هل شغلتنا أموالنا وأهلونا؟
أمين صادق الرفاعي
إن طريق الدعوة إلى الله -تعالى- طريق صدق وحق، طريق مليء بالتضحية والفداء، لا يمكن للداعية أن ينشغل بنفسه أو بأهله أو بماله عن رسالته ودعوته، ولا يعني هذا أن يهمل نفسه أو أهله، بل من الواجب عليه الاهتمام بنفسه وأهله ودعوتهم؛ فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ..».
لكن حين أن يكون هذا عذرًا من أعذار المخلفين والمتكاسلين عن رسالتهم ودعوتهم، الذين يتشاغلون بأنفسهم ويعتذرون بأهلهم، فاعلم أن الأمر هنا مختلف تمامًا، وأن هذه الأعذار ظاهرها العذر وباطنها الغدر، ولهذا الله -تعالى- كشفها فقال: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}، وقال -سبحانه- في نهاية الآية: {بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}، أي أن الله -تعالى- لا تخفى عليه خافية من أعمالكم أيها المنافقون، وهو خبير بأعمالكم وأمراض قلوبكم وأعذاركم الكاذبة.
ثم ذكر الله -تعالى- بعد هذه الآيات ثناءه ورضاه عن أولئك الصادقين الذين لم يعتذروا ولم يتخلفوا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آية من أعظم البشارات لهم ولأهل الصدق من بعدهم؛ حيث بين -سبحانه- أنَّ الصدق مع الله وعدم التخلف عن مواطن الحق والثبات عاقبته رضا الله -تبارك وتعالى- قال -سبحانه-: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} أي ما في قلوبهم من الصدق، فتأمل هذا المعنى الدقيق وهذه الصفة وقارنهما بما قبلهما بإخباره -سبحانه- عن المنافقين كيف كشفهم؟ وهنا كيف زكاهم وكيف أثابهم؟.
إن الأنبياء وأتباعهم كان لهم أهل وأبناء، لكن لم يعتذروا يومًا بهم وبمشاغلهم الخاصة وأعباء الحياة، وإلا لما قامت دعوة ولا بُلّغت رسالة، بل إن نبي الله إبراهيم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- لما ترك أهله نادته أمنا هاجر لمن تتركنا؟ لم يلتفت؛ لأنه مأمور، ولم ينسهم أيضا، بل دعا لهم بالحفظ وإقام الصلاة قال: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}، وهكذا يجب أن يكون الداعية إلى الله لا يشغله عن همه الأكبر ورسالته أي شيء، لكنه لا ينسى أهله من دعوته ودعائه.
وذكر الله موسى مع أهله فقال الله -تعالى-: {إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا}، وهذا الذكر للأهل فيه لفتة أن هؤلاء الأنبياء كان لهم أهل كما أن لنا أهلا، والرابط بين نبي الله إبراهيم وموسى -عليها وعلى نبينا وسائر الأنبياء الصلاة والسلام- أنهم حفظوا وما ضيعوا، وقاموا ولم يعتذروا بأهلهم، بل ساروا معهم وبهم.
إن الدعوة إلى الله -تعالى- شرف كبير واصطفاء من الله -تعالى- لك أيها الداعية والمربي؛ فإياك أن تتشاغل عنها! وإلا فإن الله غني عنك، وسيستبدل غيرك، واعلم أنك كلما أهمتك الدعوة، تكفل الله بك وبهمك وأهلك، وأنه كلما انشغلت بنفسك ومشاغلك وكلت إلى نفسك، والله غني عني وعنك.