"النوال في تحرير ما للمفسرين من أقوال" (9)

اكتب في (قوقل) (النوال. وأول الآية) التي تريد معرفة ملخص آراء المفسرين فيها.

قال الرازي رحمه الله في من يفهم آيات القرآن على الآراء الضعيفة: "أقول حقاً: إن الذين يتبعون أمثال ذلك قد حرموا الوقوف على معاني كلام الله تعالى حرماناً عظيماً".

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد.
قال الله تعالى: (وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا)
القول الراجح في الآيتين كلتيهما أن الضمير في قوله: (جَلَّاهَا), وفي قوله: (يغشاها) عائد إلى الأرض.

وإنما جاز عود الضمير إلى الأرض مع أنه لم يجر لها ذكر لأن المعنى معروف.

ومن شواهد ذلك في القرآن:
قوله تعالى: (حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) أي: الشمس.

وقوله تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) أي: الأرض.
وقوله تعالى: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) أي: النفس.

والآن إلى ذكر أقوال المفسرين.
اختلف المفسرون في عود الضمير في قوله: (جَلَّاهَا), وفي قوله: (يَغْشَاهَا).
أما قوله: (جَلَّاهَا) فاختلف فيها على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنه يعود إلى الظلمة, وإنما جاز عود الضمير إليها مع أنه لم يجر لها ذكر لأن المعنى معروف كما يقال: أصبحت باردة، وأمست باردة، وهبت شمالاً (ذكره ابن جرير*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن كثير*) (واقتصر عليه البغوي*)

القول الثاني: أنه يعود إلى الشمس, لأن النهار يجليها ويظهرها (رجحه ابن جرير*, والرازي*, ومال إليه ابن عاشور*) (وذكره الماتريدي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن كثير*, ومكمل أضواء البيان*)

القول الثالث: أنه يعود إلى الأرض (ذكره الماتريدي*, والزمخشري*, وابن عطية*, والرازي*, والقرطبي*, وابن عاشور*, ومكمل أضواء البيان*) (ورجحه ابن كثير*)

وأما قوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا) فاختلف فيه على قولين:
القول الأول: أن الضمير يعود للشمس أي: والليل إذا يغشي الشمس، حتى تغيب فتظلم الآفاق (اقتصر عليه ابن جرير*, والبغوي*, والزمخشري*, والرازي*, وابن كثير*) (وذكره الماتريدي*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن عاشور*, ومكمل أضواء البيان*)

القول الثاني: أن الضمير يعود للأرض (ذكره الماتريدي*, وابن عطية*, والقرطبي*, وابن عاشور*, ومكمل أضواء البيان*)

والقول الراجح في الآيتين كلتيهما أن الضمير في قوله: (جَلَّاهَا), وفي قوله: (يَغْشَاهَا) عائد إلى الأرض.
والمعنى أن الله تبارك وتعالى يقسم بالنهار إذا جلى الأرض أي أظهرها وبينها بالنور بعد أن كانت مختفية بالظلمة.
ثم يقسم بالليل إذا يغشى الأرض فيغطيها بالظلام.

فإن المتأمل لآيات السورة يدرك بسهولة أن الله جل وعلا يقسم بتلك الآيات الكبار العظمى التي يشاهدها الإنسان.

فيقسم بالشمس, ثم بالقمر, ثم بالنهار, ثم بالليل, ثم بالسماء, ثم بالأرض, ثم بالنفس وخلقها.
والآيات الكبرى التي يشاهدها الإنسان أمام عينيه كل يوم هي هذه, فيشاهد الشمس وضياءها والقمر والنهار إذا بسط سلطانه على الأرض والليل إذا غشي الأرض بعد النور والسماء التي في العلو والأرض ودحوها والنفس وعجيب صنعها.

وليس المراد والله أعلم القسم بتجلية النهار للشمس وغشيان الليل عليها.

وإنما جاز عود الضمير إلى الأرض مع أنه لم يجر لها ذكر لأن المعنى معروف كما يقال: أصبحت باردة، وأمست باردة، وهبت شمالاً.
ومن شواهد ذلك في القرآن:
قوله تعالى: (حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) أي: توارت الشمس.

وقوله تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ) أي: على ظهر الأرض.
وقوله تعالى: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) أي: بلغت النفس الحلقوم.

وأما القول بأن الضمير يعود إلى الشمس فهو قول فيه بعد, فكيف يذكر الله أن النهار يجلي الشمس, وإنما هي سبب النهار فهي التي تجلي النهار وتظهره وتجيء به وليس العكس.
وكذلك القول بأن الليل يغشى الشمس فيه غرابة وبعد ظاهر, فكيف يغشى الليل الشمس والمعروف أن الليل لا يغشاها, بل يحل بذهابها وغيابها.
والله تعالى أعلم.