مكانة البراءة من الكافرين عند المؤمنين:
إن الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، كما جاءت بذلك الآثار
؛ فإذا انتقضت تلك العروة فلا تسل عن محل الإيمان من أهل الزمان.
وما أجمل ما سطره سطرها أبو الوفاء بن عقيل قائلاً:
إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان
فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع،
ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك!
وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة
إن مواطأت أعداء الشريعة تسلب ـ روح الإيمان،
قال تعالى
{ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون}
البراءةُ لها مظاهرُها ومقتضيات: بغض الشرك والكفر وأَهله، وعداوة الكافرين والمشركين.
هجر بلاد الكفر، وعدم السفر إِليها إِلا لضرورة مع القدرة على إِظهار شعائر الدِّين.
عدم التشبه بهم فيما هو من خصائصهم، دينا ودنيا؛ لأَنَّ ذلك يورث نوعا من المودة والموالاة في الباطن، والمحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر.
أَلا يناصِرَ الكفار، ولا يمدحهم، ولا يعينهم على المسلمين، ولا يَرْكَن إِليهم، ولا يتخذهم بطانة له يحفظون سره، ويقومون بأهم أَعماله.
أَلا يشاركهم في أَعيادهم وأَفراحهم، ولا يهنئهم عليها، وكذلك لا يعظمهم ولا يخاطبهم؛ بالسيد والمولى، ونحوها.
أَلَّا يستغفر لهم، ولا يترحم عليهم.
عدم التحاكم إِليهم، أَو الرضى بحكمهم، وترك اتباع أَهوائهم ومتابعتهم
إن الولاء والبراء شرط في الإيمان،
كما قال سبحانه:
تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية عن هذه الآية:
فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط،
وجد المشروط بحرف (لو) التي تقتضي مع الشرط انتفاء المشروط، فقال: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب، ودل ذلك على أن من اتخذهم أولياء، ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه... .
والولاء والبراء أوثق عرى الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم:
((أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض
يقول الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب:
فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد، أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في دين الله والبغض في الله،
والمعاداة في الله والموالاة في الله،
ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة، ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء،
لم يكن فرقاناً بين الحق والباطل،
ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
ويقول الشيخ حمد بن عتيق:
فأما معاداة الكفار والمشركين
فاعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أوجب ذلك، وأكد إيجابه وحرّم موالاتهم وشدد فيها،
حتى إنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم
بعد وجوب التوحيد، وتحريم ضده .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلـم يبايع أصحابه على تحقيق هذا الأصل العظيم،
فعن جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال:
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبايع،
فقلت:
يا رسول الله أبسط يدك حتى أبايعك واشترط علي فأنت أعلم قال:
((أبايعك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين)) .
وجاء من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده:
" قلت يا نبي الله ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عددهن - لأصابع يديه - ألا آتيك، ولا آتي دينك، وإني كنت امرءاً لا أعقل شيئاً إلا ما علمني الله ورسوله، وإني أسألك بوجه الله عز وجل بما بعثك ربك إلينا؟
قال: بالإسلام، قال:
قلت: وما آيات الإسلام؟
قال: أن تقول:
أسلمت وجهي إلى الله عز وجل وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، كل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران،
لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملاً أو يفارق المشركين إلى .
معنى الولاء فهو المحبة والمودة والقرب،
والبراء هو البغض والعداوة والبعد،
والولاء والبراء من أعمال القلوب، لكن تظهر مقتضياتهما على اللسان والجوارح.
يقول الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ:
وأصل الموالاة الحب، وأصل المعادة البغض،
وينشأ عنهما من أعمال القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة كالنصرة والأنس والمعاونة، وكالجهاد والهجرة،
ونحو ذلك من الأعمال .
والولاء لا يكون إلا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وللمؤمنين قال سبحانه: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة:55].
فالولاء للمؤمنين يكون بمحبتهم لإيمانهم، ونصرتهم، والنصح لهم، والدعاء لهم، والسلام عليهم، وزيارة مريضهم، وتشييع ميتهم، وإعانتهم، والرحمة بهم، وغير ذلك .
والبراءة من الكفار تكون ببغضهم - ديناً - ومفارقتهم، وعدم الركون إليهم، ، والحذر من التشبه بهم، وتحقيق مخالفتهم شرعاً، وجهادهم بالمال واللسان والسنان،
ونحو ذلك من مقتضيات العداوة في الله .
ولما كانت موالاة الكفار تقع على شعب متفاوتة، وصور مختلفة، لذا فإن الحكم فيها ليس حكماً واحداً،
فإن من هذه الشعب والصور ما يوجب الردة، ونقض الإيمان بالكلية،
ومنها ما هو دون ذلك من المعاصي .
يقول الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ:
ولفظ الظلم والمعصية والفسوق والفجور والموالاة والمعاداة والركون والشرك ونحو ذلك من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة،
قد يراد بها مسماها المطلق وحقيقتها المطلقة،
وقد يراد بها مطلق الحقيقة،
والأول هو الأصل عند الأصوليين،
والثاني لا يحمل الكلام عليه إلا بقرينة لفظية أو معنوية،
وإنما يعرف ذلك بالبيان النبوي، وتفسير السنة