.
تشتاق نفسه الكريمة صلى الله عليه وسلم للولد فيرزقه الله بولد على كبر فيفرح صلوات الله وسلامه عليه ويخرج على أصحابه مبشراً فيقول:
وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ،
ويعظم حب ذلك الولد عند أبيه الذي وصفه الله بالرأفة والرحمة بالمؤمنين فكيف بأقرب الناس إليه ابنه، لذلك كان يخرج عليه الصلاة والسلام من المدينة إلى العوالي (حوالي خمسة كيلومترات) فقط ليأخذ إبراهيم ويقبّله ويضمه ثم يرده إلى مرضعته ...
لكن يشاء الله تعالى أن يقبض ذاك الولد فقد مضت سنة الله تعالى في ابتلاء الأنبياء فيقف صلى الله عليه وسلم على ولده وينظر إليه وهو يجود بنفسه فتذرف دمعته عليه الصلاة والسلام ثم يتبعها بأخرى ويقول إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ...
لعل هذه الوفاة كانت سحراً أو فجراً فما أن طلعت الشمس وارتفعت قيد رمحين أو ثلاثة حتى حصل أمر عظيم رج المدينة خوفاًُ ورعباً ألا وهو كسوف الشمس، أظلمت المدينة في وقت كانت أكثر ما تكون فيه إضاءةً، فقام عليه الصلاة والسلام فزعاً خائفاً وجلاً يجر إزاره حتى أنه من الخوف عجل عن ردائه وفي رواية أنه أردا لبس ردائه فلبس درعاً (قميصاً) لأحد زوجاته، حتى تبعه إنسان بردائه وأعطاه إياه ...
خرج عليه الصلاة والسلام على الناس فزعاً خائفاً يخشى أن تكون الساعة، ثم نودي أن الصلاة جامعة، فاجتمع الرجال والنساء صفوفاً خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فاستفتح الصلاة عليه الصلاة والسلام وقرأ قراءة خاشعة طويلة بمقدار سورة البقرة ثم ركع ركوعاً طويلاً ثم رفع وقرأ مرة أخرى ثم ركع ثانياً ركوعاً طويلاً ثم سجد سجدتين طويلتين، حتى تقول عائشة رضي الله عنها ما سجدت سجوداً قط كان أطول منها، ثم فعل مثل ذلك في الركعة الثانية . . .
كانت صلاة طويلة حتى قال أبو موسى رضي الله عنه كان أطول قيام وروكوع وسجود رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعله قط، لكن ليس هذا فحسب، بل حدث خلال الصلاة أمراً عجيباً إذ تأخر النبي صلى الله عليه وسلم من مكانه فتأخرت الصفوف من خلفه حتى انتهوا إلى صفوف النساء، ثم تقدم عليه الصلاة والسلام وتقدم الناس معه حتى قام في مقامه ثم جلس للتشهد فانجلى الكسوف وعاد ضوء الشمس، ثم سلّم صلى الله عليه وسلم من صلاته وقام ليخطب في الناس ...
