تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الاستعلاء بالايمان

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,941

    افتراضي الاستعلاء بالايمان

    إن القرآن الكريم يُربي حملته - الناهضون به، على التمكن من الحق والاستعلاء به، دون الاستعلاء للنفس.
    إنما هي العزة للعقيدة،
    والاستعلاء للراية التي يقفون تحتها في مواجهة أعداء الله،
    فلا يقوم في نفوسهم خاطر الاستعلاء بأنفسهم لأنفسهم،
    ولا يهجس (يخطر) في قلوبهم الاعتزاز بذواتهم والاعتزاز بأشخاصهم وما يتعلق بها.
    إنما يتوارى شعورهم بأنفسهم ليملأها الشعور باللّه، ومنهجه في الحياة
    . إنها الثقة بأن ما معهم هو الخير،
    وأن دورهم هو أن يطوعوا الآخرين للخير الذي معهم؛
    لا أن يطوعوا الآخرين لأنفسهم، ولا أن يطوعوا أنفسهم للآخرين وما عند الآخرين!
    ثم هي الثقة بغلبة دين اللّه على دين الهوى،
    وبغلبة قوة اللّه الباقية على تلك القوى الفانية.
    أولئك الذين لا يقيمون لهذه الأرض وأشيائها وأعراضها وقيمها وموازينها حساباً.
    ولا يبغون فيها كذلك فساداً.
    أولئك هم الذين جعل اللّه لهم الدار الآخرة.
    خـــاطــب الله - سبحـــانه وتعـالى - رسوله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى -:
    {إنَّكَ عَلَى الْـحَقِّ الْـمُبِينِ} [النمل: 79]، ذلك شهادة لرسوله بالعظمة الكاملة المنزهة عن كل نقص؛
    لما دلَّ عليه حرف (عَلَى) من التمكن،
    وما دلَّ عليه اسم (الْحَقِّ) من معنى جامع لحقائق الأشياء.
    وما دلَّ عليه وصف (مبين) من الوضوح والنهوض،
    وفي الآية إشارة إلى أن الذي يعلم أن الحق في جانبه حقيق بأن يثق بأن الله مُظْهر حقه، ولو بعد حين
    وقال تعالى -:
    {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إلَيْكَ إنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
    [الزخرف: 43]،
    والصراط المستقيم: هو العمل بالذي أوحي إليه،
    فكأنه قيل: إنه صراط مستقيم،
    ولكن عدل عن ذلك إلى {إنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
    ليفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم راسخ في الاهتداء إلى مراد الله تعالى -
    كما يتمكن السائر من طريق مستقيم لا يشوبه في سيره تردد في سلوكه ولا خشية الضلال في بنياته.
    وهذا تثبيت للرسول صلى الله عليه وسلم وثناء عليه بأنه ما زاغ قيد أنملة عمَّا بعثه الله به،
    كقوله تعالى -: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إنَّكَ عَلَى الْـحَقِّ الْـمُبِينِ}
    ويتبعه تثبيت المؤمنين على إيمانهم.
    وقال تعالى -: {إنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ}
    ، أمره بالتوكل على اللّه وقلة المبالاة بأعداء الدين، وعلل التوكل بأنه على الحق الأبلج الذي لا يتعلق به الشكّ والظنّ.
    وفيه بيان أنّ صاحب الحق حقيق بالوثوق بصنع اللّه وبنصرته، وأن مثله لا يُخذل
    فإن قلت:
    فما الفائدة في ذكر (عَلَى) وكيف يكون المؤمن مستعليا على الحق وعلى الهدى؟
    قلت: لما فيه من استعلائه وعلوه بالحق والهدى مع ثباته عليه واستقامته إليه،
    فكان في الإتيان بأداة (عَلَى) ما يدل على علوه وثبوته واستقامته.
    وهذا بخلاف الضلال والريب فإنه يؤتى فيه بأداة (في) الدالة علــى انغمـــاس صاحبه وانقماعه وتدسسه فـــيه كقوله تعالى -:
    {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}
    وقـــوله تعالى -:
    {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ}
    وقوله تعالى -: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} ،
    وقوله - تعالى -: {وَإنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ}
    ، وتأمل قوله - تعالى -: {وَإنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} .
    فإن طريق الحق تأخذ علواً صاعدة بصاحبها إلى العلي الكبير،
    وطريق الضلال تأخذ سفلاً هاوية بسالكها في أسفل سافلين.

