أوراق الشجر تتبدل وأنت ترفض التغيير !!



هيام الجاسم


نحن دوما نتغير وفي كل يوم من حياتنا يجري علينا تغير، قد لا نلاحظ هذه ليست مشكلة عندنا، المهم هي حقيقة علمية ثابتة أننا نتغير، رغما عنا حتى لو لم نشأ أن نتغير، مراحلنا العمرية تحكي لنا قصة تبدل أحوالنا وتغير طباعنا، وقصتنا مع دنيانا تقول إننا كنا صغارا رضّعا ثم صرنا أطفالا انتقلنا بعدها إلى فتيان وفتيات طال بنا عهد عدم الاستقرار ثماني سنوات نكابد بها شيئا ما يسمونه مراهقة أرهقت أصحابها! ثم شبابية ثم نضج عقلي في الأربعينات والخمسينات من أعمارنا، وإلى أن نصير أو صرنا داخل شيخوختنا، دوما نتغير، ربنا عز وجل ينزل علينا ملامح وخصائص في أنفسنا عند دخولنا كل مرحلة عمرية جديدة، ونكتشف لحظتها أننا ما عدنا كما كنا، نحدّث أنفسنا مستغربين: يا ترى ماذا طرأ علينا؟! ولماذا ما عدت أقاوم بعد أن كنت أقاوم؟! لماذا أنا الآن مفرط في الحساسية وأنا الذي كنت لا أعير اهتماما لمن يؤذيني؟! لماذا أبكي من أبسط الأحداث من حولي بعد أن كنت أنا المهدّئ لغيري؟! لماذا أصبحت ألتفت للاهتمام بأمور ما كنت سابقا ألتفت لها، بل كنت أضحك من غيري حينما تشغل حيزا من اهتمامه؟! لماذا رقة القلب صارت تطرق أبواب قلبي بعد أن كنت أنا القوي؟! ينظر إلى هيئته في المرآة رجلاً كان أم امرأة وإذا الخرائط و التجاعيد بدأت تغزو قسمات وجهه، قد ولّى عنه الشباب منصرفا بلا رجعة. الشيب دنا ثم دنا حتى صار مقتحما شعر الرأس والشارب وزد عليه إن شئت لحيته التي تشكل رسمة وجهه! إنه عمر الخمسين من حياة الإنسان!! هواجس النفس كثيرة في داخلنا! نشعر بالخوف من انحدار عافيتنا بتربع الأمراض في أجسادنا إذ ما عادت مناعتنا مثلما كنا شبابا!! نفتش عمن يرعانا، ويهتم بنا، وهاجسنا كما حدثتني إحدى قريباتي: (لقد قمت برعاية أخوتي الرجال في حال مرضهم وكبرهم حتى ماتوا في شيخوختهم، وأنا يا ترى هل سأجد من يرعاني؟!) قد نجتهد لنروّض قلوبنا على تفريغها لطاعة الله نعم، قد نصرف جل اهتمامنا للالتصاق بأسرنا أكثر فأكثر نعم، قد تبحر ذاكرتنا في الذي مضى من تجارب حياتنا، ونهز رؤوسنا يمنة ويسرة ألما وحزنا على عمر قد ضاع في مكابدة العناء مع أناس لا يستحقون منا المكابدة، وبتلقائية عفوية نضرب كفا بكف ولساننا يلهج: “لعلنا مأجورون بصبرنا على دنيانا” المهم في النهاية أننا أدركنا مراحل من أعمارنا قطعناها أشواطا طوالا هي خلاصة وعصارة تجارب نزيّن زبدتها لعيالنا وننقلها لأعزائنا، كل شيء في عمر الخمسين يتغير: صلابة قلوبنا تضعف، وسعة صدورنا تضيق، ولا نعود نتحمل الضوضاء من حولنا، وعيالنا نعاملهم كأحفاد لنا، وقد يزداد القلق لمشروع انتقاص العمر، فهاهو ذا قد دنا يوم الرحيل، ومفارقة دنيا طويلة في منظورنا قد عشناها بطولها وبعرضها وبحلوها وبمرها، ولا نملك إلا التمسك ببواقيها، وكل شيء في نقصان: أعمارنا، وعافيتنا، وسعة صدورنا، وقوة تحملنا، مع الفوارق الكبرى بين النساء والرجال في الكم والكيف والزيادة والنقصان!! كل شيء يتغير في دنيانا حتى نظرتنا للأمور ما عادت بذلك الحماس والاندفاع السابقين، كل شيء من حولنا نتعاطى معه بتأنٍ وتؤدة حتى لا نخطئ كما كنا نخطئ! لا نرضى أن يغيرنا الآخرون، ونريد أن يصدر التغيير من أنفسنا بدافع من ذواتنا، والمشكلة أننا بالرغم من ادعائنا أننا نحن من يغير ذاته إلا أننا في الحقيقة نرفض أن نتغير رفضا قاطعا، ونطالب من حولنا أن يتكيفوا معنا وفق طباعنا المتأصلة بنا، وحتى لو اضطررنا إلى أن نخسر من نحب ونعز، حتى لو اضطررنا أن نخسر من لا نستغني عنهم في دنيانا؛ المهم أننا لا نريد أن ترتحل عنا طباعا ألفناها سنوات طوال هي رفيق دروبنا مهما كان ضررها علينا وعلى من حولنا.

عزيزي القارئ لماذا... لماذا كل هذا؟! لماذا نرفض أن نتغير، فأوراق الشجر تتبدل، والزواحف تبدل جلودها، وكل شيء آيل للتغيير ثم إلى السقوط والانتهاء، حينما يقترب الرحيل فعونا نسقط ونرحل ونحن كبارا في نفوسنا نرضي ربنا ويترحم علينا من حولنا أفضل لنا من أن نموت ونسقط ونحن صغار في نفوسنا، يفرح من حولنا أن قد تخلص منا، حتى لو تظاهروا في مجلس عزائهم بالحزن علينا إلا أن قلوبهم قد تحدثهم على استحياء. تقول لهم: «صحيح الله يرحمه ويغمد روحه الجنة إلا أننا قد استرحنا منه وأراحنا ربنا من أذاه» ثم بعدها يتنهدون ويتنفسون الصعداء وتخر دموعهم ربما فرحا أن قد فارقوك والناس في العزاء يظنون أن تنهداتهم ودموعهم حزنا عليك!!!