صافي بن صياد (1)
خالد سعد النجار
بسم الله الرحمن الرحيم
** شخصية غامضة غريبة، اسمه صافي، وقيل عبد الله، وقيل صافي لما كان يهوديا، ولما أسلم - أو أظهر الإسلام والله أعلم بحاله - سمي نفسه عبد الله.
** وكان صبيا صغيرا على مشارف الاحتلام حين قدوم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة، وولد لأب يهودي، وولد أعورا مختونا، وأسلم صافي بعد موت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لذلك فهو «تابعي» على قواعد أهل الحديث. وعاش بين الصحابة مسلماً إلى أن فقدوه يوم الحرة.[سنة 63هـ يوم خرج أهل المدينة على يزيد بن معاوية فأرسل لهم جيش من قبله وهزمهم واستباح المدينة]
** وكان لصافي ولد اسمه عمارة بن عبد الله بن صياد، وكان من أصحاب سعيد بن المسيب، وكان فاضلا، روى عنه مالك رحمه الله.
** وكان ابن صياد دجالا، وكان يتكهن أحيانا، فيصدق ويكذب، فانتشر خبره بين الناس، وشاع أنه الدجال.
** وحصل تردد كبير هل ابن صياد هو الدجال الأكبر أم لا، حتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان مترددا فيه فترة من الفترات، وذهب إليه مرارا ليختبره، وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يختبئ له أحيان ليقف على حاله ويتبين أمره.
** قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء: وقصته مشكلة وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره، ولاشك في أنه دجال من الدجاجلة، قال العلماء: وظاهر الأحاديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره، وإنما أوحى إليه بصفات الدجال، وكان في ابن صياد قرائن محتملة، فلذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره، ولهذا قال لعمر -رضي الله عنه-: (إن يكن هو فلن تستطيع قتله)
** روى البخاري حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «إِنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، مَعَ النَبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ، حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ، عِنْدَ أُطُمِ [حصن] بَنِي مَغَالَةَ [بطن من الأنصار]، وَقَدْ قَارَبَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ صَيَّادٍ يَحْتَلِمُ، فَلَمْ يَشْعُرْ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ظَهْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الأُمِّيِّينَ. فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: آمَنْتُ بِاللهِ وَرُسُلِهِ. قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: مَاَذَا تَرَى؟ قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ. قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: خُلِطَ عَلَيْكَ الأَمْرُ. قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ: هُوَ الدُّخُّ. قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: اخْسأْ فَلَنْ تَعْدُو قَدْرَكَ. قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: إِنْ يَكُنْهُ، فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ، فَلاَ خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ» .
** قال أهل العلم: وأما امتحان النبي -صلى الله عليه وسلم- بما خبأه له من آية الدخان فلأنه كان يبلغه ما يدعيه من الكهانة ويتعاطاه من الكلام في الغيب فامتحنه ليعلم حقيقة حاله ويظهر إبطال حاله للصحابة وأنه كاهن ساحر يأتيه الشيطان فيلقى على لسانه ما يلقيه الشياطين إلى الكهنة، فامتحنه بإضمار قول الله تعالى {فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين} وقال خبأت لك خبيئا فقال هو الدخ أي الدخان وهى لغة فيه، وهذا اللفظ الناقص على عادة الكهان إذا ألقى الشيطان إليهم بقدر ما يخطف قبل أن يدركه الشهاب، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: «اخسأ فلن تعدو قدرك» أي اقعد فلن تجاوز قدرك وقدر أمثالك من الكهان الذين يحفظون من إلقاء الشيطان كلمة واحدة من جملة كثيرة، ويهتدون إلى بعض الشيء وما لا يبين من تحقيقه ولا يصل به إلى بيان وتحقيق أمور الغيب، بخلاف الأنبياء -صلوات الله وسلامه- عليهم فإنهم يوحى الله تعالى إليهم من علم الغيب ما يوحى فيكون واضحا كاملا.
** وروى البخاري: «قَالَ سَالِمٌ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ انْطَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابْنُ صَيَّادٍ فَرَآهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُضْطَجِعٌ يَعْنِي فِي قَطِيفَةٍ، لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ أَوْ زَمْرَةٌ [صوت خفي لا يكاد يفهم] فَرَأَتْ أمُّ ابْنِ صَيّادٍ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ فَقَالَتْ لِابْنِ صَيَّادٍ يَا صَافِ وَهُوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ هَذَا مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ» .