أوعية الخير والشر


الشيخ حماد بن عبدالله الحماد



القلوب أوعية كالأوعية التي تحوي ما يوضع فيها، والقلوب أجمع تلك الأوعية وأحسنها حفظا ونفعا، لكون القلوب ليست أوعية كالخزانات لا تنتفع بما يوضع فيها ولو كان من كنوز المجوهرات، ولو كان من أعظم وأغنى المخطوطات والبحوث والمؤلفات.

القلوب تتفاعل مع ما يوضع فيهاوتتعاظم تعاظما معنويا، يظهر أثره في الأفعال والأقوال والحركات والسكنات وجميع التصرفات، وذلك لأن القلب سيد الأعضاء جميعا، فإذا امتلأ وجه بما فيه إلى اتباعه لا يسعهم مخالفته.

وحسبما يحوي القلب يفرغ على الجوارح والأعضاء، ولهذا فإن ما يظهر على الأعضاء والجوارح إنما هو انعكاس لما في القلب، فإذا ظهر عليها الخير علمنا امتلاء القلب بالخير، وإذا ظهر الشر علمنا امتلاء القلب بالشر، ولهذا قيل في المثل: كل إناء بما فيه ينضح.

وخير القلوب ما نضح منه الخير، ولهذا كانت قلوب العلماء الربانيين خير القلوب امتلأت علما بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله [، فأي خير أفضل من هذا الخير الذي امتلأت به قلوب العلماء والصالحين، وأي شر امتلأت به قلوب المفسدين، فكل خير ودعوة وصلاح وإصلاح، فإنما هو من قلوب الخير، وكل شر وفساد وإفساد، فإنما هو من قلوب الشر، والخير والشر يتصارعان، فمرة يغلب الشر الخير ومرة يغلب الخير الشر والعاقبة للخير ولأهله {والعاقبة للمتقين} (القصص: 83)، ومهما ظهر الشر أنه غالب وقل ناصر الخير، فلابد للخير أن ينتصر وأن يُنصر من أهله الحاملين له، حتى إن طالت ظلمة الشر فلا بد لفجر الخير أن ينبلج وأن يزيل غياهب ظلمة الشر، ولابد لقلوب العلماء أن تضيء سماء العالم بما فيها من الخير والهدى، وتشع على قلوب تستقبل تلك الإضاءات وأشعة تلك الشموس، فيتغذى نور الإيمان ومحبة الله ومحبة رسوله [ ومحبة العمل الصالح والسعي إليه وبذل مهجة القلب لأجله، تلك قلوب الصالحين الذين عمرت قلوبهم بالمحبة والإيمان والرحمة والرضوان امتلأت قلوبهم من الخير وخلت من الحسد والضغينة وعمرت جوارحهم وأوقاتهم بطاعة المولى سبحانه، فكانت قلوبهم ومنزلتهم تالية لقلوب ومنزلة العلماء، فأصح القلوب وأطيبها وأزكاها قلوب العلماء ثم الصالحين ولهذا يقول النبي [: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» فما أعظم قدرة الله عز وجل في أن أودع هذه المضغة من اللحم تلك الأسرار، فملأ قلوبا بالخير وأخرى بالشر ولا يعلم أحد من الناس ما ملئت به تلك القلوب إلا مقلب القلوب ولا يعلم مصير تلك القلوب إلا مقلب القلوب وإذا كان الله سبحانه وتعالى اختص بعلم ما في القلوب {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} (غافر: 19). جعل سبحانه وتعالى دلائل لما تكنه تلك الصدور، فإن عملت الجوارح بالخير والإصلاح دل ذلك على طهارة القلوب وإن عملت الجوارح بسيئ الفعال والأقوال وما يغضب الرحمن دل على سوء طوية وداء القلب دفين وقد يتوارى شيء من ذلك على بعض الناس ولكن لا تخفى على الله خافية ولابد من أن يظهر الله سبحانه وتعالي على صاحب ذلك القلب ما ينبئ عما يبطنه، تلك أوعية الخير والشر التي يستنطقها الله فتكشف وتبوح بما أضمرت يوم لقاء الله: {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} (الإسراء: 36) فيا ترى أي القلوب قلبك؟