قال الطحاوى رحمه الله
فإنَّهُ ما سَلِمَ في دينِهِ إِلاَّ مَن سَلَّمَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
وَرَدَّ عِلْمَ ما اشْتَبَهَ عليهِ إلى عَالِمِهِ.
ولا تَثْبُتُ قَدَمُ الإسلامِ إِلاَّ على ظَهْرِ التَّسْلِيمِ والاسْتِسْلاَمِ .(3)
فَمَنْ رَامَ عِلْمَ مَا حُظِرَ عنهُ عِلْمُهُ(4)، ولم يَقْنَعْ بالتسليمِ فَهْمُهُ، حَجَبَهُ مَرَامُهُ عن خالصِ التوحيدِ، وصافي المَعْرِفَةِ، وَصَحِيحِ الإِيمَانِ.
فَيَتَذَبْذَبُ بينَ الكُفْرِ والإيمانِ، والتصديقِ والتكذيبِ، والإقرارِ والإنكارِ.(5)
مُوَسْوِسًا تَائِهًا، شَاكًّا، لا مُؤْمِنًا مُصَدِّقًا، وَلاَ جَاحِدًا مُكَذِّبًا(6).
قال الشيخ صالح الفوزان
لا يَثْبُتُ الإسلامُ الصحيحُ إِلَّا بالتسليمِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ سُبْحَانَهُ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا في أَنْفُسُهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء: 65).
والاستسلامُ هو: الانقيادُ والطاعةُ لِمَا جاءَ عن اللَّهِ ورسولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(4) مَن لم يُؤْمِنْ بما حُجِبَ عنه عِلْمُهُ، مثلَ علمِ الكيفيَّةِ، فالواجبُ علينا الإيمانُ بها وَرَدُّهَا، أي: رَدُّ عِلْمِهَا إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا } (البقرة: 26).
وقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} (آل عِمْرَان: 7)، حَجَبَ اللَّهُ عِلْمَهُ عن الخلقِ فلا تُتْعِبْ نفسَكَ، ثم قَالَ: {والراسخون فى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (آل عِمْرَان: 7). يُسَلِّمُونَ وَيَسْتَسْلِمُو نَ، ولا يَمْنَعُهُم عَدَمُ مَعْرِفَةِ مَعْنَاهُ مِن الإيمانِ بهِ والتسليمِ لهُ. أو أنَّ المعنى أَنَّهُم يَرُدُّونَ المُتَشَابِهَ من كتابِ اللَّهِ إلى المُحْكَمِ منهُ لِيُفَسِّرُوهُ وَيَتَّضِحَ معناهُ ويقولونَ: (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا).
(5) مَن لم يُسْلِّمْ للهِ ولا إلى الرسولِ، فإِنَّهُ يُحْجَبُ عن معرفةِ اللَّهِ ومعرفةِ الحقِّ، فيكونُ في متاهاتٍ وضلالاتٍ.
وهذه حالُ المنافقينَ الذينَ يَتَذَبْذَبُونَ ، تارةً مع المسلمينِ, وتارةً مع المنافقينَ، وتارةً يُصَدِّقُونَ وتارةً يُكَذِّبُونَ {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا} (البَقَرَة: 20). أَمَّا أَهْلُ الإيمانِ فما عَرَفُوا قالوا بهِ، وما لم يَعْرِفُوا وَكَّلُوا عِلْمَهُ إلى اللَّهِ جلَّ وَعَلَا، ولا يُكَلِّفُونَ أنفُسَهُم شيئًا لا يَعْرِفُونَهُ، أو يقولونَ على اللَّهِ ما لا يعلمونَ – فالقولُ على اللَّهِ بغيرِ عِلْمٍ هو عَدِيلُ الشركِ، بل هو أعظمُ من الشركِ، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا َوَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } (الأَعْرَاف: 33). فَجَعَلَ القولَ على اللَّهِ بغيرِ عِلْمٍ فوقَ الشركِ باللَّهِ، مِمَّا يَدُلُّ على خُطُورَةِ القولِ على اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
(6) هذه حالةُ أهلِ التَّرَدُّدِ والنِّفَاقِ، دائمًا شاكِّينَ، دَائِمًا مُتَرَدِّدِينَ وَمُتَذَبْذِبِي نَ؛ لِأَنَّهُ ما ثَبَتَتْ قَدَمُ أَحَدِهِمْ فِي الإسلامِ, ولم يُسَلِّمْ للهِ ولا إلى رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عن المُنَافِقِينَ أَنَّهُم {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ}(النساء: 143).، {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}