كيف يتم التفاعل مع وسائل الإعلام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الرحمة المهداة للعالمين.
المقـدمة
نتفق جميعاً على أن وسائل الإعلام تلعب دوراً كبيراً في مجتمعاتنا، ونتفق أيضاً على أن الأسرة لها دور كبير -قد يزيد، وقد ينقص- في التأثير على دور هذه الوسائل؛ لذلك جاء هذا المؤتمر -بمحاوره المتعددة- ليلقي الضوء على دور التربية في التعامل مع وسائل الإعلام.
إنه من الضرورة بمكان تزويد الأسرة بالإجراءات والخطوات التي تساعدها -بعون الله- في إكساب أفرادها -منذ طفولتهم المبكرة- مهارة التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام، بحيث يصبحون مؤثرين بها أيضاً.
وقد اختير جهاز التلفاز نموذجاً لوسائل الإعلام؛ لأنّ التلفاز -من بين جميع وسائل الإعلام الأخرى- هو الذي يستحوذ على أغلب أوقات أطفالنا، مقارنة بالصحف والمجلات والإذاعة، "ففي بعض الدول يقضي الأطفال أوقاتاً أطول في مشاهدة التلفاز من الوقت الذي يقضونه في مدارسهم!".
وفي تقرير لمنظمة (اليونسكو) العالمية، رقم (33)؛ "يتبين أن الأطفال، في البلاد العربية، من سن السادسة إلى سن السادسة عشرة؛ يقضون ما بين اثنتي عشرة ساعة وأربع وعشرين ساعة أمام التلفاز أسبوعياً. وأنّ سن الخامسة حتى السابعة هو السن الذي يبدي فيه الطفل أقصى اهتمام بمشاهدة التلفاز"[1].
والسبب في أن أطفالنا يختارون التلفاز لقضاء الأوقات؛ هو أنه يخاطب حاستي السمع والبصر، إضافة إلى الطريقة التي تُقدَّم بها برامج الأطفال، حيث يؤكد الدكتور عاطف العبد: " أن الحركات والتعبيرات التي تظهر على وجه المذيع ونسمعها منه، الموجهة للأطفال؛ تساهم في توصيل الرسالة الإعلامية وتكملتها"[2].
وكل من يراقب الأطفال وهم يشاهدون برامج جذابة استخدمت فيها تقنية مُرضية من الصوت والصورة والإخراج؛ يجدهم وقد تجمعوا أمام الشاشة، ففغروا لها الأفواه والأعين، حتى إننا لنحسبهم رقوداً وهم أيقاظ!
لذلك؛ إن استطاعت الأسرة إكساب أطفالها مهارة التفاعل الواعي مع شاشة التلفاز؛ فإنهم سيتمكنون -بإذن الله- من استخدام الأدوات ذاتها مع بقية وسائل الإعلام.
وقد قُسمت هذه الورقة إلى فصلين:
الفصل الأول يستعرض:
أولاً: دلالة الأسرة في مجتمعنا.
ثانياً: مفهوم الإعلام، ومفهوم التربية الإعلامية.
ثالثاً: خصائص النمو في مرحلة الطفولة.
رابعاً: أثر التلفاز على الأطفال.
والفصل الثاني يستعرض:
أولاً: إرشادات وخطوات تُكسب الطفل مهارة التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام.
ثانياً: اقتراحات لوزارة التربية والتعليم في السعودية لمساعدة الأسرة في تبني دورها الحيوي.
إن الأمية -التي على الأفراد والمجتمعات التنبه إليها- ليست فقط أمية القراءة والكتابة؛ بل عليهم أن ينتبهوا أيضاً إلى أمية التلفاز؛ إذ إن التركيز على إصدار حكم الإدانة أو المصادقة على التأثير القوي لوسائل الإعلام؛ قد انصرم عهده؛ لأنه أمرٌ مفروغ منه، وحان وقت التفاعل الواعي مع وسائل الإعلام واستثمارها. وهذا ما تهدف إليه الدراسة بعون الله.
الفصل الأول
أولاً- دلالة الأسرة في مجتمعاتنا:
ورد في لسان العرب: الأسرة "هي الدرع الحصين"[3]. وفي المعجم الوسيط معنى (الأسرة) لغوياً: يعني: القيد، يُقال: أَسَرَهُ أَسْراً وإِسَاراً: قَيَّدَهُ، وَأَسَرَهُ: أَخَذَهُ أسيراً.
ومن معانيها أيضاً: الأسرة هي أهل الرجل، وعشيرته، والجماعة يربطها أمر.
وتعرف الدكتورة سناء الخولي الأسرة "بأنها جماعة اجتماعية أساسية ودائمة، ونظام اجتماعي رئيس، وهي ليست أساس وجود المجتمع فحسب؛ بل هي مصدر الأخلاق، والدعامة الأولى لضبط السلوك، والإطار الذي يتلقى منه الإنسان أول دروس الحياة الاجتماعية"[4].
ودلالة الأسرة -لغة واصطلاحاً- في مجتمعاتنا توحي أن الأسرة يضمها رباط وثيق، هذا الرباط يعلم أفرادها القيم والأخلاق، ويقيدهم عن ارتكاب المعاصي والمنكرات.
والتوجيه القرآني الكريم والنبوي الشريف لم يتركا خياراً للأسرة أن تقوم بدورها، في التربية، وغرس الدين والأخلاق في نفوس الأطفال؛ بل ألزماها بذلك، فكما قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الشيخان:
«... وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا»...
وبالمقابل؛ فإن هذين التوجيهين جعلا مسؤولية التربية جزءاً من عبوديتنا لله، نؤجر عليها، لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ» (رواه الترمذي).
وهذا المفهوم الجميل للتربية حوَّلها إلى سوار يزين المعصم، وليس عبئاً يثقل الكاهل، خاصة إن أُتقنَت التربية، فإن ذلك يورث محبة الله -جل وعلا- للعبد، لقوله -صلى الله عليه وسلم- «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ» (رواه الطبراني).
وأي الأعمال أجل وأشرف من إتقان تربية الطفل، وتعهده بحسن الرعاية؛ حتى يصبح الاستثمار الأمثل للمجتمعات والأوطان والأمة، محققاً بذلك السعادة والنجاح لنفسه في الدارين؟ يقول الإمام الغزالي في إحيائه: "الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفسية، فإن عوَّدَهُ الخير وعلمه؛ نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وإن عوده الشر وأهمل إهمال البهائم؛ شقي وهلك، وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه، ويعلمه محاسن الأخلاق"[5].
إن من دور الأسرة الحيوي ومسؤوليتها في هذا الزمن الذي وسم بتدفق المعلومات: تدريب أطفالها من سن مبكرة (من الرابعة) على التحدث عن أثر وسائل الإعلام وخطورتها، خاصة برامج التلفاز، ويستمر هذا في جميع مراحل نموهم، حتى إن أصبحوا شباباً؛ صاروا قادرين بكفاءة على نقدها، وتحليل مضامينها، ثم يتمكنوا بفعالية من استخدامها بنضج وذكاء؛ لإيصال أفكارهم وتطلعاتهم ونموذجهم الذي يمثلهم -فعلاً- إلى المجتمع؛ ليتحمل المجتمع مسؤولياته تجاه الشباب، ويساعده في تحقيق هذا النموذج.
وقد حذر د. إيهاب رمضان (استشاري المخ والأعصاب والصحة النفسية) من خطر التلفاز وآثاره السلبية قائلاً: "إن الحل لا يكمن في الابتعاد عن التلفاز نهائياً، ولكن لابد أن يكون وفق نظام محدد، مع ديمومة التشجيع على التواصل العاطفي والنفسي بين أفراد الأسرة، والتركيز على تعلم الطفل القيم الاجتماعية، وتعريفه بالخطأ والصواب"[6].
هذا النظام المحدد من شأنه أن ينقل الأسرة إلى حالة استثمار لجهاز التلفاز، بدلاً من أن تكون في حالة حرب، أو في وضع الهزيمة، وعدم الاقتصار على نقد محتوى برامج التلفاز، بل تستخدم هذا المحتوى في تحويله إلى أداة تثري ملكة النقد عند الطفل، والقدرة على الاختيار، ومهارة الحوار، واستخدام المنطق في الحكم على الأشياء[7].
