المرأة، كيف ظلمت نفسها؟




ابتسام فهد



لم يكن على الإنسان ذنبٌ أكبر من ظُلمه نفسَه ووضعِه حول عنقِه الأغلالَ، التي صنعها هو بجحوده وتعسُّفه وجهله.

ولم يكن عذاب المرأة وتظليل حياتها وكيانها بظلال الأحزان والانتهاك سِوى جزء من خطايا ارتكبَتها هي بحقِّ نفسها، لقد أيقنتُ أن النساءَ هنَّ السبب الأول في سلبهنَّ لحقوقهن! فأيُّ امرأة رأَت بأن جهلها لا يشكّل فارقًا كانت سببًا في عذابها، وأيُّ امرأةٍ رأَت أن أمر ارتباطها بشريكِ حياةٍ لا يحتاج إلى كثير تبصُّر كانت سببًا في مآسيها ومآسي ذرِّيتها من بعدها، وأيُّ امرأة مرَّنَت نفسَها على التنازل مرارًا وتَكرارًا، كانت سببًا لأن تُسلبَ منها كلُّ حقوقها، وأي امرأة رضيَت بأن تُهان مرَّة كانت سببًا في الإِذن للآخر بأن يُهينها ألفَّ مرَّة!

فكيف تَهنأُ من جهلَت ما لها وما عليها من حقوقٍ؟! كيف تتقوى من تخلَّت عن سلاح العلم والاطِّلاعِ وتغذية العقل والفِكر، وأَغلقَت على نفسها في سجن العادات والتقاليد، والعيب والممنوع؛ الذي ليس من الشريعةِ الإسلامية العادلة في شيء؟!

وكيف تبني حياةً سعيدة كريمةً مستقرَّة من اختارَت أن تُشرك حياتها مع رجلٍ بأي شكلٍ كان، وأن تتنَازل عن أهمِّ الصفات الجيِّدة التي تستحق أن تتوفَّر في شريكِها وأبِي أبنائها؟

وكيف تُعطى حقوقٌ لمن غيَّبَت صوتها وكيانها تحت وَطأة التنازل المرِّ والطويل لكل ما قلَّ أو كثر، ممَّا هو لها حقٌّ وواجب؟

وكيف تُكرَّمُ امرأة لم تتعامل بحزم مع إهانةٍ تمسُّ كرامتَها أو أهلَها أو ما يخصها، ورضيَت بأن تتكاثر الإهاناتُ عليها وتزدادَ سَحْقًا لكيانها الرقيق؟!

بأي صورةٍ تريد أن تعيش من لم تستطع أن تربِّي في أولادها الذكور المعنَى السامي والعظيم للمرأة، من لم تهتمَّ بترسيخ وصايا النبيِّ الرحيم محمد عليه الصلاة والسلام، الذي لطالما أخبرَ بأن المرأة ليسَت إلا شقيقةً للرجل، وقارورةً رقيقة سهلةَ الكسر، يجب أن تُعامَل بحذرٍ وحبٍّ وحنان، كيف تريد أن تدفعَ عن نفسها الظلمَ مَن أهملَت غرسَ مكانة المرأة في نفوس أبنائها وتعليمهم أنها أَمانةٌ عزيزة، ووصيةُ الرسول الكريم؟!

أبناؤكِ هؤلاء الذين لم تحسنِي تربيتَهم بالأمس، هم رجالُ اليوم الذين خلَت قلوبُهم وعقولهم من كلِّ المعاني الشريفة للمرأة، وللحياةِ الزوجيةِ: أَسمى وأقدس علاقة خلقها الله بين الذَّكر والأنثى؛ مما سبَّب الكثيرَ من المآسي والحياة المليئة بالكُرْهِ والظلم والأطفالِ البؤساء.


ثم تأتي المرأةُ بكل ضعفها وجهلِها وتنازلها وحماقاتها لتشتكي وتقول: إنها مسلوبة الحق مُهانة مكسورة، وأن عمرها ضاع مع شريكٍ سيِّئ، ضحَّت للعيش معه طوال سنواتٍ لأَجْل أبنائها، أبنائها الذين كانت هي سببًا في تعاستهم من دون أن تعلم!

كم مِن أبناءٍ تمنَّوا لو كان هناك قرارٌ صائب وحكيمٌ مِن أحد الطرفين يُنهي معاناتهم منذ سنوات، فبعض الجوِّ الأُسَري ليس سوى مُعتقل تُعذب فيه النفوسُ، والتحرُّر منه هو الحلُّ الوحيد، لكن كيف تجرؤ امرأةٌ على أخذِ قرارٍ، وهي التي لم تجرؤ أبدًا على الحدِّ من معاناتها وآلامِها ووقف التعدي على كيانها؟!

إن امرأةً ترى نفسَها ضعيفةً، مكسورة، مهزومة؛ لا يحقُّ لها أن تحيا حياةً كريمة خارجَ إطار الأَغلال التي تربَّت عليها وربَّت كذلك أولادَها عليها، هي امرأةٌ لم تكن ضحيَّة؛ بل مُجرمة بحقِّ نفسها أولاً، وبحقِّ أولادِها ثانيًا.

لم يكن الأمرُ يتطلَّب أكثرَ من إيمانكِ بنفسك، وبأن اللهَ لم يخلقكِ ليكون مَبلغكِ من الحياة ما أنتِ عليه الآن من حزنٍ وانكسارٍ وحرمان وتِيه وأَلَم، الله خلقَكِ وأعلى شأنكِ فلا تُنزلي أنتِ منه، آمني بأنكِ عظيمة وقوية، ولكِ حقوقٌ أكثر مما عليكِ، أخرجي نفسَك من سجن العادات المُظلم وأنيري عقلَكِ بالشرع الحقِّ، بالتفكُّر والاطلاع، عاهدي نفسَكِ على أن لا تَبْذري إلا بذرةً طيبة في نفوس أبنائك؛ فَهُم رجالُ وآباء الغد الذين تنتصف بهم الحياة.

وتذكَّري قولَ الله تعالى لمريم عليها السلام في مِحنتها الجليلة حين ناداها وقال لها: ﴿ أَلاَّ تَحْزَنِي ﴾ [مريم: 24]، فهو نداءٌ لكِ أيضًا: فلا تحزني، واستعيني بالله، وليكن منكِ قوةٌ وعلم وفكرٌ هادفٌ وصلاح؛ فـبكِ تُزهر الحياة، ويُشرق عليها الحب والعطف والخير.