التأويلات الباطنية من فضائح الشيعة الكبرى
أ.د. ناصر بن عبد الله القفاري
التقيت أحد أعلام العراق من أصحاب التخصصات العلمية الدنيوية الدقيقة، وهو الأستاذ «علاء الدين البصير» بالحرم المكي بعد صلاة التراويح في رمضان عام 1435هـ، وذكر لي أنه كان شيعيًّا يظن أن هذه النحلة هي الحق، ثم تبين له الأمر، وانكشف له المستور، وذكر لي أن من أسباب عودته إلى الحق قراءته لكتابي «مسألة التقريب»، وبالذات ما يتعلق بالتأويلات الباطنية عند الشيعة، وقال لي: بعد قراءتي لهذه التأويلات التي لا تربطها أدنى رابطة لا بالمعنى اللغوي، ولا بالمفهوم، ولا بالسياق؛ قلت في نفسي: إذا ثبت أن هذه التأويلات موجودة في مصادرنا الشيعية كما يذكر صاحب «التقريب» فإن ذلك يكفي دليلًا على بطلان مذهبنا، وأعانني على هذا الفهم أنني صاحب تخصص علمي منهجي يزن الأقوال بميزان دقيق. وقال: حينها بدأت بجمع مكتبة شيعية تضم المصادر الأساسية، ثم قمت بمقابلة النصوص ومراجعها المثبتة في التقريب مع المصادر الشيعية التي تمت الإحالة إليها، فوجدت النتيجة صحة المقابلة، وسلامة التوثيق، وحينئذ أيقنت بأننا على ضلال، وخرجت من المذهب، ومنَّ الله عليَّ باعتناق السنة، وكان ذلك قبل تسع عشرة سنة، وجنَّدت نفسي بعدها لفضح هذه النحلة وكشف حقيقتها، وقد صنفت في هذا الباب نحو خمسين كتابًا، نشر منها تسعة. أقدم بهذه الواقعة[1] بين يدي هذه الدراسة التي تتناول التأويلات الباطنية عند الرافضة، وأنها أحد المعالم الكبرى لمعرفة زيف هذا المذهب وبطلانه. شاع التأويل الباطني في كتب الرافضة وأصبح من أصول دينهم التي يقوم عليها كيانهم العقدي؛ لأنه لا بقاء لمذهبهم إلا به، ولا يستقيم لهم دليل إلا بهذا التحريف الذي يسمونه تأويلًا، ولهذا عقد صاحب «البحار» بابًا لهذا بعنوان: «باب أن للقرآن ظهرًا وبطنًا»، وقد ذكر في هذا الباب 84 رواية[2]، وفي «تفسير البرهان» عقد بابًا مماثلًا لما في البحار بعنوان: «باب في أن القرآن له ظهر وبطن»[3].
وجاء في مصادرهم عن جابر الجعفي[4] قال: «سألت أبا جعفر عن شيء من تفسير القرآن فأجابني، ثم سألته ثانية فأجابني بجواب آخر، فقلت: جعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم؟ فقال لي: يا جابر: إن للقرآن بطنًا، وللبطن بطنًا وظهرًا، وللظهر ظهرًا، يا جابر، وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية لتكون أولها في شيء وآخرها في شيء وهو كلام متصل يتصرف على وجوه»[5].
وتؤصل مصادرهم لهذا المنهج الباطني بلغة الأرقام، فتبلغ به ما يزيد عن سبعين بطنًا! يقولون: «لكل آية من كلام الله ظهر وبطن، بل لكل واحدة منها كما يظهر من الأخبار المستفيضة سبعة وسبعون بطنًا»[6].
وتأتي بعض رواياتهم لتقول: «نزل القرآن على أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدونا، وربع سنن وأمثال، وربع في فرائض وأحكام»[7]..
