مسائل في ضرب الزوجات


بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نعم، لقد زاد اللغط في موضوع ضرب الزوجات ما بين مدافع عن الإسلام في تفسير آيات الله دون فهم تارة، أو بالرأي تارة أخرى، وأن الإسلام لم يأمر بضرب الزوجة، وأن الضرب بمعنى الفرقة، وما أشبه، وبين معارض ومدافع عن حقوق الإنسان، ويتهم الإسلام بالعنف ضد المرأة..

والدين أخي الكريم لا ميوعة فيه؛ أي هنالك أمر بضرب الزوجة، نعم، ولكن علينا أن نفهم الآية التي جاء ذكر الضرب فيها، حتى تستنير عقولنا، وتُزال أي شبهة في هذا الأمر؛ قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34].

وفي تفسير الآية المباركة: [إن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي لطم وجهي، فقال: بينكما القصاص، فأنزل الله تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114]، وأمسك النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ...} [النساء: 34]، فقال صلى الله عليه وسلم: «أردنا أمرًا وأراد الله غيره» [1].

نعم، فعندما يريد الله عز وجل لك شيئًا، فاعلم أنه خير دائمًا وأبدًا.

ما معنى النشوز لغويًّا، واصطلاحيًّا:
النشوز؛ أي: الارتفاع، ومنه قيل للمكان المرتفع من الأرض: نشز ونشاز[2].

واصطلاحًا تطلق هذه الكلمة على المرأة إذا كانت مخالفة لزوجها فيما يأمرها به، وكانت معرضة عنه غير طائعة له مستعلية عليه، مستخفة بحقه.

النشوز في قانون الأحوال الشخصية:
النشوز يا سيدي طبقًا للمادة رقم 6 من قانون الأحوال الشخصية المصرية، قد ألزم الزوج بواجبات منها النفقة، وتوفير المسكن للزوجة، وفي مقابل الطاعة من قبل الزوجة، وإن امتنعت دون سبب مبرر تكون ناشزًا، وحكم النشوز يؤكد خطأ الزوجة ويسقط النفقة، ويرد المهر للزوج، ومن مظاهر النشوز طبقًا للقانون حالات عديدة، اختصرت لكم تلكم المادة فقط وهي: (تعد الزوجة ناشزًا في حالة الذهاب إلى أشخاص قد منعها زوجها عنهم، أو في حالة إدخال أشخاص إلى منزله في حالة رفضه لذلك)[3].

قال ابن قدامة رحمه الله:
(معنى نشوز الزوجة؛ أي معصيتها لزوجها فيما له عليها، فمتى امتنعت من فراشه، أو خرجت من منزله بغير إذنه، أو امتنعت من الانتقال معه إلى مسكن مثلها، أو من السفر معه، فلا نفقة لها ولا سكنى، في قول عامة أهل العلم، انتهى[4].

هنا في حالة نشوز الزوجة وعدم التزامها بأمر زوجها في شرع الله، فعليه الاختيار على أن يطلقها، أو يعالج ذلك شرعًا؛ كما قال تعالى في الآية المباركة، كما تقدم..

وهو الوعظ، ثم الهجر، وإن لم ترجع عن نشوزها؛ علوها على زوجها، وعصيانها له، فله أن يضربها ضرب الأدب غير المبرح؛ نعم كما قال ابن عباس رضي الله عنه يضربها بالسواك مثلًا أو ما أشبه، والغرض التأديب والزجر.

فعظوهن أي بكتاب الله.
وذكروهنَّ ما أوجب الله عليهنَّ من حسن الصحبة وجميل العشرة للزوج.
واهجرهنَّ في المضاجع هو أن يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها.
إذًا جاءت العظة، والتذكير، وجاء الهجر وبعد ذلك جاء الضرب.
فاضربوهنَّ، والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح، كما تقدم، وهو الذي لا يكسر عظمًا ولا يشين جارحة، فإن المقصود منه الصلاح لا غير.
وقد يسأل سائل: ومن أين أتيت بهذا التبيان؟
نعم من تفسير القرآن بالسنة..

فكما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية أداء الصلاة والحج وغيرها من العبادات التي ذكرت في القرآن الكريم بغير بسط، فهنا يبسط ويبيِّن صلى الله عليه وسلم طريقة الضرب ومتى يكون الضرب، فقال صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: «... اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتُم فروجهنَّ بكلمة الله، ولكم عليهنَّ ألا يوطئنَ فُرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهنَّ ضربًا غير مبرح»؛ (الحديث[5]).

إذًا لننتبه فلا بد أولًا أن نتقي الله في النساء، فقد أصبحنَ زوجات لكم، بماذا؟ بأمانة الله؛ أي عهده، واستحللتم فروجهن بماذا؟ بكلمة الله؛ أي بالميثاق والعقد الشرعي.

ولكم عليهنَّ ألا يوطئنَ فُرشكم أحدًا تكرهونه، والمقصود بألا يوطئن فرشكم؛ (أي: لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم، والجلوس في منازلكم، سواء أكان المأذون له رجلًا أجنبيًّا، أو امرأة، أو أحدًا من محارم الزوجة، فالنهي يتناوله جميع ذلك)[6].

وهذا حكم المسألة عند الفقهاء، وكما جاء نصه أيضًا بقانون الأحوال الشخصية.

بالله عليكم، إذا لم تلتزم الزوجة هنا بطاعة الزوج وأدخلت بالبيت رجلًا أو امرأة يكره الزوج وجوده، وتَمَّ وعظُها ولم ترجع، ثم هجرها، فاستعلت! أليس للزوج هنا حقٌّ في تأديبها وإصلاحها إن أراد الإمساك بها وخاصة إن وُجد أطفال!! وقوله تعالى: {فإن أطعنَكم}؛ أي تركوا النشوز، فلا تبغوا عليهنَّ سبيلًا؛ أي لا تجنوا عليهنَّ بقول أو فعلٍ، وهذا نهي عن ظلمهن بعد تقرير الفضل عليهنَّ والتمكين من أدبهنَّ.

وقوله تعالى: {إن الله كان عليًّا كبيرًا}، انتبه أخي الكريم يرحمك الله، فهذا تهديد منه سبحانه وتعالى للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهنَّ.

هذا هو ديننا الحنيف دين الإسلام، فالحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا،
وجزاكم الله خيرًا على حسن متابعتكم.


[1] أحكام القرآن الكريم تفسير القرطبي.

[2] لسان العرب.

[3] من قانون الأحوال الشخصية المصرية.
[4] المغني لابن قدامة.

[5] صحيح مسلم.
[6] شرح النووي.





منقول