يجب أن يغسل كفيه ثلاثاً وأن يستنثر ثلاثاً إذا قام من نوم الليل


زيد بن مسفر البحري

مسألة:
يجب أن يغسل كفيه ثلاثاً، وأن يستنثر ثلاثاً إذا قام من نوم الليل، أما نوم النهار فعلى الاستحباب خلافاً لمن أوجبه.
الشرح:
هذه المسألة لها شقان:
الشق الأول: غسل اليد بعد الاستيقاظ من النوم.
الشق الثاني: الاستنثار بعد الاستيقاظ من النوم.
أما الشق الأول: فيدل له حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - عند مسلم وعند البخاري بنحوه، قال - عليه الصلاة والسلام -: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده)).
أفاد هذا الحديث أن هذا النهي للتحريم وليس للكراهة، وأفاد أيضاً أن النبي - عليه الصلاة والسلام - لم يتعرض لحكم الماء، فيبقى على طهوريته، وأفاد أيضاً لزوم غسل اليد ثلاثاً، وأفاد أيضاً أن هذا الحكم خاص بعد الاستيقاظ من النوم.
لكن لو قال قائل: ما ضابط النوم؟
الجواب: أنه النوم الذي يحكم فيه على الوضوء أنه منتقض وهو النوم الكثير؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - علل فقال: ((إن أحدكم لا يدري أين باتت يده)).
وصاحب النوم القليل يعلم أين باتت يده، وأفاد هذا الحديث عموم حالات النوم سواء كان نوم ليل أو نوم نهار؛ لأن كلمة نوم مفرد أضيفت إلى الضمير "الهاء"، والمفرد إذا أضيف إلى معرفة يفيد العموم وهذا هو أحد القولين.
والقول الثاني يقول:
إن هذا الحكم خاص بنوم الليل؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم – قال: ((فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده))، والبيتوتة لا تكون إلا في الليل، وأجاب أصحاب القول الأول عن هذا الاستدلال بأن ذكر البيتوتة ذكر للغالب فلا يفهم منه أن نوم النهار خارج عن هذا الحكم، والقاعدة كما في الأصول: "أن النص إذا جاء في سياق الغالب فلا مفهوم له".
ورد هذا أصحاب القول الثاني فقالوا: إن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال في حديث آخر: ((إذا قام أحدكم من نوم الليل فلا يدخل يده في الإناء...)) الحديث.
ولأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال كما في الصحيحين: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فليتسنثر ثلاثاً، فإن الشيطان يبيت على خيشومه))، فذكر البيتوتة مع ذكر الشيطان متلبساً بها، والشيطان كما جاء في الصحيح عنه - عليه الصلاة والسلام – قال: ((يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا نام ثلاث عقد)) موضع الشاهد يقول: ((عليك ليل طويل فارقد))، وذكر هنا الليل، وأيضاً لما أخبر - عليه الصلاة والسلام - بأن رجلاً نام حتى أًصبح قال - عليه الصلاة والسلام -: ((ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه))، فذكر الشيطان متلبساً بهذا الرجل في نوم الليل، وهذا القول هو الصحيح، ولأن النبي ذكر البيتوتة بعد قوله من نومه، فدل على أن هناك تخصيصاً لنوم الليل؛ لأن كلمة نومه عامة فلما أتى بعدها بكلمة "بيتوتة" دل على أن المقصد هو الليل، ولم يقل فإن الشيطان ينام على خيشومه، فيكون مفهوم البيتوتة معتبراً، وذلك لأن الأصل في المفهوم اعتباره لاسيما مع وجود هذه الأدلة، والأحوط للمسلم أن يغسل يديه ثلاثاً بعد استيقاظه، من نوم النهار؛ لأن أقل أحواله الاستحباب؛ لأن للقول الأول شيئاً من الوجاهة، وأفاد هذا الحديث ذكر الإناء، ومن