بيت القصيد
فتحية صديق شندي


مما لا شك فيه أن الإسلام ـ كدين شامل ـ يحرص أشد الحرص على سلامة الأسرة واستقرار الأبناء في بيئة صالحة وأبوين كريمين·
ولما كانت المرأة ـ كما سماها القرآن الكريم ـ سكن لزوجها، كان لابد لهذا السكن من قيامه بوظيفته التي تدفع الحر والقر، وأن يتحقق معناه ومبناه حتى يشعر كل فرد من أفراد الأسرة الكريمة بهذه النعمة الوافرة، والعطية الغامرة التي يفتقدها كثير من البيوت المسلمة، ولو أنَّ الزوجة أحسنت كيف تستقبل زوجها، وهو عائد من عمله بعد جهد جهيد من الحركة والانفعال، وثرثرة النساء العاملات، ليعود إلى بيته يسكن إلى زوجه ويلقي بكلكله عندها، فتهش له وتسارع الخطا إليه تسارقه النظرة تلو النظرة بحنان بالغ وثغر باسم، وقلب مبتهج، هي وأبناؤها في صوت واحد >حمداً لله على سلامتك<، ثمَّ يقبِّل الصغار يده··· إنها مبايعة يومية على الوفاء والحب والحنان، وتعاون على البر والتقوى، و>ميثاق غليظ<، يربط هذه الوشائج برباط لا يمكن الفكاك منه، لأنه أسس على تقوى من الله ورضوان، ثم تقوم على الفور بخلع ثيابه وردها إلى مكانها ثم تلقى بالأخبار السارة التي تعلم مدى ابتهاج زوجها لسماعها، بعدها تستأذنه لتصب الطعام على المائدة وهي في كل ذلك لا تلتقيه بثياب الخدمة، بل بثياب حسنة وريح طيب يقع نظره وأنفه عليه فيكون ذلك بيت القصيد في سير بقية اليوم··· كل ذلك يعين أصحابه على شكر المنعم وعدم كفران العشير ويكون ذلك جديراً بهم ألا يزدروا نعم الله عليهم··· وهي ملء السمع والبصر·
أما إذا قدم الزوج من عمله فالتقته زوجته بوجه باهت وعين جافة، وابتسامة صفراء، وثياب رثة تنبعث منها رائحة الثوم والبصل والعرق، شعثاء غبراء، كأنما قدمت من دفن بعض أهلها، وقصيد الشكوى من الأبناء والجيران ومن أهله ومن محصل الكهرباء··· أبعدها يقدر على تذوق ثمة طعام أو شراب ولم تدرِ ـ عدوة نفسها ـ أنها أحدثت لديه اضطراباً عصبياً أثَّر على شهيته وهو في كل ذلك لم يجد ذلك السكن المنشود أو المودة المرجوة، فكيف ببقية الواجبات عندها من حسن التبعّل والتزين والطاعة له وإنفاذ أمره والبر بقسمه، ورعاية ولده، والشفقة بأبيه وأمه، فضلاً عن إعانته على طاعة ربه وخدمة دعوته وحسن عبادته·
هل ترى بعد كل ذلك تضمن ـ عدوة نفسها ـ ثبات البيت وديمومة الحياة؟!·
وهو أمر مستطير يحمل في طياته نذر الخطر والخوف والتوجس بقصر هذه الرحلة، وإن حدثاً واحداً فيه المنايا والرزايا، كاف لأن يكون هو تلك القشة التي تقصم ظهر البعير، وما كان الحدث الأخير سوى قشة واحدة من جملة أمور حبسها الزوج في صدره، فاشتد غليانها حتى قذفها بركاناً مدمراً وريحاً عاصفة (وما ربك بظلاَّم للعبيد)·