قال الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه الام ج2 ص216:
بِمَا تَعْرِفُ الْعَرَبُ مِنْ أَنَّ الْحَمَامَ عِنْدَهُمْ أَشْرَفُ الطَّائِرِ وَأَغْلَاهُ ثَمَنًا بِأَنَّهُ الَّذِي كَانَتْ تُؤْلَفُ فِي مَنَازِلِهِمْ وَتَرَاهُ أَعْقَلَ الطَّائِرِ وَأَجْمَعَهُ لِلْهِدَايَةِ بِحَيْثُ يُؤْلَفُ، وَسُرْعَةُ الْأُلْفَةِ وَأَصْوَاتُهُ الَّتِي لَهَا عِنْدَهُمْ فَضْلٌ لِاسْتِحْسَانِه ِمْ هَدِيرَهَا، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَمْتِعُونَ بِهَا لِأَصْوَاتِهَا وَإِلْفِهَا وَهِدَايَتِهَا وَفِرَاخِهَا وَكَانَتْ مَعَ هَذَا مَأْكُولَةً وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ مَأْكُولِ الطَّائِرِ يُنْتَفَعُ بِهِ عِنْدَهَا إلَّا لَأَنْ يُؤْكَلَ فَيُقَالُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الطَّائِرِ سَمَّتْهُ الْعَرَبُ حَمَامَةً فَفِيهِ شَاةٌ وَذَلِكَ الْحَمَامُ نَفْسُهُ وَالْيَمَامُ وَالْقَمَارِيُّ وَالدَّبَّاسِيّ ُ وَالْفَوَاخِتُ وَكُلُّ مَا أَوْقَعَتْ الْعَرَبُ عَلَيْهِ اسْمَ حَمَامَةٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَقَدْ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ حَمَامُ الطَّائِرِ نَاسُ الطَّائِرِ أَيْ يَعْقِلُ عَقْلَ النَّاسِ وَذَكَرَتْ الْعَرَبُ الْحَمَامَ فِي أَشْعَارِهَا: فَقَالَ الْهُذَلِيُّ:
وَذَكَّرَنِي بُكَايَ عَلَى تَلِيدٍ ... حَمَامَةَ أَنْ تَجَاوَبَتْ الْحَمَامَا
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
أَحِنُّ إذَا حَمَامَةُ بَطْنِ وَجٍّ ... تَغَنَّتْ فَوْقَ مَرْقَبَةٍ حُنَيْنًا
وَقَالَ جَرِيرٌ:
إنِّي تُذَكِّرُنِي الزُّبَيْرَ حَمَامَةٌ ... تَدْعُو بِمِدْفَعِ رَامَتَيْنِ هَدِيلًا
قَالَ الرَّبِيعُ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
وَقَفْت عَلَى الرَّسْمِ الْمُحِيلِ فَهَاجِنِي ... بُكَاءُ حَمَامَاتٍ عَلَى الرَّسْمِ وُقَّعِ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : مَعَ شِعْرٍ كَثِيرٍ قَالُوهُ فِيهَا، ذَهَبُوا فِيهِ إلَى مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ أَصْوَاتِهَا غِنَاءٌ وَبُكَاءٌ مَعْقُولٌ عِنْدَهُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الطَّائِرِ غَيْرُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَمَامِ.