بعض النوازل في العبادات (استعمال مياه الصرف الصحي)


موقع علماء الشريعة
التمهيد:
مياه الصرف الصحي بعد أن يتم تنقيتها وإزالة ما علق بها من أوساخ هل تصبح طاهرة باعتبار ما آلت إليه أم أنها تبقى نجسة باعتبار حالها الأول.
هذا يتطلب منا الرجوع إلى أقوال العلماء في كيفية تطهير الماء.
أقوال العلماء في تطهير الماء:
1- قال الجمهور: تطهير المياه إما بصب ماءٍ طهور عليها، أو نزح بعضها، أو زوال التغير بنفسه. إلاّ أن الشافعية والحنابلة يشترطون فيما نزح بعضها بأن يبقى بعد النزح قلتان فأكثر، وللمالكية في النزح قولان.
2- وقال الحنفية: يطهر الماء النجس بنزح مقدار منه، لكن يختلف مقدار ما ينزح لتحصل به الطهارة للباقي باختلاف نوع النجاسة واختلاف أحوالها.
ومما سبق يتضح لنا أن الجمهور يرون تغير الماء بنفسه إما بالشمس أو غيرها سبباً في طهارته، لأنه استحال إلى شيءٍ طاهر.
وقد اختلف العلماء في الاستحالة.
1- فقال الحنفية والشافعية وهي رواية عن أحمد اختارها ابن تيمية[1]: يطهر الشيء باستحالته عن النجاسة، واستدلوا بما يلي:
أ- أن عين النجاسة قد زالت واستحالت فلم يبق لها أثر فينبغي أن ينتفي حكمها، لأنها صارت من الطيبات، والله - تعالى -يقول: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) . قال ابن حزم: (إذا استحالت صفات عين النجس أو الحرام فبطل عنه الاسم الذي به ورد ذلك الحكم وانتقل إلى اسمٍ آخر وارد على حلالٍ طاهر فليس هو ذلك النجس ولا ذلك الحرام، بل قد صار شيئاً آخر ذا حكم آخر).
ب- القياس على ما يطهر بالاستحالة كالمسك فإنه طاهر مع أنه من الدم، لأنه استحال عن جميع صفات الدم، والخمرة تطهر إذا انقلبت بنفسها خلاً، والدم يصبح منياً، والعلقة تصبح مضغة، ولحم الجلالة الخبيث يصبح طيباً إذا علف الطيب، وما سقي بنجس إذا سقي بالماء الطاهر، والجلد يصبح طاهراً بعد الدبغ. قال ابن تيمية - رحمه الله -: وتنازعوا فيما إذا صارت النجاسة ملحاً في الملاحة أو صارت رماداً، أو صارت الميتة والدم والصديد تراباً كتراب المقبرة فهذا فيه خلاف، ثم قال: والصواب أن ذلك كله طاهر إذ لم يبق شئ من النجاسة لا طعمها ولا لونها ولا ريحها. وقال ابن قدامة - رحمه الله -: يتخرج أن تطهر النجاسات كلها بالاستحالة.
اعتراض ودفعه:
أن الخمر إذا انقلبت خلاً بنفسها طهرت، وإذا خللت لم تطهر فيقاس عليها غيرها.
والجواب: أن الخمرة إنما لم تطهر لأنه يحرم تخليلها، ولأن اقتناء الخمر حرام فمتى قصد باقتنائها التخليل كان قد فعل محرماً، والله أعلم.
2- وقيل بأن النجاسات لا تطهر بالاستحالة وهي رواية عن أحمد وقول لمالك، وللشافعي فيما نجاسته عينية كالميتة، واستدلوا بما يلي:
أ- أن النجاسة لم تحصل بالاستحالة فلم تطهر بها كالدم إذا صار قيحاً وصديداً.
ب- واحتياطاً للشك في النجاسة.
ج- ولأن الأجزاء الجديدة هي تلك الأجزاء السابقة للنجاسة.
د- قياساً على الجلالة فمع أن النجاسة استحالت لم يحكم بطهارتها.
ونوقش بأن النجاسة قد زالت، وأما الجلالة فإنها تطهر بإطعامها الطاهر.
الترجيح:
الراجح هو طهارة مياه الصرف الصحي إذا زالت النجاسة تماماً لزوال أوصافها وهي اللون والطعم والرائحة فتعود المياه إلى أصلها وهو الطهورية وإن كان ينبغي للمسلمين اجتنابها اكتفاءً بالمياه الأخرى ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً احتياطاً، ولأن النفس قد تعاف تلك المياه وتستقذرها، وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
ـــــــــــــــ ـــــــــ
المراجع:
مجلة البحوث الإسـلامية. العدد 35، الصفحة 35. وذكر بها عدد من المراجع الفقهية وغيرها.
-------
[1] - وفرق الشافعية بين ما هو نجس لعينه أو لمعنى فيه، وفي الفتاوى الهندية عد المطهرات فذكر منها الاستحالة.