المرأة الديبلوماسية


منى فهد الوهيب



لقد ارتبطت كلمة الديبلوماسية ارتباطاً وثيقاً بالسياسات الخارجية للبلدان، لكن لو تأملنا المعنى الحقيقي للديبلوماسية لوجدناه يحمل كثيراً من صفات المرأة المتميزة المبدعة وطباعها وأخلاقها؛ فمما لا شك فيه، ولا يخفى على أحد فينا، أن المرأة تفوقت وأبدعت وتميزت بذكائها على الرجل في كثير من أمور الحياة، وهذا بسبب مواهبها التي وهبها الله سبحانه وتعالى من لباقة وفراسة وذكاء وقوة ملاحظة.

إن من معاني الديبلوماسية أنها فن المفاوضات، وفن القيادة والتوجيه، ولاحظ معي - عزيزي القارئ - أن كل هذه المعاني هي صفات تحملها المرأة، فهي أكثر من يجيد فن القيادة والتوجيه والتفاوض مع غيرها، وهي من يقود الأسرة إلى بر الأمان بفراستها وقوة ملاحظتها لكل صغيرة وكبيرة من أمور منزلها، وحقيقة مؤكدة، لا يختلف عليها شخصان: أن منشأ الإنسان من داخل أسرته، التي مرتكزها المرأة الأم والأخت، وهي الجذور الأصيلة للإنسان (أي الأسرة)، وكذلك التوجيه، فهي من ينحو بسفينة الأسرة إلى شاطئ الراحة والاستجمام، من خلال توجيهاتها الحكيمة الصائبة للأبناء، لتعينهم على خوض صعوبات الحياة بنجاح وتفوق داخل وخارج المنزل، وهي من يتفاوض مع الزوج والأبناء في كل ما يخصهم من أمور دينهم ودنياهم .

ومن معاني الديبلوماسية استعمال: الذكاء والكياسة في إدارة العلاقات، فالكياسة والذكاء صفتان لصيقتان بالمرأة؛ فهي من تدير العلاقات الاجتماعية بأكملها، يقول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: «لو أن بيني وبين الناس شعرة لما قطعتها، إن أرخوها شددتها، وإن شدّوها أرخيتها»، هذا - عزيزي القارئ - أحد معاني الديبلوماسية، وإن تأملته لوجدت أن المرأة هي من يمسك العصا من الوسط، وهي من توازن الأمور بمرونتها ورزانة عقلها، وهي من تحافظ على تلك الشعرة حتى لا تنقطع في العلاقات.

إن الديبلوماسية هي ممارسة عملية لتسير شؤون الدولة الخارجية، وإن المرأة سبقت الدول بهذه الممارسة العملية، لتسيير وتدبر شؤون منزلها ووظيفتها وحياتها بأكملها، بما فيها علاقاتها مع الآخرين، وهي عملية سياسية تستخدمها الدول في تنفيذ سياساتها الخارجية في تعاملها مع الدول والأشخاص، ومما لا شك فيه أن المرأة حياتها كلها تعتمد على استخدامها للسياسة، و«السياسة هي فن إدارة المجتمعات الإنسانية»، لتنفيذ سياستها في إدارتها وتعاملها مع الأشخاص، أياً كان وصفهم.

وأخيراً وليس آخراً، إن الشخص الديبلوماسي هو من يكون مبعوثاً أو سفيراً لدولته، للتنسيق والتنظيم ما بين علاقات الدول الخارجية، ولو تأملنا بعمق مفهوم الشخص الديبلوماسي؛ لوجدنا أن المرأة الأم والمرأة المربية والمرأة المعلمة هي من تفرز وتخرج للمجتمعات السفراء والمبعوثين من أبناء وطلاب، وكل منا، سفيراً كان أم مبعوثاً، بيئته التي استقاها هي من المرأة، سواء كانت والدة أم مربية أم معلمة. للديبلوماسية معان كثيرة أكثر مما ذكرنا، ولو سلطنا الضوء على كل معنى من هذه المعاني لوجدناه يصب في نهر صفات المرأة، ولكل امرأة ديبلوماسية خاصية بها، بحسب ما آمنت واعتقدت به من قيم وأخلاق ومبادئ في أمور دينها ودنياها، وكل ما استعرضناه من معان، إنما هي قطرات في بحر ديبلوماسية المرأة، لكن يبقى سؤال: من هي المرأة التي تتمتع بتلك الديبلوماسية؟ إنها المرأة التي تستقي ديبلوماسيتها من كتاب الله وسنة رسول الله [ أي التي تطبق وتلتزم أوامر الله ورسوله، وتنتهي وتبتعد عما نهى الله ورسوله، وتعرف كيف تُسير هذه الأحكام من أوامر ونواه، وتنزلها على واقعها وتجعلها هي صمام الأمان لكل حدث في حياتها. نعم، إنها هي بقوة شخصيتها وقناعتها بتمام وكمال شريعتها، استطاعت كيف تبدع وتبهر وتتوج بلقب المرأة الديبلوماسية.