وهكذا يقسمون القرآن وفق ما تهوى أنفسهم، وما تمليه عليهم شياطينهم. ويرى بعض الباحثين[8] أن أول كتاب وضع الأساس الشيعي في التفسير هو تفسير القرآن الذي وضعه في القرن الثاني للهجرة جابر الجعفي (ت 128هـ)[9]، فكان هذا نواة لتفسير شيعي سرعان ما اتسع وأغرق في باطنيته. وهذه التأويلات مدونة في تفاسيرهم المعتبرة عندهم كتفسير «القمي»، و«العياشي»، و«البرهان»، و«الصافي»، كما أن كتبهم المعتمدة في الحديث قد أخذت من تلكم التأويلات بقسط وافر، وعلى رأسها: «أصول الكافي» للكليني، و«البحار» للمجلسي وغيرهما، وعرض هذه التأويلات يستغرق مجلدات، ويكفي أن تعرف أن كل آيات القرآن يفسرونها إما بالأئمة وشيعتهم، أو بأعداء الأئمة - على حد وصفهم -، ولذا كان من أصولهم التي بنوا عليها تأويلاتهم أن «جل القرآن إنما نزل فيهم [أئمتهم الاثنا عشر] وفي أوليائهم وأعدائهم»[10]، مع أنك لو فتشت في كتاب الله وأخذت معك معاجم اللغة العربية كلها وبحثت عن اسم من أسماء هؤلاء فلن تجد لها ذكرًا! ومع ذلك فإن شيخهم البحراني يزعم أن عليًّا وحده ذكر في القرآن 1154 مرة، ويؤلف في هذا الشأن كتابًا سماه: «اللوامع النورانية في أسماء علي وأهل بيته القرآنية»[11]، وكل عاقل له أدنى صلة بالقرآن يدرك أن هذا القول أشبه بالهذيان، ولكن هؤلاء الباطنيين لا عقل ولا نقل. وكل آية نزلت في القرآن العظيم يفسرونها بأئمتهم، ومن ينظر في مصادر الإثنى عشرية التي تلقب في عصرنا بالشيعة، والمعتمدة لدى مراجعهم المعاصرين يجد أنهم يفسرون آيات نزلت في القرآن بالأئمة، فقوله سبحانه: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا} [التغابن: ظ¨] يقولون: «النور نور الأئمة»[12]، وفي رواية أخرى عندهم تقول: «النور الأئمة»[13]، وقوله سبحانه: {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ} [الأعراف: 157] يقولون: النور: علي والأئمة - عليهم السلام -[14].
مع أن الدلالة واضحة وجلية على أن المراد بالنور في الآيتين هو القرآن، فكيف لعاقل أن يقبل هذا التأويل الذي لا يربطه بالآية أدنى رابط! وكيف تنسب هذه التأويلات التي هي في حقيقتها إلحاد في آيات الله إلى آل البيت كعلي والحسن أو الحسين أو الباقر أو الصادق وهم أهل العلم واللغة والعقل والدين! وبناءً على هذا التأويل الجاهل الذي أعطوه للآية نفهم أن الأئمة أنزلوا من السماء إنزالًا! وتمضي تأويلاتهم للآيات التي تتحدث عن القرآن ولو كانت الآية في غاية الدلالة على أن المقصود القرآن، فيروون عن أبي جعفر (محمد الباقر) - رحمه الله وبرأه الله مما يفتري المفترون - في قول الله: {وَإذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إنْ أَتَّبِعُ إلَّا مَا يُوحَى إلَيَّ} [يونس: 15] قالوا: «بدل مكان علي أبو بكر وعمر واتبعناه»[15] (كذا).ويفسرون قوله سبحانه: {إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: ظ©] بقولهم «يهدي إلى الإمام»[16]، وفي رواية: يهدي إلى الولاية[17]. وتمضي تأويلاتهم أو تحريفاتهم على هذا النسق المظلم، ففي قول الله تبارك وتعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ } [الصف: ظ¨] قالوا: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بأفواههم، وقوله تعالى: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} [الصف: ظ¨]، يقولون: والله متمّ الإمامة، والإمامة هي النور، وذلك قول الله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا} [التغابن: ظ¨][18] قال: النور هو الإمام. وفي قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور: 35] قالوا: فاطمة عليها السلام، {فِيهَا مِصْبَاحٌ}: الحسن، {الْـمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ}: الحسين، {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}: فاطمة كوكب دري بين نساء أهل الدنيا، {يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ}: إبراهيم عليه السلام، {لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ}: لا يهودية ولا نصرانية، {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ}: يكاد العلم ينفجر بها، {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ}: إمام منها بعد إمام، {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ}: يهدي الله للأئمة من يشاء، {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا}: إمامًا من ولد فاطمة عليها السلام، {فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}: إمام يوم القيامة[19].
