استدرجي ولا تستجوبي


ريم صلاح الصالح


قد تكون تربية الفتيات قديماً أمراً سهلاً، فقد كن منصاعات لأوامر والديهن، ولم يكن يجرؤن على أن ينبسن بحرف واحد، لقد كانت الفتاة آنذاك تسير ملتصقة بالحائط لفرط حيائها واستحيائها، كانت هي ربة المنزل والقائمة به، ومع مرور الوقت كبرت هذه الفتاة وتزوجت وأنجبت الأطفال البنين منهم والبنات، والآن المسكينة وعندما جاءت لتطبق ما طبق عليها والداها ومما كان يجلب مفعوله، ترى أفعالها كلها قد (تفركشت) وذهبت في مهب الرياح، فابنتها ترفض الاستسلام والانصياع, بل ترفع صوتها عليها و(تكفخ) الباب في وجهها، وكل هذا لأنها أرادت أن تستفسر أين كانت؟ ولماذا ذهبت مع فلانة وعادت مع فلانة؟ تحقيق واستجواب كما قالت لها ابنتهـا، وتستغرب هي ردة فعلها هذه وتهامس نفسها قائلة: «باسم الله ما قلت لها شي، والله أهالينا كانوا يطقونا ونبكي ولا تطلع منا الأف» فتزداد شوكتها صلابة وتذهب مباشرة إلى غرفتها لتلقي بين جنبي ابنتها (كلمتين) في الصميم تجعلها تنفجر في وجهها، وما علمت تلك الأم أن ما فعلته تواً كان أكبـر غلطـة.

أحببت أن أمهـد فرشةً طويلةً عريضة لموضوعي هذا قبل أن ألقي على مسامعك عزيزتي الأم أي كلمة.

إننا نعلم جميعاً أن الأمهات أرق القلوب وأرحمها على أبنائها وبناتها، وأنها بحر العاطفة ومرفأ الأمان الذي ذكره الله في القرآن، وأوصى به الرسول[ ثلاثاً، وتغنى به الشعراء في أشعارهم.

وكثير من الأمهات سمعن وعرفن عبارة: «أنصتـي إلى ابنتك وتحـاوري معهـا» من مصادر كثيرة جداً دون أن تعي تماماً ما معنى: أنصتي ثم حاوري.

أنصتي أولاً.. والإنصات أن تستمعي للطرف الآخر بكل جوارحك جاعلةً نفسك حبيسـة اللحظة وأن تتفاعلي معه.. لا تناقشي، لا تجادلي، فقط استمعي واختزلي في عقلك.

وبعـدها يمكنك أن تتحاوري معهـا، وانتبهي فقد قلت: تتحـاورين.. والحوار أيضـاً هو لغة الإصغـاء، فمـا انفككنـا نحوم حول أن تستمعي لهـا وتصغي لما في قلبهـا.. لا تأمـري، ولا تنهـري، ولا تبتـزي.. فقط أنصتـي وحاوري، وللأوامـر وقت وكيفية أخرى.

ناقشي ابنتك دون أن تُشعريها بأنك أعلى منهـا منزلـة، فهـذا سيخيط فمهـا فما تخرج منه كلمة.. ولا تشعريهـا بأن «أنـا بيدي آمـرج»، و«أنـا الربحانة واللي أقوله هو اللي بيمشـي»، فهذه المشاعر لو انتقلت إلى ابنتك، فانسي عندهـا أن تحاورك بكلمـة واحدة.

ولكـن بعض الأمهـات يقلـن: «إن بناتنا لا يتحدثن معنا، فماذا نصنع؟» فهنا أقول لك: حاولي أن تتجاذبي معهـا أطراف الحـوار مشعرةً إياها باهتمامك بمشاعرها قبل الأحداث، فلا تبدئي الحوار بــ «ويـن كنتي وشصار معاكم؟» فستقول لك: «مالي خلق تحقيقـات بروح أنام».

