كلمات في العقيدة {فأي آيات الله تنكرون}

د. أمير الحداد




يدعي (العقلانيون) من الذين يدعون أن العقل يوصل إلى الحقيقة أن الدين يلغي العقل، وهذه نتيجة توصلوا إليها من فرضيات خطأ، وضعوها وتبنوها دونما عقل.

- هل تعلم كم مرة ذكر الله -عز وجل-، العقل وأهله ومهماته في القرآن الكريم؟ وهل تعلم أن الله أثنى على أصحاب العقول، والذين يتفكرون؟

لم يجبني، تابعت حديثي:

- في القرآن أكثر من ألف آية، ذكر الله فيها أولي الألباب: {الذين يتفكرون} {قل انظروا}، وغيرها، مثنيا عليهم، و{الذين لا يعقلون} و{الذين لا يتفكرون}، المشكلة هي (أصحاب المنهج العقلي، أو التجريبي)، الذين يستخدمونه في غير موضعه، كمن يستخدم العين ليسمع، أو الأذن لتنظر، فيبين الله لنا في آيات كثيرة، أن النظر والتفكر والتدبر في آيات الله يهدينا إلى الخالق -عز وجل-، وأنه قادر عظيم قوي، يدبر شؤون هذا الكون بما فيه، ومن فيه.

والآيات كثيرة جدا، ابتداء من خلق الإنسان ووظائف أعضائه، وانتهاء بخلق السماوات والأرض، ومرورا بالأرض والزرع والبحار والأنهار والجبال، والطير والدواب وكل شيء حولنا، يدلنا على خالقه، -سبحانه وتعالى.

ولا يسع العاقل المنصف إلا أن يؤمن بالله -عز وجل- وحده لا شريك له، لكثرة الأدلة ووضوحها؛ ولذلك يقول -عز وجل-: {وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ} (غافر:81)؟ والجواب عن كل عاقل، فلا يمكننا أن ننكر آية من آيات الله، ودعني أقرأ لك شيئا من تفسير هذه الآية، ومثيلاتها، وهذا ما يجب على كل عاقل أن يفعله، وهو أن يطلع على ما يقوله أهل الاختصاص حتى يصل إلى العلم الصحيح، اسمع هداني الله وإياك.

{وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ} (غافر:81).

أي الله الذي يريكم آياته، بعد أن ذكر لهم بعض النعم الظاهرة والملازمة لهم في قوله: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} (غافر:61)، {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا} (غافر:64)، {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ} (غافر:67)، {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ} (غافر:79)، فإن تلك ذكرت تنبيها بالشكر، فنبه هنا على أن في تلك المنن آيات دالة على ما يجب لله من الوحدانية والقدرة والحكمة، ولذلك كان قوله: {يريكم آياته}، أي يريكم آياته في النعم المذكورات وغيرها من كل ما يدل على وجوب توحيده وتصديق رسله، ونبذ المكابرة فيما يأتونهم به من آيات صدقهم، وقد جيء في جانب إراءة الآيات بالفعل المضارع (يريكم) لدلالته على التجدد؛ لأن الإنسان كلما انتفع بشيء من النعم علم ما في ذلك من دلالة على وحدانية خالقها وقدرته وحكمته، والإراءة هنا بصرية، ومن تلك المشاهدة ينتقل العقل إلى الاستدلال، وفيه إشارة إلى أن دلالة وجود الخالق ووحدانيته وقدرته برهانية تنتهي إلى اليقين والضرورة.

وفرع على إراءة الآيات استفهام إنكاري عليهم من أجل إنكارهم ما دلت عليه تلك الآيات وذلك باستخدام أسلوب (أي).... و(أي)، هنا مستعمل في إنكار أن يكون شيء من آيات الله يمكن أن ينكر دون غيره من الآيات، فيفيد أن جميع الآيات صالح للدلالة على وحدانية الله وقدرته لا مساغ لإدعاء خفائه، وأنهم لا عذر لهم في عدم الاستفادة من إحدى الآيات.

ومثل هذا التساؤل تكرر مرات في سورة الرحمن: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} وهو خطاب للإنس والجن، يدل عليه حديث جابر بن عبدالله الأنصاري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج على أصحابه فقرأ عليهم سورة الرحمن وهم ساكتون فقال لهم: «لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردودا منكم، كنت كلما أتيت علي قوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد» (حسنه الألباني)، وقيل: لما قال: {خلق الإنسان} و{خلق الجان} دل ذلك على أن ما تقدم وما تأخر لهما، وأيضا قال: {سنفرغ لكم آية الثقلان} وهو خطاب للإنس والجن وقد قال في هذه السورة {يا معشر الجن والإنس}.

والتكرير في هذه الآيات للتأكيد والمبالغة في التقرير واتخاذ الحجة عليهم بما وقفهم على خلق خلق.

وقال القتبي: إن الله -تعالى- عدد في هذه السورة نعماءه، وذكر خلقه آلاءه، ثم أتبع كل خلة وصفها ونعمة وضعها بهذه، وجعلها فاصلة بين كل نعمتين لينبههم على النعم ويقررهم بها، كما تقول لمن تتابع فيه إحسانك وهو يكفره ومنكره: ألم تكن فقيرا فأغنيتك أفتنكر هذا؟! ألم تكن خاملا فعززتك أفتنكر هذا؟ ألم تكن راجلا فحملتك أفتنكر هذا؟! والتكرير حسن في مثل هذا.


والتكذيب مستعمل في معنى الجحد والإنكار مجاز لتشنيع هذا الجحد. وتكذيب الآلاء كناية عن الإشراك بالله في الإلهية، والمعنى: فبأي نعمة من نعم الله عليكم تنكرون إنها نعمة عليكم فأشركتم فيها غيره بله إنكار جميع نعمه؛ إذ تعبدون غيره دواما. وفي قوله -عز وجل- {فبأي آلاء ربك تتمارى} (النجم:55).

والآلاء: النعم، وهو جمع مفرده: إلى، بكسر الهمزة وبفتحها مع فتح اللام مقصورا، ويقال: إلي، وألي، بسكون اللام فيهما وآخره ياء متحركة، ويقال: ألو، بهمز مفتوحة بعدها لا ساكنة وآخره واو متحركة مثل: دلو. والتمار : التشكك وهو تفاعل من المرية.

والمقصود الأصلي: التعريض بالمشاركين وتوبيخهم على أن أشركوا في العبادة مع المنعم غير المنعم، والشهادة عليهم بتوحيد المؤمنين، والتكذيب مستعمل في الجحود