عن الدلال نتحدث
أم عبد الرحمن محمد يوسف
(الدلال مرتبة من مراتب الحب بين الزوجين، فأحيانًا تتدلل المرأة على زوجها، وأحيانًا يتعزز الرجل في زوجته؛ ولكن الغالب أن الدلال صفة للزوجة، وبها تحلو الحياة.. والرجل داخل نفسه يحب ذلك الدلال لأنه يعده من علامات الحب.
وأمّا الزوجة فعند تدللها على زوجها، فإنها تفعل ذلك لتختبره وتقيس مدى حبه لها وطاعته لطلباتها، فإذا حقق رغبتها سعدت وفرحت) [الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم المطوع، ص 19].
وهذا الدلال الذي نتحدث عنه له صور متعددة بين الزوجين، ويمكن أن يظهره الزوجان في مواقف بسيطة، لكنها ذات قيمة كبيرة، كما كان يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع زوجاته، فالمتأمل في سيرته العطرة يجد أنه - صلى الله عليه وسلم - كان بتصرفات بسيطة يستطيع أن يتودد إلى زوجاته ويملأ بيته الكريم بالحب والود، فقد (كان من أخلاقه الكريمة -صلى الله عليه وسلم- أنه جيمل العشرة، دائم البشرة، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضحك نسائه حتى أنه يسابق عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- يتودد إليها بذلك.
قالت: سابقني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعدما حملت اللحم فسبقني، فقال: (( هذه بتلك ))، [رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد].
وكان - صلى الله عليه وسلم - يجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، "وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلًا قبل أن ينام يؤانسهم بذلك" [أسرار الزواج السعيد، بثينة السيد العراقي، ص 152ـ153].
ومن التصرفات البسيطة التي تعبر عن تدليل الزوجين لبعضهما البعض، أن يضع أحد الزوجين الغطاء على الآخر إذا رآه نائمًا بدون غطاء في جور بارد (أو يكون الغطاء قد انكشف عنه)، وكذلك وضع الزوجة للقمة في فم زوجها ووضع الزوج اللقمة في فم زوجته، وكذلك إقبال الزوجة على الزوج عند حضوره من العمل واحتضانها وتقبيلها له مما يعبر عن حبها وشوقها إليه.
كل هذه التصرفات وغيرها من التدليل الذي يؤكد معاني الحب بين الزوجين، ويزيد الود والألفة، ولا يترك نبع الحب يجف، فعلى الأزواج أن يستثمرا ذلك التدليل لدعم العلاقة بينهما
رسالة إلى الزوج
فبالنسبة للزوج، (ادفع زوجتك باستمرار لأن تتحدث عن خوالج نفسها، وحينما تكون غاضبه، فأظهر لها مشاعرك الإيجابية تجاهها، وامنحها بعض المواساة، حتى ولو لم يكن بإمكانك فهم مشاهرها تمامًا.. فكلما منحت زوجتك المزيد من الحب حينما تكون أحوالها سيئة، كان حصادك لذلك المزيد من الحب من جانبها فيما بعد) [بلوغ النجاح في الحياة الزوجية، كلاوديا إنكلمان، ص 308].
(فإذا بكت، فاقترب منها، ثم ضمها إليك، تراها تجاوبك وتدفع وجهها في صدرك بعنف، وعندما قم برفع وجهها بين يديك، وانظر في عينيها المغرورقتان بالدموع، وتأمل في وجهها براءتها المعذبة، وأشهرها أنك نسيت كل شيء كان قد ضايقك منها) [حتى يبقى الحب، د. محمد محمد بدري، 695].
رسالة إلى الزوجة
وبالنسبة للزوجة، (حاولي اكتشاف ما يحتاجه الزوج منك، وراقبي بدقة ما يمكنك أن تمنحيه له من مشاعر يحتاج إليها.. فإذا كان متوعكًا أو محبطًا أو غير شاعر بحبك على الإطلاق؛ فكوني صريحة في نفسك، وراجعي تصرفاتك معه، فربما تجاوزت ما تتحمله نفسه من (الدلال)) [حتى يبقى الحب، د. محمد محمد بدري، ص 695].
دراسة علمية: دراسة علمية: دراسة عن طبيعة المرأة.
(قدرت دراسة بحثية في السعودية أن 85 في المائة من المشكلات الأسرية يعود السبب الرئيسي فيها إلى انعدام لغة الحوار داخل الأسرة بسبب عدم تفهم الرجل طبيعة المرأة التي تميل كثيرًا إلى التحدث للتعبير عن دواخلها.
جاء ذلك في دراسة لندوة علمية بالسعودية بعنوان «الحوار مع الأبناء.. تشكيل السلوك»، ضمن فعاليات الملتقى التربوي الثاني لأولياء الأمور تحت شعار «فلنتحاور مع أبنائنا»، قدرت عدد الكلمات التي تنطق بها المرأة العربية في اليوم بنحو 13 ألف كلمة، بينما يتحدث الرجال نحو 8 آلاف كلمة في المدة ذاتها، متفقة مع دراستين؛ ألمانية وأخرى بريطانية، على كثرة الحديث لدى السيدات بواقع 20 ألف كلمة في اليوم في الدراسة الألمانية، في حين أكدت الباحثة الاجتماعية البريطانية ديانا هيلز في دراستها، أن المرأة تتكلم بمعدل 23 ألف كلمة يوميا، بينما يتكلم الرجل نحو 12 ألف كلمة فقط.