تأويل التوحيد والشرك بولاية الأئمة والبراءة منهم:
وكما أوّلوا ما جاء عن القرآن والنور بالإمامة، يؤولون ما جاء في كتـاب الله من النهي عن الشرك والكفر، يؤولونه بالشرك في ولاية علي، أو الكفر بولاية عـلي، ويؤولون مـا جـاء في عبـادة الله وحـده واجتناب الطاغوت بولاية الأئمة والبراءة من أعدائهم حتى قالوا: «ما بعث الله نبيًّا قط إلا بولايتنا والبراءة من عدونا، وذلك قول الله في كتابه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36][20]. وفي قوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إنَّمَا هُوَ إلَهٌ وَاحِدٌ} [النحل: 51] قالوا: يعني بذلك لا تتخذوا إمامين إنما هو إمام واحد[21]. وفي قوله سبحانه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْـخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] قالوا: لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية علي عليه السلام ليحبطن عملك، ولتكونن من الخاسرين[22].
وفي قوله سبحـانه: {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِـحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] قالوا: العمل الصالح المعرفة بالأئمة، {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}: التسليم لعلي لا يشرك معه في الخلافة من ليس ذلك له ولا هو من أهله[23]، وفي روايـة أُخرى لهم في قولـه: {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} قالوا: لا يتخذ مع ولايـة آل محمد صلوات الله عليهم غيرهم[24]. وفي قوله سبحانه: {وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البقرة: 41][25] قالوا: يعني عليًّا[26].
وفي قول الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا} [البقرة: 165] قالوا: هم أولياء فلان، وفلان، وفلان - يعنون أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم - اتخذوهم أئمة من دون الإمام[27].
وفي قوله سبحانه: {إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ} [الأعراف: 30] قالوا: يعني أئمة دون أئمة الحق[28]. وفي قوله: {إنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: ظ¨ظ¤] قالوا: يعني أنه لا يغفر لمن يكفر بولاية علي، وأما قوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِـمَن يَشَاءُ} [النساء: 48] يعني لمن والى عليًّا عليه السلام[29]، ورواياتهم في هذا الباب كثيرة، وهي محاولة لهدم الأصل الأول في الإسلام وهو التوحيد، وإعطاء الشرك صفة الشرعية، ومحاولة خطيرة لتفسير التوحيد والشرك والكفر بغير معانيها الحقيقية.
تأويل الصلاة بالأئمة والإمامة: ويؤولون بعض الآيات الواردة في الصلاة بالأئمة والإمامة، ففي قوله سبحانه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ، قال: الصلاة: رسول الله، وأمير المؤمنين، والحسن والحسين، والوسطى: أمير المؤمنين، {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} طائعين للأئمة[30].
وفي قوله سبحانه: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] قالوا: تفسيرها: ولا تجهر بولاية علي ولا بما أكرمته بها حتى آمرك بذلك، {وَلا تُخَافِتْ بِهَا} يعني ولا تكتمها عليًّا وأعلم ما كرمته به (كذا)[31]. وفي رواية أخرى لهم في تفسير الآية بمثل ما مضى وزادوا: فأما قوله: {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110] يقول: تسألني أن آذن لك أن تجهر بأمر علي بولايته، فأْذَن له بإظهار ذلك يوم غدير خم[32].
وقالوا في قوله سبحانه: {وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 29]: يعني الأئمة[33].
تأويل العمل الصالح بالإمامة:
ومن ذلك تأويلهم لعموم الأعمال الصالحة بالإمامة، وذلك في قوله سبحانه: {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِـحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] حيث قالوا: العمل الصالح المعرفة بالأئمة. وكما يؤولون جميع الأعمال الصالحة بالإمامة فإنهم يؤولون أركان الإسلام على سبيل التعيين بالإمامة أيضًا، ففي قوله سبحانه: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: ظ©ظ¢] قـالوا: التفث: لقاء الإمام[34]، وقد عقد شيخهم المجلسي بابًا في البحار (الذي يعدونه المرجع الوحيد لتحقيق المذهب) بعنوان: «باب أنهم الصلاة والزكاة والحج والصيام وسائر الطاعات، وأعداؤهم الفواحش والمعاصي في بطن القرآن»[35].
تأويل جميع آيات القرآن بالإمامة:
وتمضي تأويلاتهم لتفسر جميع آيات القرآن بالإمامة والأئمة، فجميع ما ورد في كتاب الله عن المؤمنين، وولاة الأمر، وأهل الذكر، وآيات الله الكونية، ومخلوقاته، وآلائه ونعمه، وغيرها، يؤلونها بالأئمة الاثني عشر، ومن ذلك: قول الله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 199] زعموا أن إمامهم قال: إيانا عنى[36].
وفي قوله سبحانه: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِـمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْـخَيْرَاتِ بِإذْنِ اللَّهِ} [فاطر: 32] قالوا: السابق بالخيرات الإمام، والمقتصد العارف للإمام، والظالم لنفسه الذي لا يعرف الإمام[37]. وتأويلهم لكثير من آيات القرآن بالإمامة والأئمة يربو على الحصر، وكأن القرآن لم ينزل إلا فيهم، بل تأويلهم للآيات بالإمامة والأئمة تجاوز حدود الشرع والعقل، ونزل إلى درك من العته والبله لا تفسير له سوى أنه محاولة للهزء والسخرية بآيات الله، حتى إنهم يقولون: - الأئمة هم النحل[38] في قوله سبحانه {وَأَوْحَى رَبُّكَ إلَى النَّحْلِ} [النحل: 68]، والمجلسي عقد بابًا لذلك بعنوان: «باب نادر في تأويل النحل بهم»[39]. - وهم الحفدة[40] في قوله سبحانه: {وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72]. - وعلي هو سبيل الله[41] في قوله سبحانه: {وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [إبراهيم: ظ£][42].
- وهو الحسرة على الكافرين[43] في قوله: {وَإنَّهُ لَـحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الحاقة: 50]. - وهو حق اليقين[44] في قوله سبحانه: {وَإنَّهُ لَـحَقُّ الْيَقِينِ} [الحاقة: 51].
- وهـو الصراط المستقيم[45] في قوله سبحـانه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْـمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ظ¦]. - وهو الهدى[46] في قوله: {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 38]. - والأئمة هم الأيام والشهور، وعقد شيخهم المجلسي بابًا في ذلك بعنوان: «باب تأويل الأيام والشهور بالأئمة عليهم السلام» ضمنه طائفة من رواياتهم[47].
- والأئمة هم بنو إسرائيل[48] في قوله سبحانه: {يَا بَنِي إسْرَائِيلَ...} [البقرة: 40][49].
- وهم الأسماء الحسنى التي يدعى بها: يروون عن الرضا عليه السلام قال: إذا نزلت بكم شدة فاستعينوا بنا على الله، وهو قول الله: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْـحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] قال - راويهم - قال أبو عبد الله: نحن والله الأسماء الحسنى الذي لا يقبل - كذا - من أحد إلا بمعرفتنا، قال: فادعوه بها[50].
وقال شيخهم المجلسي: «والأئمة هم المـاء المعين والبئر المعطلة والقصر المشيد وتأويل السحاب والمطر والفواكـه وسائر المنـافع الظاهرة بعلمهم وبركاتهم، ثم أورد طائفة من نصوصهم في ذلك»[51].
وهكذا تمضي تأويلاتهم على هذا النحو الذي يكشف عوراتهم ويفضح إلحادهم.
تأويل الآيات الواردة في الكفار بالصحابة الأخيار:
ومن إلحادهم تأويلهم للآيات الواردة في الكفار والمنافقين بخيار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسهم خليفتاه ووزيراه وصهراه وحبيباه أبو بكر وعمر، ويثلثون أحيانًا بصاحب الجود والحياء ومن وضع ماله في سبيل الله وجهز جيش العسرة وغيره: صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابنتيه عثمان رضي الله عنه، وغيرهم من صحابة رسول الله الأخيار ومن تبعهم بإحسان. ومن ذلك ما يلي: روى الكليني في الكافي عن أبي عبد الله في قوله تعالى: {أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْـجِنِّ وَالإنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِين} [فصلت: 29] قال: هما، ثم قال: وكان فلان شيطانًا[52].
قال المجلسي ـ في شرحه للكافي في بيان مراد صاحب الكافي بـ«هما» ـ قال: «هما» أي أبو بكر وعمر، والمراد بفلان عمر، أي الجن المذكور في الآية عمر، وإنما سمي به لأنه كان شيطانًا إما لأنه كان شرك شيطان لكونه ولد زنا أو لأنه في المكر والخديعة كالشيطان، وعلى الأخير يحتمل العكس بأن يكون المراد بفلان أبا بكر[53].
وعن حريز عمن ذكره عن أبي جعفر في قوله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَـمَّا قُضِيَ الأَمْرُ} [إبراهيم: ظ¢ظ¢] قال: هو الثاني وليس في القرآن {وَقَالَ الشَّيْطَانُ} إلا هو الثاني[54]
- يعنون بالثاني عمر رضي الله عنه -. وعن زرارة عن أبي جعفر في قوله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ} [الانشقاق: 19] قال: يا زرارة، أو لم تركب هذه الأمة بعد نبيها طبقًا عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان؟ - يعنون أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم -. قال عالمهم الفيض الكاشاني: «ركوب طبقاتهم كناية عن نصبهم إياهم للخلافة واحدًا بعد واحد»[55].
وعند قوله سبحانه: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْر} [التوبة: ] يروي العياشي عن حنان بن سدير أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: دخل علي أناس من البصرة فسألوني عن طلحة وزبير فقلت لهم: كانا إمامين من أئمة الكفر[56].
ويفسرون الجبت والطاغوت الوارد في قوله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْـجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51] يفسرونهما بصاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه وصهريه وخليفتيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما[57].
ويروون عن أبي جعفر - رضي الله عنه وبرأه الله مما يفترون - في قوله تعالى: {... مُتَّخِذَ الْـمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف: 51] أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم أعز الدين بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل ابن هشام» فأنزل الله {وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْـمُضِلِّينَ عَضُدًا}[58].
وهذا النص يناقض اعتقادهم بعصمة الأنبياء، لأنه يقتضي صدور الدعوة لعمر من الرسول صلى الله عليه وسلم على سبيل الخطأ، أو يثبت عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم وينسف ما قالوه في سب عمر وتكفيره وأنه غصب الخلافة من علي، وهذا يؤدي إلى هدم مبدأ الإمامة عندهم، وما ندري أي الأمرين يطوح بهم أكثر من الآخر؟ ويروون عن أبي عبد الله أنه قال في قوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}[59] قال: «وخطوات الشيطان والله ولاية فلان وفلان»[60] - أبو بكر وعمر -.
وعند قوله سبحانه: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} [الحجر: ظ¤ظ¤] روى العياشي عـن أبي بصير عــن جعفر بن محمد عليه السلام قـال: «يؤتى بجهنم لها سبعة أبـواب، بابها الأول للظالم وهو زريق، وبابها الثاني لحبتر، والباب الثالث للثالث، والرابع لمعاوية، والباب الخامس لعبد الملك، والباب السادس لعسكر بن هوسر، والباب السابع لأبي سلامة، فهم أبواب لمن اتبعهم»[61].
قال المجلسي في تفسير هذا النص: «الزريق كناية عن أبي بكر لأن العرب تتشاءم بزرقة العين، والحبتر هو عمر، والحبتر هو الثعلب، ولعله إنما كني عنه لحيلته ومكره، وفي غيره من الأخبار وقع بالعكس وهو أظهر؛ إذ الحبتر بالأول أنسب، ويمكن أن يكون هنا أيضًا المراد ذلك، وإنما قدم الثاني؛ لأنه أشقى وأفظ وأغلظ. وعسكر بن هوسر كناية عن بعض خلفاء بني أمية أو بني العباس، وكذا أبي سلامة، ولا يبعد أن يكون أبو سلامة كناية عن أبي جعفر الدوانيقي، ويحتمل أن يكون عسكر كناية عن عائشة وسائر أهل الجمل؛ إذ كان اسم جمل عائشة عسكرًا، وروي أنه كان شيطانًا»[62].
وفي قوله تعالى: {إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: 108] يفترون على أبي جعفر أنه قال فيها: فلان وفلان - أي أبو بكر وعمر - وأبو عبيدة بن الجراح، وفي رواية أخرى لهم افتروها على أبي الحسن تقول: هما وأبو عبيدة بن الجراح (هما: أي أبو بكر وعمر) وفي رواية ثالثة: الأول، والثاني، وأبو عبيدة بن الجراح[63].
يتبع