أقوم حالياً بقراءة كتاب الجامع لعلوم الإمام أحمد جزء علل الحديث.
ولاحظت أنه كثيراً ينكر أحاديث في الصحيحين ثم يقول المعلق بأنهما روياه.
فما توجيه ذلك؟ ولماذا لم يعبأ أحد بهذه التعليلات كعبئهم بتعليلات الدارقطني مثلاً ؟
أقوم حالياً بقراءة كتاب الجامع لعلوم الإمام أحمد جزء علل الحديث.
ولاحظت أنه كثيراً ينكر أحاديث في الصحيحين ثم يقول المعلق بأنهما روياه.
فما توجيه ذلك؟ ولماذا لم يعبأ أحد بهذه التعليلات كعبئهم بتعليلات الدارقطني مثلاً ؟
ناخد مثال:
قبل أن أكتب ذلك حاولت البحث عن سبب فقابلني هذا المقال للشيخ خالد الحايك:
http://www.addyaiya.com/uin/arb/View...?ProductId=492
والصعب أنه توصل إلى ضعف حديث الاستخارة، وأن الإمام أحمد كان محقاً حينما أنكر الحديث !
أخشى أننا لو تعاملنا بجدية مع أقوال الإمام أحمد ظهر لنا إعلالات كثيرة.
ولكن للحق فقد ذكر أحد الإخوة أن حديث مسلم في قصة نكاح زينت بنت جحش تعد شاهداً [يا زَيْنَبُ: أَرْسَلَ رَسولُ اللهِ ﷺ يَذْكُرُكِ، قالَتْ: ما أَنا بصانِعَةٍ شيئًا حتّى أُوامِرَ رَبِّي ]
وأضيف إلى ذلك حديث ابن الزبير حين قال في قضية بناء الكعبة من جديد [ وإني مستخيرٌ ربي ثلاث ]
معنى المنكر عند الإمام أحمد
شرح النووي على مسلم (1/ 56)
قال [مسلم] رحمه الله (وعلامة المنكر في الحديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضى خالفت روايته روايتهم أو لم تكد توافقها)
هذا الذي ذكر رحمه الله هو المعنى المنكر عند المحدثين، يعنى به المنكر المردود؛ فإنهم قد يطلقون المنكر على انفراد الثقة بحديث، وهذا ليس بمنكر مردود إذا كان الثقة ضابطا متقنا.
الموقظة في علم مصطلح الحديث (ص: 77)
وقد يُسمِّي جماعةٌ من الحفاظ الحديثَ الذي ينفرد به مثلُ هُشَيْم وحفص بن غِياثٍ: (منكراً)، فإن كان المنفردُ مِن طبقة مشيخة الأئمة، أطلقوا النكارةَ عَلَى ما انفردَ به، مثلُ عثمان بن أبي شيبة، وأبي سَلَمة التَّبُوذَكِيّ، وقالوا: (هذا منكر).
وقال الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة ألفية العراقي (1/ 251)
(قالَ الحافظُ أبو بكرٍ أحمدُ بنُ هارونَ البَرْديجيُّ: المنكرُ هوَ الحديثُ الذي ينفردُ بهِ الرجلُ، ولا يُعرفُ متُنُه من غيرِ روايتِهِ، لا من الوجهِ الذي رواهُ منهُ ولا من وجهٍ آخرَ. قالَ ابنُ الصلاحِ: فأطلقَ البرديجيُّ ذلكَ، ولمْ يفصِّلْ. قالَ: وإطلاقُ الحكمِ على التفرُّدِ بالرَّدِّ، أو النَّكارةِ، أو الشُّذوذِ، موجودٌ في كلامِ كثيرٍ من أهلِ الحديثِ...).
النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (2/ 674): (النوع الرابع عشر: المنكر
101- قوله : "وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث".
قلت: وهذا ينبغي التيقظ له، فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد، لكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده).
وقد نبه علماء المصطلح على هذا الاصطلاح في هذا النوع: المنكر، وهو الرابع عشر من كتاب ابن الصلاح والنووي، فعليك به وبشراحه، ولا حاجة إلى الإكثار من نقله من كتب المصطلح.
فتح الباري لابن حجر (1/ 437):
(وروى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال سمعت أبي يقول وذكره في حديثه شيء يروي أحاديث مناكير.
قلت [الحافظ ابن حجر]: المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له)
فتح الباري لابن حجر (1/ 392): (وأحمد وغيره يطلقون المناكير على الأفراد المطلقة).
وفي انتقاض الاعتراض في الرد على العيني في شرح البخاري (2/ 679): (وأمّا ما نقله عن ابن سعد فإن ابن سعد والإمام أحمد وجماعة يطلقون المنكر على الفرد المطلق).
تهذيب التهذيب (8/ 389): (ومراد القطان بالمنكر: الفرد المطلق).
فتح الباري لابن حجر (1/ 453)
(وروى أبو عبيد الآجري عن أبي داود عن أحمد أنه قال: منكر الحديث، قلت [الحافظ ابن حجر]: هذه اللفظة يطلقها أحمد على من يُغْرِب على أقرانه بالحديث، عُرِفَ ذلك بالاستقراء من حاله).
فتح الباري لابن حجر (1/ 455)
(يونس بن القاسم الحنفي أبو عمر اليمامي، وثقه يحيى بن معين والدارقطني، وقال البرديجي: منكر الحديث، قلت [الحافظ ابن حجر]: أوردت هذا لئلا يستدرك، وإلا فمذهب البرديجي أن المنكر: هو الفرد، سواء تفرد به ثقة أو غير ثقة، فلا يكون قوله: "منكر الحديث" جرحًا بيِّنًا، كيف وقد وثقه يحيى بن معين).
وفي فتح المغيث بشرح ألفية الحديث (2/ 130): (قول الشارح [أي الحافظ العراقي] في تخريجه الأكبر للإحياء: وكثيرا ما يطلقون المنكر على الراوي ; لكونه روى حديثا واحدا).
إن الباحث جزاه الله خيرا حاول أن يبدي وجهة نظره
وقد وقع في أخطاء منهجية كثيرة، ليس من الفائدة عرض جميعها، لكن من أهم الأشياء التي غفل عنها الباحث:
أن الحافظ ابن حجر ذكر نصا أن حكمهم على فعل الإمام أحمد مبني على الاستقراء، فقال في فتح الباري (1/ 453) (عُرِفَ ذلك بالاستقراء من حاله).
وكذا صنيع غيره من الأئمة
فكان الواجب على الباحث: الاستقراء لهذا المصطلح من خلال ما نقل عن الإمام أحمد، لا أن ينتقي بعض الأمثلة القليلة جدا بالنسبة لورود هذه الكلمة عند الإمام أحمد كما هو ملاحظ من بحثه.
فمما تركه ما جاء في يزيد بن عبدالله بن خصيفة، وأسرد لكم أقوال الإمام أحمد فيه:
قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: يزيد بن خصيفة، ما أعلم إلا خيرًا. «العلل» (3232) .
وقال أبو بكر الأثرم: سألت أبا عبد الله، عن يزيد بن خصيفة. فقال: ثقة. «الجرح والتعديل» 9/ (1153) .
وقال أبو عبيد الآجري، عن أبي داود: قال أحمد: منكر الحديث. «تهذيب الكمال» 32/ (7012) .
مثال آخر: أبو هاشم المغيرة بن زياد
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: مضطرب الحديث، منكر الحديث، أحاديثه مناكير. «تهذيب الكمال» 28/ (6126) .
وقال ابن عبد البر: قال صالح بن أحمد، عن أبيه: ثقة. «تهذيب التهذيب» 10/ (465) .
ومثال ثالث:
وقال أبو داود: سمعت أحمد. قال: عثمان الثقفي، ثقة في الحديث، سمع منه شعبة، وهو أثبت من عثمان أبي اليقظان ذاك، يعني أبا اليقظان، حديثه ما أدري ما هو. «سؤالاته» (391) .
وقال الجوزجاني: سمعت ابن حنبل يقول: هو منكر الحديث. «أحوال الرجال» (23)
مثال رابع:
قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل، سئل عن إسماعيل بن عياش، أهو أثبت، أو أبو فضالة؟ قال: أبو فضاله يحدث عن ثقات أحاديث مناكير. «سؤالاته» (300/أ) .
وقال معاوية بن صالح: فرج بن فضالة، أبو فضالة، قال أحمد: هو ثقة. «تاريخ بغداد» 12/395.
مثال خامس:
وقال عبد الله: سألته (يعني أَباه) عن عمارة بن زاذان الصيدلاني، فقلت: هو ثقة؟ قال: حدث عنه وكيع، ما أُرى به بأس. «العلل» (4463) .
وقال عبد الله: سَمِعتُهُ يقول (يعني أَباه) : عُمارة الصيدلاني، ليس به بأس. «العلل» (4568) .
وقال أبو بكر الأثرم: قال: قلت لأبي عبد الله: عُمارة بن زاذان كيف هو؟ قال: يروي عن أنس أحاديث مناكير. «الجرح والتعديل» 6/ (2016) .
وأخيرا:
وعلى أنه لم يذكر إلا أمثلة قليلة إلا أنها مع هذا لا تسلم له، لعدم استيفائه ما قاله الإمام أحمد في الرجل؛ إذ بجمعها نفهم منها أن مراد الإمام أحمد هو ما ذكره الأئمة، كما فعل مع قيس بن الربيع؛ إذ ضعفه أحمد لتفرده بأحاديث، وكثرة خطئه، وإدخال ابنه أحاديث ليست لأبيه، وهذا يعد غفلة منه، ولعدم حمد سيرته لما تولى، وهذا طعن في عدالته.
فلو قرئ كلام الإمام في مثل هذا السياق: قُبِلَ أن يكون المعنى: انفرداه بأحاديث كثيرة هي سبب ضعفه.
وكذلك محاولته تفسير قول الإمام أحمد في محمد بن إبراهيم التيمي؛ إذ ما برر به غير مقنع.
والله أعلم
قال أبو بكر الأثرم: سمعت أبا عبد الله يسأل عن هشام بن حسان كيف هو؟ قال: إن هشام بن حسان أخبرك، عندى لا بأس به، وما تكاد تنكر عليه شيئًا إلا وجدت غيره قد رواه إما ايوب، وإما عوف. «تهذيب الكمال» 30/ (6572) .
هذه العبارة صريحة في أن معنى النكارة: التفرد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أسعد الله أوقاتكم ومتعكم بالصحة والعافية والعلم النافع.
وبعد، فإني من خلال قراءتي لمشاركات الإخوة، فإني لمست أمرين :
الاتكال على تقرير بعض العلماء دون الرجوع إلى الدراسات الاستقرائية، ثانيا : انتقاء بعض الأمثلة التي تؤيد رأيًا ما دون ذكر ما يُعارض ذلك أو يُوسع دلالته.
وإذا امكن أن أشارككم في هذا المبحث، فأقول :
1- لفظة النكارة لفظة نقدية من جهة اللغة، ومن جهة الاصطلاح، فإنها تُطلق ويُراد بها التوقف أو الرد، سواء كان سببه التفرد حيث لا يُحتمل التفرد، أو بالمخالفة.
2- الأمثلة المذكورة هي لا تكفي لإثبات أن النكارة عند الإمام أحمد تعني مجرد التفرد من جهة، ولا تعني أن توثيقه للرواة المذكورين يجعله يقبل كل تفرداتهم أو ما ظهر له من أخطائهم في الرواية.
3- ثمة أمثلة أخرى تُبين أن النكارة عند الإمام أحمد تعني الرد، فهي عبارة نقدية وليست وصفية.
من ذلك :
قوله عن عمر بن إبراهيم العبدي : يروي عن قتادة أحاديث مناكير يُخالف [تهذيب الكمال 21/270] والراوي عنده ثقة [سؤالات أبي داود (2173) الجرح والتعديل 6/98]
وقوله عن مسكين بن بُكير الحراني : روى عن شعبة أحاديث منكرة [مسائل حرب (ص 454)] وقال في موضع آخر : حدث عن شعبة بأحاديث لم يروها عنه أحدٌ [الجرح والتعديل 8/329] وقال أيضا : كان يُخطئ في حديث شعبة [مسائل ابن هانئ (2105) وفتح الراري لابن رجب 3/301]
وغيرها من الأمثلة.
والشاهد أنه لا بُد من جمع ما تفرق من كلامه نفسه في الراوي الواحد ليتبين مقصوده من جهة، وتخريج الأحاديث التي وصفها بالنكارة لاستخراج وجه ذلك، سواء وافقه النقاد الآخرون أم لا، إذ الحكم بنكارة حديث محل اجتهاد.
وأخيرا أنصح بقراءة كتاب : الحديث المنكر عند نقاد الحديث، لعبد الرحمن السلمين فقد عمل دراسة استقرائية لإطلاق الأئمة (ومنهم الإمام أحمد) لتلك العبارة، وخرج بنتائج طيبة، وتُعد دؤاسته أنموذجا للدراسات الجادة في وقت طغا فيه التقليد والدراسات السطحية أو الوصفية التي ليس فيها أي إضافة علمية.
أسأل الله عز وجل للجميع التوفيق والسداد، وأن يرفع عنا هذا البلاء (الوباء)، آمين.