إن على الأب والأم والراشد في الأسرة استشعار مسؤولياتهم وفهم التحدي، خاصة "أن الخطاب الإعلامي -بصفة خاصة- هو خطاب (مؤدلج)، وليس صحيحاً ما يردده بعض الإعلاميين والمثقفين العرب بقولهم: إن الحيادية أساس الرسالة الإعلامية، فكل إعلام منتم؛ إما لعقيدة، أو وطن، أو نظام. ومَثَلُ الإعلام غير المنتمي مثل بائع الصحف، الذي يوزع مضامين لا يفقه معناها. ودلائل هذه الحقيقة مبثوثة في الواقع المشاهد، وفي بطون الكتب الإعلامية المتخصصة"[8]. وبرامج الأطفال -التي تبث لهم، والتي أكثرها مستوردة- غير مستثناة من هذا الخطاب.
عند استخدام التلفاز؛ لا بد من الأخذ بالاعتبار أنه ليس شيئاً محايداً في المنزل، وأنه في اللحظة التي تضاء فيها الشاشة يتَّحد ذهن ومشاعر المشاهد -في عملية معقدة- لإدراك وفهم واستيعاب ما يُعرض، خاصة لدى الطفل، والآباء الحريصون على تربية أطفالهم عليهم أن يستخدموا هذا الجهاز؛ لينقل الطفل من حالة (الضحية) أو (المنهزم) التي تشكو منها أكثر الأسر، إلى وضع المنتصر والمستثمر لهذه الأداة، والسبيل إلى هذا -بعون الله- هو التربية الإعلامية التي نتناولها فيما يلي.
الفصل الأول
ثانياً- مفهوم الإعلام ومعناه ومفهوم التربية الإعلامية:
الإعلام:
ورد في المعجم العربي الأساسي، ص860، الصادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم:
"(إعلام) مصدره (علم)، وهو النشر بواسطة الإذاعة والتلفاز والصحافة.
ومعنى الإعلام مجرداً: "هو حمل الخبر أو النبأ من جهة إلى أخرى.
ثم تطور حتى صار مفهومه تبني قضية من القضايا، وطرحها من خلال قناعات معينة بقصد إيصالها إلى المتلقي، سامعاً، أو مشاهداً، أو قارئاً"[9].
"والإنسان في نظر رجال الإعلام (نفس إعلامية) تتغذى بالخبر، وتنمو بالفكر، وتتعافى باللحن"[10].
التربية الإعلامية:
عرَّف مؤتمر (التربية من أجل عصر الإعلام والتقنية الرقمية) -الذي عقد في (فينا) في 18-20 أبريل 1999م- التربيةَ الإعلامية بأنها: "التربية التي تختص في التعامل مع كل وسائل الإعلام الاتصالي، وتشمل الكلمات، والرسوم المطبوعة، والصوت، والصورة الساكنة، والمتحركة؛ التي يتم تقديمها عن طريق أي نوع من أنواع التقنيات"[11].
وإذا نظرنا إلى تطور التربية الإعلامية؛ نجد أن الفهم السائد -في الخمسينات والستينات الميلادية- عن عقل المشاهد أنه كاللوح الأملس، فكانت الأجندة التعليمية هي (التطعيم)، وجعل المشاهد يميز بين الإعلام الجيد والإعلام الفاسد، وأن يقدر جمال الإعلام الجيد.
هذا المفهوم تطور في السبعينات والثمانينات الميلادية إلى توجيه أسئلة (إيديولوجية) للإعلام، بدلاً من الأسئلة الجمالية، على سبيل المثال:
كيف ولمصلحة مَن يعمل الإعلام؟ كيف ينتظمون؟ كيف ينتجون المعاني؟ كيف يعبرون عن الواقع؟ واقع مَن هو الذي يعبرون عنه؟
ثم -في التسعينات الميلادية- لم يعد الجمهور متلقياً أو ناقداً؛ فحسب بل ومنتجاً للمعاني الإعلامية، ذات الصلة بالنواحي الشخصية وبالمجتمع[12].
والهدف من التربية الإعلامية هو "تمكن أفراد المجتمع من الوصول إلى فهم لوسائل الإعلام الاتصالية التي تستخدم في مجتمعهم، والطريقة التي تعمل بها هذه الوسائل، ومن ثم تمكنهم من اكتساب المهارات في استخدام وسائل الإعلام للتفاهم مع الآخرين"[13].
والمتأمل في تعريف التربية الإعلامية، وفي الهدف الذي تسعى لتحقيقه، وتطورها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه؛ يدرك أنها لا تخاطب ولا تحمل وسائل الإعلام -على نحو مباشر- مسؤولية الآثار السلبية التي يتعرض لها الأطفال إثر تعرضهم لهذه الوسائل؛ بل يرى أنها تتجه إلى متلقي ومستخدمي وسائل الإعلام، مطالبة الأسرة -التي هي الحضن الأول للمتلقي، والدرع الحصين له- أن تؤهل الطفل؛ لفهم ماهية الإعلام ووسائله، منذ طفولته المبكرة، وأول ما تفعله الأسرة هو التعرف على خصائص نمو المرحلة.
الفصل الأول
ثالثاً- خصائص النمو لدى الطفل:
يقسم العلماء مراحل نمو الطفل إلى الطفولة المبكرة، التي تبدأ من الميلاد حتى سن السادسة، والطفولة المتأخرة من سن السادسة وتستمر حتى سن الثانية عشر.
ونستعرض هنا خصائص النمو الإدراكي، والنمو الانفعالي، والنمو الديني الخلقي، والنمو الاجتماعي الوجداني للطفل، من سن الرابعة إلى سن السابعة؛ ليدرك الآباء مدى تأثير التلفاز على الأطفال في هذه السن.
1- النمو الإدراكي
لذلك؛ فالطفل حينما يرى برامج التلفاز -خاصة برامج العنف أو الإثارة أو الرعب- أو حينما يرى الشخصيات النمطية التي تقدمها الأفلام المستوردة، كانتصار الرجل الأبيض، وقدرته الخارقة على الطيران والقفز، (والخلوص من المآزق)؛ يظن أن هذا واقعاً يستطيع محاكاته، والشواهد كثيرة على ذلك نقرأ عنها في الصحف -كل يوم تقريباً- لأطفال تعرضوا لمخاطر جسيمة نتيجة لهذه المحاكاة.
وعندما يكبر الطفل يصبح دقيق الملاحظة، فيؤدي ذلك إلى دقة الإدراك الحسي لديه، ويتطور الخيال عنده، فيتحول إلى النوع الابتكاري، الذي يتصل بالحقيقة والواقع.
وتشتد لدى الطفل (من سن السادسة إلى الثانية عشرة) قوة العمليات العقلية، كالتصور والتخيل والتذكر، ويعتمد -نوعاً ما- على التصور البصري، ويبدأ بالانتقال -تدريجياً- من المحسوسات إلى المعنويات، ويفكر بها منطقياً[14].
وهذا أمر على الأسرة التنبه له، حيث تسمح بعض الأسر للأطفال (حتى السابعة من عمرهم) بمشاهدة بعض البرامج الخاصة بالكبار، بحجة أنهم لم يفهموا بعد، أو أنهم لا يعون ما يُعرض!! بل إن الطفل بهذا السن يمتلك دقة الملاحظة، ويعتمد على بصره في التخيل وفي التذكر، ويحاول إيجاد منطق وتفسير لما يراه. ويؤثر على إدراكه سلباً أن يرى المُنكر والباطل والعيب -الذي يُنهى عنه في البيت والمدرسة- جميلاً منمقاً في التلفاز[15].
2- النمو الانفعالي
بعد سن السادسة تقل حدة الانفعالات عند الطفل، وتزداد سيطرته عليها، ويصبح النمو الانفعالي لديه نمواً وجدانياً اجتماعياً، فيقل اعتماده على أبويه، ويرفض -نوعاً ما- الخضوع لاستبداد الكبار، ويندمج أكثر في مجموعة الأطفال؛ يستشعر القوة معهم، ويدين لهم بالولاء[16].
