كيف يتم الكفر بما يعبد من دون الله
والجواب على ذلك جاء واضحاً جلياً في كتاب الله فكان فيه غُنية عما سواه
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
وقال عز وجل: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ ۚ فَبَشِّرْ عِبَادِ
فهذه الآيات تدل بكل وضوح على وجوب الكفر بالطاغوت
وقال تعالى: ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)." الممتحنة: من الآية4".
ففي هذه الآية بيان واضح لما ينبغي أن يكون عليه كل مسلم تجاه كل ما يعبد من دون الله - تجاه العابد والمعبود
فالركن الأول من شهادة التوحيد وهو الكفر بالطاغوت أو بما يعبد من دون الله، يتحقق بما يأتي:
اعتقاد بطلان عبادة غير الله، وكل معبود سوى الله
ترك عبادة غير الله وبغضها وإنكارها
البراءة ممن عبد غير الله
الأمر الأول : اعتقاد بطلان عبادة غير الله، وكل معبود سوى الله
أن تعتقد أن كل معبود غير الله عز وجل باطل لا يستحق شيئا من العبادة بل هو عبد مخلوق لله الواحد القهار، وتعتقد أن كل عبادة صُرفت لغير الله باطلة وضلال وشرك بالله عز وجل، وتعتقد أن كل منهج ودين يخالف دين الإسلام، وكل تشريع لم يأذن به الله فهو كفر بالله عز وجل وضلال وجاهلية
والدليل قوله تعالى: ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ)." لقمان: من الآية:30
وقوله تعالى: ( فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ)." يونس: من الآية:32
وقال عز وجل: ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)." آل عمران:85
وقال تعالى: ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ)." المائدة: من الآية:50". فكل حكم سوى أحكام الله فهو حكم الجاهلية
وقال: ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)." الجاثـية:18". فما كان من عند الله فهو شريعة الله ودينه الذي ارتضاه، وما سواه فأهواء قوم لا يعلمون
ومثال المعبودات والمناهج الباطلة في واقعنا المعاصر
الأضرحة والقبور والمشاهد التي يعتقد في أهلها الولاية والشفاعة والنفع والضر وتدعى مع الله ويذبح لها ويتبرك بها ويستشفى ويستسقى بها ويصرف لها ما هو من حق الله الخالص
الحكام المبدلين لشريعة الله المشرعين لما لم يأذن به.
القوانين الوضعية التي يحتكم إليها من دون شريعة الله والتي جُعلت ندا لأحكام الله
الأديان المخالفة للإسلام كالعلمانية والديموقراطية واليهودية والنصرانية والماركسية والبوذية وغير ذلك
فلا بد من اعتقاد أن كل ما عبد من دون الله باطل وعبادته كفر بالله، وأن ما خالف دين الإسلام باطل واتباعه أو الرضا به كفر بالله
الأمر الثاني: ترك واجتناب عبادة غير الله وبغضها وإنكارها
فلا يكفي اعتقاد بطلان عبادة غير الله بل لابد من اجتنابها والابتعاد عنها بالكلية وبغضها وإنكارها بالقلب بغضا شديدا
قال تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)." الأنعام: من الآية19". ففيها البراءة من الشرك
وقال تعالى: ( وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)." النحل: من الآية:36". فيها الأمر باجتناب ما يعبد من دون الله
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ) الزمر:17
وفيها أن اجتناب الطاغوت يعني اجتناب عبادته
وقال سبحانه: ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)." المدثر:5". الرجز: الأصنام، وهجرها تركها والبراءة منها.
وعن جَابِرُ بن عبد اللَّهِ قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول ((من لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شيئا دخل الْجَنَّةَ وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دخل النَّارَ)) رواه مسلم . وفيه تحذير شديد من الوقوع في عبادة شيء من دون الله وهو معنى (يشرك به
وقال عز وجل: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ)." آل عمران: من الآية:64".
وفيها اشتراط ترك الشرك ليكون الرجل مسلما
وذكر الله عز وجل من حال المشركين أنهم يكْبُر ويَعْظُم عليهم ترك الشرك بالله؛ لأنهم يحبونه أشد الحب وتنشرح له صدورهم وقد اعتادوه وألفوه عن آبائهم وأجدادهم
قال تعالى: ( كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ)." الشورى: من الآية:13
وقال تعالى: ( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ )." الزمر:45
فلا يكره التوحيد ويبغضه ويستبشر بالشرك ويفرح به إلا مشرك كافر.
فلابد من بغض الشرك بجميع أنواعه بغضاً شديداً أشد من بغض ما سواه من المحرمات
وكذلك لابد من تركه واجتنابه بالكلية،
وقد جاءت جميع الرسالات السماوية بالدعوة إلى ترك عبادة غير الله واجتناب ما يعبد من دونه، ولهذا كان التوحيد هو لب الخلاف بين الرسل وقومهم الذين ردوا هذه الدعوة ولم يؤمنوا بها وأصروا على الاستمرار على عبادة غير الله
كما قال تعالى عن قوم نوح: ( وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)." نوح:23". فود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا أسماء رجال صالحين ماتوا على التوحيد ولكن لغلو قومهم فيهم عبدوهم مع الله، فدعاهم نوح عليه السلام للكفر بهذه الألهة واجتناب عبادتها فأبوا واستكبروا وأصروا على عبادتها من دون الله إلا قليل ممن آمن مع نوح
وقال قوم هود: ( أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)." لأعراف: من الآية:70". وقالوا: ( وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ)." هود: من الآية:53". فتأمل هاتين الآيتين تجد أن الرسل كانوا يدعون قومهم لترك عبادة غير الله والتوجه بالعبادة لله وحده وهو حقيقة قول لا إله إلا الله
وقال كفار قريش: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً)." صّ: من الآية:5". فهم دائما ينكرون التوحيد (توحيد الألوهية) الذي لا يتحقق إلا بترك عبادة غير الله والكفر بألوهية ما سواه
فلا يكفي اعتقاد بطلان عبادة غير الله، بل لابد من بغضها، وإنكارها وتركها واجتنابها بالكلية. وبغير ذلك لا يصح إسلام أحد أبداً
فمن فعل شيئاً من هذا الشرك الأكبر وتوجه بعبادة لغير الله فقد حبط عمله وصار من المشركين، قال تعالى: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)." الزمر:65
وقال تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ } يونس106 ، أي المشركين