عمل المرأة في المستشفى بين السلب والإيجاب
هيفاء بنت راشد عنزان




كل شخص منا بحاجةٍ للذهاب إلى المستشفى مع اختلاف المقاصد؛ إذ إن هناك من يذهب للعلاج، ومنا من يذهب لمراجعة الطبيب، والبعض لزيارة الأٌقارب أو الأصدقاء ممن ينامون على السرير الأبيض شفاهم الله وعافهم، وهذا شيء طبيعي ومألوف؛ ولكن الغريب هو وجود العنصر النسائي بشكل كبير وملفت للنظر بين ردهات المستشفى، ووجه الغرابة ليس منصباً على وجود (الدكتورة أو الممرضة)؛ حيث إنهن من الركائز الرئيسة للمستشفى بما أن هناك بعض الحالات والمراجعات النسائية التي تستوجب الكشف عليها بواسطة طبيبة النساء؛ ولكن الغريب في الأمر هو وجود موظفات يعملن في (السكرتارية)، ويقمن بالتعامل مع المدراء والموظفين الإداريين داخل المكاتب، وموظفات يعملن في (الاستقبال)، ويتعاملن مع الجمهور العريض من المراجعين بمختلف تفكيرهم وعقلياتهم التي يمكن أن تحمل بعض النفوس الضعيفة. وبعيداً عن التسرع في إطلاق الأحكام، والفكر المتخبط سوف أتطرق لبعض الملاحظات الناتجة عن عمل المرأة في المستشفى، ويمكن تقسيم هذه الملاحظات إلى قسمين رئيسين هما:





القسم الأول: ملاحظات اجتماعية:
أ تبديل الوظيفة الأساسية للمرأة:
إن طلب الرزق وتأمين المعيشة في المقام الأول والأخير من مهام الرجل، فهو المسؤول عن هذا الأمر، والغريب في الأمر مزاحمة المرأة للرجل في هذا المجال، فالرجل يمتلك المواصفات الجسمية والنفسية التي تساعده على العمل وعلى تحمل المشقة والتعب، وهذا لا يتوفر في تكوين المرأة الجسمي والنفسي، كما أن الرجل يستطيع التحرك بكل يسر وسهولة، ولبس اللباس المناسب للعمل والاختلاط مع الناس وما شابه ذلك، وأما المرأة فلن تجد مثل هذه الحرية في الحركة والاختلاط مع الغرباء؛ فكان من الأفضل لها التستر والقرار في بيتها، والاهتمام بأمور منزلها؛ كما قال - تعالى - في كتابه الكريم: وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (33) الأحزاب: 33 وفي هذا توجيه صريح للمرأة بالبقاء في المنزل، وعدم مزاحمة الرجال في مجالات عملهم.




ب احتقار المرأة وإنزال مكانتها.
قد يستغرب البعض مثل هذا العنوان، ولكن هي الحقيقة إذ إن بعض أصحاب العمل في المستشفيات الخاصة يقومون باختيار النساء صاحبات الجمال والقوام الحسن، ووضعهن على مكاتب الاستقبال وهن كاشفات الوجوه ويضعن جميع أنواع المساحيق من أجل إغراء وجذب انتباه المراجعين أصحاب النفوس الضعيفة، كما وصل الأمر أن ُيطلب منهن استخدام الملاطفة في الكلام والابتسامة، والتميع مع مثل أولئك المراجعين المرضى في قلوبهم قبل أجسادهم وذلك من أجل زيادة الدخل المادي للمستشفى، حتى ولو كان على حساب موظفة الاستقبال وما قد تتعرض له من مضايقة وأذى، ويخشى على من كانت هذه وظيفتها انطباق الوصف النبوي عليها: "صنفان من أهل النار لم أراهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها"(1) فالحذر الحذر أختي المسلمة.
ج الإهمال في الحياة الزوجية وتربية الأطفال:
بعض النساء تكون متزوجة، وتقع على عاتقها مسؤولية العائلة؛ وبذلك فإن الأمر يكون في هذه الحالة أصعب بكثير، فهي مكلفة بمسؤوليات المنزل مع الأعمال الملقاة على عاتقها من قبل الجهة التي تعمل فيها ولزاماً عليها القيام بهذه الأعمال؛ مما يجعلها غالباً مشوشة التفكير بسبب تضارب هذه الأعمال، وهذا يجعلها قد تبتعد عن الاهتمام بزوجها، وتلبية طلباته، ومراعاة أطفالها بالشكل الصحيح، والعناية بأمور المنزل؛ لأنها قد استهلكت طاقاتها النفسية، والبدنية، في عملها، ولم يعد لديها القدرة على الإنتاجية في بيتها ومع عائلتها، ولا الاستعداد للتوجيه والتعليم، والتأديب، وما شابه ذلك، وتعتمد اعتماداً كلياً على الخادمة في إدارة المنزل، وكان الأهم من العمل الوظيفي اهتمام المرأة بأسرتها، ومنزلها؛ تطبيقاً لقول الرسول - صلى الله عليه و سلم -: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام مسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته"(2).





د نظرة المجتمع إلى الفتاة بأن لديها انفتاحية:
قد ينظر المجتمع المحيط بالمرآة العاملة بنظرة فيها شيء من عدم الرضى؛ لأن هذه المرأة تقوم بمخالفة لبعض الأوامر الشرعية مثل: الاختلاط مع الرجال الغرباء، والجرأة في الحديث معهم، وقد تكون فتنة في ملابسها ومظهرها الخارجي حسب ما تقتضيه متطلبات الوظيفة، وبذلك فهي تحوم وتدور حولها الشبهات، مع العلم بأنها قد تكون سليمة القلب، وليس لديها أي ريبة، أو نية شر؛ ولكن حسن النية لا تلغي هذه الأشياء وقد جاء في الحديث "دع ما يريبك إلى مالا يريبك"، (3) وكما هو معروف فإن الكلام له وقعه على النفس البشرية إن كان خيراً أو شراً، والواجب على المسلمة توخي الحذر، كما قال الرسول - صلى الله عليه و سلم -: "إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى للشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه"(4).




القسم الثاني ملاحظات وظيفية:
أ الاختلاط والاحتكاك المباشر بالرجال:
إن هذه الوظائف تؤدي إلى الاختلاط والاحتكاك المباشر بالرجل، بدون وجود أي عائق أو مراقب إلا الله - تعالى -، فهما في مكان عمل، وليس محل ريبة، وقد تكون المعاملة فيما بينهما رسمية وجادة في بداية الأمر، ولكن مع مرور الأيام تذوب وتنصهر هذه الجدية في التعامل من باب أنهما زملاء عمل؟! وتزول الحواجز النفسية مع مرور الوقت فيزول عامل الحياء والرهبة بين الجنسين، ويكثر الحديث فيما بينهما خارج إطار العمل أو ربما تتطور الأمور إلى الملاطفة والمزاح معاً، وتلك هي مفاتيح الشر على الإنسان، التي يفتحها إبليس ويغزو بها قلوب العباد، ولنضع حديث الرسول - صلى الله عليه و سلم - نصب أعيننا وهو الذي لا ينطق عن الهوى حينما قال: "إياكم ومحادثة النساء فإنه لا يخلون رجل بامرأة ليس لها محرم إلا هم بها"(5).




ب إساءة السمعة لبعض الفتيات:
قد تتعرض الفتاة العاملة في مثل هذه المجالات لبعض المضايقات من بعض العاملين في المستشفى، أو من المراجعين؛ وذلك بإطلاق الإشاعات بإظهار المعرفة لتلك الفتاة لدى مجتمع الشباب، ويمكن أن يتطور الوضع لإطلاق العنان للمخيلة والفكر الساقط لدى بعض الشباب، واختلاق الروايات التي لا تمت إلى الواقع بصلة عن مدى قرب العلاقة مع هذه الفتاة أو تلك؛ وذلك يؤدي إلى تضرر سمعة الفتاة وتلوثها بين صديقاتها وأهلها والمجتمع، ويتجرأ السفهاء عليها طمعاً فيها، وبذلك تكون قد فتحت على نفسها باباً من الخطر والنار، يمكن أن تلتهم أخلاقها وشرفها من خلال حديث كاذب من بعض أصحاب النفوس المريضة.




ج ارتكاب بعض المحاذير الشرعية:
إن أداء مهام العمل قد تضطر الفتاة إلى الاستغناء عن غطاء الوجه!! وهذا يجعلها عرضةً للنظر لكل شخص في المستشفى، ويمكن أن يُسهل للذئاب البشرية التحرش بها، أو الإساة إليها بالكلام البذيء وخصوصاً إذا كانت جميلة؛ لأنها ستكون فتنة للآخرين. كما يجب أن لا ننسى قول الله - - سبحانه - و - تعالى - -: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى" أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما 59 الأحزاب: 59 وما جاء في الحديث الشريف عن الرسول - صلى الله عليه و سلم - قال: "لا طاعة لمخلوق في معصية الله"، (6) وهناك نقطة أخرى خطيرة؟؟ وهي الاستغناء عن لبس العباءة، والاكتفاء بالمعطف الأبيض الخاص بالمستشفى الذي غالباً ما يكون ضيقاً بعض الشيء؛ مما يظهر ويبرز أجزاء الجسم ومفاتنها فيؤدي ذلك إلى الوقوع في الإثم والفتنة.




في الختام أتمنى من أختي الفاضلة التريث والتفكير طويلاً قبل الإقدام على المخاطرة بالموافقة والتقدم للعمل كموظفة(استقبال أو سكرتيرة) في المستشفى تفادياً لمثل الأمور السابق ذكرها، وعليها إذا اختارت العمل المحافظة على دينها وحجابها وعدم اختلاطها بالرجال الأجانب أو الخلوة بهم، أوالتنازل عن دينها وأخلاقها مهما كلف الأمر، فالدنيا كلها ستزول ولن يبقي للإنسان إلا ما قدم، ومن ترك شيئاً لله - تعالى - عوضه الله خيراً منه.
________________________
المراجع والهوامش:
(1) أخرجه مسلم (2128) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) أخرجه البخاري (853) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3) أخرجه الترمذي (2520) وأحمد (1723) وابن حبان (512) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الحاكم (213) ووافقه الذهبي.
(4) أخرجه البخاري (52) ومسلم (1599) من حديث النعمان بن بشير.
(5) ذكره ابن حجر في الإصابة (382) وعزاه للحكيم الترمذي، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2213) وأخرج أحمد (118) والترمذي (2166) والحاكم (1112) من حديث عمر - رضي الله عنه - وفيه: "لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما" وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(6) تفسير ابن كثير الجزء الأول ص 519.