صورة فتياتنا في وسائل الإعلام لا تطابق الأصل !
في مطار إحدى العواصم العربية امتلأت صالة الاستقبال بآلاف من الفتيات، تحمل كل واحدة منهن وردة لاستقبال الممثل الهندي الشهير، وعندما أطل عليهن تعالت صيحاتهن وأغمي على العشرات منهن من فرط تأثرهن برؤية ذلك البطل الذي شاهدنه كثيراً على شاشات التلفاز وقد أضحى أمامهن وجهاً لوجه.
وفي عاصمة عربية أخرى لاحظ القائمون على إحدى الجرائد اليومية تزايد الأخطاء المطبعية في المواد التي تصفها الموظفات الصغيرات، وبالتحقيق في الأمر تبين أن هؤلاء الفتيات قد قصصن شعرهن وصففنه بنفس الطريقة التي رأين عليها بطلة إحدى المسلسلات حيث كانت تسدل خصلة من شعرها على إحدى العينين.
فهل نجافي الحقيقة إذا قلنا: إن التلفاز أضحى أحد أهم المؤثرات في حياتنا؟ وأن تأثيره علينا لا يقل عن تأثير آبائنا ومؤسساتنا التربوية؟ وهل نبالغ إذا قلنا: إن ذلك الجهاز الصغير في عصر الفضائيات أصبح يسعى ليصنع الواقع لا ليظهره، لاسيما في مجالات الملبس والمأكل وأساليب العيش؟ هل يكفي أن نلقي باللوم على فتياتنا إذا ما بدر منهن سلوكٌ متأثرٌ بما شاهدنه على شاشات ذلك الساحر الصغير؟
في أغاني الفيديو كليب تتسابق الفتيات إلى العري؛ حيث تتبارى العروض في كشف أكبر جزء من جسد المرأة، وكلما ازدادت الفضائيات التي تقدم هذا النوع من الأغاني ازداد التنافس بينها، في محاولة لتطبيع الرقص وتقديمه على أنه جزء من الحياة اليومية، فالفتاة في تلك المشاهد ترقص في البيت والغيط وفي الطريق وفي القطار وفي كل مكان، ومن حولها يتقبلون الأمر بكل سرور وينظرون إليها بكل إعجاب.
أما فتاة الإعلان فتقدم نموذجاً مغرياً يعرض مواصفات خاصة للجمال: جسد رشيق، شعر صحي، بشرة ناعمة، عطور فواحة، وهكذا سواء كان الإعلان عن سلعة تخص المرأة أو الرجل، ففتاة الإعلان تعلن عن كل شيء بما في ذلك جسدها وأنوثتها.
وتقدم أفلامنا ومسلسلاتنا نموذجاً للفتاة الذكية الفهلوية المتحررة التي تصادق الشباب وتستطيع أن تخدع أهلها- وخصوصاً أمها- بكل سهولة، وقد تقوم الأم بدور المشجعة، فهي الصديقة والخبيرة التي تنصح ابنتها بما تفعله؛ لإيقاع ذلك الشاب في مصيدة الحب والغرام.
* هكذا تحدثت الفتيات:
تزايدت وسائل الإعلام بقنواتها وفضائياتها بطريقة تدعو للانتباه، فهل نحن فعلاً في حاجة للمزيد منها؟ وهل قدمت هذه القنوات للفتاة خدمات جليلة على طريق التقدم والتحضر؟ وهل عبرت عن هويتها وطموحاتها؟ أم ساهمت سلبياً في انحدار مستواها الأخلاقي من خلال ما تقدمه من أغاني "الفيديو كليب" وما شابهها من مواد إعلامية؟
لنستمع إلى آراء الفتيات أولاً قبل المسارعة إلى إصدار الأحكام:
* آلاء- 13 عاما-: فتيات الأفلام والمسلسلات والأغاني والإعلانات لا يعبرن عن أي واقع للفتيات، ناهيك عن أن يكون واقع الفتاة المسلمة، فهذه الوسائل تقدم صوراً خيالية للترفيه الرخيص، وطرقاً سلبية لإضاعة الوقت والمتعة الزائلة، فلم أر في هذه القنوات ما يعبر عني أو عن أي من صديقاتي حتى أكثرهن مشاغبة في الفصل أو أدناهن أخلاقاً أعتبرها أفضل مما يعرضن في هذه الوسائل فإذا كانت هي سيئة فهن الأسوأ.
* وتؤكد جوهرة كلام آلاء بقولها: لابد أن يقدم إعلامنا الصورة الحقيقية للفتاة والمرأة العربية فنحن لم نكن أبداً ولن نكون سلعة رخيصة، فلنا أدوار مهمة في الحياة، فلم نر مثلاً نموذجاً للفتاة المتفوقة والملتزمة بشرع الله في نفس الوقت فهم دائماً يقدمون الفتاة المحجبة على أنها متخلفة أو سلبية أو أنها تستغل الحجاب في أشياء أخرى أو أنها ترتديه دون قناعة، وهكذا.. فواقعنا كفتيات مسلمات لا نجده في تلك الوسائل فهي تقدم نماذج مشوهة.
* أما نورة- 19 سنة- فتقول: الفتيات اللاتي يظهرن في القنوات الفضائية لا سيما الغنائية يقدمن مشاهد غير لائقة نخجل من رؤيتها فهن لا يعبرن عن أي فتاة منا، نحن نريد إعلاماً راقياً يعبر عنا وعن هويتنا وطموحاتنا لا إعلاماً يقلد الغرب في سقطاته.
* وتضيف أمل إلى كلام نورة: هذه القنوات لا تريد لنا مستقبلاً سوى أن نكون راقصات أو عابثات، وكأنها تنادي: دعوا الكتب، والمدرسة، ولا داعي لأن تبذل مؤسساتنا التعليمية والتربوية كل هذه الجهود فالرقص يتطلب مؤهلات أخرى.
* رقية- 18 سنة-: أرفض الأغاني والإعلانات التي تعتمد جسد المرأة (ماركة) مسجلة للنجاح، ولكني لا أرفض الوسيلة برمتها فلدي القدرة على الانتقاء ويساعدني والدي في ذلك، فهناك قنوات قليلة محترمة، وإن كنت أتمنى أن تخصص هذه القنوات برامج لنا حتى نجد البديل المناسب الذي يعبر عنا ويناقش قضايانا ويعالج مشكلاتنا.
* أما ريم- 17 سنة- فتقول: ليس لدي وقت أضيعه في مشاهدة هذه القنوات فأنا لا أجد نفسي فيها، وعندي دائماً ما يشغلني– بجانب الدراسة- من الأنشطة النافعة، وفي الوقت نفسه لا أحرم نفسي من الترفيه البريء والنزهات مع الأسرة والتزاور مع صديقاتي في الله.
* منيرة- 20 سنة- : أرى أن مقاطعة مثل هذه الوسائل والقنوات واجب شرعي وإنساني، وعلينا ألا نكتفي بالمقاطعة بل يجب أن ننصح الأخريات ونحثهم على ذلك، كما أننا نستطيع أن نواجه هذا الغزو من خلال عدة وسائل منها:
- نشر الوعي بخطورة هذه البرامج والقنوات عبر مختلف الوسائل ويمكن استخدام الإنترنت في هذا الغرض.
- مراسلة مسؤولي الفضائيات والصحف الخليعة والمطربين والمطربات وتذكيرهم باليوم الآخر.
- البحث عن البديل النافع ودعوة الجميع لمشاهدته.
- تعلم فن إدارة الوقت وكيفية شغل أوقات الفراغ بما هو مفيد.
* معايير مغلوطة:
تقول الدكتورة ماجي الحلواني- عميدة كلية الإعلام بجامعة القاهرة-: في الماضي كانت معايير الأنوثة لدى الفتيات تعني الحياء والعفاف والتمسك بالقيم، أما الآن فأصبحت الأنوثة في وسائل الإعلام تعني ترك الحجاب واللهث وراء الموضة التي تطبقها نجمات الغناء. فقد أصبح هناك هوس بالشكل وتغيرت معايير السلوكيات الأخلاقية، واعتبرت معاكسات الشباب للفتيات في الطريق شأناً عادياً. أما غض البصر فهو ما لم تدع إليه تلك الوسائل، فضلاً عن تشجيع الفتيات على التمرد حتى أصبحت هناك هوة بين جيل الآباء والأبناء، وتغيرت مواصفات القدوة حيث كانت الشخصية القدوة لابد أن تتمتع بصفات وإنجازات عظيمة حتى يقتدي بها الآخرون، أما القدوة التي تقدمها الفضائيات للفتيات فهي أبعد ما تكون عن المعايير الإسلامية حيث التبرج والاختلاط والعلاقات المفتوحة.
وتضيف الحلواني: تسعى تلك الوسائل إلى صياغة عقول الفتيات بحيث يصبح شغلهن الشاغل آخر الصيحات وخطوط الموضة والأزياء، وأن تختار من هذه الملابس وقصَّات الشعر ما يناسبها، وأن تتابع أخبار الفنانين والفنانات، وتعرف آخر الموضات التي نزلت إلى الأسواق، وآخر محل فتح للتخسيس والرياضة، وأجمل محل فتح للأدوات المكتبية والحقائب والمكياج ومحلات العطور والإكسسوارات، وأحدث مركز تجاري لبيع الأقمشة، وآخر شريط للممثل الفلاني والممثلة الفلانية.
وتركز معظم وسائل الإعلام بوجه عام - سواء كانت في الفيديو أو التلفزيون أو الصحافة- على عواطف الفتاة وغرائزها، وتقدم لها صورة واحدة هي صورة الحب والغرام والزينة والجمال، ولا شيء غير ذلك فيجعلونها لا تفكر إلا في حذائها وجوربها ولباسها والجنس الآخر.
* التكرار يُعَلِّم الـ.....
الدكتور سامي الشريف- أستاذ الإعلام- يؤكد دور الإعلام في تشكيل وعي الأفراد، وإعادة تصوير فئات المجتمع، وتثبيت صور بعينها عن الرجل أو المرأة أو الفتاة في أذهان الجميع.
ويقول: من الطبيعي أن يسهم الإعلام في تكوين الوعي المجتمعي بالمرأة أو الفتاة سلباً أو إيجاباً من خلال ما يقدمه من رسائل أو صور، والتعود في هذا المجال يقوم بعمل مهم يوازي دور التكرار، ويحدث التأثير السلبي للإعلام عندما تصاغ وتثبت وتشاع الصورة السائدة عن المرأة أو الفتاة المتبرجة المتعرية، وينبذ النموذج السوي الملتزم.
* المرأة الجسد:
الباحث الإعلامي عصام فرج يصنف صورة المرأة في الإعلانات إلى ثلاثة نماذج هي: المرأة الجسد، والمرأة الشيء، والمرأة السطحية، ويرى أن هذه النماذج تعمل على تشويه صورة المرأة وتنتقص من قيمتها بوصفها إنساناً فاعلاً له دور في الحياة غير الدور الترويجي المؤسف، كما تساهم في تعزيز النزعة الاستهلاكية لديها على حساب الروح الإنتاجية الواجب أن تسود عقل المرأة ووجدانها وتحكم سلوكياتها، وتقدم هذه النماذج قدوة سيئة للمراهقات في المجتمع وتضع مفاهيم خاطئة عن الأعمال المميزة التي يمكن أن تمارسها المرأة وتكسب من ورائها المال الكثير خاصة أن العاملات في الإعلان يحققن ثروات طائلة من هذا العمل.
و تتركز المضامين الإعلامية الموجهة للمرأة على الدور التقليدي للمرأة الذي يركز على أمور الطهي والمطبخ والأطفال والزوج والأزياء والتجميل وصيحات الموضة، في الوقت الذي تقتصر فيه الأدوار الأخرى للمرأة باعتبارها كائناً منتجاً وفاعلاً في المجتمع.
كما تركز وسائل الإعلام على المرأة في مرحلة الشباب والنضج والخصوبة، فيما تقصي مرحلتي الكهولة والشيخوخة إلى زوايا معتمة، أما الفتيات صغيرات السن فإنهن لا يشغلن أي اهتمام لدى وسائل الإعلام.
إن نَقل صورة مشرقة للنساء والفتيات يقتضي السعي لصياغة هذه الصورة في الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي؛ فليس المطلوب إعطاء صورة مثالية، لكن صورة متوازنة تظهر نماذج للمرأة في سموِّها وانحدارها، نجاحها وإخفاقها.
* الصحافة ليست أحسن حالاً!
إذا كنا نشكو من صورة المرأة والفتاة في التلفاز فإن صورتها في الصحافة لا تختلف كثيراً، فالبحوث التي أجريت وتناولت صورة المرأة و الفتاة في المجلات النسائية تبين أن معظم هذه المطبوعات توجهت إلى المرأة المستهلكة المقلدة للغرب بطريقة كاملة دون أن تفكر هل هذا يناسبها ويناسب مجتمعها أو لا؟
من خلال دراسة اعتمدت أسلوب تحليل المضمون واستفتاء محررات الصفحات النسائية في الصحف تبين أن موضوعات الأزياء والموضات تحتل موقعاً رئيساً في الأبواب النسائية في الصحف، كما أن هناك اهتماماً واسعاً بموضوعات التجميل وفنون المكياج، كما تبين أن المضمون الخاص بالفتيات لا يعبر عنهن ولا يفي باحتياجات هذه الشريحة العريضة.
أجرت الدراسة الدكتورة راجية أحمد قنديل- أستاذة الصحافة والرأي العام ومديرة مركز بحوث الرأي العام بكلية الإعلام جامعة القاهرة- وكان من أبرز النتائج:
* تركز كثير من الصحف النسائية والمجلات اهتمامها على قضايا ليس لها أولوية للمرأة أو الفتاة المعاصرة، ويقتصر الاهتمام في معظمها على المضمون الخفيف، في حين تغيب عن صفحاتها كثير من القضايا الحيوية الهامة.
* هذه الصحافة تغفل - في أحيان كثيرة - خصوصية قضايا المرأة والفتاة العربية فتقع في فخ التبعية لأجندة الاهتمامات الغربية المغايرة تماماً.
* الحيز الأكبر من صفحات الصحف والمجالات النسائية العربية يحوي مضموناً استهلاكيّاً لا يواكب واقع المجتمع والمرأة والفتاة والأسرة.
* يتراجع بشدة في الصحافة النسائية المضمون السياسي الجاد، ورسائل التوعية السياسية.
* لا تُولِي الصحافة النسائية اهتماماً كافياً بالمرأة الريفية وقضاياها، رغم ما تمثله من نسبة النصف من الناحية العددية في المجتمعات العربية.
*تهمل هذه المجلات المتخصصة الجوانب الثقافية، وتكاد تحصر المرأة وأنشطتها وأدوارها في نطاق المنزل والاهتمامات الهامشية.
* هناك هُوَّة عميقة بين واقع المرأة والفتاة وصورتها التي تظهرها الصحافة العربية بصفة عامة والمجلات النسائية بصفة خاصة.
* يتضح التحيز الشديد من جانب الصحافة النسائية إلى شريحة معينة من نساء المدن لا تمثل إلا قلة قليلة، تختلف مشكلاتها واهتماماتها عن الغالبية الواقعية في المجتمع المعاصر.
* كثيراً ما تتوجه هذه الصحف والمجلات إلى الشرائح العليا اجتماعيّاً، والمستوى الاقتصادي المتميز الذي لا يتمتع به الكثيرون والكثيرات.
* ما زال مضمون الصحافة النسائية العربية يظهر النظرة للمرأة وأدوارها بوصفها أنثى وزوجة، مع إهمال مشاركتها في المجال العام أو مشكلاته بوصفها امرأة عاملة، وكشريك في الإنتاج، أو في اتخاذ القرار، ومختلف جوانب الخلق والإبداع الفكري والفني، ومن ثَمَّ لا يعكس الرأي العام النسائي.
* حرة ومسؤولة أيضاً:
الإعلامية نوال السباعي تقول: أنا لست مع الانفتاح غير المسؤول، ولا مع التقوقع، وأرى أن مشكلتنا أننا أصبحنا كالغراب الذي أراد تقليد مشية الطاووس فما استطاع ونسي مشيته أيضاً.
وفيما يخص البيت المسلم في مواجهة الصحف والفضائيات وغزوها تتحمل المرأة والفتاة الجزء الأكبر من المسؤولية حيث يجب أن تتمتع بالحصانة الكافية لصد هذه الهجمة، وتفنيدها، وغربلتها، وتصفيتها، واختيار ما يناسب منها وما لا يناسب، وهذا لا تستطيع أن تقوم به إلا المرأة الواعية في ذاتها المستقلة برأيها الحرة في تفكيرها المستعلية بدينها, وهذه أشياء وميزات لا تتمتع بها المرأة التي اعتادت أو أرغمت أن تعيش عالة على الآخرين، فما يمنعه الزوج أو الأب هو الممنوع، وما يرضاه هو المسموح، فلكي تقوم المرأة المسلمة بدورها الذي ينذر بالخطر في مواجهة هذا الغزو؛ لابد أن تتمتع بالحد الأدنى من احترام الذات حتى تستطيع أن تدافع عن هذه الذات، وذلك لمواجهة هذه الرياح التي وجدت أمة دون أسوار ولا حماية فهبت
عليها محدثة كل هذه المخاوف.
______________________________ _____
الكاتب: سحر فؤاد أحمد