تأليف القلوب بين الهبة الربانية و الدور المجتمعي


أبوبكر القاضي


نعمة من الله عظيمة ومنة جسيمة، أن يؤلف الله بين قلوب المؤمنين، ويجمعهم على الخير والعمل الصالح، وتكون رفقتهم رفقة تتوعد وتتعاون للنجاة من النار والفوز بجنة الله -عز وجل-، قال -تعالى-{وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا}.



فذكر الإنقاذ بعد التذكير بهذه النعمة، وكأنها إشارة إلى أن هذه النعمة طوق نجاة ووسيلة يتخذها المؤمنون للنجاة من الفتن والمحن في طريقهم إلى الله -عز وجل.

وتمتحن هذه الرابطة في وقت الاختلاف والغضب والفتنة والشدة فترى الاستطالة والغيبة والنميمة والبهتان والفجور في الخصومة، ونسيان الفضل و اتخاذ الخلاف ولو كان اجتهادا سائغا تكأة لانتقاص الأشخاص وإظهار ما تكنه الصدور من الضغائن والأحقاد.

التجرد من أهواء النفس هو سر المسألة، وقول الحق في الرضا والغضب والإنصاف والوفاء مع الخصومة لا يستطيعه الكثير، ويعجز عنه لغلبة أهوائه في معركته الداخلية.

لا انتصار في هذه المعركة إلا بصبر ومصابرة وحبس للسان، وحفظ له، وتذكير بالله لنفوسنا ونفوس إخواننا، فتأليف القلوب ننطلق فيه من الداخل بالتجرد والورع إلى الخارج بأن يستحيل تأليف القلوب دورا مجتمعيا يؤدي كل واحد منا دوره فيه، وهو جزء من دينه والتزامه، يشارك في تهدئة النيران المشتعلة وإصلاح ذات البين بنقل الكلام الطيب، والحذر من النميمة وهي نقل الكلام على سبيل الإفساد، وبعضهم يزعم أنه من أجل مصلحة الدعوة.

دور تأليف القلوب يستحق أن تبذل من أجله أموال الأرض، وليس هذا بكثير بل بعد أن تنفق وتأخذ بالأسباب نضرع للرب أن يؤلف بين القلوب ويسقيها بوابل من غيث رحمته ورأفته؛ فالله هو الذي يؤلف بين القلوب ويرحمها من مرض الأحقاد، ويجمع الأبدان ويقرب البعيد


قال -تعالى-: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، وقال -تعالى-: {وقولوا للناس حسنا}، وقال -تعالى-: {ادفع بالتي هي أحسن}.


رغم الجفاء ادفع بالإحسان، ولن تنال هذا الحظ العظيم إلا بصبر، نسأل الله أن يطهر قلوبنا ويخرجنا من الظلمات إلى النور ويهدينا سبل السلام.