إذا عَرَفْنَا أن العَبْدَ لا يَكونُ مُسْلِمًا حتى يَشْهَدَ الشَّهادَتَيْنِ : شَهَادَةَ أن لا إلهَ إلا اللهُ، وشَهَادَةَ أن مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فيُوَحِّدَ اللهَ ويَتَّبِعَ الرَّسولَ، وبذلك يَكونُ مُسْلِمًا.
وعَرَفْنَا أن مُقْتَضَى شهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ هو إخلاصُ العِبادةِ للهِ وَحْدَه، وأن العُبوديَّةَ مَبْناها على المَحبَّةِ والتعظيمِ والانقيادِ.
وعَرَفْنَا أن شهادةَ أن مُحمَّدًا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَقْتَضِي مَحَبَّتَهُ وتَصْدِيقَهُ وطاعتَه.
فاعْلَمْ أنَّ مَن يَرْتَكِبْ ما يَنْقُضُ هاتينِ الشَّهادتينِ فهو خارجٌ عن دِينِ الإسلامِ كافرٌ باللهِ جل وعلا وبرسولِه، وإنْ صَلَّى وصامَ وزَعَم أنه مُسلمٌ.
ولذلك فإنَّ مَنْ ينتَفِ عنه أحَدُ هذه الأمورِ: (إخلاصِ العبادةِ للهِ جل وعلا، ومَحَبَّةِ اللهِ، وتَعْظيمِه، والانقيادِ له، ومَحَبَّةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، وتَصْديقِه وطَاعتِه)؛ فقد انْتَفَى عنه إسْلامُه.
فإن كان هذا الانتفاء أصليًّا أي أنَّ العبدَ لم يقمْ بما تقتضيه الشهادتانِ في أصلِ أمرِهِ فهو كافرٌ أصليّ، فإن كان يُظْهِرُ الإسلامَ مع ذلكَ فهو منافقٌ.
… وأما من كان مسلماً قائماً بما تقتضيه الشهادتان ثم انْتَفَى عنه أحَدُ هذِهِ الأمورِ بعدَ إسلامِه فهو كَافِرٌ مُرْتَدٌّ عن دِينِ الإسلامِ.
وتكونُ الرِّدَّةُ بكلِّ أَمْرٍ قَوْلِيٍّ أو عَمَلِيٍّ أو اعْتِقاديٍّ يَلْزَمُ منه انتفاءُ حقيقةِ شَهادةِ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأن مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ.
وصُوَرُ النَّواقضِ التي تُخْرِجُ من مِلَّةِ الإسلامِ كثيرةٌ غيرُ مَحْصورةٍ بعَدَدٍ،
لكن لها أُصولٌ جامعةٌ هي:
الناقضُ الأولُ: الإلحادُ، وهو إنكارُ وُجودِ اللهِ تعالى.
ومِن صُوَرِه:
• نِسْبةُ الخَلْقِ إلى الطَّبيعةِ.
• اعْتِقادُ قِدَمِ العَالَمِ، وهو أنَّ من المَخْلوقاتِ ما لا أَوَّلَ له في الأَزَلِ.
الناقضُ الثاني: الشِّركُ الأكبرُ، وهو اتخاذُ ندٍّ للهِ جل وعلا، وهو على أنواعٍ:
• النوعُ الأولُ: شِركُ العبادةِ، وهو صَرْفُ نوعٍ من أنواعِ العبادةِ لغيرِ اللهِ جل وعلا؛ كالدُّعاءِ أو الذَّبحِ أو النَّذرِ أو الاستعانةِ أو الاستغاثةِ أو الاستعاذةِ أو غيرِها؛ ومن صُوَرِه:
1: ما يَفْعَلُه عُبَّادُ الأوثانِ والأنبياءِ والأولياءِ من دُعائِهم من دونِ اللهِ، وطَلَبِ الشفاعةِ منهم، وقَضاءِ الحوائجِ وجَلْبِ النفعِ وكَشْفِ الضُّرِّ؛ فمَن فعَلَ ذلك فهو مُشركٌ كافرٌ، وإن زعَمَ أنه مُسلمٌ وأنه يَقولُ: (لا إلهَ إلا اللهُ) وأنه يُصلِّي ويَتصَدَّقُ ويَصومُ ويَحُجُّ ويَفْعَلُ الخَيْرَ؛ فالشِّركُ الأكبرُ مُحْبِطٌ للعَمَلِ مُنافٍ لدينِ الإسلامِ.
2: ما يَفْعَلُه السَّحَرَةُ وبعضُ مَن يَأتيهِم من الذَّبحِ لغيرِ اللهِ عز وجل والاستغاثةِ بالشياطينِ.
• النوعُ الثاني:الشِّركُ في الرُّبوبيَّةِ، ومن صُوَرِه:
1: اعتقادُ بعضِ المُشركينَ في آلهتِهم ومُعَظَّمِيهِم أنَّ لهم تَصَرُّفًا في الكَوْنِ وأنهم يَعْلَمُونَ الغَيْبَ، ويُنَزِّلونَ الغَيْثَ، ويَمْلِكونَ الرِّزقَ، ويَشْفُونَ من الأمراضِ، ويَهَبُونَ الأولادَ والأزواجَ والأموالَ، ويَكْشِفُون الضُّرَّ، ويَرْفَعُونَ البَلاءَ، ويَقْضُونَ الحَوائِجَ، ويُجِيبونَ دُعاءَ مَن يَدْعُوهم.
2: اعتقادُ المَجوسِ أنَّ للكَوْنِ خَالِقَيْنِ: النُّورَ والظُّلْمَةَ.
3: اعتقادُ بعضِ غُلاةِ الصُّوفيَّةِ والشِّيعةِ أن بعضَ مُعَظَّميهِم يَعْلَمُونَ الغَيْبَ، وأن لهم تَصَرُّفًا في الكَوْنِ، وأنهم يُجِيبونَ الدُّعاءَ ويَقْضُونَ الحَوائِجَ.
ومن الشِّرْكِ في الرُّبوبيَّةِ: الحُكْمُ بغَيْرِ ما أنْزَلَ اللهُ، فمَن حَكَمَ بغَيْرِ ما أنْزَلَ اللهُ فهو طَاغوتٌ قد جَعَلَ نَفْسَهُ شَرِيكًا للهِ في حُكْمِه.
• النوعُ الثالِثُ: شِرْكُ الطَّاعةِ؛ وهو اتِّباعُ المُعَظَّمينَ في تحليلِ الحرامِ وتَحْرِيمِ الحلالِ؛ كما يَفْعَلُهُ عُبَّادُ الطواغيتِ من طاعتِهم ومُتابَعَتِهم في تَحليلِ ما حَرَّمَ اللهُ وتَحْريمِ ما أحَلَّ اللهُ.
ومن صُوَرِه:
1: التحاكُمُ إلى الطَّواغيتِ؛ فمَن تَحاكَمَ إليهم مُرِيدًا مُختارًا فهو كافرٌ غيرُ مُؤمنٍ لقولِ اللهِ تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)﴾ [النساء: 60].
… أما مَن كانَ في بلدٍ لا يُحْكَمُ فيه بما أَنْزَلَ اللهُ واحتاجَ في رَفْعِ الظُّلمِ عنه وتمكينِه من حَقِّه إلى التَّحاكُمِ إلى بعضِ مَن يَظُنُّ فيه حِفْظَ الحَقِّ ورَفْعَ الظُّلْمِ؛ فلا يَكْفُرُ بذلك لقولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأصحابِه لَمَّا أَذِنَ لهم بالهِجْرةِ الأُولَى إلى الحَبَشةِ: ((إنَّ بأرضِ الحَبَشةِ مَلِكًا لا يُظْلَمُ أحَدٌ عندَه، فالْحَقُوا ببلادِه حتى يَجْعَلَ اللهُ لكم فَرَجًا ومَخْرَجًا مِمَّا أنتم فيه)) رواهُ البَيْهقِيُّ من حديثِ أُمِّ سَلَمَةَ بإسنادٍ حَسَنٍ.
ولم يَكُنِ النَّجاشِي قد أسْلَمَ؛ ولو حَصَلَتْ عليهم مَظْلِمَةٌ واحْتاجُوا إلى التَّحاكُمِ إليه فيها لأَنْصَفَهُم، وهذا دليلٌ على جوازِ التَّحاكُمِ إلى مَن يُعْلَمُ أن مِن شأنِه تَحَرِّيَ العَدْلِ ورَفْعَ الظُّلْمِ كما يَحْصُلُ في بعضِ البُلدانِ.
والمُسلمُ في حالِ الاضْطِرارِ والحاجةِ التي يَلْحَقُ بفواتِها حَرَجٌ غَيْرُ مُرِيدٍ للتَّحَاكُمِ إلى الطواغيتِ في حَقِيقَةِ الأَمْرِ؛ فلا يَكْفُرُ بذلك.
أما التَّحاكُمُ الذي فيه تَعَبُّدٌ لغيرِ اللهِ تعالى وتقديمُ قَرَابِينَ وسُؤالٌ للكُهَّانِ كما يَفْعَلُه بعضُ الوَثَنِيِّينَ فلا يَجوزُ بحالٍ.
2: طاعةُ عُلماءِ السُّوءِ والحُكَّامِ الطَّواغِيتِ في تَحليلِ الحرامِ البَيِّنِ حُكْمُه في الشريعةِ، وتَحْريمِ الحلالِ البَيِّنِ حُكْمُه في الشَّريعةِ.
وأفرادُ الشِّركِ وصُوَرُه كثيرةٌ جِدًّا لكنَّها راجعةٌ إلى هذه الأنواعِ الثلاثةِ.
الناقضُ الثالثُ: ادِّعاءُ بعضِ خَصائصِ اللهِ في رُبُوبِيَّتِه أو أُلُوهِيَّتِه أو أسمائِه وصِفاتِه.
ومن صُوَرِ ذلك:
1: دَعوةُ بعضِ الطواغيتِ إلى عِبادةِ أنفسِهم.
2: ادِّعاءُ عِلْمِ الغَيْبِ.
3: ادِّعاءُ القُدْرَةِ على إحياءِ المَوْتَى.
الناقضُ الرَّابِعُ: ادِّعاءُ النُّبُوَّةِ
دَعْوَى النُّبُوَّةِ كُفْرٌ بإجماعِ العُلماءِ.
ومِمَّا يَلْتَحِقُ به:
• مَن يَدَّعِي مُضاهاةَ القرآنِ وأنه يَقْدِرُ عَلَى أنْ يُنْزِلَ مِثلَ ما أنزَلَ اللهُ على رُسُلِه، قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [الأنعام: 93].
الناقضُ الخامسُ: تكذيبُ اللهِ عز وجل وتكذيبُ رسولِه صلى الله عليه وسلم،
فمَن كَذَّبَ اللهَ ورسولَه فهو كافرٌ غيرُ مسلمٍ بإجماعِ العلماءِ.
ومن صُوَرِ هذا الناقضِ:
1: جَحْدُ ما هو مَعلومٌ من دِينِ الإسلامِ بالضَّرورةِ؛ كجَحْدِ وُجوبِ الصلاةِ أو الزكاةِ، وجَحْدِ تحريمِ الرِّبا أو الزِّنا أو أَكْلِ لحمِ الخِنْزيرِ.
2: إنكارُ شَيْءٍ من أسماءِ اللهِ تعالى وصفاتِه، بلا شُبْهةِ جَهْلٍ يُعْذَرُ بمِثْلِه ولا تَأْويلٍ.
3: إنكارُ شَيْءٍ من القرآنِ الكَريمِ.
4: ادِّعاءُ الاختلافِ والتَّناقُضِ والتحريفِ في القُرآنِ الكريمِ.
5: إنكارُ السُّنةِ النَّبويَّةِ.
6: إنكارُ البَعْثِ والجزاءِ.
7: عَدَمُ تكفيرِ مَن لا يَدِينُ بدِينِ الإسلامِ من اليَهودِ والنَّصارَى والمَجُوسِ والمَلاحِدَةِ والوَثَنِيِّينَ .
8: اعتقادُ أنَّ المَرْءَ يَسَعُه الخُروجُ عن شَريعةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كما وَسِعَ الخَضِرَ الخُروجُ عن شَرِيعَةِ مُوسَى عليه السلام.
9: استحلالُ المُحَرَّمِ المَعلومِ تَحْرِيمُه بالدليلِ الصحيحِ بلا شُبْهةٍ ولا تأويلٍ.
10: تَصْدِيقُ مَن يَدَّعِي النُّبوَّةَ.
11: دَعْوَى أن رِسالةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم للعَرَبِ خَاصَّةً.
12: دَعْوَى أن اللهَ تعالى يَرْضَى بأنْ يُدْعَى من دُونِه أَحَدٌ من الصالحينَ أو غَيْرِهم.
13: قَذْفُ أمِّ المؤمنينَ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها بما برَّأَها الله مِنْه، وقذفُ سائرِ أُمَّهاتِ المُؤمِنينَ كذلك.
وكلُّ ما يَتحَقَّقُ به تَكْذيبُ اللهِ تعالى وتكذيبُ رَسولِه صلى الله عليه وسلم فهو ناقضٌ من نَواقضِ الإسلامِ، إلا أنه يَنْبَغِي التفريقُ بينَ تكذيبِ الخَبَرِ المَبْنيِّ على عدمِ العلمِ بالدليلِ أو غِيابِه عنه أو الشكِّ في ثُبوتِه أو كانَ للمُكَذِّبِ تأويلٌ في معنَى الخَبَرِ يُدْرَأُ عنه به حُكْمُ التكذيبِ، وبينَ تَكذيبِ ما عُلِمَ ثُبوتُه ومعناه، فهذا الأخيرُ ناقضٌ بلا خلافٍ بينَ أهلِ العلمِ.
وأمَّا في الأحوالِ المَذْكُورةِ قَبْلَه فلا يُحْكَمُ بكُفْرِ المُكَذِّبِ حتى تُقامَ عليه الحُجَّةُ، ويَتَبيَّنَ ثُبوتَ الخَبَرِ وصِحَّةَ مَعْناهُ.
الناقضُ السادسُ: الشَّكُّ.
الشكُّ مُنافٍ للتصديقِ الواجبِ، فمَن شَكَّ في صِدْقِ خَبَرِ اللهِ عز وجل وخَبَرِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم فهو كَافِرٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ.
والتَّكْذِيبُ والشكُّ مُنافِيَانِ للتصديقِ الوَاجِبِ.
ومن صُوَرِ هذا الناقضِ:
1: الشَّكُّ في كُفرِ مَن لا يَدِينُ بدينِ الإسلامِ.
2: الشَّكُّ في أمرِ البَعْثِ بعدَ الموتِ.
3: الشَّكُّ في ثُبوتِ القُرآنِ الكريمِ وحِفْظِه من التَّحْرِيفِ والتَّبْديلِ.
الناقضُ السابعُ: بُغْضُ اللهِ ورسولِه، وبُغْضُ دينِ الإسلامِ
البُغْضُ مُنافٍ للمَحَبَّةِ الوَاجبةِ؛ فمَن أبْغَضَ اللهَ ورسولَه أو أبْغَضَ دِينَ الإسلامِ فهو كافرٌ خارجٌ من المِلَّةِ.
ومِمَّا يَلْتَحِقُ به:
1: سَبُّ اللهِ ورسولِه وسَبُّ دينِ الإسلامِ، وتَنَقُّصُ الذَّاتِ المُقَدَّسَةِ، وتَنَقُّصُ مَقامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
2: بُغْضُ الصحابةِ رضِي الله عنهم، وسَبُّهم على وَجْهِ العُمومِ وتَكْفِيرُهم بخِلافِ مَن سَبَّ طَائِفَةً منهم لشُبْهةٍ عَرَضَتْ له فإنه يَكونُ قد ارتكَبَ مُحَرَّمًا ولكن لا يُحْكَمُ بكُفرِه.
3: بُغْضُ أَئمَّةِ الدِّينِ ورُواةِ الأحاديثِ الصحيحةِ وحَمَلةِ الشَّريعةِ على وَجْهِ العُمومِ وتَكْذيبُهم.
الناقضُ الثامنُ: الاستهزاءُ باللهِ وآياتِه ورسولِه، وهو كُفْرٌ لمُنافاتِه المَحَبَّةَ الواجبةَ والتعظيمَ الواجبَ.
ومِمَّا يَلْتَحِقُ به:
1: امْتِهانُ المُصْحَفِ.
2: الاسْتِخفافُ بأيِّ شَعيرةٍ من شَعائرِ الإسلامِ.
الناقضُ التاسعُ: اتِّخَاذُ الكُفَّارِ أولياءَ من دونِ المؤمنينَ، وهو يشملُ أمرين:
1: محبتهم في دينهم وموافقتهم عليه والرضا به.
2: مناصرة الكفار على المسلمين.
ومن صُوَرِ هذا الناقض:
1: التَّجَسُّسُ على المسلمين لصالحِ الكُفَّارِ.
2: تَهْنِئَةُ الكُفَّارِ بأعيادِهم الوَثَنِيَّةِ والكُفْريَّةِ رِضًا بما يَصْنَعُونَ من الشِّركِ والكُفْرِ باللهِ عزَّ وجلَّ، وأمَّا من شارَكَهم لِيطْعَمَ مَعهم أو يَسْتَمْتِعَ اسْتِمْتَاعًا محرَّمًا بفِسْقِهِمْ وغِنَائِهِم، وقلبُهُ منكِرٌ لِكُفْرِهِم وَشِرْكِهِم ؛ فهو على شَفَا هَلَكَةٍ ويُخْشَى عَلَيْهِ إذَا حلَّت بهم عُقُوبةٌ أن تَشْمَلَهُ مَعَهُمْ.
3: بِناءُ مَعابِدَ يُعْبَدُ فيها غيرُ اللهِ جل وعلا، أو الإعانةُ عليها كبِناءِ الكنائسِ والأَدْيرةِ والبِيَعِ وبناءِ الأَضْرِحَةِ والمَشاهِدِ التي يُدْعَى فيها غيرُ اللهِ جل وعلا.
4: مُحاربةُ حَمَلةِ الشريعةِ من العُلماءِ والدُّعاةِ والتَّضْيِيقُ عليهم قَصْدًا للتَّضْييقِ على دَعوةِ الإسلامِ.
5: العَمَلُ على تَوْهِينِ المُسلمينَ وإضعافِهم، وتَمْكِينِ الكُفَّارِ من التَّسلُّطِ على المُسلمينَ.
الناقضُ العاشرُ: التَّولِّي والإِعراضُ.
مَن تَولَّى عن طَاعةِ اللهِ ورسولِه فهو غيرُ مُسلمٍ؛ لأنه غيرُ مُنقادٍ لدينِ اللهِ تعالى؛ فهو لا يَمْتَثِلُ الوَاجباتِ ولا يَمْتَنِعُ عن المُحرَّمَاتِ إلا ما وَافَقَ هَواهُ.
ومن صُوَرِ هذا النَّاقِضِ:
1: أنْ يَرَى أنَّ طَاعَةَ اللهِ تعالى وطَاعةَ رَسُولِه لا تَلْزَمُه، وأنه لا يَجِبُ عليه امتثالُ أمرِ اللهِ تعالى وأمْرِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم.
2: أنْ يُعْرِضَ عن أمرِ اللهِ وأَمْرِ رَسُولِه إعراضًا كُلِّيًّا فلا يَتَفَقَّهُ في الدينِ ولا يَسْأَلُ عَمَّا يَجِبُ عليه من طاعةِ اللهِ وطَاعةِ رَسُولِه، ولا يَمْتَثِلُ الوَاجِبَاتِ، ولا يَمْتَنِعُ عن المُحَرَّمَاتِ طَاعةً للَّهِ ورسولِه.
أما مَن كانَ مُلْتَزِمًا طَاعةَ اللهِ ورسولِه ويَمْتَثِلُ مِن ذلك ما يَبْقَى به مُسْلِمًا لكنَّه يَقَعُ في بعضِ المَعاصِي فهو غيرُ كافرٍ بتلك المَعاصِي.
• ومِمَّا يَلْتَحِقُ بهذا الناقضِ: تَرْكُ الصلاةِ؛ فهي عَمُودُ الدِّينِ؛ وإذا تَرَكَها العَبْدُ تَرْكًا مُطْلَقًا فهو مُعْرِضٌ عن دِينِ اللهِ جل وعلا، قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: (مَن ضَيَّعَها فهو لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ).
فَصْلٌ: وهذه النَّواقضُ تُنافِي الشَّهادَتَيْنِ مُنافاةً تَامَّةً، ومَن وَقَعَ في أَحَدِها بعدَ إسلامِه وهو عَاقِلٌ بَالِغٌ غَيْرُ مُكْرَهٍ ولا مَعْذُورٍ بشُبْهَةٍ فهو كافرٌ مُرْتَدٌّ عن دينِ الإسلامِ، فإن ماتَ على ذلك فهو خالدٌ مُخلَّدٌ في نارِ جَهنَّمَ، قال اللهُ تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾[البقرة: 217].
ومَن وَقَعَ في أحَدِ هذه النَّوَاقِضِ أو بَعْضِها في الباطِنِ وهو يُظْهِرُ الإسلامَ فهو من المُنافقين النِّفاقَ الأكبرَ، نُعامِلُه مُعاملةَ المُسلمين في الظَّاهِرِ، ونَكِلُ سَرِيرَتَهُ إلى اللهِ تعالى ما لم يَتَبَيَّنْ لنا منه كُفْرٌ ظَاهِرٌ.
فَصْلٌ:
والنَّوَاقِضُ على دَرَجَتَيْنِ:
الدرجةُ الأُولَى: الكُفْرُ البَوَاحُ، وهو الذي لا يَقَعُ في كُفْرِ صَاحِبِه لَبْسٌ ولا اشتباهٌ ولا يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ له عُذْرٌ يُعْذَرُ به من جَهْلٍ أو تَأْوِيلٍ أو إِكْرَاهٍ.
كمَن يَنْتَسِبُ إلى غَيْرِ الإسلامِ