وأكد خبراء في الندوة، بناء على الدراسات البحثية، أن مخ المرأة أسرع نموًا في مناطق اللغة والنشاط الحركي والعاطفي منه في الرجل بستة أضعاف، بينما مخ الرجل أسرع نموًا بستة أضعاف منه في المرأة في مناطق التصور الفراغي والرياضي وتحديد الأهداف.
وكشفت الدراسة أن 95 في المائة من الآباء ينهون التفاوض والحوار مع أبنائهم بالإكراه، وأشارت الدراسة التي أجريت على 100 امرأة في السعودية أن السبب الثاني في المشكلات عدم الحوار، وأن 87 في المائة منهن يفضلن الحوار المباشر لحل مشكلاتهن.
وطرحت الندوة دراسة أخرى أجريت في الرياض، أرجعت أهم سبب للطلاق إلى عدم النضج، ومنه انعدام الحوار، وقالت الدراسة إن 62 ممن وصفوا زواجهم بأنه سعيد، يملكون قدرة عالية من الحميمية والحوار، و85 في المائة من المشكلات العالمية سببها انعدام الحوار.
وأوضح الدكتور فهد بن عبد العزيز السنيدي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود خلال مشاركته في الندوة أن 95 في المائة من الآباء ينهون التفاوض والحوار مع أبنائهم بالإكراه، في حين أن 30 في المائة ينسحبون أو يرضخون، و11 في المائة يتفاوضون بالطريقة الصحيحة فقط، مؤكدا على ضرورة الاهتمام بالحوار مع الأبناء لأنه سلوك حضاري راق، وأن المجتمعات الأقل حوارا هي الأقل حضارة، فضلا عن كونه يصنع التواصل والألفة والتفاهم، وغرس القيم والأخلاق، وهو نماء ووقاية وعلاج أيضًا)[جريدة الشرق الأوسط، العدد (11671)].
مشاعر نبوية: الدلال في بيت النبوة.
المتأمل في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - يجد مواقف كثيرة تبين أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يدلل زوجاته ويتلطف إليهن، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - جميل العشرة دائم الابتسامة يداعب أهله ويضحك نسائه، ومن ذلك:
أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسابق عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنهما - يتودد إليها بذلك، قالت: " سابقني رسول الله صل الله عليه وسلم فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعدما حملت اللحم فسبقني، فقال: ((هذه بتلك))" [رواه أبو داود وابن ماجة وأحمد].
وكان - صلى الله عليه وسلم - يجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبت عندها، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف، كل واحدة إلى منزلها، وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلًا قبل أن ينام يؤانسهم بذلك.. )).
ولقد فهم النبي - صلى الله عليه وسلم - طبيعة المرأة وأنها تحب التدليل فكان فينادي زوجته السيدة عائشة - رضي الله عنها - بقوله: (( يا عائش))، وحينًا يناديها بـ: ((يا حميراء)) والحميراء تصغير حمراء، والمعنى يا بيضاء البشرة.
وتقول عائشة - رضي الله عنها -: " كنت أشرب فأناوله النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضع فاه على موضع فيّ، وأتعرق العرق فيضع فاه على موضع فيّ. رواه مسلم والعَرْق: العظم عليه بقية من اللحم وأتعرق أي آخذ عنه اللحم بأسناني ونحن ما نسميه بالـ"قرمشة".
زوج وزوجة: قصة واقعية.
(كان يحدِّثني بينما كنا معًا في العمل: خرجتُ أنا وصاحبتي وتمشينا على شاطئ البحر طويلًا، فلم نشعر بالوقت يمر علينا، ثم انطلقنا إلى أحد المطاعم لنتناول العشاء، ثم ذهبنا مسرعين إلى البيت لننعم بالدفء سويًّا، وقضينا الليل حتى ظهرت أول أنوار الصباح متقاربين، نتحادث ونتسامر ونتطلع إلى النجوم...
وبينما كان صاحبي يصف جمال ليلته الماضية، حانت منه التفاتة إلى وجهي، فوجدني مشدوهًا فاغرًا فمي مندهشًا من جرأته؛ فتوقف ليسألني: ماذا هناك؟ ماذا بك؟
فقلت: أنت الرجل الحريص على رضا ربك، المجانب لكل ما حرم، تفعل كل هذا ثم لا تستحي أن تذكره للآخرين.
قال: وما الحرام في صحبة زوجتي، وأُم أبنائي، وقضاء بعض الوقت الجميل معها؟!) [حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري، ص(273-274)].
فلم يتوقع صاحبه أن تكون صاحبته التي خرج معها وكان سعيدًا بقضاء الوقت معها أن تكون زوجته، ربما تَوَقَّع أي واحدة أخرى إلا زوجته، وكأن هذه الصورة لا يمكن أن تتحقق بين الأزواج، وتكون فقط بين الأحباب في الحرام.
المصادر:
· حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري.
· جريدة الشرق الأوسط، العدد (11671)
· الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم المطوع.
· أسرار الزواج السعيد، بثينة السيد العراقي.