تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: رسالة للمتجرئين على الدماء

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رسالة للمتجرئين على الدماء

    رسالة للمتجرئين على الدماء!






    كتبه/ إيهاب الشريف

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فأحداث دامية تهز بلادنا وتشغل الصفحات والشاشات، وقلَّ مَن يضع يده على دوافع هذه الحوادث وأسبابها بغية تفاديها وعدم تكرارها.


    ولا شك أن من وراء ذلك أسباب كثيرة ودوافع عديدة؛ إلا أن هناك سببًا ينبغي الانتباه إليه في مقدمة هذه الأسباب؛ ألا وهو: "رقة الدِّين في الناس"؛ ذلك أن الإيمان إذا قوي ظهر أثره على صاحبه في فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه، فإذا عرف كل ما له وما عليه؛ فستكون حياة الناس سهلة؛ ولِمَ لا وفي التنزيل: (*مَنْ *عَمِلَ *صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّ هُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل:97)؟!

    فيحييهم الله -عز وجل- الحياة الطيبة، بطمأنينة قلب وسكينة نفس، وتلك هي السعادة على الحقيقة وإن كان الإنسان مقلًّا.

    ومما يروى في السِّير: أن الصديق رضي الله عنه لما عيَّن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاضيًا على المدينة مكث عمر مدة لم يختصم إليه اثنان، فطلب من أبي بكر إعفاءه من القضاء، فقال أبو بكر: "أمن مشقة القضاء تطلب الإعفاء يا عمر؟ فقال عمر: لا يا خليفة رسول الله، ولكن لا حاجة إليَّ عند قوم مؤمنين عرف كل منهم ما له من حق فلم يطلب أكثر منه، وما عليه من واجب فلم يقصر في أدائه؛ أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه، إذا غاب أحدهم تفقدوه، وإذا مرض عادوه، وإذا افتقر أعانوه، وإذا احتاج ساعدوه، وإذا أصيب واسوه، دينهم النصيحة وخلقهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففيمَ يختصمون؟!"، وهذه الرواية إن كانت مرسلة، لكن المعاني التي فيها صحيحة، وواقعة في المجتمع المسلم.

    وهذا لا يعني خلو لمجتمع المسلم من المشاحنات والمشكلات، لكنها مقارنة بمجتمعات غيَّبت أحكام الشريعة الإسلامية ولم تلتزمها أقل بكثيرٍ؛ ولذا فإن مِن الحلول الجذرية لهذه الظاهرة: تفعيل أثر الدِّين في حياة الناس، ومدارسة الوحي في البيوت "كتابًا وسنة"، والاعتناء بحلق العلم والقرآن بصورة مباشرة، أو عبر وسائل التواصل، ودعوة الناس إلى ذلك استغلالًا لهذه الأحداث؛ سيما مقارئ القرآن الكريم بوابة الهداية الحقيقية، والتأكيد على ضرورة التخلق بأخلاق الإسلام والتحلي بها، وأن الدِّين ليس فقط يتمثَّل فيما يقوم به المسلم من الشعائر التعبدية، بل هو كذلك سلوكيات وأخلاقيات، وضرورة التربية على ذلك وبثه في الناس، وأنها من مقاصد البعثة المحمدية كما في قوله -صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا بُعِثْتُ *لِأُتَمِّمَ صَالِحَ *الْأَخْلَاقِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

    بل إن مَن يعتني ويهتم بالشعائر التعبدية -على أهميتها ووجوبها-، ويهمل المعاني الأخلاقية والسلوكية؛ ربما كان من المفلسين يوم القيامة، كما عند مسلم في صحيحه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَتَدْرُونَ مَا *الْمُفْلِسُ؟) قَالُوا: *الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ، وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ: (إِنَّ *الْمُفْلِسَ مِنْ *أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ).


    ويا لحسرات قلبه عندما يرى تلك الثروة -ليست المالية، بل من الحسنات- وهي تقسَّم أمام عينيه على الغرماء!

    ولا يفوتنا في هذا الصدد التأكيد على خطر حقوق الناس وضرورة استيفائها، وحرمة الدماء خصوصًا.

    وهذا يأتي معنا المقال القادم -بإذن الله-.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,454

    افتراضي رد: رسالة للمتجرئين على الدماء

    رسالة للمتجرئين على الدماء! (2)

    كتبه/ إيهاب الشريف



    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فكبيرة توعَّد الشرع فاعلها بعقوبات لم ترد لغيرها عدا الشرك، كبيرة يربو إثم مرتكبها على المعتدي على الكعبة، كبيرة قُرِنَت بأبشع الجرائم: الشرك والزنا، كبيرة صاحبها في ورطة ما أصعبها؛ إنها القتل وسفك الدم الحرام، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أول ما يقضَى بين الناس يوم القيامة في الدماء".

    وتوعَّد القرآن القاتل بعقوبة لم ترد لغيرها من الكبائر، فقال -تعالى-: "*وَمَنْ *يَقْتُلْ *مُؤْمِنًا *مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا"، وقرنها القرآن بأبشع الجرائم، فقال: "*وَالَّذِينَ *لَا *يَدْعُونَ *مَعَ *اللَّهِ *إِلَهًا *آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا".

    وفي آية أخرى تقشعر منها الجلود وتفزع لها القلوب يقول الله: "*مَنْ *قَتَلَ *نَفْسًا *بِغَيْرِ *نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"؛ ذلك لأنه إنما يتبع هواه في ذلك فيتجرأ على قتل مَنْ لا يستحق القتل، فلا فرق عنده بين المقتول وغيره، فتجرأ على قتله فكأنما قتل الناس جميعًا. "ومَن أحياها" أي: استبقاها لم يقتلها؛ منعه خوف الله من ذلك، "فكأنما أحيا الناس جميعًا"؛ لأن ما معه من الخوف يمنعه مِن قتل مَن لا يستحق القتل.

    ورهَّب النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذه الجريمة ترهيبًا عظيمًا فقال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم"، وكان ابن عمر -رضي الله عنه- ينظر إلى الكعبة ويقول: "ما أعظمك! والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك!"، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يقتل المؤمن متعمدًا أو الرجل يموت كافرًا"، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار".

    بل يضيق الخناق على مرتكب هذه الكبيرة فيصبح في ورطة لا مخرج منها، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا"، أي: ارتكاب الدم الحرام لا يقوم له ما لدى العبد من حسنات. وقال -صلى الله عليه وسلم: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله".

    وفي مشهد رهيب في ساحة القيامة نجد المقتول يمسك برأس القاتل مقبلًا نحو العرش قائلًا: "يا رب، سل عبدك فيمَ قتلني؟!".

    فهل هناك مسلم يطالع هذه النصوص ويتفهمها ثم يتجرأ على الدم الحرام؟!

    إن من أعظم مشكلات الأمة ضعف دور الوحي في حياتها، ومن هنا تثور الفتن وتتفاقم الأمور، ولا شك أن تقوية الصلة بالوحي في المنزل وفي المسجد وفي المدرسة وسائر مناحي الحياة كفيلٌ بعودة حميدة إلى صراط الله وإلى دينه القويم؛ حيث يعرف كل فرد في المجتمع ما له وما عليه.


    نسأل الله العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •