هل كرونا من جند الله ؟؟
سالني احد الفضلاء هل يصح ان يطلق على هذا الوباء وصف انه (جندي )من جنود الله ؟
والجواب : الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه الامين اما بعد : فلايصح وصف وباء كرونا بانه جندي من جنود الله لما يلي :
اولا : لانه لادليل على هذا الوصف وذلك انه لايصح وصف شئ بوصف الجندي او الرسول او المبعوث ونسبته الى الذات الالهية الا بدليل من الكتاب والسنة الصحيحة . قال تعالى (ومايعلم جنود ربك الاهو) وهو نفي لعلم احد غير الله بكثرة جنده واوصافهم واسمائهم واعيانهم الا من اطلعه الله على ذلك وحينئذ نحتاج الى نص صريح من الكتاب اوالسنة الصحيحة لوصف هذا الوباء والبلاء بانه من جند الله .
وقد ورد في السنن ان الجراد من جند الله ولكن المحققين ضعفوا الحديث فبطل الاستدلال به . سيما في معارضة النصوص الصحيحة القاضية بان جند الله صفة تشريف لاتثبت الابنص صريح.
وتمام هذه النقطة في ثانيا.
ثانيا: هذه النسبة من جنس الاضافة التشريفية كقوله تعالى (عباد الله ) (ناقة الله ) (امر الله ) (عذاب الله ) والاضافة التشريفية لاتجوز الا بنص.
والنصوص في الكتاب والسنة لم تصف الامراض والاوبئة بانها من جند الله بل وصفتها بالرجس كما سياتي .
ثالثا: كلمة (جند الله ). لا تطلق على وجه الحقيقة الا على ( الملائكة او المجاهدين )واطلاقها على المجاهدين باوصافهم الدقيقة ووفق الضوابط الشرعية لهم ولجهادهم لايتنافى ووقوع شهداء منهم فالشهادة هنا كرامة لهم. والعاقبة ستكون لمن بقي منهم فينتصرون على اعدائهم .
رابعا :في البخاري وصف النبي صلى الله عليه وسلم الطاعون بانه (رجس يبتلي الله به اناسا من عباده ) ومع ذلك فالميت به المحتسب اجره يعد في الشهداء كما ورد في الاحاديث لكن مع هذا لم يصفه النبي صلى الله عليه وسلم بان هذا القاتل الشرس للمومنين بانه من جند الله. وقد قتل من الصحابة والتابعين اكثر من عشرين الفا حتى امر عمرو بن العاص الناس بالصعود الى الجبال والتفرق فيها والاحتجار عن بعضهم البعض تطبيقا لوصية النبي صلى الله عليه وسلم والتزاما باوامر امير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه في عدم الدخول او الخروج من البلد الموبوء بالطاعون.
خامسا:الطاعون وصفه النبي بالرجس من جهة لانه ارسل الى امة متمردة فقَالَ : (" إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ رِجْسٌ وَعَذَابٌ - أَو بقية عذاب - عُذِّبَ بِهِ نَاسٌ قَبْلَكُمْ، فَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا، وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فِي أَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا ) المسند برقم 21818.
وهو رحمة للمؤمنين من جهة اخرى
كما في الحديث عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ. البخاري برقم 3474
لكن لانصفه انه من جند الله لان هذا وصف تشريف زائد على مجرد كونه سببا لعقوبة احد او مثوبته فنحتاج الى نص لوصفه بانه من جند الله ولايوجد نص البتة بهذا المعنى.
سادسا : لم نجد ان صفة( جند الله ) وردت في النصوص من حيثيتين مختلفتين ومتناقضتين في الاثر والفضل . بل مهمتهم متطابقة ابدا في الانتقام من الظالمين والمفسدين والمعاندين ومساندة ومناصرة المؤمنين المتقين .
اما فايروس كرونا فهو اقرب للشرور المحضة فقد فتك بالكبار والعجزة والضعاف من البشر قبل ان يفتك بالظالمين والطغاة والمجرمين والمفسدين
وماهكذا جرت عادة جند الله المرسلين للانتقام من الظالمين ونصرة المظلوم بحسب النصوص القرانية .
فهل من الصحيح ان نقول للناس ان (كرونا) من جند الله ارسله الله على البشر وقد فتك بالضعفاء والمرضى والعاجزين وترك الاقوياء يحتمون بعساكرهم وجندهم وحرسهم واطبائهم؟!!.
سابعا: هذا الوباء يمكن هزيمته والقضاء عليه. فلايصح وصفه بانه من جند الله لان جند الله لايغلبون ولايهزمون قال تعالى (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173).الصافات .
وبناء على مامضى :
فلامناص من القول بان هذا الفايروس ليس جنديا من جند الله بل وصفه الحقيقي هو رجس وشر ويمكن تسميته بلاء او عذابا او اية او ضراء لتذكير الناس واستتابتهم كما ورد في القران الكريم في مواضع متعددة .
فالذي يحصل هو اية من ايات الله انذارا وتخويفا لعباده لعلهم يرجعون قال تعالى (ومانرسل بالايات الاتخويفا ) الاسراء:59وقال سبحانه ( ولقد اخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم ومايتضرعون ) المؤمنون :76وقال جلت قدرته ( وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون ). الاعراف :168وقال ايضا ( فارسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ايات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين ) الاعراف : 133وقال( ولقد ارسلنا الى امم من قبلك فاخذناهم بالباساء والضراء لعلهم يتضرعون )الانعام :42. وايات اخرى بهذا المعنى.
.
وهل يمكن القول انه من جند الله على وجه (المجاز )؟؟ فيه بحث وتأمل لايتسع المجال له.
والخلاصة : نقول لاينبغي اطلاق وصف (الجندي )على وجه( الحقيقة )على هذا الوباء وسائر الاوبئة والجوائح .
والافضل ان يقتصر على تسميته رجسا او عذابا او اية من ايات الله او مايشبه ذلك من التعبيرات المناسبة لاشباهه من الابتلاات -عافانا الله واياكم منها جميعا- ليتذكر العباد عموما بعظمة الخالق وقدرته التي لاحد لها ،ويستكينوا الى ربهم ويخلصوا الدين له وحده وليبحثوا عن الدين الحق ، وليتعظ المنتسبون لهذا الدين ويتركوا المعاصي والموبقات ،ويقدموا الاخرة على الدنيا في الاولويات ،ويلتزموا بشرع رب البريات ، والنور الذي انزله على خاتم النبوات ، ولاينحرفوا عنه الى ظلمات النظم الوضعية ، والضلالات الشركية والبدع الخرافية ،
والله اعلم وهو الهادي لارب سواه ولا اله غيره .
ودمتم بخير وعافية.
د سامي الجنابي
ما رأيكم بهذا المقال ؟