    فصاحب الهدى مستعل بالهدى، مرتفع به،
    وصاحب الضلال منغمس فيه محتَقر.
    فإن قلت:
    إن ما سبق ذكره من آيات وردت في حق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهذا لا خلاف من تمكنه من الهدى، ل
    كن أين المؤمنون من التمكن من الهدى؟
    قلت:
    ورد هذا المعنـــى في حـــق المؤمنين في قـــوله تعالى -:
    {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ }
    وَقَوْلُهُ {عَلَى هُدًى}
    تَعْبِيرٌ يُفِيدُ التَّمَكُّنَ مِنَ الشَّيْءِ كَتَمَكُّنِ الْمُسْتَقِرِّ عَلَيْهِ
    والإتيان بحرف الاستعلاء تمثيل لحالهم بأن شبهت هيئة تمكنهم من الهدى وثباتهم عليه ومحاولتهم الزيادة به والسير في طريق الخيرات بهيئة الراكب في الاعتلاء على المركوب والتمكن من تصريفه
    هذا وصف القرآن الكريم للفئة المؤمنة الناهضة بتكاليف الإيمان،
    فأين نحن من التمكن من الحق، ورفعه، والارتفاع به، والاستعلاء على جميع المناهج الأرضية به؟
    مجلة البيان

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,941

    افتراضي رد: الاستعلاء بالايمان

    { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } [آل عمران : 6]

    أول ما يتبادر إلى الذهن من هذا التوجيه أنه ينصب على حالة الجهاد الممثلة في القتال . . ولكن حقيقة هذا التوجيه ومداه أكبر وأبعد من هذه الحالة المفردة ، بكل ملابساتها الكثيرة .

    إنه يمثل الحالة الدائمة التي ينبغي أن يكون عليها شعور المؤمن وتصوره وتقديره للأشياء والأحداث والقيم والأشخاص سواء .

    إنه يمثل حالة الاستعلاء التي يجب أن تستقر عليها نفس المؤمن إزاء كل شيء ، وكل وضع ، وكل قيمة ، وكل أحد ، الاستعلاء بالإيمان وقيمه على جميع القيم المنبثقة من أصل غير أصل الإيمان .

    الاستعلاء على قوى الأرض الحائدة عن منهج الإيمان . وعلى قيم الأرض التي لم تنبثق من أصل الإيمان .وعلى تقاليد الأرض التي لم يصغها الإيمان ، وعلى قوانين الأرض التي لم يشرعها الإيمان ، وعلى أوضاع الأرض التي لم ينشئها الإيمان بالله وأصوله وجزوره .

    الاستعلاء . . مع ضعف القوة ، وقلة العدد ، وفقر المال ، كالاستعلاء مع القوة والكثرة والغنى على السواء .

    الاستعلاء الذي لا يتهاوى أمام قوة باغية ، ولا عرف اجتماعي ولا تشريع باطل ، ولا وضع مقبول عند الناس ولا سند له من الإيمان .

    وليست حالة التماسك والثبات في الجهاد إلا حالة واحدة من حالات الاستعلاء التي يشملها هذا التوجيه الإلهي العظيم .
    والاستعلاء بالإيمان ليس مجرد عزمة مفردة ، ولا نخوة دافعة ، ولا حماسة فائرة ،
    إنما هو الاستعلاء القائم على الحق الثابت . الحق الباقي وراء منطق القوة ، وتصور البيئة ، واصطلاح المجتمع ، وتعارف الناس ، لأنه موصول بالله الحي الذي لا يموت .
    إن للمجتمع منطقه السائد وعرفه العام وضغطه الساحق ووزنه الثقيل . . على من ليس يحتمي منه بركن ركين ،
    وعلى من يواجهه بلا سند متين . . .
    وللتصورات السائدة والأفكار الشائعة إيحاؤهما الذي يصعب التخلص منه بغير الاستقرار على حقيقة تصغر في ظلها تلك التصورات والأفكار ، والاستمداد من مصدر أعلى وأكبر وأقوى .

    والذي يقف في وجه المجتمع ، ومنطقه السائد ، وعرفه العام ، وقيمه واعتباراته ، وأفكاره وتصوراته ، وانحرافاته ونزواته . . ي
    شعر بالغربة كما يشعر بالوهن ، ما لم يكن يستند إلى سند أقوى من الناس ، وأثبت من الأرض ، وأكرم من الحياة .

    والله لا يترك المؤمن وحيدا يواجه الضغط ، وينوء به الثقل ، ويهدها الوهن والحزن ، ومن ثم يجيء هذا التوجيه :
    { ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } [ آل عمران : 139]

    يجيء هذا التوجيه . ليواجه الوهن كما يواجه الحزن .
    هما الشعوران المباشران اللذان يساوران النفس في هذا المقام . .
    يواجههما بالاستعلاء و الصبر والثبات ، والاستعلاء الذي ينظر من علو إلى القوة الطاغية ، والقيم السائدة ، والتصورات الشائعة ، والاعتبارات والأوضاع والتقاليد والعادات ، والجماهير المتجمعة على الضلال .
    إن المؤمن هو الأعلى . . الأعلى سندا ومصدرا . . فما تكون الأرض كلها ؟ وما يكون الناس ؟ وما تكون القيم السائدة في الأرض ؟ والاعتبارات الشائعة عند الناس ؟ وهو من الله يتلقى ، وإلى الله يرجع ، وعلى منهجه يسير ؟

    وهو الأعلى إدراكا وتصورا لحقيقة الوجود والحكمة والغاية من وجوده وخلقه . .
    فالإيمان بالله الواحد في هذه الصورة التي جاء بها الإسلام
    هو أكمل صورة للمعرفة بالحقيقة الكبرى . وحين تقاس هذه الصورة إلى ذلك الركام من التصورات والعقائد والمذاهب ،
    سواء ما جاءت به الفلسفات الكبرى قديما ،
    وما انتهت إليه العقائد الوثنية والكتابية المحرفة ،
    وما اعتفسته المذاهب المادية الكالحة . .
    حين تقاس هذه الصورة المشرقة الواضحة الجميلة المتناسقة من محاسن الشرعه والعقيدة الصحيحة ،
    إلى ذلك الركام وهذه التعسفات ،
    تتجلى عظمة العقيدة الإسلامية كما لم تتجلى قط وبضدها تتبين الاشياء.
    وما من شك ان الذين يعرفون هذه المعرفة هم الأعلون على كل من هناك.

    وهو الأعلى تصورا للقيم والموازين التي توزن بها الحياة والأحداث والأشياء والأشخاص .
    فالعقيدة المنبثقة عن المعرفة بالله بأسمائه وصفاته واستحقاقه سبحانه بأن يفرد بجميع انواع العبادة، ومن المعرفة بحقائق القيم في هذه العقيدة وهذا الايمان من شأنه أن تمنح المؤمن تصورا للقيم أعلى وأضبط من تلك الموازين المختلفة في أيدي البشر ، الذين لا يدركون إلا ما تحت أقدامهم . ولا يثبتون على ميزان واحد في الجيل الواحد . بل في الأمة الواحدة . بل في النفس الواحدة من حين إلى حين .

    وهو الأعلى عقيدة وشريعة وضميرا وشعورا ، وخلقا وسلوكا . .
    فإن عقيدته في الله ذي الأسماء الحسنى والصفات العلى ، هي بذاتها موحية بالرفعة والنظافة والطهارة والعفة والتقوى ، والعمل الصالح والخلافة الراشدة . فضلا على إيحاء العقيدة عن الجزاء في الآخرة . الجزاء الذي تهون أمامه متاعب الدنيا وآلامها جميعا .
    ويطمئن إليه ضمير المؤمن . ولو خرج من الدنيا بغير نصيب .
    وهو الأعلى شريعة ونظاما .
    وحين يراجع المؤمن كل ما عرفته البشرية قديما وحديثا ، ويقيسه إلى شريعته ونظامه ،
    فسيراه كله زبالة أذهان وخبط العميان ، إلى جانب شريعة الله والنظام الكامل المحكم لجميع شؤن الحياة.
    وسينظر إلى البشرية الضالة من علو في عطف وإشفاق على بؤسها وشقوتها ،
    ولا يجد في نفسه إلا الاستعلاء على الشقوة والضلال .
    وهكذا كان المسلمون الأوائل يقفون أمام المظاهر الجوفاء ، والقوى المنتفخة ، والاعتبارات التي كانت تتعبد الناس في الجاهلية . . والجاهلية ليست فترة من الزمان ، وإنما هي حالة من الحالات تتكرر كلما انحرف المجتمع عن نهج الإسلام ، في الماضي والحاضر والمستقبل على السواء . .
    وهكذا وقف وقف ربعي بن عامر مع رستم هذا وحاشيته
    دخل ربعي بثياب صفيقة وترس وفرس قصيرة . ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد . وأقبل وعليه سلاحه وبيضته على رأسه . فقالوا له : ضع سلاحك . فقال : اني لم آتكم ، وإنما جئتكم حين دعوتموني ، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت . فقال رستم : ائذنوا له . فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق لخرق عامتها . فقال رستم : ما جاء بكم ؟ فقال : الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام )) .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,941

    افتراضي رد: الاستعلاء بالايمان

    (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
    آية سمعها خبيب بن عدي -رضي الله عنه- فصاغها موقفا يذكر إلى يوم القيامة،
    أسره المشركون وجعلوه على خشبة ليصلبوه،
    فقال:
    دعوني أركع ركعتين، فلما سلم،
    قال: والله لولا أن تقولوا أني أصلي جزعا من الموت لزدت منها،
    فقال له أحدهم: أيسرك أن محمدا عندنا تضرب عنقه وأنك في أهلك؟
    فقال: لا، والله ما يسرني أني في أهلي، وأن محمدا في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه.

    فقال رضي الله عنه مستعليا بإيمانه:
    وما بي حذار الموت إنـــي لميت *** وإني إلى ربي إيابي ومرجعي
    ولست أبالي حين أقتل مسلما *** على أي شق كان في الله مضجعي
    وذلك في ذات الإله وإن يشـأ *** يبارك على أوصال شلو ممـــزع
    فلست بمبد للعدو تخشعـــا *** ولا جزعا إني إلى الله مرجعـي
    [زاد المعاد 3/219 ـ220].
    لم يبد ويظهر أي جزع أو تخشع، كل ذلك استعلاء بإيمانه ـرضي الله عنه

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •