روى أحمد في مسنده (٢٢٨٦) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(ما طلع النجم صباحا قط، وبقوم عاهة، إلا رفعت عنهم أو خفت).
قال ابن عبدالبر في التمهيد (٢/١٩٣):
النجم هو الثريا لا خلاف في ذلك. اهـ
قد اختلف العلماء في صحة هذا الحديث، والأقرب إلى الصواب أنه حسن بمجموع طرقه وشواهده.
وقد حسن الحديث أو صححه جمع من المحدثين والمحققين، ومنهم:
السيوطي في الجامع الصغير (٧٩٣٦)،
المناوي في التيسير (٢/٣٥٣)،
الزرقاني في مختصر المقاصد (ص٦١)،
شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند (١٥/١٦)،
عبدالقادر الأرناؤوط في تحقيقه لجامع الأصول (١/٤٧٠)،
عبدالقادر عرفان حسونة في تحقيقه لسبل السلام (٣/٦٨)،
عادل بن سعد في تحقيقه للمعجم الصغير للطبراني (ص٩٤)،
جاسم الفهيد في الروض البسام بترتيب وتخريج فوائد تمام (٢/٣٠٣).
وسكت عن الحديث ابن حجر في فتح الباري (٤/٣٩٥).
وذكر ابن الأثير في النهاية (٥/٢٤) أن طلوع الثريا عند الصبح يكون في يوم من أيام العشر الأوسط من شهر مايو /أيار. اهـ.
وهو ما يوافق في هذه السنة ١٤٤١هـ النصف الثاني من شهر رمضان.
والثريا لا تطلع من المشرق صباحا بعد الفجر وقبل طلوع الشمس إلا مرة واحدة في السنة وهو الطلوع الوارد في الحديث السابق،
وأما في سائر السنة فإنها تطلع في أوقات مختلفة وجهات مختلفة وتختفي عن الأنظار بضعا وخمسين ليلة.
وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن المراد بالحديث عاهة الثمار.
وذهب جمع من العلماء إلى أن العاهة في الحديث عامة وتشمل عاهات بني آدم ومنها الأوبئة، ومنهم:
السمعاني في تفسيره (٦/٣٠٦)،
والمناوي في التيسير (٢/٣٥٢)،
والصنعاني في التنوير (٩/٤١٢)،
والسندي في حاشيته على المسند (٦/٥٣)،
وولي الله الدهلوي في الحجة (١/٥١)،
والبنا في الفتح الرباني (١٣/٢٠)،
وابن مفلح في الآداب الشرعية (٣/٣٦٦) فقد أورده في فصل عن الأمراض والعدوى والتفاؤل.
وقد أجرى الله العادة منذ جاهلية العرب أن الأوبئة إن فشت في الناس فإنها ترتفع مع وقت طلوع الثريا صباحا،
فقد جاء في تفسير الطبري (٢٤/٧٤٧) عن عبدالرحمن بْنُ زَيْدٍ:
كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ: الْغَاسِقُ: سُقُوطُ الثُّرَيَّا، وَكَانَتِ الْأَسْقَامُ وَالطَّوَاعِينُ تَكْثُرُ عِنْدَ وُقُوعِهَا، وَتَرْتَفِعَ عِنْدَ طُلُوعِهَا. اهـ.
وأقره على ذلك العلماء والمفسرون ولم ينكروه ومنهم الطبري في تفسيره (٢٤/٧٤٧)، وابن تيمية في مجموع فتاواه (١٧/٥٣٥)،
وابن القيم في بدائع الفوائد (٢/٢١٨).
وقال ابن حجر في فتح الباري (٤/٣٩٥) وبذل الماعون (ص٣٦٩):
النجم هو الثريا، وطلوعها صباحا يقع في أول فصل الصيف...
وكانت الطواعين الماضية تقع في فصل الربيع بعد انقضاء الشتاء، وترتفع في أول الصيف. اهـ.
ذكر ابن باز في فتاواه (٨/١٢٥) أنه لا بأس أن يقول القائل نزول المطر يكون في وقت الثريا أو في وقت الوسمي وينبت به بإذن الله كذا وكذا، فيخبر بالأوقات التي جرت العادة بوجود هذه الأشياء فيها، فهذا لا بأس به. اهـ.
وزوال الأوبئة ونقصانها وقت طلوع الثريا صباحا ليس لأنها مؤثرة بنفسها أو لأنها سبب في ذلك بل هي علامة جعلها الله على الأغلب بما أجراه من العادة كما جعلها علامة لنزول المطر وابتداء الحر، ومن الشرك اعتقاد أنها مؤثرة بنفسها أو أنها سبب في التأثير،
ولا يكون زوال الأوبئة عند طلوع الثريا في كل وباء يحصل بل هي علامة غالبة وليست دائمة لا سيما إن لم يأخذ الناس بأهم أسباب زوال الأوبئة من التوبة إلى الله وترك الفواحش خاصة فاحشة الزنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا).
وقال ابن القيم في الطرق الحكمية (ص٢٣٩):
فمن أعظم أسباب الموت العام كثرة الزنا، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات. اهـ
وليحذر الناس من مكر الله إن رأوا تناقص الوباء فعادوا إلى ما كانوا عليه،
فقد ذكر المقريزي في السلوك (٧/٣٤٧) أن الوباء قد وقع سنة ٨٤١هـ ببعض بلاد المسلمين فأظهر أهلها التوبة وأغلقوا حانات الخمارين ومنعوا البغايا الواقفات للبغاء والشباب المرصدين لعمل الفاحشة فتناقص الموت وخف الوباء حتى كاد يرتفع.
ففرحوا بذلك وجعلوا شكر هذه النعمة أن فتحوا الخمارات وأوقفوا البغايا والأحداث للفساد فأصبحوا وقد مات من الناس ثمانمائة إنسان واستمر الوباء الشنيع والموت الذريع فيهم ثلاثة أشهر. اهـ
وقد كتبت هذه الرسالة تبيانا لسنة من سنن الله الكونية في زوال الأوبئة ونقصانها، ونشرا للتفاؤل بين المسلمين وذلك تزامنا مع زيادة انتشار الوباء، سائلا الله تبارك وتعالى أن يرفع عنا الوباء وأن يجعله رحمة لأوليائه ونقمة على أعداءه.
كتبها/ أبو العباس العباسي.