الميسر .. حكمه وأنواعه


مجلة الفرقان

الميسر في اللغة يعني القمار، أو المراهنة، والقمار معناه اللعب على عِوض، فأي لعب يعتمد على المراهنات، أو الأموال، هو قمار، بأن يخرج كل لاعب مالاً، والفائز في نهاية اللعبة يأخذ الأموال كلها، من اللاعبين، ومن هنا يأتي السبب وراء حرمته، وهو أكل أموال الناس بالباطل، وهو ما نهى عنه الله -تعالى- في كتابه العزيز حين قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} (النساء : 29).

ولقد تعددت أنواع الميسر حديثًا، نظرًا للتنوع الحضاري، والتقدم التكنولوجي، وتوسع آفاق البشر، وظهور أشكال عديدة من التطور، فتغالب الناس في المباريات الرياضية، وكذلك ظهرت ألعاب عبر شبكة الإنترنت، والرسائل القصيرة عبر الهاتف، وهناك من أرجع حتى المسابقات، والألعاب المنتشرة على التلفزيون، والإذاعة، التي تنتهي بإعطاء جائزة للفائز، تصنف ضمن الميسر، وتتوفر فيها أركان الميسر، وهذا رأي شائع بين بعض الفقهاء.

حكم القمار في الشريعة الإسلامية

الميسر حرام شرعًا، لقول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. وقد ورد الميسر في أكثر من موضع في القرآن الكريم؛ حيث يقول الله -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}، وعلى الرغم من أن هذه الآية لم تحرم الميسر والخمر تحريما قاطعا، إلا أن فيها تصريحا بالنهي عنهما، وعليه فقد ذهب بعض الصحابة، فور نزول هذه الآية الكريمة، إلى الابتعاد عن الخمر، والميسر.

تحريم السنَّة للميسر

دل على حرمة الميسر نصوص من السنة منها: عن بريدة بن الحصيب الأسلمي -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه»، وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله». قال السعدي: الميسر هو كل المغالبات التي يكون فيها عوض من الطرفين من النرد والشطرنج، وكل مغالبة قولية أو فعلية بعوض، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: «من حلف منكم، فقال في حلفِهِ: باللاتِ، فليقُلْ: لا إلهَ إلا اللهُ، ومن قال لصاحبِهِ: تعالَ أُقَامِرُكَ، فليتصدَّقْ»، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ حرَّم عليكم الخمرَ، والميسِرَ، والكُوبةَ»، وقد اتفق جمهور العلماء على حرمة الميسر، وما يعرف أيضًا باسم اليانصيب.

أضرار الميسر الدينية

هناك مفاسد دينية كثيرة تترتب على تعاطي الميسر والقمار ومنها:

(1) الميسر فيه إثم كبير

إن في الميسر إثما كبيراً: قال -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}، وهذا يقتضي كونه حراما في الشريعة الإسلامية.

(2) الميسر قرين الشرك والخمر

الميسر قرين الشرك وشرب الخمر: وهذه الصفة مما يزيد قبحه شرعا، فالمنهيات على درجات، واقتران منهي من المنهيات بأكبر الكبائر في الذكر يزيده قبحا وسوء، وقد نهى الله عن الميسر وقرنه بكبائر أخرى وعلى رأسها الشرك بالله -تعالى- فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} الآية، ولعل من حكم اقتران الميسر بالشرك والخمر بيان شناعته لمن تزين له نفسه تعاطيه.

(3) الميسر رجس

الميسر رجس: قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} الآية، والرجس في كلام العرب كل مستقذر تعافه النفس، وظاهر النصوص الواردة في ذم الميسر من القرآن والسنة يدل على نجاسته الحسية والمعنوية معا، مما يوجب على المسلم التنزه عن تعاطيه وملامسة آلاته، وغشيان مجالسه، وكون الميسر رجسا يقتضي كون ما يحصله الإنسان من المال بواسطته خبيثا مثل مهر البغي وحلوان الكاهن، ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، فلو حج به، أو تصدق به على الفقراء والمساكين، أو بنى به مساجد، أو وقف أوقافا، فكل ذلك لا يقبله الله منه.

(4) الميسر من عمل الشيطان

الميسر من عمل الشيطان: قال -تعالى- في وصف الخمر والميسر: {رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} الذي هو أعدى الأعداء للإنسان، ومن المعلوم أنه يجب الحذر منه ومن مصائده وأعماله، ولا سيما الأعمال التي يعملها ليوقع عدوه؛ فإن فيها هلاكه، فالبعد كل البعد عن عمل العدو المبين والحذر والخوف من الوقوع فيه .

(5) الميسر يصد عن ذكر الله

الميسر يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، فمن يمارسون الميسر يهدرون أوقاتا غالية في اللعب بوسائله من أوراق أو كعاب وغيرها...، وبمتابعة أخبار الفائزين والخاسرين، ويضيعون الجمع والجماعات، ويعرضون عن مجالس ذكر الله وحلق العلم، فتصبح معيشتهم ضنكا بما يخسرون من أموالهم وبما يضيعون من أعمارهم ويفوتون من مصالحهم.

مفاسد الميسر الدنيوية

فكما أن للميسر مفاسد تتعلق بدين المرء وتعرضه لغضب الله وعذابه يوم القيامة، فكذلك فإن له مفاسد تتعلق بالحياة الدنيا فتعكرها وتنغص صفوها، وقد أشار القرآن الكريم إلى بعض تلك المفاسد، كما أن بعضها مشاهد وملموس من واقع الحياة اليومية للمشتغلين بالميسر، وهذه بعض تلك المفاسد الدنيوية:

(1) سبب العداوة والبغضاء بين الناس

الميسر بأنواعه وأشكاله عادة سيئة تؤدي انتشاره في المجتمع إلى العداوة والبغضاء قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} وقال الإمام الطبري -رحمه الله-: «يقول -تعالى ذكره-: إنما يريد لكم الشيطان شرب الخمر والمياسرة بالقداح ليعادي بعضكم بعضا ويبغض بعضكم إلى بعض فيشتت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان وجمعه بينكم بأخوة الإسلام».

(2) الميسر يساهم في تفشي الجريمة

إن صالات القمار، أو ومجتمعات القمار لا تخلو في أغلب الأحيان من جرائم السرقة والقتل ومن شرب الخمر، قال ابن سيرين في تعريف الميسر «كل لعب فيه قمار من شرب أو صياح أو قيام فهو من الميسر» ، أما السرقة فلأن المشاهد للعبة القمار وكيف يخسر هذا بسرعة وكيف يربح ذلك في طرفة عين تستهويه العملية فيود المشاركة فيها بأي طريق ممكن، وغالبا ما يلجأ إلى السرقة لإشباع تلك الرغبة العارمة، وأما القتل فلما يسوء بعضهم أن يذهب ماله هباء في دقيقة واحدة وربما تعب وكد في تحصيله، فيشتاط غضبا، فينتحر هو، أو يقتل أصحابه ليسترد ما ذهب من ماله.

حكم اللعب بلعبة فيها محاكاة للقمار

جاء هذا السؤال في موقع إسلام ويب: عن لعبة موجودة على الجوال، عبارة عن مباراة بين اثنين، وفي نهاية اللعبة يحصل الفائز على نقود وهمية، والخاسر تنقص نقوده الوهمية، وفي المباراة يعطونني كل 6 ثوانٍ 250 من النقود الوهمية؛ لأشتري بها أشياء، أتحدى بها الشخص المنافس، وأستطيع أن أزيدها مثلًا وأدفع 50 من نقودي الوهمية، ويعطونني كل 6 ثوانٍ 275، بدلًا من 250، فهل حكم اللعبة حكم القمار؟ وما حكم أن أدفع في هذه اللعبة نقودًا حقيقية؟

وقد جاءت الإجابة عن هذا السؤال كالتالي: فما ذكرت من فقدان اللاعب الخاسر لنقوده الوهمية في هذه اللعبة، ليس قمارًا حقيقيًّا، ولكنه محاكاة للقمار، فينبغي أن تجتنب هذه اللعبة أصلًا، فضلًا عن أن يبذل فيها الشخص مالًا حقيقيًّا، وإنما منع اللعب بها؛ لِما فيه من فعل صورة ما حرمه الله -ولو للتسلية- واللعب ينافي تعظيم حرمته، وقد قال -تعالى-: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} (الحج:30).

محاذير شرعية

وهذه الألعاب لا تخلو من محذورين اثنين:

- الأول: إما أن تكون قمارًا بنفسها، تشتمل على ربح المال أو خسارته حقيقة مقابل اللعب، وهذا لا يخفى تحريمه على المسلمين جميعهم، فالله -عز وجل- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة/90).

- والثاني: إما ألا تشتمل على المقامرة حقيقة، ولكنها تدريب عليه، وجرأة على اقتحام المحرم، واستحلال فعلي له على وجه اللعب والتسلية، وهذا لا شك أيضًا في حرمته، فقد جاءت شريعتنا الحكيمة بتحريم التشبه بجميع عادات الكفار والفساق، وفي القرآن الكريم يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} (الشورى/15)، وفي السنة الصحيحة يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» رواه أبو داود (4031).



فتوى سماحة العلامة ابن باز - رحمه الله


سئل الشيخ عبد العزيز ابن باز -رحمه الله- عن الميسر المذكور في القرآن الكريم فقال: «يقول الله -جل وعلا- في كتابه العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة:90)، الميسر القمار وهو اللعب بالمال، يتسابقون بالأقدام أو يقولون هذا كذا وهذا كذا ولك إن غلبتني كذا من المال يسمى ميسرًا ويسمى قمارًا، أو يتراهنون على شيء بأن يقول: إن غلبتني في المصارعة أو غلبتني في السبق إلى كذا على الأقدام أو على الحمير والبغال فلك كذا هذا كله قمار وميسر، أما إذا كان بالإبل أو بالخيل أو بالرمي فهذا مشروع لا بأس به، هذه المسابقة بالإبل أو بالخيل أو بالرمي لا بأس أن يأخذ عليها العوض؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر فالنصل الرمي، والخف الإبل، والحافر الخيل».