لذلك لابد للأسرة أن تتخذ من الحوار والنقاش الهادئ سبيلاً مع طفلها (في هذه السن) لإقناعه واستمالته لفكرة ما. ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأسوة الحسنة، فهو -عليه الصلاة والسلام- حينما أراد تعليم عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- وهو غلام صغير كلمات هامة، لم يقلها -عليه الصلاة والسلام- مباشرة، إنما أردفه خلفه على بغلة، ثم مشى به ملياً لإشباع رغبة الغلام في الركوب، وبعد ذلك خاطبه الرسول بأسلوب ملاطفة وسؤال:
«يَا غُلاَمُ - [وفي رواية:] يَا غُلَيِّمُ- أَوَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَحْفَظُهُنَّ.. احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ...» (رواه الترمذي).
والغلام -لغةً- تطلق على الصبي من سن السابعة إلى العاشرة.
3- النمو الديني الخلقي
وفي سن السابعة يبدأ الطفل بالتمييز، ويبني على ذلك كثيراً من الأحكام، وفي هذا السن وجهّنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نبدأ بتعليم أولادنا الصلاة بقوله:
«عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلاَةَ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا فِي المَضَاجِعِ» (رواه أبو داود).
وهذا الحديث المعجز في تلخيصه للنمو الديني والخلقي للطفل (من سن السابعة حتى العاشرة)؛ يثبت أن الطفل من السابعة قادر على التمييز بين الحق والباطل، فلابد للأسرة أن تعلمه وتوجهه ليتحمل مسؤولياته، وإن أخل بها فلابد من محاسبته على هذا التقصير. وفي هذه المرحلة من النمو الفكري يتكون لديه الكثير من السلوك والتصرفات.
إن خصائص النمو الديني الخلقي والاجتماعي لَتنذر بالخطر الشديد مَن يترك للطفل الحبل على غاربه لمشاهدة التلفاز، دون أن يرافقه في أثناء ذلك؛ لأن عقل الطفل سيضج بالأسئلة، وإن لم يجد من يجيبه عنها؛ فسيعوق نموَّه السليم. وشيئاً فشيئاً -لما للتلفاز من سلطة جذابة واستحواذ على عقل الطفل ومخيلته وحواسه- سيصبح التلفاز هو المكوِّن لسلوك وتصرفات الطفل، يحاكي من يراهم، أكثر من محاكاته لوالديه وأفراد أسرته، وهذه لعلها من أكثر الآثار السلبية على الطفل.
الفصل الأول
رابعاً- الآثار السلبية والآثار الأخرى للتلفاز:
ربما لم يجمع الخبراء والعلماء -على تعدد لغاتهم ومعتقداتهم ومشاربهم- على أمرٍ قدرَ إجماع خبراء وعلماء التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع على خطر جهاز التلفاز وآثاره السلبية، خاصة على الطفل، حتى الذين يرون في التلفاز بعض فائدة فهم يؤكدون على ضرورة وجود الراشد مع الطفل، ليلفت نظره لهذه الفائدة.
بعض الآثار السلبية للتلفاز، من جوانب نفسية واجتماعية وصحية، نذكر منها:
1- يولِّد التلفاز الغلظة في المشاعر والبلادة في الأحاسيس؛ وذلك لأن الطفل يختلط لديه التمثيل بالواقع.
2- يولِّد الميول العدوانية لدى الطفل، ويتعهدها بالرعاية، فالعنف يُكتسب أسرع من المهارات الذهنية.
3- يُغذي التلفاز الطفل بالقيم الهابطة.
4- يُنحِّي الأسرة عن دورها في التربية، خاصة بعد خروج الأم للعمل، فصار مصدر القيم وسائلُ الإعلام، خاصة التلفاز.
5- يُساهم في تدني الذوق العام، حيث يتقبل الأطفال عروضه السمجة ويتجاوبون معها.
6- يثير الغرائز الجنسية مبكراً، قبل أن ينضج الطفل.
