العرافون... دجالون


د. أمير الحداد



طلب إليَّ أن يرافقني في رحلتي القصيرة إلى لبنان.. أجبته إلى طلبه.. كانت المرة الأولى التي أسافر معه.. نعم الصاحب كان.. كان برنامج اليوم الثالث والأخير من رحلتنا أن نشتري غرضين من (الحمرا) ثم نتجه إلى المطار:

- هل لي أن ألتقي بصديق لبناني قديم في الحمرا؟!

- بالتأكيد فلدينا الكثير من الوقت.

هاتف صاحبه (أبو فاطمة).. وكان الموعد الساعة الحادية عشرة في أحد المقاهي:

- صاحبي هذا تعرفت عليه منذ أكثر من سبع سنوات... كلما أتيت إلى بيروت التقيته لأساعده مادياً فهو صاحب عائلة مكونة من سبع أنفس، فضلاً عن عائلة أخته التي ترملت ولديها أربع بنات.

- وماذا يعمل؟

- لديه مركبة خاصة يتكسب بواسطتها، ويبيع بعض الحاجيات كالأعشاب والعسل، ويقرأ الفنجان لزوجتي.

أزعجتني (المهنة) الأخيرة:

- وكيف ترضى أن يقرأ لكم الفنجان، وتعطيه نقوداً على ذلك؟!

شعر أنني جاد في اعتراضي فاستدرك الأمر.

- كلا... لم أقصد الذي فهمت، وأنا أعطيته النقود لمجرد لقائي به، ثم يدعو لنا - أنا وزوجتي - ويصر أن يقرأ لها الفنجان، وتعلقت به، منذ تنبأ بحملها، وبالفعل رجعنا إلى الكويت وكانت حاملا.

زاد انزعاجي... من حيث أراد أن يخفف الأمر:

- اسمح لي/أنا لن أشارك في هذه الخزعبلات، ولن أرضى بها، فإن أردت أن نساعده فبها ونعمت/أما أن يقرأ لك الفنجان أو الكف... فلا.

وفي الوقت والمكان المتفق عليهما التقينا بأبي فاطمة... فهو أقرب إلى الستين منه إلى الخمسين... يحمل مسبحة... ثيابه تدل على فقره، وبعد التحية:

- أنا هنا منذ نصف ساعة تقريباً... خشية تأخير (عجأة) المرور... جلسنا... طلب كل منا شرابه، وأصر صاحبي أن يكون الحساب عليه، وكان لدينا ساعة قبل أن نذهب إلى المطار.

شعرت أن صاحبي يريد الحديث مع (أبي فاطمة) على انفراد... فغادرت:

- أظن أنني سأشتري بعض العطور العربية من ذلك المحل... غبت نصف ساعة... رجعت... فإذا صاحبي منشرح الأسارير تعلو وجهه ابتسامة دائمة... غادرنا وفق ترتيباتنا... ودعنا أبا فاطمة بعد أن أعطيته ما تبقى معي من النقود اللبنانية... في الطريق:

- أراك منفرج الأسارير بعد لقاء صاحبك...

لم يجبني على الفور... إنما اتسعت ابتسامته:

- جزاه الله خيراً... أرتاح كلما التقيته.

- ولِمَ ذاك؟

- أخبرني أن مولودي القادم صبي.

انزعجت جداً... من صاحبي:


- وهل قرأ لك؟

لم يجب...

- يا أبا عدنان... إن مجرد الذهاب لمن (يتنبأ بالمستقبل) ذنب عظيم، وتصديقه (نوع من الشرك)، والغيب لا يعلمه إلا الله... لا هؤلاء (الدجالون، لا الحيوانات ولا الطيور ولا الأخطبوط (بول)، ولا أحد... {قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله... وما يشعرون أيان يبعثون} (النمل: 65).