قال الشيخ عبد الرحمن السعدى فى القول السديد شرح كتاب التوحيد للامام محمد ابن عبد الوهاب
هذا الكتابَ يشتملُ على توحيدِ الإِلهيةِ والعبادةِ
بذكرِ أحكامِهِ،
وحدودِهِ وشروطِهِ،
وفضلِهِ وبراهينِهِ،
وأصولِهِ وتفاصيلِهِ،
وأسبابِهِ،
وثمراتِهِ،
ومقتضياتِهِ،
وما يزدادُ بِهِ ويقوِّيهِ،
أو يُضعِّفُه ويُوهيه،
وما به يَتِمُّ أو يكمُلُ.
اعلمْ أن التوحيدَ المطلقَ: العلمُ والاعترافُ بتفرُّدِ الربِّ بصفاتِ الكمالِ، والإِقرارُ بِتَوَحُّدِهِ بِصفاتِ العَظَمَةِ وَالجلالِ، وإفرادُه وحدَهُ بِالعبادةِ.
وهو ثلاثةُ أقسامٍ:
أحدُها: توحيدُ الأسماءِ والصفاتِ،
وهو: اعتقادُ انفرادِ الربِّ -جلّ جلالُه- بالكمالِ المطلقِ من جميعِ الوجوهِ بنعوتِ العظمةِ والجلالِ والجمالِ التي لا يشاركُهُ فيها مُشاركٌ بوجهٍ من الوجوهِ،
وذلك بإثباتِ ما أثبتَه اللهُ لنفسِه،
أو أثبتَه له رسولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جميعِ الأسماءِ والصفاتِ ومعانيها وأحكامِها الواردةِ في الكتابِ والسنةِ،
على الوجهِ اللائقِ بعظمتِه وجلالِه
، من غيرِ نفيٍ لشيءٍ منها ولا تعطيلٍ،
ولا تحريفٍ، ولا تمثيلٍ،
ونفيِ ما نفاه عن نفسهِ، أو نفاه عنه رسولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من النقائِصِ والعيوبِ،
وعن كلِّ ما ينافي كمالَهُ.
الثاني: توحيدُ الربوبيةِ، بأن يعتقدَ العبدُ أن اللهَ هو الربُّ المتفرِّدُ بالخلقِ والرزقِ والتدبيرِ، الذي ربَّى جميعَ الخلقِ بالنعمِ، وربَّى خواصَّ خلقِه، وهم الأنبياءُ وأتباعُهم، بالعقائدِ الصحيحةِ، والأخلاقِ الجميلةِ، والعلومِ النافعةِ، والأعمالِ الصالحةِ، وهذه هي التربيةُ النافعةُ للقلوبِ والأرواحِ، المثمرةُ لسعادةِ الدّارينِ.
الثالثُ: توحيدُ الإِلهيةِ،
ويقالُ له توحيدُ العبادةِ ؛
وهو العلمُ والاعترافُ بأنَّ اللهَ ذو الألوهيةِ والعبوديةِ على خَلْقِه أجمعينَ، وإفرادُه وحدَه بالعبادةِ كلِّها، وإخلاصُ الدينِ للهِ وحدَه.
وهذا الأخيرُ يستلزمُ القسمينِ الأوَّلَيْنِ ويتضمَّنُهما؛
لأن الألوهيةَ التي هي صفةٌ تعُمُّ أوصافَ الكمالِ، وجميعَ أوصافِ الربوبيةِ والعظمةِ،
فإنه المألوهُ المعبودُ؛ لما له من أوصافِ العظمةِ والجلالِ،
ولما أسداه إلى خلقِه من الفواضلِ والأفضالِ،
فتوحُّدُه تعالى بصفاتِ الكمالِ
وتفرُّدُه بالربوبيةِ
يلزمُ منه أن لا يستحِقَّ العبادةَ أحدٌ سواه ،
ومقصودُ دعوةِ الرسلِ من أولِهم إلى آخرِهم الدعوةُ إلى هذا التوحيدِ.
فذكَرَ المصنِّفُ .. من النصوصِ ما يدُلُّ على أن اللهَ خلَقَ الخلْقَ لعبادتِه والإِخلاصِ له،
وأن ذلك حقُّه الواجبُ المفروضُ عليهم
، فجميعُ الكتبِ السماويةِ
وجميعُ الرسلِ دعَوْا إلى هذا التوحيدِ،
ونَهَوْا عن ضدِّه من الشركِ والتنديدِ،
وخصوصاً محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وهذا القرآنَ الكريمَ، فإنه أمَرَ به وفرَضَه وقرَّره أعظمَ تقريرٍ،
وبيَّنَه أعظمَ بيانٍ،
وأخبَرَ أنه لا نجاةَ ولا فلاحَ ولا سعادةَ إلا بهذا التوحيدِ،
وأن جميعَ الأدلةِ العقليةِ والنقليةِ والأفقيةِ والنفسيةِ أدلةٌ وبراهينُ على هذا الأمرِ بهذا التوحيدِ ووجوبِه.
فالتوحيدُ هو حقُّ اللهِ الواجبُ على العبيدِ،
وهو أعظمُ أوامرِ الدينِ،
وأصلُ الأصولِ كلِّها،
وأساسُ الأعمالِ.
[القول السديد فى مقاصد التوحيد]