تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: المرأة المسلمة وطرائق تحصيل العلم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,538

    افتراضي المرأة المسلمة وطرائق تحصيل العلم

    المرأة المسلمة وطرائق تحصيل العلم (1)


    د. محمد احمد لوح



    لا يخفى على كل ذي لب أهمية العلم الشرعي في حياة المسلم والمسلمة، فهو المطية الموصلة لغاية عظيمة خلق لأجلها الخلق، ألا وهي تحقيق عبودية الله -جل جلاله- في هذه الحياة الدنيا، ولقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة على تأكيد فرضية العلم، فقال: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} الآية، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، ليبين قيمة العلم، وعدم تموينه والتساهل في طلبه. وجاء أيضا في السنة المطهرة بيان وجوبه فقال - صلى الله عليه وسلم -: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.

    وهذا الحديث يشمل الرجال والنساء على حد سواء لا فرق بينهما في تحصيل العلم الشرعي، وكما هو معلوم أن الخطاب إذا ورد بلفظ المذكر كان خطابا للنساء إلا ما دخله التخصيص، ويؤكده قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما النساء شقائق الرجال»، فهن شقائق الرجال في جميع الأحكام الشرعية إلا ما خصه الدليل.

    خطاب للرجال والنساء

    فالخطاب المقتضي لتحقيق أركان الإيمان موجه إلى الرجال والنساء، على حد سواء، ولا سبيل إلى تحقيقها من غير علم راسخ، ومعرفة صحيحة، وكذلك القول بالنسبة لأركان الإسلام الخطاب فيها للرجال والنساء، ويقال مثل ذلك في كل ما يتعلق بالأخلاق والآداب.

    أهمية العلم للمرأة المسلمة

    فمن هنا تظهر أهمية العلم في حياة المرأة المسلمة، وقد تفطنت الصحابيات الجليلات في عهد النبوة لحاجتهن إلى العلم الشرعي فطلبن من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخصص لهن يوما يجتمعن فيه يعلمهن مما علمه الله، فعن أبي سعيد - رضي الله عنه - قال: «جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله، فقال: اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا، فاجتمعن فأتاهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلمهن مما علمه الله»، فأقرهن النبي - صلى الله عليه وسلم - على طلب العلم والتعلم، واعتنى بهن، وكان - صلى الله عليه وسلم - حريصا على تبليغهن أحكام الشريعة ليتمكن من عبادة الله -عز وجل- على أكمل وجه، ولا سبيل لذلك إلا بالعلم.

    نساؤنا في هذا الزمان

    فإذا كان هذا حال الصحابيات في القرون المفضلة، وقد شعرن -رضي الله عنهن- بحاجتهن إلى العلم، فما بال حال نسائنا في هذا الزمان، فهذه حقيقة لا بد أن تدركها النساء والأمهات والآباء والمجتمع بأسره، لأنه أصبح حاجتها إلى العلم أعظم من حاجتها إلى الطعام والشراب، وهذا ما ذكره الإمام أحمد -رحمه الله- قال: «الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يحتاج إليه في كل وقت».

    تثبيط النساء عن طلب العلم

    وإننا نتعجب اليوم من أناس يثبطون النساء عن طلب العلم، أو يزهدون في التحصيل العلمي، بل وينصحونهن بالاكتفاء بالطهارة وبعض مسائل الفقه التي لا بد منها، وكأن لسان حالهم يقول أن ميادين العلم الشرعي هي من اختصاص الرجال، والحق أن باستطاعة المرأة أن تنافس الرجل في كل علم وفن، وقد تفوق الرجال في سعة العلم والاطلاع، وقد سجل التاريخ بالدليل والبرهان، -كما جاء في كتب السير خلال القرون الذهبية- أنه وجد من النساء من كن عالمات زاهدات، وراويات فاضلات، بل ومحدثات حافظات، تتلمذ على أيديهن فحول العلماء من الرجال، وعلى رأسهن أمهات المؤمنين -رضي الله عنهن وأرضاهن - اللواتي كن مرجعا في شتى العلوم.

    وكفى بالمرأة عزة وشرف أن يكون العلم لها نعتا ووصفا، وكفاها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اظفر بذات الدين تربت يداك»، وهل تدين المرأة يكون بغير علم؟! قال رسول الله: «يا أيها الناس إنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه.»، ومن المعلوم أن نشأة الأجيال أول ما تنشأ إنما تكون في أحضان النساء، وبه يتبين أهمية ما يجب على المرأة في إصلاح المجتمع.

    مؤهلات ومقومات

    وحتى تقوم المرأة بهذا الواجب العظيم لا بد لها من مؤهلات ومقومات لتقوم بمهمتها في الإصلاح، ولن تكون مصلحة ما لم تكن صالحة، ولن تصل إلى الصلاح إلا بالعلم الشرعي، إذا بقدر ضخامة المسؤولية الملقاة على عاتقها قدر حاجتها إلى العلم الكافي الوافي.

    (1) تصحيح النية

    صح في الحديث: «من تعلم علما يبتغي به وجه الله -عز وجل- لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة».

    (2) بناء الفقه على الكتاب والسنة

    فمن بين الكلام في العلم على الكتاب والسنة والآثار المأثورة عن السابقين فقد أصاب طريق النبوة، من رام العلم الشرعي والهدى بعيدا عن الكتاب السنة فقد رام المستحيل، ومن أخذ بغيرهما استغناء عنهما فقد ضل سواء السبيل.

    (3) تقوى الله -عز وجل- وإصلاح الظاهر والباطن

    قال الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (الأنفال 29)، وقال -تعالى-: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة282)، وقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} (الحديد: 28)، وقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (محمد 17)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -كما في مقدمة رسالته في أعمال القلوب-: «فمن عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم».

    فعليك أخي المسلمة بالتحلي في ظاهر وباطنك بتقوى الله -عز وجل- حتى ينور الله قلبك بنور العلم قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: «من أحب أن يفتح الله قلبه أو ينوره فعليه بترك الكلام فيما لا يعنيه وترك الذنوب واجتناب المعاصي، ويكون فيما بينه وبين الله خبية من عمل، فإنه إذا فعل ذلك فتح الله عليه من العلم ما يشغله عن غيره».

    مظاهر التقوى

    ومن مظاهر التقوى أختي المسلمة:

    - التزام الزي الشرعي الذي فرضه الله علينا وعدم الخروج متطيبات.

    - اجتناب مجالس السوء والغيبة والنميمة وإمساك اللسان وحفظه من الآفات.

    - غض البصر عند رؤية الأجانب وترك الإكثار من الخروج إلا لحاجة ملحة.

    - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أينما كنت وأينما حللت.

    - الحذر من الحسد والعجب والكبر وكل الصفات الذميمة والتحلي بالأخلاق الفاضلة الكريمة.

    (4) تفريغ القلب للعلم والهمة العالية

    لا شيء يدرك بدون السعي في طلبه، والإرادة التامة والهمة العالية هي التي تحملك على تحصيل العلم وبذل الجهد واغتنام الأوقات لإدراكه والتعوذ من العجز والكسل كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ منهما، لأنهما قاطع عن كل خير، فعلی من شرعت في تحصيل العلم النافع أن توطن نفسها على تحصيله من كل وجه، ولا تستبطئ النتيجة النافعة، وإن أعظم ما يعين على التفرغ للطلب هو عظم الرغبة في الآخرة وما عند الله، وشدة التعلق بالمطلب الأعلى، فإن في العلم شغلا عن متاع الحياة وزخرفها.

    (5) الصبر والاستمرار في التعلم

    الصبر والاستمرار في التعلم والبعد عن الإحساس بالملل والتحسر، فإن ذلك يؤدي إلى الترك، فعلى الأخت الراغبة في تحصيل العلم أن تنظم أوقاتها في بيتها فتجعل لكل ذي حق حقه، وللعلم وقته وحقه، فعن عبد الله بن يحيى بن أبي كثير قال سمعت أبي يقول: «لا يستطاع العلم براحة الجسم»، وقال الشافعي -رحمه الله-: «حق على طلبة العلم بلوغ جهدهم في الاستكثار من علمه والصبر على كل عارض في الله في طلبه».

    (6) الاعتناء بحفظ كتاب الله قبل كل علم كفائي

    وهذا من أهم ما نتواصى به بيننا وهو حفظ القرآن والحرص على جمعه في صدورنا فذلك أول العلم، قال الإمام الخطيب البغدادي -رحمه الله-: «ينبغي للطالب أن يبدأ بحفظ كتاب الله -عز وجل- فهو أجل العلوم وأولاها بالسبق والتقديم». وقال الإمام النووي -رحمه الله-: وأول ما يبتدئ به حفظ القرآن العزيز فهو أهم العلوم، وكان السلف لا يعلمون الحديث والفقه إلا لمن حفظ القرآن، وإذا حفظ فليحذر من الاشتغال عنه بالحديث والفقه وغيرهما اشتغالا يؤدي إلى نسيان شيء منه.

    (7) التروي في طلب العلم

    قال الله -تعالى-: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا} (الإسراء:106)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: «اقرأ القرآن في كل شهر قال: قلت: إني أجد قوة، قال: فاقرأه في عشرين ليلة قال قلت: إني أجد قوة قال فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك»، وقال الزهري -رحمه الله- ليونس بن يزيد: «یا یونس لا تكابد العلم فإن العلم أودية فأيها أخذت فيه قطع بك أن تبلغه ولكن خذه مع الأيام والليالي ولا تأخذ العلم جملة فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة ولكن الشيء بعد الشيء مع الليالي والأيام» وعلامة ذلك التدرج في العلم لاسيما لمن في المراحل الدنيا، فيبدأ بصغار المسائل قبل كبارها، كما يبدأ بالمختصرات التي تصور المسائل، وإن قللت من ذكر الدلائل.



    مؤهلات ومقومات في طلب العلم

    - تصحيح النية والإخلاص لله تعالى.

    - بناء الفقه على الكتاب والسنة

    - تقوى الله عز وجل ظاهرًا وباطنًا


    - تفريغ القلب للعلم والهمة العالية

    - الصبر والاستمرار في التعلم

    - الاعتناء بحفظ كتاب الله تعالى

    - التروي والتدرج في طلب العلم
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,538

    افتراضي رد: المرأة المسلمة وطرائق تحصيل العلم

    المرأة المسلمة وطرائق تحصيل العلم(2)
    مؤهلات ومقومات طالبة العلم



    د. محمد احمد لوح




    ما زال حديثنا مستمرا عن أهمية العلم للمرأة المسلمة وطرائق تحصيله؛ حيث ذكرنا أن العلم الشرعي له أهمية كبيرة في حياة المسلم والمسلمة، فهو المطية الموصلة لغاية عظيمة خلق لأجلها الخلق، ألا وهي تحقيق عبودية الله -جل جلاله- في هذه الحياة الدنيا، وكنا قد توقفنا عند المؤهلات والمقومات المطلوبة للمرأة حتى تقوم بهذا الواجب العظيم واليوم نستكمل تلك المقومات.

    (8) العمل بالعلم

    إن ثمرة العلم العمل به والانتفاع منه؛ إذ لا قيمة لعلم لا ينفع حامله، ولقد استعاذ النبي - صلى الله عليه وسلم -: من علم لا ينفع فقال: «اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع»، قال الإمام سفیان بن عيينة المكي الهلالي -رحمه الله-: «ليس شيء أنفع من علم ينفع، وليس شيء أضر من علم لا ينفع». وقد صح أن العبد يسأل يوم القيامة عن علمه ما عمل فيه؟ وللخطيب البغدادي كتاب ماتع في الموضوع أسماه (اقتضاء العلم العمل) وكذلك للحافظ أبي القاسم ابن عساكر كتاب (ذم من لا يعمل بعلمه)، ومن الحكم الإلهية الباهرة أن العمل بالعلم يقود السامعين إلى الاقتداء، كما أن مخالفة العلم يصد الآخرين عن الأخذ به:

    إذا أنت لم ينفعك علمك لم تجد

    لعلمك مخلوقا من الناس يقبله

    وإن زانك العلم الذي قد حملته

    وجدت له ما يجتبيه ويحمله

    والذي يخالف عمله علمه، معرض لأشد أنواع الوعيد، موصوف بأقبح أنواع الذم، فعن أبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يؤتی بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحی، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان، ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بل كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه»، وذكر - صلى الله عليه وسلم - في أول ثلاثة من الذين تسعر بهم النار يوم القيامة رجلا «تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار».

    وهذا معنى قول الناظم:

    وعَالِمٌ بعِلمِهِ لَمْ يَعْمَلَنّْ

    مُعَذَّبٌ مِنْ قَبْلِ عُبَّادِ الوَثَنْ

    ذم من لم يعمل بعلمه

    ومما ذم الله به العالم الذي لم يعمل بعلمه، أن شبهه أخس الحيوانات: الكلب والحمار، فقال -تعالى-: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الأعراف 175-176)، وقال -تعالى-: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (الجمعة:5).

    (9) الأخذ عن العلماء

    قال ابن سيرين ومالك وخلائق من السلف: «هذا العلم دین فانظروا عمن تأخذون دينكم» فلا يأخذ العلم إلا ممن كملت أهليته، وظهرت ديانته، وتحققت معرفته، واشتهرت صيانته وسیادته.

    واقع من تلقى العلم من الصحف

    ومن اطلع على كتاب (تصحيفات المحدثين) للعسكري وكتاب (أخبار الحمقى والمغفلين) لاين الجوزي يرى العجب العجاب، في شأن أولئك الذين تلقوا علمهم من الصحف دون مراجعة المشايخ، فقد قرأ أحدهم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «زر غبا تزدد حبا» ففسره بما يضحك الصبیان، وعن يحيى بن بكير قال: جاء رجل إلى البشير بن سعد فقال: كيف حدثك نافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: في الذي نشرت في أبيه القصة؟ فقال الليث: ويحك إنما هو في الذي يشرب في آنية الفضة.

    قال الدارقطني: وحدثني محمد بن يحيى الصولي قال: حدثنا أبو العيناء قال: حضرت مجلس بعض المحدثين المغفلين فأسند حديثا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جبرائیل عن الله عن رجل فقلت: من هذا الذي يصلح أن يكون شيخ الله؟ فإذا هو -عز وجل- قد صحفه، وسأل حماد بن زید غلاما فقال: يا أبا إسماعيل حدثك عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهي عن الخبز قال: فتبسم حماد وقال: يا بني إذا نهى عن الخبز فمن أي شيء يعيش الناس؟! وإنما هو نهي عن الخمر، وصحف أحدهم معنى الحديث (... حتى لو دخلتم جحر ضب لدخلتموه) أخرجه البخاري. فظن أن البخاري -وفي رواية الترمذي- إنما أخرج الضب من الجحر، ولم يتوقف التصحيف عند الحديث النبوي، بل صحف المصحفون حتى الكتاب العزيز.

    وقرأ أحدهم -كما في كتاب الحمقى-: (فضرب بينهم بسنور له ناب) فقيل له إنما هو (بسور له باب) فقال: أنا لا أقرأ قراءة حمزة قراءة حمزة عندنا بدعة، وعن أبي الحسين أحمد بن يحيى قال: مررت بشيخ في حجره مصحف وهو يقرأ: (ولله میزاب السموات والأرض) فقلت: يا شيخ ما معنى (ولله میزاب السموات والأرض) قال: هذا المطر الذي نراه فقلت: ما يكون التصحيف إلا إذا كان بتفسير يا هذا إنما هو «ميراث السموات والأرض»، فقال: اللهم اغفر لي أنا منذ أربعين سنة أقرؤها وهي في مصحفي هكذا.

    وعن أبي عبيدة قال: كنا نجلس إلى أبي عمرو بن العلاء فنخوض في فنون من العلم، ورجل يجلس إلينا لا يتكلم حتى نقوم فقلنا: إما أن يكون مجنونا أو أعلم الناس! فقال يونس: أو خائف سأظهر لكم أمره، فقال له: كيف علمك بكتاب الله -تعالى؟ قال: عالم به، قال: ففي أي سورة هذه الآية: (الحمد الله لا شريك له * من لم يقلها فنفسه ظلما)؟ فأطرق ساعة ثم قال: في حم.

    قال الدارقطني: حدثنا النقاش قال: كنت بطبرية الشام أكتب على شيخ فيها عنده جزء فيه عن أبي عمرو الدوري، وكان فيه أن يحيى بن معمر قرأ: (إن لك في النهار شیخا طويلا..).

    عن ابن الرومي قال: خرج رجل إلى قرية فأضافه خطيبها، فأقام عنده أياما فقال له الخطيب: أنا منذ مدة أصلي بهؤلاء القوم وقد أشكل علي في القرآن بعض مواضع قال: سلني عنها قال: منها في «الحمد لله» «إياك نعبد وإياك» (تسعين) أو (سبعين) أشكلت على هذه فأنا أقولها تسعين آخذ بالاحتياط!.

    وكان توما رجلا ادعى الحكمة والطب، وزعم أنه يشفي من الأدواء، وذات يوم قرأ في كتب الطب النبوي حديث: «الحبة السوداء دواء لكل داء»، لكن الكلمة تصحفت عليه في الكتاب فقرأها الحية بالياء المثناة التحتانية.... وصار ينصح الناس بأكل الحيات السوداء، فصاروا يعالجون بها ويموتون!.

    آداب المتعلم والمعلم

    ولنختم هذه المقالة بذكر جملة من آداب المتعلم والمعلم مع الشيخ:

    - أن يستخير الله -عز وجل- فيمن يأخذ عنه العلم من المشايخ.

    - أن يكون مع شيخه كالمريض مع الطبيب الماهر في عدم مخالفة وصاياه.

    - أن يعرف له حقه ولا ينسى له فضله، وإن بلغ من العلم ما بلغ.

    - أن يصبر على جفوة تصدر من شيخه أو سوء خلق.

    - حسن الجلسة في المجلس.

    - حسن السؤال وأن يقدم الدعاء بين يدي سؤاله كقوله غفر الله لك أو عفا الله عنك، قال الضحاك «ما استخرجت هذا العلم من العلماء إلا بالرفق بهم».

    - أن يبجل المعلم من دون غلو أو إسراف.

    - لا ينبغي للطالب قطع المعلم أثناء الشرح فإن هذا يفوت عليه الخير الكثير.

    - إذا سمع المعلم يذكر شيئا هو يعرفه فإنه يصغي إصغاء مستفید كأنه لم يسمعه قط.

    - ألا يسبق المعلم إلى شرح مسالة أو جواب سؤال من غيره.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •