تعديل الخطاب العائلي ضرورة!
فاطمة عليوة
أمسى الجو مشحوناً.. الكل متوتر، ما زالت نظرات العين لم تنته رحلتها في أرضية غرفة المعيشة حيث يتواجد أفراد الأسرة! الأب ما زال يمطرهم بوابل من الكلمات القاسية والأوامر الحاسمة.
تنبيهات وتهديدات ووعد ووعيد لمن تسوّل له نفسه تكرار نفس الخطأ الذي قام به أحد الأبناء، لم يستثنِ الأب في خطابه الموجّه للأسرة صغيراً ولا كبيراً، فقد أفرغ كل طاقاته في الانفعال، ولم يعد يدري مَن المتسبّب في الخطأ! حيث أصبح الكل أمامه مذنبين، الكل في قائمة المحظورين من التفوّه بكلمة، وعلى رأسهم الأم؛ فلولا تقصيرها لما تهاون الأولاد في تأدية ما يُطلب منهم من أعمال المنزل والمذاكرة وغيره.
هكذا هو منطقه في حل المشكلات التي تعترض أسرته، بل هذه هي طريقته في الهروب من تحمّل أي قدر من المسؤولية! فقد حصر دوره في إلقاء الأوامر والتكليفات لكل واحد من أفراد أسرته، ثم في العقاب والزجر والتعنيف!
تشرد الأم بفكرها مختلسة بعضاً من تلك الثواني الثقيلة، محاولةً الهروب من ذلك الشعور الخانق بالذنب الذي يطوقهم به رب الأسرة، ومن تلك المعاملة التي تقتلع دورها كمساعد له في إدارة شؤون البيت؛ إذ أخذها العجب سائلةً نفسها ومحاولة إيجاد إجابة؛ لماذا لم يجلس معي أولاً لنتفق على ما يجب أن يكون عليه الحوار في توجيه أبنائنا؟! لماذا لم يحاول معرفة دقائق الأمور التي تحدث أثناء غيابه خارج المنزل؛ إذ إني أعلم بها منه؟ لماذا لم يحاول معرفة دوافع أبنائه للتقصير في أداء ما يُطلب منهم؟ لقد تناسى أنه إذا كان يعدّ نفسه الرئيس لهذا البيت فإني أُعدّ بمثابة المدير التنفيذي لما يصدره هو من أوامر! لماذا لم يرجع إليّ في كل مرة قبل أن تندلع ثورة غضبه؟ ألست أنا وهو كجناحي طائر يرفرف على هذا العش ليحميا صغارهما من عواصف الحياة؛ لقد كسر جناحي، وتناسى دوري، ثم يحملني بما هو فوق طاقتي بعد ذلك!
حاولتْ باحثة الوصول لأسباب المشكلة، ليست التي أحدثها أحد الأبناء، ولكن فيما يدفع زوجها للدخول في مثل هذه الحالة من الدكتاتورية العائلية!
إن مثل هذا الأسلوب المسيطر لن يؤدي بالأسرة إلا إلى انفجار مُدوٍّ يعلن فيه الأبناء الثورة على هذه المعاملة غير البناءة، إنه الأب بهذا الضغط النفسي الذي يمارسه على أسرته يجتث جذور الطاعة من نفوسهم، ويقطع أواصر الحنين التي يجب أن تمتد بين الأب وأبنائه، وتُلغي الشعور بالانتماء بين الأبناء وأسرتهم؛ إذ يحوّل رب الأسرة بهذه المعاملة أسرته إلى خلية خربة لا تنتج إلاّ أفراداً عاجزين. فاقدي الثقة بأنفسهم، غير قادرين على مواجهة الحياة ولا تحمل المسؤولية؛ لأنه لم يعوّدهم على المشاركة.. لم يقدم لهم سنابل الخير كي يجني منهم الشكر والعطاء.. فقد تناسى أن الأدوار دُول!
في وسط هذا الظلام الأسري والحيرة النفسية! تلمّست الأم خيوط بداية الإصلاح إنها الحاجة الماسّة لتعديل الخطاب الأسري!
حقاً إن الحوار وسيلة لتقارب وجهات النظر، وهو أساس العلاقة بين الأفراد ذلك الحوار القائم على تحديد الأدوار وتبادل الخبرات المحفوف بالحب والمعبّأ بالتراحم، والتماس الأعذار والترفق بمن لا يتفهم حقيقة ما يُطلب منه، وما يجب عليه من واجبات تجاه أسرته وبيته و...
إن الخطاب الأسري من الأهمية العناية به؛ إذ يُعدّ نبراساً هادياً لأفراد العائلة للخروج بهم من منعطفات الحياة التي لا يكاد بيت إلاّ ويمر بها؛ فالحوار وسيلة هامة ودليل على مستوى النضج النفسي، ومدى قيمة الخبرات الحياتية لقائد البيت وبقية أفراد أسرته.
تذكرْت كثيراً ما يتردد في نشرة الأخبار والبرامج الحوارية عن ضرورة تعديل الحوار السياسي والخطاب الديني! واستشعرت نفس الحاجة الماسّة لضرورة تعديل الخطاب العائلي ربما لأن العلاقة وثيقة بين الثلاثة، ولكن الحوار العائلي أهم بكثير؛ إذ لو صلُح حاله وكان كما يجب أن يكون.. لاستقامت تبعاً لذلك بقية الحوارات التي يخوضها المرء في حياته، لمَ لا والبيت هو وحدة بناء المجتمع، وهو المحضن الأول للإنسان، والنبع الصافي الذي يستقي منه مبادئه وبدايات ثقافته وفكره، وفيه يتسلح بالقيم التي يتأهل بها للتفاعل مع مجتمعه.
وبناء على ذلك يجب علينا أن نتوقف قليلاً عمّا اعتدنا عليه في التعامل به مع أولادنا، وعن تلك المهاترات التي نخوضها بلا فائدة تُرجى، ولا مصلحة تتحقق.
نتوقف لنراجع ما صدر منا، ولنقف على ما يجب علينا -كآباء وأمهات- أن نتعلمه كي نصحح مسيرة حياتنا الأسرية.