ولكن ابدئي الحوار بأن تقدمي لهـا مثـلاً قطعة من الشوكولاتة ثم اطلبي إليها أن تدنو منك حتى تجلس بجانبك ولا تنسي الابتسـامة، ثم ضعي يدك على كتفها وحققي انتقال مشاعرك الأمومية الحانية بالملامسة، وقولي لها بصوت يقطر حنينا: «مادري أحس زايد ملحج اليوم» فعندها ستذوب فرحاً وحياءً منك، فقد لامست وتراً حساساً فيها، وبعد أن اقتربت من قلبهـا.. ابدئي الحوار بأسلوب ودي كـ« شلونج يا حلوة؟ شمسـوية».

عزيزتي الأم.. حاولي أن تشعري ابنتك بأنك طـرف مسالم يرفع الراية البيضاء دومـاً.. أعلم أن بإمكانك أن تأمريهـا، وواجبٌ عليها رغم أنفها أن تطيعك وتستمع لك، ولكن أتريدين أن تكوني مصدر أمان أم منطقة خطر ممنوع الاقتراب منها؟

الخيـار بيـدك؛ لذلك أقــول لك: استــدرجي ولا تستجـــوبي، وتعالي لابنتـك من منطقة المشاعر «أحسك متضـايقة عسى ماحد ضايقك؟» أو «أحس الحلو عنده شي بيقوله».

وأكبــر غلطـة رأيتهـا في أمهات عدة: «بنيتي شفيج»، «يمه مافيني شي خليني بروحي»، «لأ أول قوليلي شفيج»، «يمه تكفين تعبانة.. خليني أرتاح ألحين»، «إنزين قوليلي أول بعدين ارتاحي»، «يمه تكفين والله نفسيتي متأزمة خليني لحالي»، «انزين يا تقوليلي يا أقعد عندج ما أخليج».

عزيزتي الأم.. على قول إخواننا المصرييـن: «خـــلاص بـــأه».

لا تطيلي الطلب على رأس ابنتـك فما كلمات: «تكفين خليني بروحي، والله تعبانة، ونفسيتي متأزمة إلا بصريح العبـارة: اتركيني الآن فلست مستعدة لأي شيء».

فاتركيها ولا تثقلي عليهـا «بالحنـة اللي تشلع القلب»، فقط قولي لها بعد أن تقبليها: «براحتج حبيبتـي بس لا تنسيـن ترى قلبي دايــم مفتوح لج يا بعد عمري» وقبليها مرة أخرى واخرجي.

مشكلة كثير من الأمهات أنهن يشعرن بالخوف على بناتهن، ولفرط هذا الخوف فهي تضغط على ابنتها بكثرة الأسئلة.. «اللي لها داعي واللي ما لها».. حتى تشعر البنت أن منزلها مكتب ضابط يستجوبها كل حين.

ونقطة أخيرة أود أن أضيفها.. لا تتغيـري أمام ابنتك 180 درجة في ليلة وضحاها بعد أن تأثرت بدرسٍ سمعته أو بمعلومة رائعة علمتها أو بقصة مؤثرة شغلت لبـك، بل ابدئي معها بالتدريج حتى تتقبل منك أكثر.


فلا تكوني كالتي لم تعود ابنتها على قبلة ما قبل النوم طول حياتها، والآن تأتي لابنتها وتقول «شدعوة ما تبوسين راسي قبل لا تنامين»، وستقول البنت في نفسها: «شفيها أمي قاعدة تتشره هي أصلاً عمرها ما باستني، ما يندرى شسامعة اليوم بعـد» وهلم جـرا.

ختاماً.. أعلم كم هو صعب تربية هذا الجيل من الأبناء مع كل هذه التغيرات السريعة في هذه العولمة، فجـزاكن الله خيــر الجزاء أيتهـا الأمهات، وأخص بشكري وجزيـل امتنـاني أمي الغـالية.. «عسى مثـواج» جنات الفردوس.. أنت ومن تحبيـــن.