7- يصور الكذب والخداع والمراوغة بأنها ذكاء وحيلة ومهارة.
8- يصبغ المفهوم الحضاري صبغة مغايرة لحقيقته، فلفظة النجوم والأبطال لا يقصد بها الشخصيات التي أثرت وصنعت الأحداث (كالأنبياء والرسل -عليهم صلوات الله- أو الصحابة، أو الكُتاب والأدباء والأطباء والمعلمين وغيرهم) بل نجدهم -حصراً- من ساحة الفن والطرب والرياضة والتمثيل، أو أبطال (الأفلام الكرتونية المدبلجة)[18].
9- يصرف الأطفال عن واقعهم وحقائقهم، ويحذرهم؛ فلا يكاد الطفل المسلم يعرف عن حقيقة الحرب بين المسلمين واليهود/ وحقيقة المسجد الأقصى، ولا عن حقيقة الاحتلال الأمريكي للعراق!
10- يُعرِّض صحةَ الطفل للخطر بسبب الأرق والقلق.
11- يؤثر على بنية الطفل من حيث استقامة الظهر.
12- يحد التلفاز من ممارسة الطفل للعب والحركة.
13- يستنزف طاقتهم على الحفظ والتذكر بما يبثه من أغان قد تدعو كلماتها للعنف أو الإثارة أو التمرد على أوامر الكبار. وهذا الاستنزاف يأتي على حساب اهتمامهم بحفظ القرآن الكريم، وحفظ دروسهم، وحفظ المعاني التي تعزز عندهم العفة والأخلاق والقيم[19].
14- وُجد أن هناك علاقة وثيقة بين السُّمنة عند الأطفال وبين مداومة مشاهدة التلفاز؛ ذلك لأن الجلوس عند التلفاز لا يحتاج إلا إلى طاقة قليلة جداً، مقارنة بالأنشطة الأخرى، وغالباً يتعرض الطفل -وهو يشاهد التلفاز- لتأثير الإعلانات التي تزين له الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية غير المفيدة، التي تسمى (بالأطعمة الفارغة)، فيستجيب الطفل لهذه المغريات، ويتناول هذه الأطعمة.
15- يهدد الهوية الثقافية بواسطة تدفق المعلومات والأفكار فيما بين الثقافات[20].
16- يضعف قدرة الطفل على القراءة؛ لأنه يتعود على الصور السريعة المتداخلة الملونة، وهو ما لا يجده في صفحات الكتب، وضعف الطفل على القراءة يقوده إلى ضعف التحصيل العلمي الذي يُتَلَقَّى -على نحو رئيس- من الكتب الدراسية.
17- يحتل التلفاز مكان الحياة الأسرية والاجتماعية، فبوجوده يتضاءل وقت الكلام، والحوار، أو حتى الشكوى بين أفراد الأسرة، ويحل محل الأصدقاء، فيقلل ذلك من اكتساب الخبرات[21].
أما الآثار الأخرى للتلفاز، التي قد يطلق عليها (الإيجابية)؛
وإنه من الصعوبة بمكان تحديد الآثار غير الضارة على نحو مطلق وعام؛ لأن مفهوم (غير الضارة) يتحدد حسب خلفية الطفل الدينية بالدرجة الأولى، ثم بالخلفية الثقافية والاجتماعية له. فلو قلنا -مثلاً- إن من الآثار غير الضارة لبرامج التلفاز: التسلية والترفيه، والثقافة والإطلاع، والتعرف على حل للمشاكل الاجتماعية.. فأي من هذه البرامج تؤدي -فعلاً- الغرض الذي أعدت من أجله، دون أن تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف وأخلاقه[22]؟
لذلك لا مناص من التعامل مع التلفاز أداةً نديرها ونستثمرها، ونعلم أولادنا كيفية التفاعل الواعي معها، فيتكون لديهم الحس النقدي، والقدرة على اختيار ما يناسب تعاليم دينهم ورفض ما سواه. وهذا الذي سنتطرق إليه -بإذن الله- في الفصل الثاني من الدراسة.
يتبع