ضياع الصلاة والحياة بسبب الوسواس القهري
أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة
السؤال
♦ الملخص:
رجل مُصاب بوسواس قهري منذ عشر سنين، أفسد عليه صلاته، ومن ثَمَّ فسدت حياته كلها، ويسأل: ما النصيحة؟
♦ التفاصيل:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا متعلق بالصلاة منذ نعومة أظفاري، لكني منذ عشر سنين أعاني الوسواس القهري في الصلاة؛ فلا أستطيع ضبط نيتي في الصلاة، وليس يدور في رأسي إلا الشرك والرياء، وأنني أُصلِّي من أجل فلان، وأخاف فلانًا أكثر من الله عز وجل، وغير ذلك من الأفكار والوساوس التي عذَّبتني، وفي النهاية انتصرت على الوسواس، ثم انكسرت ثانية، فأنا الآن لا أستطيع أن أصليَ ولو ركعة واحدة، فأنا أخشى الرياء أمام والدي وزوجتي، وقد حاولت مرات كثيرة العلاجَ السلوكي، فكلما تقدمت، أرجع للوراء بسبب الأفكار الزائدة والوساوس القهرية، وقد جرَّبت جميع الأدوية النفسية ولم أتحسن إطلاقًا، وقد تحمَّلت النقد والجلد من نفسي لنفسي؛ لأني منذ ثلاث سنوات لم أتقدم خطوة واحدة للأمام، ولم أمرَّ بظرف كهذا قطُّ، رغم أن شخصيتي من الشخصيات التي تُصِرُّ على هدفها وتُحقِّقه، ولكني فشِلت فشلًا ذريعًا في هذا الأمر، ولم أعُدْ أجد للراحة طعمًا، لا أستطيع مسايرة حياتي، فصلاتي التي أستند عليها ضاعت وانفلتت من بين يدي، وفقدت ثقتي بنفسي، وأدعو ليلَ نهارَ على نفسي بالموت، ووصل بي الأمر إلى أن سَبَبْتُ الله؛ لأنني كافر أصلًا؛ فصلاتي غير مقبولة، وخسرت شخصيتي أمام زوجتي، وظهرت أمامها بمظهر الضعيف، أرجو توجيهكم، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: هوِّن عليك، فمن غُلب على عقله بجنون أو سحر أو وسوسة، فهو فاقد للأهلية، فلا يُؤاخَذ بما يقول ما دام ليس مدركًا أو واعيًا؛ وذلك لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 106].
وأفضل علاج للوسوسة التجاهلُ وعدم الاسترسال، والإكثار من ذكر الله، ولا مانع من البحث عن طبيب آخر، وينبغي عدم اليأس والاستمرار في الرقية الشرعية، والأخذ بأسباب التعافي من هذا الداء؛ بالإكثار من ذكر الله تعالى، ودعائه، والابتهال إليه، وتلاوة القرآن؛ فإنه شفاء ورحمة للمؤمنين. ونسأل الله أن يعافيَك وكل المسلمين من هذا البلاء.
ثالثًا: أما تركُك للصلاة، فالواجب عليك التوبة بالندم، والمحافظة عليها، والعزم على عدم تركها، والإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة، وأما ما فاتك من صلوات، فالراجح من أقوال العلماء أن تُكثِرَ من النوافل؛ قال ابن القيم في كتاب الصلاة: "لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمدًا من أعظم الذنوب، وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس، وأخذ الأموال، ومن إثم الزنا والسرقة، وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه، وخزيه في الدنيا والآخرة"؛ فعليك بالمبادرة بالتوبة النصوح من ذلك؛ فإنها واجبة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]
واعلم أن باب التوبة مفتوح، فإنه سبحانه غفور رحيم، يبسط يده بالليل ليتوبَ مُسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، يغفر الذنب جميعًا، يفرح بتوبة عبده ويقبلها منه، ويغفر له ذنبه ويَمحوه من صحيفته، ويبدِّل سيئاته حسنات؛ والله تعالى يقول: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82]
وقال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]. وأنصحك بمراجعة استشارتنا:
تسلط الجن
والأفكار الكفريةوسواس في الاعتقاد
أشك في عقيدتي الرضا بالقضاء والقدر
وساوس قهرية وخوف مستمر
وسواس قهري متعلق بالدين والقرآن
أعاني من وساوس تتعلق بالآخرة
وساوس قهرية مستمرة
أفتقد لذة الإيمان
الحكمة من الابتلاءات
هذا، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/146571/#ixzz6tR5joWSx