ثم فتخرج الحياض والأواني الكبيرة، وهذا قد قال به الصنعاني في سبل السلام، والذي يظهر لي أن الحكم عام وذلك لأنه - عليه الصلاة والسلام - لم يتعرض للماء حتى يقال يفرق بين الماء القليل والكثير، وإنما تعرض - عليه الصلاة والسلام - للأذى الذي يصدق على القليل والكثير؛ لأن نوعية هذا الأذى غير مدركة وغير مذكورة في الحديث لاسيما وأن هذا الأذى من العدو الكبير لبني آدم وهو الشيطان، فلا يدخر هذا العدو وسعاً وسبيلاً في أذية ابن آدم، ولأنه صح عن ابن عمران رجلاً قال له: "أرأيت الحياض الكبيرة"؟ فقال ابن عمر: أقول قال رسول الله وتقول: "الحياض الكبيرة"، وأفاد هذا الحديث أن العلة مصرح بها، وهي قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده))، خلافاً لمن قال: إن العلة تعبدية، فالعلة في هذا الحديث إذا ضمت مع حديث وجوب الاستنثار اتضحت العلة اتضاحاً لا لبس فيه، وذلك كما ذكر في الحديث السابق: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر ثلاثاً، فإن الشيطان يبيت على خيشومه))، فتكون العلة حصول الأذى من الشيطان فلربما أوصل هذا الشيطان أذى إلى هذا النائم، ومن ثم لو قال قائل: أنا أعرف أين باتت يدي، قلنا كيف؟.
قال: أضعهما في قفازين أو أشد عليهما بوثاق، فنقول: يجب أن تغسلهما وذلك لأن الشيطان قادر على أن ينفذ إلى يديك فيؤذيهما، وقد قال - عليه الصلاة والسلام - كما في الصحيحين: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم))، وأما زيادة: ((فضيقوا مجاريه بالجوع))، فلا أصل لهذه الزيادة.
قال بعض العلماء: يراد من هذا الحديث كثرة وساوسه، وقال بعض العلماء -وهو الصحيح- قالوا: إنه على ظاهره ولو اعترض معترض، فقيل: كيف ينفذ إلى ابن آدم وهو جرم؟
لأنه - عليه الصلاة والسلام - قد أمسك الشيطان حتى أحس ببرد لعابه؟
فيقال: لا مانع من نفوذه في الجسم مع أنه جرم شأنه كشأن الروح، فروح ابن آدم الصحيح أنها جرم لطيف، وقد ذكر ابن القيم - رحمه الله - في كتابه الروح مائة وستة عشر وجهاً تؤكد ذلك من بينها ما جاء في الأحاديث أنها تكفن وتطيب ويتبعها البصر، وهذا لا يكون لشيء معنوي، وإنما يكون لشيء محسوس، وبالتالي فيجب عليه أن يغسل يديه، وضابط اليدين أو المراد من اليدين، هما الكفان فالقاعدة أن اليد إذا أطلقت في النصوص الشرعية دون تقييد فالمراد بها الكف، كقوله - تعالى -: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) أي الكف، وكقوله - عليه الصلاة والسلام - في المسند: ((إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره دون ستر فقد وجب الوضوء))، أطلقت اليد، فيكون المراد هو الكف، أما إذا قيدت اليد فهي على ما قيدت به والدليل قوله - تعالى -: (وأيديكم إلى المرافق)، فيجب غسل اليدين في الوضوء إلى المرافق.

الشق الثاني:
الدليل عليه هو قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر ثلاثاً؛ فإن الشيطان يبيت على خيشومه)).
أفاد هذا الحديث أن النائم يجب عليه أن يستنثر ثلاثاً بعد استيقاظه من النوم، وأفاد هذا الحديث أن الاستنثنار يكون ثلاثاً، وقد جاءت رواية في البخاري تدل على أن المستيقظ من النوم إذا أراد أن يستنثر فإن استنثار الوضوء يكفيه لقوله - عليه الصلاة والسلام -: ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فتوضأ فليستنثر ثلاثاً فإن الشيطان يبيت على خيشومه))