من أين يبدأ الإصلاح (2)
محمود عبد الحميد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فإننا في المقال الأول كنا نتحدث عن من أين يبدأ الإصلاح؟ وقلنا إن الإصلاح يبدأ من أنفسنا، وأن القارئ لتاريخ أهل الإسلام يعلم أن الإصلاح في أول هذه الأمة مضى على أمرين:
الأمر الأول: الرسالة التي جاء بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
الأمر الثاني: حملة هذه الرسالة الذين حملوها بصدق، وأدوها بأمانة.
فلكي نعيد مجد أمتنا وعزة أجدادنا، ونفوز في الدارين -الدنيا والآخرة-، ونحقق مراد الله منا؛ لابد من تطبيق المنهج الذي جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسار عليه حتى لقي ربه، وحمله من بعده رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فلم يبدلوا، ولم يتوانوا، بل حملوا هذه الرسالة بصدق، وأدوها بأمانة، وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل تحقيق هذا المنهج السوي المستقيم على ظهر هذه الأرض ليحققوا وعد الله -تعالى-:
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(التوبة:33)، وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلا ًيذل به الكفر) رواه أحمد، وصححه الألباني.
لكن هذا الأمر لن يكون حتى يعود الناس إلى ما كان عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في عهد الخلافة الراشدة كما قال مالك -رحمه الله-: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وما لم يكن يومئذ دينًا فليس اليوم دينًا".
وإنما صلح أول هذه الأمة بكتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، على أن مجد هذه الأمة لن يعود إلا مع خلافة راشدة على منهاج النبوة، وذلك فيما رواه الإمام أحمد -رحمه الله- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون فيكم ما شاء الله تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم يكون ملكًا عاضًا، فيكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا أن يرفعها، ثم يكون ملكًا جبريًا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت) رواه أحمد وحسنه الألباني.
أي أن آخر الأمر للمسلمين؛ بشرط أن يكون أمرهم على منهاج النبوة، ولن يكون هذا إلا إذا تحققت أسبابه التي ربط الله بها النصر والتمكين في الأرض، والنعيم في الآخرة، كما قال -تعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(النور:55)، فهذا تمكين مرتب على شروط الإيمان والعمل الصالح وتحقيق التوحيد، ونبذ الشرك والوثنية.
وقال -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُ مْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِين وَلَنُسْكِنَنَّ كُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ)(إبراهيم:13)، فوعدهم الله -تعالى- بهلاك الظالمين، وتمكينهم في الأرض بشرط خوفهم من الله، ومن خاف من شيء اتقاه، فتحقيق التقوى والخوف يدفع إلى العمل الصالح المنجي من المخوفات التي جعلها الله في الآخرة.
فعلى هذا نقول أن هناك أسباب لابد منها لتحقيق الإصلاح، نذكرها في حلقات قادمة -إن شاء الله تعالى-.