ركائز العمل المشكور
الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر
إنَّ من أعظم ما ينبغي لكل مسلم أن يعنى به عنايةً عظيمة, أن يكون عمله وتعبُّده مشكورًا عند الله, مرضيًا عنده -جل في علاه-, وهذا مطلب عظيم يجب على كل مسلم أن يعنى به عناية كبيرة , والعمل لا يكون مشكورًا عند الله مرضيا عنده إلا إذا قام على ركائز عظيمة وأسسٍ متينة، وهي ثلاثة ركائز، جمعها الله -سبحانه وتعالى- في آية واحدة من سورة الإسراء، وهي قول الله -جل وعلا-: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)}؛ تأمل أيها المؤمن -رعاك الله ووفقك لهداه- في هذه الركائز العظيمة، وجاهد نفسك على تحقيقها في كل أعمالك وجميع طاعاتك.
الركيزة الأولى
أن يراد بالعمل الدار الآخرة
بمعنى أن يكون العمل خالصًا لا يراد به إلا وجه الله -عز وجل- وثوابه الذي أعدّه لعباده في الدار الآخرة، بمعنى ألا يعمل لأجل مصالح دنيوية, ومقاصد آنيَّة من شهرةٍ أو سمعةٍ أو إرادةٍ للدنيا بالعمل أو غير ذلك من خوارم النية المبطلة لها المفسدة للعمل, وهذا أمر يحتاج إلى مجاهدةٍ تامة؛ ولهذا قال الأوزاعي -رحمه الله-: «ما عالجتُ شيئًا أشد عليَّ من نيتي»، فالنية تتفلت, وتحتاج من العبد إلى معالجة دائمة مستمرة؛ ليصفو العمل وليكون خالصًا، لا يبتغى به إلا الله -جل في علاه- والدار الآخرة التي هي دار الثواب والجزاء على الأعمال.
الركيزة الثانية
في قوله -جل وعلا-: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا}
وليس كل سعي يصلح, ولا كل عمل ينفع، وإنما النافع من العمل -عباد الله- والمفيد من السعي هو سعي الآخرة؛ أي الذي رضيه الله لعباده ودعاهم إلى فعله بواسطة رسله الكرام، ولهذا -عباد الله- العمل يتوقف في قبوله على صحة اتباع العامل فيه للرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولهذا صح في الحديث عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ». أي مردود على صاحبه غير مقبول منه، وكان -عليه الصلاة والسلام- إذا خطب الناس يوم الجمعة قال -صلوات الله وسلامه عليه-: «إِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهدَى هُدَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ».
الركيزة الثالثة
أن يكون قائمًا على الإيمان
قال {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} أي: مؤمن بالله وبما أمره -سبحانه وتعالى- بالإيمان به. ولهذا ينبغي أن يُعلم -معاشر العباد- أن الأعمال كلها لا تصح ولا تكون مقبولة إلا إذا كانت قائمة على إيمانٍ صحيح, وعقيدة راسخة في القلب؛ ولهذا قال الله -عز وجل-: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(ا لمائدة: 5)، وترى في آيات كثيرة يُقيَّد قبول العمل وترتب الثواب عليه بوجود الإيمان، كقوله -سبحانه-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} أي بهذا القيد {فَلَنُحْيينه حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّ هُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(الن حل: 97).
هذه ركائز ثلاثة عظيمة الشأن, جليلة القدر, رفيعة المقام, ينبغي لكل مسلم أن يُعنى بها عناية تامة في كل طاعاته وجميع عباداته، والتوفيق بيد الله وحده لا شريك له، قال -تعالى-: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}(الملك: 2) ولم يقل «أكثر عملا»؛ وهذا فيه تنبيه إلى مقام عظيم لابد من العناية به, ألا وهو -أيها العباد- أن يتأمل المرء في كل أعماله بأن تكون حسنة؛ فليست العبرة بكثرة العمل, وإنما العبرة بحُسن العمل.