّ الشقاء والألم في هذه الدنيا يا ربّ؟ أين رحمتك؟ أين عدلك؟ أين محبتك ورأفتك بعبادك المؤمنين؟




    * * *



    يا أيها المؤمنون: إما أن تؤمنوا بالله كما وصف الله نفسه في قرآنه الكريم، فهو الرب العليم الرحيم الكريم الخبير القدير، وعندئذ سترفعون إلى السماء رؤوسكم كلما أصابكم البلاء فتقولون: شكراً يا رب، فأنت أعلم بما يصلح لنا ولن تختار لنا إلا الخير. أو تؤمنوا بإله غيره، معاذ بالله.



    نعم، إنّ هذه الجملةَ جوابٌ للمؤمنين الذين تُلحّ على عقولهم القلقة تلك الأسئلةُ وأمثالها، ولكنّ لها أيضاً أجوبةً أخرى أرجو أن يجدوا فيها الرضا والاطمئنان. التفاصيل في بقية حلقات هذه السلسلة، فادعوا لي بالبركة في الوقت لكتابتها ونشرها في هذا الشهر الفضيل.





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: أسئلة المؤمنين


    أسئلة المؤمنين(2)


    الأستاذ مجاهد ديرانية

    هل ينتصر الخير دائماً؟





    قطعاً، لا أشك في ذلك أبداً، وما شككت فيه منذ عقلت وآمنت، فإن الشكّ في انتصار الخير هو شَكٌّ في عدل الله، والشك في عدل الله كالشكّ في وجوده. أليس من أسماء الله جَلّ جلاله "المُقْسط"؟ وما المقسط؟ هو الذي "ينتصف للمظلوم من الظالم" كما قال الإمام الغزالي في "المقصد الأسنى".



    * * *



    إنّ من الناس من أصابه الإحباط مما يراه من ضَعف أهل الحق وقوة أهل الباطل، ومنهم مَن شكّ في عدل الله وقدرة الله، وربما شك بعضهم في وجود الله فقال: لو كان الله موجوداً لانتصف للمظلوم من ظالمه ولوقَفَ البغيَ والظلمَ والعدوان. أستغفرُ الله من رواية ما يقولون.



    ولكنْ مهلاً يا قوم! إنما مَثَل من يقول ذلك كمثل رجل ذهب لمشاهدة مسرحية من ثلاثة فصول، فلما أُسدلت الستارة في نهاية الفصل الأول قام مُغضَباً وغادر المسرح قائلاً: يا لها من مسرحية سخيفة! كيف قَبِل كاتبُها ومخرجها بأن ينتصر الأشرار والظالمون؟



    سيقول له العقلاء المدركون من النظّارة، من المشاهدين: مهلاً يا هذا. انتظر قليلاً، فعمّا قليل سترتفع الستارة مرة أخرى ونشهد الفصل الثاني، ثم تنزل الستارة وترتفع من جديد في الفصل الثالث والأخير. فكيف أجزت لنفسك أن تحكم على المؤلف والمخرج من مشاهدة جزء صغير قصير من مسرحية طويلة متكاملة؟ هلاّ انتظرت لحظة الختام؟



    * * *



    يا أيها الناس: إن الحياة التي نحياها في هذه الدنيا هي أول الفصول وأقصر الفصول. إنكم ترونه فصلاً طويلاً لأنكم لا تعلمون ما بعده، فإذا انتقلتم إلى الحياة الثانية في البرزخ رأيتم ما قبله كرحلة يوم أو بعض يوم، كاستراحة مسافر نزل بشجرة فاستظل بظلها كما شبّهها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو العليم بها وبما بعدها من فصول.



    البرزخ حياة طويلة ينعَم فيها الصالحون ويشقى الطالحون: {النار يُعرَضون عليها غُدوّا وعَشياً}. ثم ينتقل الجميع إلى الفصل الثالث والأخير، الفصل الطويل الطويل الذي لا نهايةَ له، حيث يطبَّق قانون العدالة الكاملة على المجرمين الذين نجوا من عدالة الدنيا الناقصة، فيعاقَبون بالعذاب الأبدي السرمديّ في نار الجحيم.



    المؤمنون يعلمون ذلك كله فيطمئنون، أما الذين شكّوا في المَعاد والحساب أو أنكروه فإنهم سيعيشون أبداً في اكتئاب، لأن فطرة الخير التي جُبلوا عليها تنكر ما يرونه في الدنيا من ظلم وطغيان، والقدرات المحدودة التي يملكونها تَحول بينهم وبين تغيير هذا الواقع الكئيب، وهم يظنون أنه نهاية الطريق.



    * * *



    قرأت قوله تعالى: {إنّا لنَنْصُر رسلَنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} فعلمت أنه يقين. ولكنْ كيف نُصِر أنبياء الله وفيهم من أُخرج ومن قُتل؟ أجاب الطبري عن هذا السؤال في تفسيره بجواب عام فقال إن المراد هو "الانتصار لهم ممّن آذاهم، سواء أكان ذلك في حضرتهم أو غيبتهم أو بعد موتهم"، وإلى ذلك ذهب أكثر المفسرين.



    على أنني أرى في هذا التفسير تكلّفاً وتعارضاً مع الواقع الحاضر ووقائع التاريخ، فالنص يقطع بنصر الله للمؤمنين، والله لا يُخلف وعده، لكننا ننظر فنرى أن الباطل هزم الحق في جولات كثيرة على مَرّ الزمان وأن المؤمنين لم ينتصروا على عدوهم في كل حال، فلزم أن المقصود هو "الانتصار المعجَّل" في الحياة الدنيا أو "الانتصار المؤجَّل" في الآخرة يوم يقوم الأشهاد.



    هذا المعنى تحتمله الآية لأن الواو تأتي بمعنى "أو" عند الكوفيين، كقوله تعالى في سورة فاطر: {أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع}. ونجد المعنى نفسه في وعد الله للمؤمنين بالعاقبة، فالسياق القرآني يفسّرها بالانتصار الدنيوي مرة والانتصار الأخروي مرة؛ قال تعالى: {استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين} وقال: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوّاً في الأرض ولا فساداً، والعاقبة للمتقين}.



    * * *



    كم مضى على طاغية الشام وهو مستمر في الظلم والجبروت؟ لو أنه وقع اليوم في يد الثوار فقطّعوه ألف قطعة ونثروا أشلاءه ومِزَقَه في طول سوريا وعرضها لبردت أكبادٌ واطمأنت قلوب. إننا نرضى ونطمئن إذا شاهدنا هذا المصير بعين البصر، ولو آمنّا بالله حق الإيمان لأبصرنا بعين البصيرة مصيراً أشدَّ منه وأقسى بما لا يُقاس، في يومٍ يزول فيه كل مُلْك وتضمحل كل قوة فلا يبقى إلا ملك الله وقوة الله، يومٍ ينادي فيه المنادي: لمَن الملك اليوم؟ فيأتي الجواب الحاسم: لله الواحد القهار. في ذلك اليوم يُصفّى الحساب، فيه ينتقم الله من الظالمين.




    إن الذين يملكون اليقين الكامل بأننا راجعون كلنا إلى الله، والذين يوقنون بقدرة الله وعدل الله، أولئك يعيشون مطمئنين لأنهم يعلمون علم اليقين أن الخير منتصرٌ في النهاية لا محالة، وأن أحداً من المجرمين لن ينجو من عقاب الملك المنتقم الجبّار.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •