يرى كثير من أهل العلم أن مكة تجوز الصلاة فيها إلى غير سترة، ويجوز المرور فيها بين يدي المصلي من غير كراهة في ذلك.
ونسب هذا القول إلى ابن الزبير رضي الله عنه وهو قول طاوس وعطاء وأحمد، نص عليه في رواية ابن الحكم وغيره. وكان محمد بن الحنفية يصلي بمسجد منى، والناس يمرون بين يديه، فجاء فتى من أهله، فجلس بين يديه. (انظر فتح الباري لابن رجب).
قلت: وهو المشهور من مذهب الحنابلة.


واستدلوا بما يلي:
1 - حديث: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم، والناس يمرون بين يديه، ليس بينه وبين الكعبة سترة. (وفي رواية) : طاف بالبيت سبعا، ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام، وليس بينه وبين الطواف أحد ".
قلت: لكنه حديث لا يصح انظر الضعيفة 928.
2 - كان ابن الزبير رضي الله عنه لا يتخذ سترة.
ففي مصنف عبد الرزاق [2386] عن ابن جريج قال أخبرني أبي عن أبي عامر قال: رأيت ابن الزبير يصلي في المسجد فتريد المرأة أن تجيز أمامه وهو يريد السجود حتى إذا هي أجازت سجد في موضع قدميها. انظر العتيق للحكيمي.
قلت وائل: لكن لعل ابن الزبير رضي الله عنه لا يوجب السترة أصلا أو يؤول فعله أنه في حال الزحام أو في عند المطاف مع كثرة الطائفين.
3 - لأنه مظنة الازدحام.
قلت: فلماذا يعممون الحكم في مكة كلها.
ولماذا يعممونه حال الزحام وغير الزحام.


وهناك فريق من أهل العلم عمم السترة في مكة وغيرها ومنهم:
1 - ابن عمر رضي الله عنه فكان لا يدع أحدا يمر بين يديه عند الكعبة.
2 - أنس بن مالك رضي الله عنه.
3 - مالك ففي البيان والتحصيل (3/ 472) [مسألة: المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام] مسألة: وسئل مالك عن مكة والمرور بها بين يدي المصلي في المسجد، أترى أن يمنع منها مثل ما يمنع من غيرها؟ قال: نعم، إني لأرى ذلك إذا كان يصلي إلى عمود أو سترة، ولا أدري ما الطواف كله تحققه أن يصلي إلى الطائفين.
4 - البخاري حيث بوب على حديث اتخاذ النبي عليه السلام عنزة في البطحاء بمكة فقال: ((بَابُ السُّتْرَةِ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا).
5 - وهو مذهب الشافعية والمالكية وحكي رواية عن أحمد: ونسبه ابن رجب إلى الشافعي وقال: وحكي رواية عن أحمد. وانظر في مذهب مالك البيان والتحصيل (3/ 472) ومواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 535) وقال ابن رجب في فتح الباري لابن رجب (4/ 47): (وحمل الشافعي حديث المطلب بن أبي وداعة على أن الأمر بالصلاة إلى السترة على الاستحباب دون الوجوب).
وقال حمد الحمد في شرح الزاد: ومذهب الشافعية والمالكية خلاف ذلك وأن مكة كغيرها.
6 - وهو قول الشيخ الألباني بل وعمل به حيث قال في الضعيفة: ولقد لمست أثر هذا الحديث الضعيف في مكة حينما حججت لأول مرة سنة (1369) ، فقد دخلتها ليلا فطفت سبعا، ثم جئت المقام، فافتتحت الصلاة، فما كدت أشرع فيها حتى وجدت نفسي في جهاد مستمر مع المارة بيني وبين موضع سجودي، فما أكاد أنتهي من صد أحدهم عملا بأمره صلى الله عليه وسلم حتى يأتي آخر " فأصده وهكذا
7 - العديد من علماء السعودية في عهد الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ:
حيث قال الشيخ الألباني: ولقد لمست أثر هذا الحديث الضعيف في مكة حينما حججت لأول مرة سنة (1369)... أجاب بأن مكة مستثناة من ذلك، فرددت عليه، واشتد النزاع بيني وبينه، فطلبت الرجوع في حله إلى أهل العلم، فلما اتصلنا بهم إذا هم مختلفون.
8 - وهو قول الشيخ العثيمين في الشرح الممتع ومجموع فتاواه وتعليقاته على الكافي.
9 - والشيخ عبد المحسن العباد في شرح أبي داود.
10 - والشيخ الراجحي في شرح النسائي وشرح عمدة الفقه.
11 - والشيخ طرهوني في أحكام السنرة في مكة وغيرها.
12 - والشيخ مشهور في القول المبين في أخطاء المصلين.
13 - والشيخ حمد الحمد في شرح الزاد.
14 - والشيخ بندر بن نافع العبدلي في تحقيق منسك الحج لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
15 - والشيخ عادل بن سعد في الجامع لأحكام الصلاة
16 - والشيخ الحويني في فتاواه.


وأدلة هذا الفريق:
1 - عموم أحاديث الأمر السترة يعم مكة وغيرها ولا دليل على التخصيص فالسترة مشروعة في مكة وغيرها بل في المسجد الحرام وغيره.
2 - ما في صحيح البخاري (1/ 106): (بَابُ السُّتْرَةِ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا)501 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالهَاجِرَةِ، فَصَلَّى بِالْبَطْحَاءِ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَنَصَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةً وَتَوَضَّأَ»، فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَمَسَّحُونَ بِوَضُوئِهِ
قلت: وهذا ما يدل أن أحاديث السترة تعم مكة وغيرها. لذا بوب البخاري على الحديث: (بَابُ السُّتْرَةِ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا).
3 - حديث صحيح البخاري رقم 1600 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَصَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ».
قلت: وكان مقام إبراهيم لاصقا بالكعبة حتى آخره عمر رضي الله عنه. انظر مقام إبراهيم للعلامة المعلمي. وهذا يؤكد أنه يجوز أن تتخذ السترة في المطاف بشرط ألا يكون هناك ازدحام وإلا فهو حق الطائفين ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وهذا ما يؤكد عموم الأحاديث الآمرة بالسترة وأنها تعم مكة وغيرها والمسجد الحرام وغيره.
4 - وما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما: فعن صالح بن كيسان قال: رأيت ابن عمر يصلي في جوف الكعبة، فكان لا يدع أحداً يمر بين يديه، فإذا مر رجل جذبه حتى يرده. انظر ما صح من آثار الصحابة في الفقه (1/ 347) وانظر العتيق للحكيمي.
5 - وما ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ففي العتيق: قال ابن أبي شيبة [2870] حدثنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: رأيت أنس بن مالك في المسجد الحرام قد نصب عصا يصلي إليها.
قلت وائل: ولم ينكر عليه أحد وهذا مما يدل على عموم الأحاديث الآمرة بالسترة.


قلت وائل: وهذا هو الراجح أن السترة مشروعة بمكة وغيرها لكن يراعى ما يلي:
1 - لا ينبغي أن تتخذ السترة عند الكعبة حال ازدحام الطائفين. كما أن حول الكعبة هو حق الطائفين فلا يجوز أن تزاحمهم فيه كما قال الإمام مالك ففي اختلاف أقوال مالك وأصحابه (ص: 102): (قال ابن عبد الـحكم عن مالك: ولا بأس بالصلاة إلى أهل الطواف من غير سترة). وفي مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 535): فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي آخِرِ رَسْمِ الْمُحْرِمِ يَتَّخِذُ الْخِرْقَةَ لِفَرْجِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ وَنَصُّهُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مَكَّةَ وَالْمُرُورِ بِهَا بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ أَتَرَى أَنْ يَمْنَعَ مِنْهَا بِمِثْلِ مَا يَمْنَعَ مِنْ غَيْرِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ إنِّي لَأَرَى ذَلِكَ إذَا كَانَ يُصَلِّي إلَى عَمُودٍ أَوْ سُتْرَةٍ وَلَا أَدْرَى مَا الطَّوَافُ كَأَنَّهُ يُخَفِّفُهُ إنْ صَلَّى إلَى الطَّائِفِينَ.
وقال الشيخ العثيمين: ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يصلي في مكان الطواف ويمنع الناس، ولا يلزم الناس أن يتحاشوا من المرور بين يديه؛ لأنه هو الذي وقف يصلي في مكانهم. وقال الشيخ العثيمين أيضا: وقال العثيمين: والطائفون هم أحقُّ النَّاسِ بالمطاف؛ لأنه لا مكان لهم إلا هذا، أما المصلِّي فيستطيع أن يُصلِّي في أيِّ مكان آخر، لكن الطائف ليس له مكان إلا ما حول الكعبة، فهو أحقُّ به وقال الشيخ العثيمين: والصواب أنه يحتاج إلى السترة في مكة كما يحتاج إليها في غيرها وأن ما يقطع الصلاة في غير مكة يقطعها في مكة إلا من صلى حول المطاف ومر الطائفون من بين يديه فإنه هو الذي جنى على نفسه لأن الطائفين أحق بالمكان منه.
قلت وائل: لكن هذا إذا كان هناك زحام حال الطواف: يؤيده أن النبي صلى الله عليه سولم كما في البخاري: (وَصَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ) ومعلوم أن مقام إبراهيم كان لاصقا بالكعبة ومع ذلك النبي عليه السالم اتخذ سترة وفي البيان والتحصيل لابن رشد: (3/ 472): وأما الطائف فلا ينبغي له أن يمر بينه وبين سترته، إلا أن لا يجد بدا من ذلك من زحام، فليمر ولا يدرأه المصلي على المرور، ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يجوز أن يصلي في المسجد الحرام إلى غير سترة وانظر مواهب الجليل (1/ 535)
2 - وكذلك تسقط السترة حال الازدحام الشديد. سواء في مكة أو غيرها. وقد سبق ما في البيان والتحصيل لابن رشد: (3/ 472): وأما الطائف فلا ينبغي له أن يمر بينه وبين سترته، إلا أن لا يجد بدا من ذلك من زحام، فليمر ولا يدرأه المصلي على المرور.
وقال الشيخ عبد المحسن العباد في شرح أبي داود: لكن في شدة الزحام الذي لا يمكن معه إلا المرور فإنه يمر، والإنسان يتقي الله ما استطاع، لكن لا يقال: إن الإنسان يمشي في أي مكان من الحرم، بحيث إذا رأى إنساناً يصلي مشى بينه وبين سترته، بحجة أن مكة لا يتخذ فيها سترة! فلم يثبت أن مكة لا يتخذ المصلي فيها سترة
وقال الشيخ الراجحي: لكن في المسجد الحرام إذا اشتد الزحام وعجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
وقال الشيخ حمد الحمد في شرح الزاد: وأما كون مكة تكون محلاً للازدحام فإننا نخصص الأوقات التي يزدحم الناس فيها بحيث يشق رد المار كأن يكون ذلك في حج أو في مواسم، ففي هذه الحال لا بأس بالقطع لقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} وهذه مشقة عامة، بخلاف المشقة الخاصة التي يلحق الواقف نفسه فيها مشقة خاصة لا يترتب عليها إلا فوات بعض المصالح المترتبة عليه أو نحو ذلك، أما هنا فقد ترتب عليها مفاسد كبيرة وأذية لعموم الناس. فحينئذ لا يقال بالمنع فيها عند ازدحام الناس.
وأما إن لم يكن هناك ازدحام شديد وكانت مكة كغيرها من المساجد في الازدحام فإنه يجب وضع السترة ورد المار بين يدي المصلي.
وقال الشيخ مشهور: وتقييد المرور بالضرورة أمر لا مندوحة عنه، وخصوصاً في حالة الازدحام الشديد، وقد قال به الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) : (1/576) والزرقاني في ((شرحه على مختصر خليل)) : (1/209) ، والله اعلم.
وقال الشيخ عادل بن سعد في الجامع لأحكام الصلاة: ومن العلماء من يجيز المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام في حال الضرورة (5) كالزحام الشديد للمشقة، ولا أعلم لذلك دليلًا. لكني أقول؛ ليت الأمر اقتصر في المسجد الحرام على حال الضرورة، كأيام الحج، ورمضان -مثلًا-؛ لأن الواجب على العبد أن يتقي الله ما استطاع، ولكن صار المرور شيئًا عاديًا لدى عموم الناس، حتى إن بعضهم ليمر بين يدي المتنفلين ذهابًا وإيابًا لأدنى حاجة، دون أن يحسّ بحرج، وهذا مما يشاهد ويؤسف عليه، إذ لا ريب أن المرور بين يدي المصلي فيه تشويش عليه وأذية له، فالله المستعان.
3 - كذلك لا يجوز استخدام السترة في طريق الناس الذي لابد له منه كأن يكون عند باب المسجد لأن هذا حق الناس في الطريق سواء في مكة أو غيرها. كما قال الشيخ العثيمين.
حيث قال الشيخ العثيمين: إلا أن أهل العلم يقولون: إذا صلى الإنسان في مكان يحتاج الناس إلى المرور به كالطريق فإن الجناية منه؛ لأن الحق للمارة. وقال الشيخ العثيمين أيضا: ومثل ذلك من صلى بمكان المارة عند الأبواب فإنه هو الذي اعتدى عليهم وصلى في أماكن مرورهم والله أعلم.


وفيما يلي نقول عما سبق:
البيان والتحصيل (3/ 472)
[مسألة: المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام]
مسألة
وسئل مالك عن مكة والمرور بها بين يدي المصلي في المسجد، أترى أن يمنع منها مثل ما يمنع من غيرها؟ قال: نعم، إني لأرى ذلك إذا كان يصلي إلى عمود أو سترة، ولا أدري ما الطواف كله تحققه أن يصلي إلى الطائفين.
قال محمد بن رشد: قوله: إذا كان يصلي إلى عمود أو سترة، دليل على أنه إذا صلى في المسجد الحرام إلى غير سترة، فالمرور بين يديه جائز، وليس عليه أن يدرأ من يمر بين يديه، بخلاف إذا صلى في غير المسجد الحرام إلى غير سترة، والإثم في ذلك عليه دون المارين، بخلاف صلاته إلى الطائفين، والفرق بين الطائفين وغيرهم من المارين بين يديه في إجازته الصلاة إليهم، أن الطائفين يصلون؛ لأن الطواف بالبيت صلاة، وإن جاز فيه الكلام، ألا ترى أنه لا يكون إلا على طهارة؟ وأما من صلى في المسجد الحرام إلى سترة، فلا يجوز لأحد أن يمر بينه وبينها من غير الطائفين، فإن من كان له أن يدرأه عن ذلك، وأما الطائف فلا ينبغي له أن يمر بينه وبين سترته، إلا أن لا يجد بدا من ذلك من زحام، فليمر ولا يدرأه المصلي على المرور، ومن أهل العلم من ذهب إلى أنه يجوز أن يصلي في المسجد الحرام إلى غير سترة، فإن مر الناس بين يديه في الطواف وغيره، ولا إثم في ذلك عليه ولا عليهم، وأن مكة مخصوصة بجواز المرور فيها بين يدي المصلي، بدليل ما روى عبد المطلب بن أبي وداعة، قال: «رأيت النبي يصلي مما يلي بني سهم، والناس يمرون بين يديه، ليس بينه وبين القبلة شيء» ، وقال بعض الرواة: ليس بينه وبين الطواف سترة، قال: ومن طريق المعنى أن الذي يصلي معاينا إلى الكعبة، يستقبل في صلاته وجوه بعض المصلين إليها، ولا يجوز ذلك في غيرها، فإذا جاز له أن يستقبل وجوههم، جاز له أن يمروا بين يديه؛ لأنه لا يستقبل بذلك إلا خدودهم، فهو أخف، والله أعلم.


وفي مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (1/ 535)
[فَائِدَة الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ]
(فَائِدَةٌ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ فِي إعْلَامِ السَّاجِدِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ: مَذْهَبُ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَنَّ الصَّلَاةَ لَا يَقْطَعُهَا بِمَكَّةَ شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَارُّ امْرَأَةً بِخِلَافِ غَيْرِهَا، حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّ ةِ وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ فَإِنْ عَنَى بِهِ كَوْنَ الصَّلَاةِ لَا يَقْطَعُهَا شَيْءٌ فَهُوَ مَذْهَبُهُ لَكِنَّهُ لَيْسَ خَاصًّا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بَلْ فِي سَائِرِ الْأَمَاكِنِ، وَإِنْ عَنَى بِهِ جَوَازَ الْمُرُورِ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ فِي آخِرِ رَسْمِ الْمُحْرِمِ يَتَّخِذُ الْخِرْقَةَ لِفَرْجِهِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ الْأَوَّلِ وَنَصُّهُ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ مَكَّةَ وَالْمُرُورِ بِهَا بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ أَتَرَى أَنْ يَمْنَعَ مِنْهَا بِمِثْلِ مَا يَمْنَعَ مِنْ غَيْرِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ إنِّي لَأَرَى ذَلِكَ إذَا كَانَ يُصَلِّي إلَى عَمُودٍ أَوْ سُتْرَةٍ وَلَا أَدْرَى مَا الطَّوَافُ كَأَنَّهُ يُخَفِّفُهُ إنْ صَلَّى إلَى الطَّائِفِينَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُشْدٍ فِي قَوْلِهِ: إذَا كَانَ يُصَلِّي إلَى عَمُودٍ أَوْ سُتْرَةٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ فَالْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ جَائِزٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْرَأَ مَنْ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ بِخِلَافِ الْمُصَلِّي فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ وَالْإِثْمُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ دُونَ الْمَارِّينَ بِخِلَافِ صَلَاتِهِ إلَى الطَّائِفِينَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الطَّائِفِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمَارِّينَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي إجَازَةِ الصَّلَاةِ إلَيْهِمْ أَنَّ الطَّائِفِينَ مُصَلُّونَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ وَإِنْ جَازَ فِيهِ الْكَلَامُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ وَالصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى سُتْرَةٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مِنْ غَيْرِ الطَّائِفِينَ وَأَنَّ مَنْ مَرَّ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْرَأَهُ عَنْ ذَلِكَ
وَأَمَّا الطَّائِفُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ بُدًّا مِنْ ذَلِكَ مِنْ زِحَامٍ فَلْيَمُرَّ وَلَا يَدْرَؤُهُ الْمُصَلِّي عَنْ الْمُرُورِ، وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ وَإِنْ مَرَّ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الطَّوَافِ وَغَيْرِهِ وَلَا إثْمَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ وَأَنَّ مَكَّةَ مَخْصُوصَةٌ بِجَوَازِ الْمُرُورِ فِيهَا بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِمَّا يَلِي بَابَ بَنِي سَهْمٍ وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيْهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ وَقَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ سُتْرَةٌ. قَالَ فَمِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي يُصَلِّي مُحَاذِيًا إلَى الْكَعْبَةِ يَسْتَقْبِلُ فِي صَلَاتِهِ وُجُوهَ بَعْضِ الْمُصَلِّينَ إلَيْهَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا فَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ وُجُوهَهُمْ جَازَ لَهُ أَنْ يَمُرُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقْبِلُ بِذَلِكَ إلَّا خُدُودَهُمْ فَهُوَ أَخَفُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ، انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ.


وفي فتح الباري لابن رجب (4/ 44)
94 - باب
السترة بمكة وغيرها
501 - حدثنا سليمان بن حرب: ثنا شعبة، عن الحكم، عن أبي جحيفة، قال: خرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالهاجرة، فصلى بالبطحاء الظهر والعصر ركعتين، ونصب بين يديه عنزة، وتوضأ، فجعل الناس يتمسحون بوضوئه.
مراد البخاري: أن السترة تشرع بمكة وغيرها، واستدل بأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى بالبطحاء - وهو أبطح مكة - في حجته إلى عنزة.
وقد اختلف العلماء في حكم مكة في السترة: هل حكمها كحكم سائر
البلدان، أم لا؟ على قولين:
أحدهما: أن حكمها في سترة الصلاة حكم سائر البلدان، وهو اختيار البخاري وقول [........] والشافعي، وحكي رواية عن أحمد.
وروي نحوه عن ابن عمر:
قال أبو نعيم الفضل بن دكين في ((كتاب الصلاة)) : ثنا جعفر بن برقان، عن يزيد الفقير، قال: كنت أصلي إلى جنب ابن عمر بمكة، فلم أر رجلا اكره أن يمر بين يديه منه.
ثنا عبد العزيز الماجشون، عن صالح بن كيسان، قال: رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة، فلا يدع أحدا يمر بين يديه، يبادره - قال: يرده.
وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن يحيى بن أبي كثير، قال: رأيت انس بن مالك في المسجد الحرام قد نصب عصا يصلي إليها.
القول الثاني: أن مكة تجوز الصلاة فيها إلى غير سترة، والمرور بين يدي المصلي من غير كراهة في ذلك، وهو قول طاوس وعطاء وأحمد، نص عليه في رواية ابن الحكم وغيره.
وكان محمد بن الحنفية يصلي بمسجد منى، والناس يمرون بين يديه، فجاء فتى من أهله، فجلس بين يديه.
وروى ابن جريج، عن ابن أبي عمار، قال: رأيت ابن الزبير طاف بالبيت، ثم جاء فصلى، والطواف بينه وبين القبلة.
قال: تمر بين يديه المرأة فينتظرها حتى تمر، ثم يضع جبهته في موضع قدميها.
واستدل الإمام أحمد بحديث المطلب بن أبي وداعة:
وقد خرجه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه من رواية ابن جريج، عن كثير بن كثير، عن أبيه، عن المطلب بن أبي وداعة، قال: رأيت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحاذي بالركن، فيصلي ركعتين في حاشية المطاف، وليس بينه وبين الطواف أحد.
وخرجه الإمام أحمد - أيضا - عن ابن عيينة، قال: حدثني كثير بن كثير ابن أبي وداعة، سمع بعض أهله يحدث، عن جده، أنه رأى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي مما يلي الباب بني سهم، والناس يمرون بين يديه، ليس بينهم سترة.
قال ابن عيينة: وكان ابن جريج أخبرنا عنه، فقال: ثنا كثير، عن أبيه، فسألته، فقال: ليس من أبي سمعته، ولكن من بعض أهلي، عن جدي، أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى مما يلي باب بني سهم، ليس بينه وبين الطواف سترة.
وخرجه أبو داود عن الإمام أحمد.
وقد تبين برواية ابن عيينة هذه أنها أصح من رواية ابن جريج، ولكن يصير في إسنادها من لا يعرف.
وقد رواه غير واحد عن كثير بن كثير كما رواه عنه ابن جريج.
وصلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالأبطح إلى العنزة لا يعارض حديث المطلب؛ لأن حديث المطلب دل على جواز الصلاة بمكة إلى غير سترة، وحديث أبي جحيفة دل على جواز الصلاة بمكة إلى سترة.
وقد نص أحمد على أن مكة مخصوصة من بين البلدان بذلك ومن أصحابنا من قال: إن حكم الحرم كله كذلك، ولو قيل: إن الصلاة إلى غير سترة مختص بالمسجد الحرام وحده دون بقاع مكة والحرم لكان جمعا بين الحديثين متوجها، وكلام القاضي أبي يعلى في كتابه ((الجامع الكبير)) يدل عليه، وصرح به غيره من أصحابنا.
وحمل الشافعي حديث المطلب بن أبي وداعة على أن الأمر بالصلاة إلى السترة على الاستحباب دون الوجوب، كما حمل عليه حديث ابن عباس في صلاة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنى إلى غير جدار.
وهذا يدل على أنه إنما صلى العصر في وقتها.
وقد رواه حجاج بين أرطاة، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، وقال فيه - بعد ذكر صلاة الظهر - ثم حضرت العصر، فقام بلال فأذن، فصلى بنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ركعتين.
خرجه من طريقه ابن سعد.


سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (2/ 326)
928 - " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم، والناس يمرون بين يديه، ليس بينه وبين الكعبة سترة. (وفي رواية) : طاف بالبيت سبعا، ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام، وليس بينه وبين الطواف أحد ".
ضعيف.




سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (2/ 327)
الثالث: أن الحديث ليس فيه التصريح بأن الناس كانوا يمرون بينه صلى الله عليه وسلم وبين موضع سجوده، فإن هذا هو المقصود من المرور المنهي عنه على الراجح من أقوال العلماء. ولذلك قال السندي في " حاشيته على النسائي ": " ظاهره أنه لا حاجة إلى السترة في مكة. وبه قيل، ومن لا يقول به، يحمله على أن الطائفين كانوا يمرون وراء موضع السجود، أو وراء ما يقع فيه نظر الخاشع ".
ولقد لمست أثر هذا الحديث الضعيف في مكة حينما حججت لأول مرة سنة (1369) ، فقد دخلتها ليلا فطفت سبعا، ثم جئت المقام، فافتتحت الصلاة، فما كدت أشرع فيها حتى وجدت نفسي في جهاد مستمر مع المارة بيني وبين موضع سجودي، فما أكاد أنتهي من صد أحدهم عملا بأمره صلى الله عليه وسلم حتى يأتي آخر " فأصده وهكذا!! ولقد اغتاظ أحدهم من صدي هذا فوقف قريبا مني حتى انتهيت من الصلاة، ثم أقبل علي منكرا، فلما احتججت عليه بالأحاديث الواردة في النهي عن المرور، والآمرة بدفع المار، أجاب بأن مكة مستثناة من ذلك، فرددت عليه، واشتد النزاع بيني وبينه، فطلبت الرجوع في حله إلى أهل العلم، فلما اتصلنا بهم إذا هم مختلفون! واحتج بعضهم بهذا الحديث، فطلبت إثبات صحته فلم يستطيعوا، فكان ذلك من أسباب تخريج هذا الحديث، وبيان علته.
فتأمل فيما ذكرته يتبين لك خطر الأحاديث الضعيفة وأثرها السيئ في الأمة.


مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (13/ 322)
615 سئل فضيلة الشيخ - حفظه الله -: هل تقطع المرأة الصلاة؟ وهل هناك فرق بين المسجد الحرام وغيره؟ وهل يشمل ذلك المسبوق؟
فأجاب فضيلته بقوله: ..... ولا فرق في ذلك بين المسجد وغيره على القول الراجح؛ لأن النصوص عامة، وليس فيها تخصيص بقعة دون أخرى، ولهذا ترجم البخاري على هذه المسألة بقوله: "باب السترة بمكة وغيرها" (2) واستدل بالعموم. وعليه فإذا مرت المرأة بين الرجل وبين سترته، أو بينه وبين موضع سجوده وجب عليه إعادة الصلاة، إلا إذا كان مأموماً فإن سترة الإمام سترة لمن خلفه....


مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (13/ 330)
625 وسئل فضيلة الشيخ - جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -: هل يأثم الإنسان إذا مر بين يدي المصلي في المسجد الحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: يأثم الإنسان إذا مر بين يدي المصلي مطلقاً في مكة وفي غيرها؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً من أن يمر بين يديه" (1) . وأمر المصلي أن يدفعه إذا أراد المرور بين يديه، وهذا عام يشمل مكة وغيرها، وقد ترجم البخاري على ذلك في صحيحه فقال: "باب السترة بمكة وغيرها" (2) . إلا أن أهل العلم يقولون: إذا صلى الإنسان في مكان يحتاج الناس إلى المرور به كالطريق فإن الجناية منه؛ لأن الحق للمارة.
ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يصلي في مكان الطواف ويمنع الناس، ولا يلزم الناس أن يتحاشوا من المرور بين يديه؛ لأنه هو الذي وقف يصلي في مكانهم.


الشرح الممتع على زاد المستقنع (3/ 248)
وظاهرُ كلام المؤلِّف أيضاً: أنه لا فَرْقَ بين مَكَّة وغيرها، وهذا هو الصَّحيح، ولا حُجَّة لمن استثنى مَكَّة (1) بما يُروى عن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «أنه كان يُصلِّي والنَّاسُ يمرُّون بين يديه، وليس بينهما سُترة» (2) وهذا الحديث فيه راوٍ مجهول، وجهالة الرَّاوي طعنٌ في الحديث. وعلى تقدير صحَّتِه فهو محمولٌ على أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يُصلِّي في حاشية المطاف، والطائفون هم أحقُّ النَّاسِ بالمطاف؛ لأنه لا مكان لهم إلا هذا، أما المصلِّي فيستطيع أن يُصلِّي في أيِّ مكان آخر، لكن الطائف ليس له مكان إلا ما حول الكعبة، فهو أحقُّ به. هذا إن صحَّ الحديث، ولهذا بوَّبَ البخاريُّ ـ رحمه الله ـ في «صحيحه» باب: السُّتْرة بمَكَّة وغيرها (3). يعني: أن مكَّة وغيرها سواء. فإن قال قائل: إذا غلبه المَارُّ ومَرَّ فما الحكم؟
فالجواب: الإثم على المَارِّ، أما أنت إذا كنت قد قمت بما أمرك به النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام، ولم تتمكَّن مِن دَفْعِ هذا المَارِّ فإنَّ صلاتك لا تنقص، ولكن هل تبطل بمرور المرأة؟
__________
(1) «الإنصاف» (3/ 606 ـ 607).
(2) أخرجه الإمام أحمد (6/ 399)؛ وأبو داود، كتاب المناسك، باب في مكة (2016)؛ والنسائي، كتاب القبلة، باب الرخصة في ذلك (2/ 67)؛ وابن ماجه، كتاب المناسك، باب الركعتين بعد الطواف (2958).
(3) حديث رقم (501)، كتاب الصلاة. قال ابن حجر رحمه الله ـ فأراد البخاري التنبيه على ضعف هذا الحديث ـ: «كان يصلي والناس يمرون بين يديه وليس بينهما سترة» وأن لا فرق بين مكة وغيرها في مشروعية السترة. «فتح الباري» (1/ 576).


تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة (2/ 125، بترقيم الشاملة آليا)
الشيخ: هذا أيضاً من الغرائب مر علينا قبل قليل أن الدليل أعم وهنا الدليل أخص لأن الدليل إنما ورد فيمن كان يصلي في المسجد الحرام ويمر الطائفون من عنده والمؤلف رحمه الله يقول لا حاجة في مكة إلى السترة ولا يضر ما مر بين يديه والصواب أنه يحتاج إلى السترة في مكة كما يحتاج إليها في غيرها وأن ما يقطع الصلاة في غير مكة يقطعها في مكة إلا من صلى حول المطاف ومر الطائفون من بين يديه فإنه هو الذي جنى على نفسه لأن الطائفين أحق بالمكان منه ومثل ذلك من صلى بمكان المارة عند الأبواب فإنه هو الذي اعتدى عليهم وصلى في أماكن مرورهم والله أعلم.


شرح سنن أبي داود للعباد (231/ 43، بترقيم الشاملة آليا)
حكم السترة في مكة
شرح سنن أبي داود للعباد (231/ 44، بترقيم الشاملة آليا)
قوله: باب: في مكة، يعني: هل مكة تتميز على غيرها في أنه لا يتخذ فيها السترة، وأنه يمر فيها بين المصلين ولا يحتاجون إلى سترة، أو أنها كغيرها، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى إلى عنزة في الأبطح، يعني: أنه اتخذ سترة في مكة.
أورد أبو داود حديث المطلب بن أبي وداعة رضي الله عنه وفيه: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم) يعني: في جهة من جهات الكعبة.
قوله: (والناس يمرون بين يديه، وليس بينهما سترة) يعني: لم يتخذ سترة.
[وقال سفيان: (ليس بينه وبين الكعبة سترة) قال سفيان: كان ابن جريج أخبرنا عنه قال: أخبرنا كثير عن أبيه، فسألته فقال: ليس من أبي سمعته، ولكن من بعض أهلي عن جدي].
الإسناد فيه من هو مبهم؛ ولهذا ضعف الحديث بهذا المبهم، فالحديث غير صحيح، ومكة كغيرها، وعلى الإنسان ألا يمر بين يدي المصلين، ويحرص على أن يبتعد، لكن في شدة الزحام الذي لا يمكن معه إلا المرور فإنه يمر، والإنسان يتقي الله ما استطاع، لكن لا يقال: إن الإنسان يمشي في أي مكان من الحرم، بحيث إذا رأى إنساناً يصلي مشى بينه وبين سترته، بحجة أن مكة لا يتخذ فيها سترة! فلم يثبت أن مكة لا يتخذ المصلي فيها سترة، بل النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ سترة في الأبطح.


شرح عمدة الفقه - الراجحي (23/ 11، بترقيم الشاملة آليا)
وأما السترة في مكة فلا يوجد دليل على تخصيص مكة، ولهذا بوب البخاري في الصحيح فقال: باب: السترة بمكة وغيرها، فلا يوجد دليل


شرح سنن النسائي - الراجحي (8/ 11، بترقيم الشاملة آليا)
شرح حديث أبي جحيفة في نيله من فضل وضوء رسول الله
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان قال: حدثنا مالك بن مغول عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه قال: (شهدت النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء وأخرج بلال فضل وضوئه فابتدره الناس، فنلت منه شيئاً، ورُكِزت له العنزة فصلى بالناس والحمر والكلاب والمرأة يمرون بين يديه)].
وهذا الحديث رواه البخاري في الصحيح، وفيه مشروعية السترة حتى في مكة، ولهذا بوب البخاري فقال: (باب السترة في مكة وغيرها)، فدل على أن مكة ليس لها خصوصية أنه لا تشرع فيها السترة، بل السترة مشروعة للمصلي في مكة وفي غير مكة، لكن في المسجد الحرام إذا اشتد الزحام وعجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.


نتائج البحوث وخواتيم الكتب من الموقع الرسمي لكن حرر (3/ 319، بترقيم الشاملة آليا)
أحكام السترة في مكة وغيرها لمحمد بن رزق الطرهوني
- لا فرق بين مكة وغيرها في وجوب اتخاذ السترة وفي حرمة المرور بين يدي المصلي وفي وجوب دفع المار.


شرح زاد المستقنع للحمد (5/ 179، بترقيم الشاملة آليا)
* واعلم أن ظاهر الأحاديث أن السترة مشروعة في مكة وغيرها من غير استثناء لمكة بل هي كغيرها في مشروعية السترة ورد لمار بين يدي المصلي وغير ذلك لعمومات النصوص الشرعية الواردة في ذلك.
ومعلوم أن ترك البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فلو كان الاستثناء وارداً لصح في ذلك حديث، ولم يثبت عنه في ذلك شيء.
والمشهور في المذهب خلاف ذلك وأنه لا بأس بترك السترة في مكة، وكذلك رد المار لا يكون فيها لازدحام الناس فيها.
ومذهب الشافعية والمالكية خلاف ذلك وأن مكة كغيرها، وهو الراجح لظاهر الأحاديث.
وأما كون مكة تكون محلاً للازدحام فإننا نخصص الأوقات التي يزدحم الناس فيها بحيث يشق رد المار كأن يكون ذلك في حج أو في مواسم، ففي هذه الحال لا بأس بالقطع لقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} وهذه مشقة عامة، بخلاف المشقة الخاصة التي يلحق الواقف نفسه فيها مشقة خاصة لا يترتب عليها إلا فوات بعض المصالح المترتبة عليه أو نحو ذلك، أما هنا فقد ترتب عليها مفاسد كبيرة وأذية لعموم الناس.
فحينئذ لا يقال بالمنع فيها عند ازدحام الناس.
وأما إن لم يكن هناك ازدحام شديد وكانت مكة كغيرها من المساجد في الازدحام فإنه يجب وضع السترة ورد المار بين يدي المصلي.
قال: (وتبطل بمرور كلب أسود بهيم فقط)
البهيم هو الذي لا يخالطه غير لونه الظاهر فالأسود البهيم هو الذي ليس فيه إلا السواد، وهذا في كل الألوان فالبهيم هو ما كان لوناً لا يخالط بغيره.
فالكلب الأسود البهيم، ومثله - على الراجح - ذي النقطتين وهو ما يكون بين عينه نقطتان فهو شيطان كما ثبت في الحديث وأمر بقتله، فهذه كلها قاطعة للصلاة.


القول المبين في أخطاء المصلين (ص: 82)
نقول بعد ما تقدم:
[1/15] تبيّن لنا بوضوحٍ: خطأ مَنْ يصلّي ولم يستتر بسترةٍ بين يديه، حتى لو أمن مرور الناس، أو كان في فضاء، ولا فرق بين مكة وغيرها في أحكام السّترة على الإطلاق (5)
_________
(1)...........
(5) 5 (انظر معتمد القائلين بأنه لا سترة بمكة، وأنه يجوز - هنالك- المرور بين يدي المصلين والرد عليه في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة)) : رقم (928) وكتاب ((أحكام السترة في مكة وغيرها)) : (ص 46-48) و (ص 120-126) ، وتقييد المرور بالضرورة أمر لا مندوحة عنه، وخصوصاً في حالة الازدحام الشديد، وقد قال به الحافظ ابن حجر في ((الفتح)) : (1/576) والزرقاني في ((شرحه على مختصر خليل)) : (1/209) ، والله اعلم.


الكتاب: منسك الحج
المؤلف: محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي النجدي (المتوفى: 1206هـ)
المحقق: بندر بن نافع العبدلي
الناشر: دار الوطن للنشر
الطبعة: الأولى 1423هـ-2002م
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]


منسك الحج (ص: 37)
فإن لم يقدر على الركعتين خلف المقام صلاهما حيثما شاء من المسجد 2 ولا بأس أن يصليهما إلى غير سترة ولو مر الرجال والنساء بين يديه 3
__________
3 لما روى المطلب بن أبي وداعة رضي الله عنه قال: "رأيت النبي صلى الله وسلم طاف بالبيت سبعا ثم صلى ركعتين بحذائه وفي حاشية المقام، وليس بينه وبين الطواف أحد".
..............................
........ والأقرب في ذلك توهيم كثير فيه، لا توهيم ابن جريج.
والخلاصة: أن الحديث ضعيف لاضطرابه، ولجهالة بعض رواته.
وقد أعلن ابن حجر فقال في "الفتح"1/576: "أراد البخاري التنبيه على ضعف الحديث- يعني: هذا بترجمته للباب بلفظ السترة بمكة وغيرها".
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" 3/342:"وعلى تقدير صحته فهو محمول على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في المطاف، والمطاف أحق الناس به الطائفون؛ لأنه لا مكان لهم إلا هذا، أما المصلي فيستطيع أن يصلي في أي مكان آخر، لكن الطائف ليس له مكان إلا ما حول الكعبة، فهو أحق به هذا إن صح الحديث، ولهذا بوب البخاري رحمه الله في "صحيحه" باب السترة في مكة وغيرها، يعني أن مكة وغيرها سواء ".اهـ.
وحينئذ فيشرع للطائف إذا أراد أن يصلي ركعتي الطواف أن يصلي إلى سترة، وأن يرد من مر بين يديه، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم.



الجامع لأحكام الصلاة - عادل بن سعد (ص: 81)
السترة في المسجد الحرام:
اعلم أن النصوص الدالة على مشروعية السترة في الصلاة، وتحريم المرور بين يدي المصلي، ووجوب رد المار تشمل المسجد الحرام، فإنها أدلة عامة لا مخصص لها، بل قد ورد في اتخاذ السترة بمكة عمومًا وفي المسجد الحرام خصوصًا أدلة صريحة تؤيد ذلك.
فمنها حديث أبي جحيفة -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالهاجرة فصلى بالبطحاء الظهر والعصر ركعتين، ونصب بين يديه عنزة .. الحديث (4). وقد بوب عليه البخاري رحمه الله فقال: (باب السترة بمكة وغيرها).
قال ابن حجر في فتح الباري: (فأراد البخاري التنبيه على ضعف الحديث -أي حديث المطلب الآتي- وأنه لا فرق بين مكة وغيرها في مشروعية السترة) قال: (وهذا هو المعروف عند الشافعية وأنه لا فرق في منع المرور بين يدي المصلي بين مكة وغيرها) (5).
وعن جابر -رضي الله عنه- في حديثه الطويل في صفة حج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: ثم نفذ إلى مقام إبراهيم -عليه السلام- فقرأ: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} [البقرة: 125] فجعل المقام بينه وبين البيت. فذكر صلاته ركعتين (6).
وعن يحيى بن أبي كثير قال: رأيت أنس بن مالك في المسجد الحرام قد نصب عصا يصلي إليها (7).
وعن صالح بن كيسان قال: رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة، ولا يدع أحدًا يمر بين يديه (8).
فهذه نصوص صحيحة صريحة في أن اتخاذ السترة في المسجد الحرام ومكة عمومًا مشروع. وعلى هذا فلا يجوز المرور بين يدي المصلي عامة، ولا أعلم دليلًا يستثني المسجد الحرام، والوعيد في الأحاديث عام يستحقه كل من يمر بين مصلّ في أي مكان.
وأما ما ورد عن المطلب بن أبي وداعة قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طاف بالبيت سبعًا، ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام، وليس بينه وبين الطواف أحد (1)، وفي رواية: (وليس بينه وبين الطواف سترة)، فهذا قد استدل به من قال: لا سترة في المسجد الحرام.
ولكن هذا الإستدلال غير ناهض؛ لوجوه منها:
الأول: أن الحديث ضعيف؛ لأنه من رواية كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة عن بعض أهله عن جده، ففي إسناده مجهول وهو الواسطة بين كثير وجده وفيه علة أخرى، وهي الاختلاف في إسناده (2).
الثاني: أنه فعل، وأحاديث الأمر بالسترة قول، وقد تقرر في الأصول أن فعله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يعارض القول الخاص بالأمة.
الثالث: أنه معارض بما هو أقوى منه، وهو ملازمة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اتخاذ السترة سفرًا وحضرًا الثابت بالأحاديث الصحيحة. وكذلك أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالسترة أمرًا صريحًا مطلقًا في نصوص كثيرة -كما تقدم-.
الرابع: أن الثابت في حديث جابر -رضي الله عنه- وغيره أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلى بعد فراغه من الطواف خلف المقام، فيكون المقام سترة له. قال جابر -رضي الله عنه-: (وطاف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالبيت وصلى ركعتين، والمقام بينه وبين البيت .. ) (3) ولهذا قال السندي -رحمه الله- على حديث المطلب: (قلت: لكن المقام يكفي سترة، وعلى هذا فلا يصلح هذا الحديث دليلًا لمن يقول: لا حاجة في مكة إلى سترة، فليتأمل) (4).
ومن العلماء من يجيز المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام في حال الضرورة (5) كالزحام الشديد للمشقة، ولا أعلم لذلك دليلًا. لكني أقول؛ ليت الأمر اقتصر في المسجد الحرام على حال الضرورة، كأيام الحج، ورمضان -مثلًا-؛ لأن الواجب على العبد أن يتقي الله ما استطاع، ولكن صار المرور شيئًا عاديًا لدى عموم الناس، حتى إن بعضهم ليمر بين يدي المتنفلين ذهابًا وإيابًا لأدنى حاجة، دون أن يحسّ بحرج، وهذا مما يشاهد ويؤسف عليه، إذ لا ريب أن المرور بين يدي المصلي فيه تشويش عليه وأذية له، فالله المستعان.


الجامع لأحكام الصلاة - عادل بن سعد (ص: 241)
المسألة الرابعة: هل يستثنى الحرمان من اتخاذ السترة أو لا؟
والجواب عن هذه المسألة: أن النصوص الواردة بالأمر في اتخاذ السترة لم تفرق بين مسجد وآخر، وعلى ذلك فالحرمان داخلان ولا يخرجان إلا بدليل، هذا من ناحية الإجمال، أما من ناحية التفصيل فيُقال: أولًا: عموم النصوص يشمل جميع المساجد دون استثناء.
ثانيًا: الأحاديث الآمرة باتخاذ السترة أو بعضها قالها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في المدينة.
ثالثًا: عمل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يؤيد اتخاذ السُترة حتى في الحرمين أما في الحرم المدني، فقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
أما في الحرم المكي، فعن أبي جحيفة -رضي الله تعالى عنه- قال: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالهاجرة فصلى بالبطحاء الظهر والعصر ركعتين ونصب بين يديه عنزة ... الحديث أخرجه البخاري وبوب عليه: باب السُترة بمكة.
وعن عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله تعالى عنه- قال: "اعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين ومعه من يستره من الناس". رواه البخاري.


فتاوى الشيخ أبو اسحاق الحويني (ص: 25)
94- هل العبور بين يدى المصلين فى الحرم جائز ؟
لا .. الصحيح أن المسجد الحرام كغيره في مسألة السترة . والحديث ( لا سترة بمكة ) هذا ضعيف .