للعبادة شرطين لكي تقبل؛
هما: الإخلاص لله تعالى،
والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم،
، فالعبادة لا تكون خالصة وصحيحة، إلا إذا توفر فيها شرطان،
فإذا سقط شرط أو اختل بطلت العبادة فهما كالجناحين للطائر،
ولا يمكن للطائر أن يطير بجناح واحد
كذلك المرء لا يمكن أن يُقبل عمله إلا إذا توفر في عمله الإخلاص لله جل وعلا، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
فالشرط الأول: الإخلاص لوجه الله تعالى:لا بد وأن تكون العبادة خالصة لله وحده، ليس فيها شركٌ، فإذا خالطها شرك بطَلت وفسدت، كالطهارة إذا خالطها حدث بطلت، كذلك إذا عبدت الله ثم وقعت في الشرك بطلت عبادتُك، ولم تنفعك الأعمال، إذًا فما هو حد الشرك؟قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: ((فإن حد الشرك الأكبر: وتفسيره الذي يجمع أنواعه وأفرادهأن يصرف العبد نوعًا أو فردًا من أفراد العبادة لغير الله، فكل اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع، فصرفه لله وحده توحيد وإيمان وإخلاص، وصرفه لغيره شرك وكفر، فعليك بهذا الضابط للشرك الأكبر الذي لا يشذ عنه شيء.كما أن حد الشرك الأصغر: هو كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر، من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة التي فعلتها))
قال ابن القيم: في قصيدته في بيان أن الشرك محبط للأعمال.الشرط الثاني: هو المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم:فأي عبادة لم يأت بها الرسول، فإنها باطلة وغير مقبولة؛ لأنها بدعة وضلالة؛ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو رَدٌّ)) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان:أحدهما: ألا نعبد إلا الله.والثاني: ألا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بعبادة مبتدعة.وهذان الأصلان هما تحقيق "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله"؛ كما قال تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2 ].قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ((أحسن العمل أخلصه وأصوبه، قالوا: يا أبا علي، ما أخلصه وما أصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة، وذلك تحقيق قولة تعالى: ﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه: اللهم اجعَل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا)).
والشرك فاحذَره فشرك ظاهر
ذا القسم ليس بقابل الغفران
وهو اتخاذ الند للرحمن أيًّا
كان من حجر ومن إنسان
يدعوه أو يرجوه ثم يخافه
ويحبه كمحبة الديان
فإن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه تبارك وتعالى، فلا بد في العبادة من هذين الشرطين الإخلاص لله جل وعلا، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.فبدون هذين الشرطين لا تصح العبادة؛ لأنها تصبح على غير ما شرع الله، والله لا يقبل إلا ما شرع في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- عندما استخرج مائة وعشرة فوائد من سورة الكهف، فقال في قوله تعالى: ﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾: فيها: الشرط الأول: وهو الموافقة لشرع الله. وقال في قوله تعالى: ﴿ وَلَا يُشْرِكْ بِعَبَادِةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ فيها: الشرط الثاني: وهو الإخلاص فيه لله
وأما المتابعة فلا تتحقق إلا بأوصاف ستة ذكرهما الشيخ محمد بن عثيمين
أولًا: السبب:
أن تكون العبادة موافقة للشريعة في سببها: فأي إنسان يتعبد لله بعبادة مبنية على سبب لم يثبت بالشرع، فهي عبادة مردودة ليس عليها أمر الله ورسوله، مثال ذلك أن بعض الناس يحيي ليلة السابع والعشرين من رجب، بحجة أنها الليلة التي عرج فيها برسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتهجد عبادة، ولكن لما قرن بهذا السبب كان بدعة؛ لأنه بنى هذه العبادة على سبب لم يثبت شرعًا.
وهذا الوصف - موافقة العبادة للشريعة في السبب - أمر مهم يتبين به ابتداع كثير مما يظن أنه من السنة وليس من السنة.ثانيًا: الجنس: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في جنسها:فلو تعبد إنسان لله بعبادة لم يشرع جنسها، فهي غير مقبولة؛ مثل ذلك أن يضحي الإنسان بفرس، فلا يصح أضحية؛ لأنه خالف الشريعة في الجنس، فالأضاحي لا تكون إلا من بهيمة الأنعام الإبل، البقر، الغنم.ثالثًا: القدر: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في قدرها:فلو أراد إنسان أن يزيد صلاة على أنها فريضة، فنقول: هذه بدعة غير مقبولة؛ لأنها مخالفة للشرع في القدر، ومن باب أولى لو أن الإنسان صلى الظهر مثلًا خمسًا، فإن صلاته لا تصح بالاتفاق.رابعًا: الكيفية: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في كيفيتها:فلو أن رجلًا فبدأ بغسل رجليه، ثم مسح رأسه، ثم غسل يديه ثم وجهه، فنقول: وضوؤه باطل؛ لأنه مخالف للشرع في الكيفية.خامسًا: الزمان: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في الزمان:فلو أن رجلًا ضحى في أول أيام ذي الحجة، فلا تقبل الأضحية لمخالفة الشرع في الزمان.وسمعت أن بعض الناس في شهر رمضان يذبحون الغنم تقربًا لله تعالى بالذبح، وهذا العمل بدعة على هذا الوجه؛ لأنه ليس هناك شيء يتقرب به إلى الله بالذبح إلا الأضحية والهدي والعقيقة، أما الذبح في رمضان مع اعتقاد الأجر على الذبح كالذبح في عيد الأضحى فبدعة.وأما الذبح لأجل اللحم، فهذا جائز.سادسًا: المكان: أن تكون العبادة موافقة للشريعة في مكانها:فلو أن رجلًا اعتكف في غير مسجد، فإن اعتكافه لا يصح؛ وذلك لأن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد، ولو قالت امرأة: أريد أن أعتكف في مصلى البيت.
ومن الأمثلة لو أن رجلًا أراد أن يطوف فوجد المطاف قد ضاق ووجد ما حوله قد ضاق، فصار يطوف من وراء المسجد، فلا يصح طوافه؛ لأن مكان الطواف البيت قال تعالى لإبراهيم الخليل: ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ ﴾ [الحج:26].
فالعبادة لا تكون عملًا صالحًا إلا إذا تحقق فيها شرطان
:الأول: الإخلاص،
الثاني: المتابعة،
والمتابعة لا تتحقق إلا بالأمور الستة الآنفة الذكر