تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الفقه الإسلامي ومحاولة التجديد

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي الفقه الإسلامي ومحاولة التجديد

    الفقه الإسلامي ومحاولة التجديد


    إدريس أحمد



    مشكلة الضعف والجمود التي عانى منها الفقه الإسلامي وحركة الاجتهاد، لم تكن شيئا جديدا، بل يمتد تاريخها إلى بداية القرن الخامس الهجري، واستمر هذا الوضع إلى العصر الحالي، حيث ظهرت قلة الاعتناء بنصوص الدين، واستيعابها، والاجتهاد في معانيها وأسرارها، وانتقل الناس إلى الاقتصار على متن الإمام وحفظه، وشرح معانيه، ووضع الحواشي عليه، وهذا يخالف ما كان يتميز به عصر ازدهار العلم والفقه الإسلامي.
    يقول مناع القطان واصفا للفرق الجوهري الذي يختص به كل من عصر الازدهار، وعصر الضعف والوهن: “كان أسلوب الكتابة سهلا ميسرا لا تعقيد فيه، فالعبارة واضحة، والحكم صريح، وأبواب الاجتهاد مفتوحة في الاجتهاد المطلق، ثم في الاجتهاد المذهبي، وطرائق الاستدلال بينة، وقلما توجد التفريعات الفرضية البعيدة الاحتمال، ثم خلف ذلك الرعيل تلاميذ آخرون قصر جهدهم عن الإنتاج المبتكر فسلكوا في التأليف طرقا ملتوية شاقة، بعدت عن الطريقة السهلة التي عرف بها المتقدمون”.
    وكان من أهم أسباب هذا “الوهن والهرم المقرب للعدم” في هذه الفترة الزمنية الممتدة إلى عصرنا أمور منها:
    1 – طريقة التأليف: تغير نمط معالجة نصوص الشريعة الإسلامية، بينما كان تناول النصوص قديما يأخذ طريقة الاستنباط والنظر، وكانت المسائل التي تطرح سهلة وواضحة، صار التأليف يجنح إلى التعقيد والإيجاز في صورة المتن، وتتابع عليه الشروح والحواشي والهوامش، وقد يحول أحد الشروح إلى شعر منظوم ، ففي الحين كانت عبارات المتون مختصرة تعود في النهاية إلى عبارة مغلقة، وأصبحت الجهود تروح وترجع في دائرة مغلقة..وبقيت الفكرة أسيرة الكتاب الواحد، وهذا يعبر عن قصور الهمم وضعف أداء العلم في هذه الفترة الزمنية.
    وكان دأب العلم وتدوين الفقه الإسلامي على ما سبق ذكره، ووضعت تصانيف متنوعة في هذا الشأن بالمنهج ذاته، إلا حالات نادرة يتميز فيها بعض الأفراد في التأليف، ويشق منهاجا جديدا على غرار المتقدمين في التأليف، بل يتفنن في ذلك، وفي مقدمة هؤلاء ابن تيمية كان ممن تحرر من ربقة التقليد، ويعد نقطة تحول كبيرة في تاريخ الفقه الإسلامي؛ فقد اعتمد في اختياراته الفقهية على النظر في الأدلة، والأخذ بالأقوى من آراء الفقهاء السابقين، واستخرج أحكام للقضايا الجديدة في عصره. [القطان: 398].
    2 – القصور في واقع تدريس المواد الشرعية: كان التعليم في العصور الأولى يركز على الدراسات الإسلامية، ومنها تنطلق العلوم الأخرى، بمعنى أن العلوم الإسلامية تمثل المصدر الأول من الكتاب والسنة والأصول وسلوك الأفراد وغير ذلك، ولكن مع ضعف وحدة الأمة، وما تبع ذلك من تخلف فكري وغزو ثقافي، واستطاع أن تتسرب إلى المجتمعات المسلمة أفكار دخيلة، شككت في الدراسات الفقهية، واعتبرها متخلفة في ركب التقدم والتطور ومواكبة حاجات العصر، ووجدت كليات الحقوق أو معاهد الحقوق، في محاذاة كليات الشريعة، تدرس فيها نظريات الحقوق الغربية في العالم الإسلامي، وكان أحد أسباب تراجع الاهتمام بالعلوم الإسلامية والفقهية.
    يقول مناع القطان: ” وقع الازدواج في الدراسات الفقهية؛ حيث توجد “كليات الشريعة” في معظم البلاد الإسلامية لدراسة الفقه الإسلامي ومصادره في جميع مجالات الحياة، وتوجد كذلك “كليات الحقوق” لدراسة الحقوق الغربية وقوانينها الوضعية، وزاحمت هذه تلك، وتوشك أن تضيق عليها الخناق، لتطمس معالم الدراسات الفقهية، كما هو معهود لدينا في بعض البلاد”.
    3 – ضعف الالتزام الديني والتطبيق العملي للفقه الإسلامي: ترتب على السببين الماضيين، انحسار الأخذ بالفقه الإسلامي، والعمل على منواله في المجتمعات الإسلامية، تبعا لتأثير الغزو الفكري الملحوظ على صعيد التعليم والتطبيق، وتبعا لكثرة احتكاك المسلمين بثقافات غربية وافدة، وضعف العلم الشرعي في أوساط المسلمين.
    وبدأت بوادر ضعف الالتزام الديني بأحكام الشريعة تلوح وتظهر، مع أحكام الجنايات والحدود – وهو ما يسمى بالعقوبات- وتشمل: القصاص في النفس وما دونها، وحدود الزنا، والقذف، والسرقة، والشرب، والردة والبغي، والحرابة؛ “وذلك حين أحدثت الخلافة العثمانية قانون الجزاء العثماني، سنة 1840م وهو ترجمة لقانون الجزاء الفرنسي، مع شيء من التعديل، فسرى هذا القانون على عامة البلاد الإسلامية، وبذلك تعطل جانب من جوانب الفقه الإسلامي في مجال التطبيق”. [القطان: 400 – 402].

    4 – التوسع في فقه الفرضيات: وهذا السبب اختار الدكتور أحمد شلبي أنه أهم الأسباب التي أدت إلى القصور الفقهي حتى دعوى إغلاق الاجتهاد، حيث اعتبر فقه الفرضيات في عصور ما بعد المذاهب نظاما أثر في تاريخ التشريع الإسلامي تأثيرا بالغا، وأطلق التلاميذ أتباع المذاهب لخيالهم العنان، وبدأوا يضعون الفرصيات والألغاز والأجوبة عليها، وكان من هذه الفروض ما لا يمكن تصوره ولا حدوثه، وبعض هذه الفروض تتميز بالتعقيد والتصنع. قال شلبي: وكان هذا من أهم الأسباب التي تسبب عنها وقف اجتهاد العلماء فيما بعد. [شلبي: 198].


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,462

    افتراضي رد: الفقه الإسلامي ومحاولة التجديد

    الفقه الإسلامي ومحاولة التجديد(2)


    إدريس أحمد



    إن بوادر العودة إلى الاجتهاد والتجديد في الفقه الإسلامي وإحياء روح البحث وحرية استنباط واستنطاق النصوص الشرعية وتفسيرها ليست وليدة العصر، ولكن تمتد هذه المحاولات إلى عصور سابقة، غير أنها قد تظهر بطابع فردي لا يتبناها أي جهة رسمية، كما نجد نماذج من جهود كل من الغزالي، وابن تيمية وابن القيم وابن خلدون وغيرهم من العلماء الذين يشهد لهم بالعلم والانبراء للإفتاء والاجتهاد.
    وهذا يدل بشكل واضح أن دعوة إغلاق باب الاجتهاد والاستسلام للتقليد أمر مرفوض في العصور السابقة، بل الصحيح أن “التقليد الذي كان طابع التشريع في عصر ما بعد المذاهب لم يستسلم له المسلمون، وعرف كل عصر من العصور الإسلامية الحالكة رجالا ثاروا على التقليد ودقوا باب الاجتهاد”. [أحمد شلبي، تاريخ التشريع الإسلامي: 207].
    كما نرى ابن حزم الظاهري من علماء الأندلس في عز الدولة الإسلامية وانتشار مذهب المالكية ومنع الاجتهاد ومعاقبة الناكث الذي يخرج عن هذا المرسوم، ينبري ابن حزم فيقول: ” هذا القول في غاية الفساد، وكيد للدين لا خفاء به، وضلال مغلق، وكذب على الله تعالى، إذ نسبوا ذلك إليه، أو دين جديد أتونا به من عند أنفسهم ليس من دين محمد صلى الله عليه وسلم في شيء” . [ابن حزم، الإحكام في أصول الاحكام: 4/ 225].
    وهذا العز بن عبد السلام يبدي العجب من بعض حالات الفقهاء المقلدين، حيث يقدم بعضهم مذهب إمامه – على ضعف فيه – على الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة والقياس، يقول معاتبا على هذه الحالة: “البحث مع هؤلاء ضائع مفض إلى التقاطع والتدابر من غير فائدة يجديها، وما رأيت أحدا رجع عن مذهب إمامه إذا ظهر له الحق في غيره بل يصير عليه مع علمه بضعفه وبعده، فالأولى ترك البحث مع هؤلاء الذين إذا عجز أحدهم عن تمشية مذهب إمامه قال لعل إمامي وقف على دليل لم أقف عليه ولم أهتد إليه .. فسبحان الله ما أكثر من أعمى التقليد بصره حتى حمله على مثل ما ذكر، وفقنا الله لاتباع الحق أين ما كان وعلى لسان من ظهر”. [قواعد الأحكام: 2/ 159].
    ويؤكد هذا المعنى الإمام الشاطبي حين قال: “ولقد زل بسبب الإعراض عن أصل الدليل والاعتماد على الرجال أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين، واتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل… ثم يقول: الحاصل مما تقدم أن هذا تحكيم الرجال على الحق، والغلو في محبة المذهب، وعين الإنصاف أن الجميع أئمة فضلاء، فمن كان متبعا لمذهب مجتهد لكونه لم يبلغ درجة الاجتهاد فلا يضره مخالفة غير إمامه لإمامه، لأن الجميع سالك على الطريق المكلف به، فقد يؤدي التغالي في التقليد إلى إنكار ما أجمع الناس على ترك إنكاره”. [الاعتصام: 3/ 314 – 320].
    ولم تأت هذه الدعوات الفردية بالتشهي وحب الظهور والمخالفة بغية السيادة، وإنما اقتضاها واقع الامة في هذه العصور، حيث لا تقبل مصلحة الأمة في أي بقع الجمود والتقليد لحكم قابل للتبدل والتغير والاستجابة لحاجات العصر، وهذه النماذج من العلماء لم يجدوا أمامهم بدا إلا التعاطي مع المستجدات وتقويم أقوال المذاهب وأصولهم للتوصل إلى ما يناسب عصرهم وحاجة الناس فيه.
    محاولات التجديد بطابع جماعي

    من المحتمل أن التجديد في الفقه الإسلامي أخذ الطابع الفردي في العصور السابقة على غرار طريقة نشأة الفقه الإسلامي والمذاهب الفقهية في الأصل، وطبيعة المجتمعات الإسلامية آنذاك التي كانت تتميز بشيء من الفردانية، لا كما نجد اليوم في القرن الواحد والعشرين، حيث ظهرت العولمة والاتصال الواسع بين رقع العالم الإنساني، وباتت المنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية وغيرها هي التي تنظم المجتمع وتدافع عن حقوق الإنسانية وتستجيب للتحديات.
    ولعل هذا أحد الأسباب التي جعلت المحاولات التي سجلها التاريخ في تجديد الفقه الإسلامي، وفي نقض دعوى الإجماع على ضرورة التقليد، تأخذ السمة الفردية، فكانت هذه الجهود إسهامات ضعيفة غير مؤثرة أمام موجة التقليد العارمة، لذلك قوبلت أغلب هذه المحاولات بالرفض والنكاية إلى حد النفي أحيانا كما في حال ابن حزم الأندلسي.
    من أقدم المحاولات الجماعية في تجديد الفقه الإسلامي ما سطره العلامة المغربي محمد بن الحسن الحجوي الفاسي (توفي 1376هـ) عن بارقة إحياء الاجتهاد في عصر الدولة الموحدية بالمغرب والأندلس في القرن السادس الهجري، واعتبر هذه الحركة أشبة بحركة الموت، “وذلك أن عبد المؤمن بن علي لما غلب المغرب ووجد العلماء انهمكوا في الفروع راضين خطة التقليد الذي يقضي على الفقه، فكر فكرة في إلزام العلماء الاجتهاد، وترك التقليد فقيل: إنه أبرزها إلى حيز العمل، فحرق كتب الفروع كلها، وأمر بوضع كتب أحاديث الأحكام”. [الفكر السامي: 2/197].
    على خلاف بين المؤرخين عن حقيقة الأمر الصادر من عبد المؤمن بن علي، وما ألزم الناس به، هل كان يتوق للتجديد والاجتهاد المطلق، أم حملهم على مذهب الظاهرية، وهو العمل بظاهر القرآن والسنة وترك الفروع الفقهية؟
    عقب العلامة الحجوي على هذا الوضع والمحاولة التاريخية في تجديد الفقه في عهد الموحدين، والخلاف الذي طرأ بين المؤرخين حول هدف الموحدين، هل هو النكاية بالمذاهب أو التجديد، يقول الحجوي: “قد أراد الموحدون في أفريقيا والأندلس الرجوع إلى الأصل الأول، لكنهم لم ينجحوا، ولم يدم عملهم للأسباب التي بيناها لكم ولله عاقبة الأمور” [الفكر السامي: 2/204].
    وفي العصر الحديث سعى المسلمون في صور الحركات والجهود الجماعية والفردية في العالم الإسلامي لإحياء الاجتهاد، وتبناها بعض الحكومات في جزئيات قوانينها العامة الناظمة للحقوق والشؤون في بلادهم؛ تعبيرا عن السخط والاستياء من استبدال القوانين الوضعية بالتشريع الإسلامي، ومما يذكر في هذا المضمار ما يأتي:
    1- مجلة الأحكام العدلية: أطلقت الدولة العثمانية مشروع تقنين الاحكام الشرعية حين شعرت بخطر القوانين الوضعية الذي يهددهم في عرضه الجذاب، وتنسيقه المحكم، فشكلت لجنة من فقهائها البارزين، وعهدت إليهم بتنظيم أحكام العلاقات المدنية في الفقه الإسلامي، على المذهب الحنفي، واستمر عمل هذه اللجنة سبع سنوات؛ حيث صدر هذا التنظيم باسم “المجلة” سنة 1293هـ وسميت بذلك: لأنها كانت تصدر أبوابا متتابعة، فأشبهت في صدورها المجلات. [القطان، تاريخ التشريع الإسلامي: 404].
    2- مجمع البحوث الإسلامية في مصر: تولد من جهود انطلق في مصر في مطلع العشرينات حيث نودي برفض التقيد بمذهب الحنفية في المحاكم الشرعية، وأثمرت هذه الحركة بالقانون رقم 25 لسنة 1920 الذي اشتمل على بعض أحكام في الأحوال الشخصية على ضوء المذاهب الفقهية الأربعة، وهذه الحركة مهدت لما ظهر بعد ذلك بانشاء مجمع البحوث الإسلامية في الستينات، عني بدراسة كثير من الموضوعات الجديدة التي لم يطرقها البحث من قبل. [شلبي: 208].
    3- إنشاء مجمع فقهي: حيث دعا كثير من العلماء إلى إنشاء مجمع فقهي على نسق المجامع العلمية الأخرى، تحقيقا للهدف العام الذي يشعر المسلمون بالحاجة إليه في تجديد الفقه الإسلامي وتطوره، وحتى يكون هذا المجمع وسيلة للاستنارة برأي الجماعة في الاستنباط يغني عن الاجتهاد الفردي، وفي مؤتمر رابطة العالم الإسلامي الذي عقد في مكة المكرمة سنة 1384هـ قدم الشيخ “مصطفى الزرقا”. [القطان: 405].



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •