اختلفت أقوال الناس في بيان حقيقة الرؤيا بين التفريط والإفراط ولذا قال المازري:
كثر كلام الناس في حقيقة الرؤيا وقال فيها غير الإسلاميين أقاويل كثيرة منكرة لأنهم حاولوا الوقوف على حقائق لا تدرك بالفعل ولا يقوم عليها برهان وهم لا يصدقون بالسمع فاضطربت أقوالهم. انتهى المراد ذكره.
قلت ولكن حقيقة الرؤيا فيما ذكره ابن حجر حيث قال وقال الحكيم أيضا وكل الله بالرؤيا ملكا اطلع على أحوال ابن آدم من اللوح المحفوظ، فينسخ منها ويضرب لكل من قصته مثلا، فإذا نام مثل تلك الأشياء على طريق الحكمة لتكون لـه بشرى أو نذارة أو معاتبة، والأولى قد تسلط عليه الشيطان لشدة العداوة بينهما، فهو يكيده بكل وجه، ويريد إفساد أموره بكل طريق، فيلبس عليه رؤياه، إما بتغليطه فيها، وإما بغفلته عنها.
قال ابن القيم رحمه الله في بيان حقيقة الرؤيا: إنها أمثال مضروبة يضربها الملك الذي قد وكله الله بالرؤيا ليستدل الرائي بما ضرب لـه من المثل على نظيره ويعبر منه على شبهه.
الفرق بين الرؤيا والحلم والإلهام:
لقد ذكرنا طرفا من ذلك عند تعريفنا للرؤيا والحلم والذي ينبغي معرفته أن نصوص القرآن والسنة جاءت ببيان التفرقة بينهما وسنذكر طرفا من ذلك وقبل أن نشرع في بيان الفرق تفسير الأحلام وتعبير الرؤى نقول إن الإلهام لا يرجع إلى القواعد المعتبرة في الرؤيا والحلم وذلك لأنه لا يقع إلا للخواص بل لا يقع إلا لخواص الخواص فهو وحي باطن خفي ويحرم منه الفاسق العصي لاستيلاء وحي الشيطان عليه.
أما الفرق بين الرؤيا والحلم:
قال الله تعالى في سورة يوسف:[قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين] .
قال الإمام الطبري رحمه الله: يقول تعالى ذكره:قال الملأ الذين سألهم ملك مصر عن تعبير رؤيا: رؤياك هذه [أضغاث أحلام] يعنون أنها أخلاط رؤيا كاذبة لا حقيقة لها.
وهي جمع ضغث و (الضغث) أصله الحزمة من الحشيش يشبه بها الأحلام المختلطة التي لا تأويل لها و (الأحلام) جمع (حلم) وهو ما لم يصدق من الرؤيا
وقال ابن كثير رحمه الله: [أضغاث أحلام] أي أخلاط أحــلام اقتضته رؤياك هذه [وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين]. أي لو كانت رؤيا صحيحة من أخلاط لما كان لنا معرفة تأويلها وهو تعبيرها.
وقال تعالى في الرؤيا: [إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور] .
قال ابن كثير رحمه الله: قال مجاهد أراهم الله إياه في منامه قليلا وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك فكان تثبيتا لهم وكذلك قال إسحاق وغير واحد.
ومن خلال هاتين الآيتين يتبين لنا الفرق بين الرؤيا والحلم.
إن الرؤيا ليست باخلاط وإنما هي موزونة لا اختلاط فيها ولا إشكال ويمكن تعبيرها وتأويلها. بخلاف الحلم فإنه أخلاط ورؤيا كاذبة لا حقيقة لها أي لا تأويل لها وهي غالبا تكون من تلاعب الشيطان بالإنسان فللشيطان مكايد يحزن بها بني آدم وصدق ربنا حين قال:
[إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون].
فالشاهد من هذه الآية أن الشيطان يحزن الإنسان أحيانا فيريه في منامه ما يكره.


أما ما جاء في السنة من التفريق بينهما فمنها:
1- حديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان).
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
(إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره).
3- عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم فليتعوذ منه وليبصق عن شماله فإنها لا تضره).
وهناك أحاديث أخرى تدل على أن هناك فرقا بين الرؤيا والحلم وخلاصة الأمر في الفرق بينهما:
أن الرؤيا هي التي تتضمن بشرى للعبد بخير يصيبه دنيا وأخرى أو إنذارا أو تحذيرا له من الوقوع في شيء قد يعرض له فهذا من لطف الله تعالى بعبده أن ينذره ويحذره قبل أن تعرض عليه هذه الأشياء لينتبه لها.
أما الحلم فهو كما ذكرنا أخلاط لا حقيقة لها بل مداره على الفزع والحزن وغير ذلك مما فيه ما يكرهه الإنسان.