فحمد الله وأثنى عليه ثم قال عليه الصلاة والسلام إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ
ثم قال
فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا
ثم قال صلى الله عليه وسلم
يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا
وهنا تأمل قوله صلى الله عليه وسلم يا أمة محمد وهذا أسلوب فيه معنى الاشفاق والخوف على الأمة ثم أردفه بقسم فقال والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته
وتخصيص الزنا هنا أمر عجيب مخيف يدل على عظم وشناعة هذا الذنب العظيم، وأثره في غضب الله عز وجل وانتقامه، يقول ابن مسعود رضي الله عنه (ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أذن الله بهلاكها)
ثم يعود صلى الله عليه وسلم فينادي أمته بصيغة الإشفاق والإنذار فيقول يا أمة محمد لو تعلمون ما أعلم أي لو تعلمون ما أعلم من عظيم قدرة الله وانتقامه وشدة بطشه بمن عصاه واستحل محارمه لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً
فهو سبحانه ملك الملوك غيور على محارمه شديد في عقابه وانتقامه ممن عصاه
ثم يكمل عليه الصلاة والسلام خطبته في رواية أخرى فيقول
مَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي صَلَاتِي هَذِهِ لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا (وفي رواية َأخرى أنه قال لَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ)
وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِي وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ وَحَتَّى رَأَيْتُ فِيهَا صَاحِبَةَ الْهِرَّةِ الَّتِي رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا
ثُمَّ جِيءَ بِالْجَنَّةِ وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَقَدَّمْتُ حَتَّى قُمْتُ فِي مَقَامِي وَلَقَدْ مَدَدْتُ يَدِي وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَنَاوَلَ مِنْ ثَمَرِهَا لِتَنْظُرُوا إِلَيْهِ ثُمَّ بَدَا لِي أَنْ لَا أَفْعَلَ فَمَا مِنْ شَيْءٍ تُوعَدُونَهُ إِلَّا قَدْ رَأَيْتُهُ فِي صَلَاتِي هَذِهِ
وهنا تنبهوا أيها الأحبة لصاحب المحجن ذاك الخبيث الذي لا تستطيع إثبات مأخذ عليه لكن مطلع عليه وسيعاقبه بما يستحق وتأملوا تلك الظالمة صابحة الهرة، نزعت من قلبها الرحمة على مجرد هرة ..مجرد هرة !! فاستحقت النار عقاباً رادعاً
ثم في نهاية الخطبة رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال اللهم هل بلغت
وأشهد أنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ولكن ماذا فعلنا بما بلغنا عنه صلى الله عليه وسلم ؟؟
قبل أيام قليلة حدث كسوف الشمس ..كنت في سفر استوقفتني أحد القنوات الفضائية وهي تعرض منظر الشمس وقت الكسوف وتستضيف أستاذا في الفلك وآخر طبيباً للعيون !!
وكان نقاشاً حول "ظاهرة الكسوف" وتغطية إعلامية لها كأي حدث رياضي أو سياسي مع تجاهل تام لعلماء الشرع وكأن الأمر لا يعنيهم من بعيد أو قريب ، ولا عجب في هذا أبداً من هذه القناة وأمثالها فقد تجاهلوا الدين في كثير من أمرهم فنساؤهم يذكرونك بعهد الجاهلية وسوق النخاسة عندما كانت المرأة سلعة تعرض على القاصي والداني، قبل أن يكرمها الله بالحجاب والستر ...
ليس هذا فحسب بل تبجح أستاذ الفلك هذا وقال الكسوف ظاهرة طبيعية لا علاقة لها بعقاب ولا عذاب !!
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كبيراً ..
سبحان الله لا علاقة لها بعقاب ولا عذاب !!
إذن لم خاف النبي صلى الله عليه وسلم وخرج فزعاً خائفاً ؟
لمَ شرع الله سبحانه العليم القدير هذه الصلاة ؟
أكان جهلاً بهذا التحليل العلمي الذي وصل إليه ذاك الأستاذ ؟؟
قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ؟؟
وصدق سبحانه عندما قال ( قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) لكن هذا النظر لن يكون له أثر ولا معنى إن لم يسبقه إيمان بالله سبحانه لذلك قال سبحانه (وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ )
ثم يعقب سبحانه
(فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِين َ)
أتعرفون أيها الأحبة ماذا حصل لمن قبلنا ؟؟
استكبروا في الرض وقالوا من أشد منا قوة حتى جاءهم عارض (سحاب معترضهم ) فقالوا هذا عارض ممطرنا ... ظاهرة طبيعية تحدث دائماً لا علاقة لها بعقاب ولا عذاب فماذا كانت النتيجة يقول سبحانه
( فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25) وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26) )
لذلك أيها الأحبة تقول عائشة رضي الله عنها وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا { هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا }
ما يؤمننا أيها ألأحبة ألا يكون في هذا الكسوف العذاب فلنتق الله ولنرجع إليه ولنحيي السنة ونخاف من الله قال صلى الله عليه وسلم (من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا وإن سلعة الله غالية ألا وإن سلعة الله الجنة).
والله أعلم .