تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: معالم في تربية الأبناء

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,556

    افتراضي معالم في تربية الأبناء

    معالم في تربية الأبناء
    أحمد بن علي برعود


    الأبناء هم فلذة الأكباد، وهم أمانة في أعناق الآباء قال الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [الأنفال: 27-28].
    ومن الأمانات التي لا يجوز خيانتها رعاية الأبناء، فالآباء يُسألون عن رعايتهم لأبنائهم إن أحسنوا أو أساءوا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته))[1].
    وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيّعه حتى يسال الرجل عن أهل بيته))[2].
    وهم زينة للآباء في الدنيا وذُخر لهم في الدار الآخرة؛ قال الله - تعالى -: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) [الكهف: 46].
    وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الولد ثمرة القلب، وإنه مجبنة، مبخلة، محزنة))[3].
    قال المناوي: "قيل للولد ثمرة لأن الثمرة ما تنتجه الشجرة والولد ينتجه الأب، وإنه مجبنة مبخلة محزنة أي: يجبن أباه عن الجهاد خشية ضيعته عن الإنفاق في الطاعة خوف فقره، فكأنه أشار من النكول عن الجهاد والنفقة بسبب الأولاد بل يكتفي بحسن خلافة الله فيقدم ولا يحجم"[4]ا. هـ.
    وأما أنهم ذُخر في الآخرة، لأن الآباء إذا أحسنوا رعاية الأبناء صاروا بمشيئة الله صالحين، والصالح يذر لوالديه بالأجر والدعوة الصالحة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له))[5].
    وهم مرآة لأخلاق وسلوك الآباء والأمهات في غالب الأحوال، فالأبناء يتأثرون بالآباء والأمهات لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل مولود يولد على الفطرة، حتى يعرب عنه لسانه، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه أو يمجسانه))[6].
    فهذه عشرة معالم معينة على تحقيق رعاية الآباء للأبناء وقد دفعني إلى تقديمها:
    أولاً: لما لتربية الأبناء من أهمية عظيمة في صلاح المجتمع المسلم.
    ثانياً: لما نلحظه من إهمال وتسيّب من قبل بعض الآباء والأمهات إما لجهلهم، وإما لانشغالهم عن أبنائهم، ولم يجعلوا تربيتهم جزءً من عملهم وضروريات حياتهم، وإما لسوء أخلاقهم وعصيانهم.
    فواجب على الآباء حسن رعاية الأبناء، وتسهيلاً لهذه المهمة العظيمة فإني أضع بين يدي الآباء هذه المعالم المعينة لتحقيق حسن الرعاية.
    ثالثاً: استجابة ومشاركة للأسبوع الدعوي الذي يقيمه المجلس الدعوي بمدينة الشحر حول رعاية الآباء للأبناء، تحت عنوان تربية الأولاد فن وعبادة من الجمعة 11/ ربيع الأول/ 1433هـ إلى الجمعة 18/ ربيع الأول/ 1433هـ.
    وهذه المعالم كالتالي:
    المعلم الأول: صلاح الأبوين
    "فإن صلاح الأبوين صلاح للأبناء في الغالب كما قال ابن كثير - رحمه الله تعالى-[7] عند قوله - تعالى -: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا).
    إن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته وتشملهم بركة عبادته في الدنيا والآخرة بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينه بهم" ا. هـ.
    المعلم الثاني: الاستعانة بالله والاعتماد عليه ودعاؤه الذرية الصالحة:
    فالله جل جلاله خير معين، وخير حافظ ووكيل، فليُطلب العون منه ويتوكل عليه ويُسأل، فقد دلنا - سبحانه - على أخلص دعاء وأجمعه في صلاح الذرية فقال حاكياً عن عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَ ا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].
    المعلم الثالث: الأخذ بالأسباب الصحيحة والشرعية في صلاح الأبناء
    ومن هذه الأسباب:
    أولاً: حسن الاختيار لكل من الزوجين:
    فالرجل يختار ذات الدين، والمرأة تختار صاحب الدين والخلق، امتثالاً لتوجيهات وإرشادات النبي - صلى الله عليه وسلم - والتي منها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((تخيّروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء، وانكحوا إليهم))[8].
    السبب الثاني: الذكر الوارد عند الجماع:
    عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أما لو أن أحدكم يقول حين يأتي أهله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ثم قدّر بينهما في ذلك أو قضي ولد لم يضره الشيطان أبداً)).
    وقوله: «حين يأتي أهله» أي: للجماع.
    السبب الثالث: العقيقة عن المولود
    وهي ما يذبح عن المولود ولو مات بعد ولادته للذكر شاتان وللجارية شاة لحديث سمرة - رضي الله عنه - وغيره قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الغلام مُرتهن بعقيقته تذبح عنه في اليوم السابع، ويحلق رأسه ويُسمى))[9].
    السبب الرابع: حسن تأديبهم وتعليمهم:
    فيعلمهم العقيدة الصحيحة ويغرسها في قلوبهم ومن ذلك التعلق بالله والاعتماد عليه والالتجاء إليه وعبادته خوفاً ورجاءً ومحبةً كما يعلمهم ما يصحح به عبادتهم لربهم وكذلك الآداب الحسنة ويجعل قدوتهم في ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخير القرون وهم الصحابة والتابعون وتابع التابعين لهم.
    وبعنايته بتعليمهم وتأديبهم يحفظهم من الضياع ويجلب لنفسه الأجر ويجنبها من الإثم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يعول))[10].
    فإذا كان في ضياعهم الإثم، فإن في حفظهم ورعايتهم الأجر والثواب.
    المعلم الرابع: الإحساس بعظم المسؤولية عليهم:
    فالإحساس بالمسؤولية يدفعه إلى عدة أمور منها:
    الأول: توفير لهم ما يحتاجونه حسب المستطاع، فلا يسلمهم إلى الناس فيُذَلُّون أو يساقون إلى انحراف.
    الأمر الثاني: نصحهم وإرشادهم ووصيتهم بفعل الخير، وليسترشد في ذلك بوصية لقمان في سورة لقمان من قوله - تعالى -: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)[لقمان: 13-19].
    الأمر الثالث: ملاحظتهم ومراقبتهم وتقويم سلوكهم، فجانب الملاحظة والمراقبة والتقويم مهم جداً في رعاية الأبناء، ومن خلاله يصلح اعوجاجهم ويتدارك أخطاءهم قبل أن تتقوى وتستفحل.
    الأمر الرابع: أن يقيم فيهم مبدأ الثواب والعقاب، وهذا الأسلوب من أساليب الكتاب والسنة وهو أسلوب الترغيب والترهيب، وأن يكون الثواب والعقاب لكل فئة عمرية بحسبها ويتّبع في ذلك الأساليب التربوية والتي لا تتعارض مع الشرع الحنيف.
    فيترفّع عن اللعن أو التقبيح أو ضرب الوجه أو الألفاظ البذيئة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء))[11].
    وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، والبذاءة من الجفاء، والجفاء في النار))[12].
    الأمر الخامس: التفاعل والانفعال في عملية التربية بين الآباء، وهم جهة الإرسال والأبناء وهم جهة الاستقبال، فما لم تقم التربية عليه أي: التفاعل والانفعال تصبح عملية ميتة لا روح فيها ولا حياة، وهذا الأمر هو المهم في الإحساس بالمسؤولية عليهم.
    الأمر السادس: أن يحفظ سمعهم وأبصارهم وألسنتهم وجميع جوارحهم من كل سوء وإلا كان مضيّعاً لهم.
    فمن الآباء والأمهات من يجلب لأبنائه الويل والدمار والفساد حتى يصدق عليه أنه ديّوث، والديّوث لا يدخل الجنة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً: الديّوث، والرّجُلة من النساء، ومدمن الخمر))[13]. والديّوث: هو الذي يرضى بالخبث في أهله.
    المعلم الخامس: أن تكون التربية هي القائد الحقيقي للإصلاح:
    فالتربية هي العمل بمختلف الأساليب والوسائل التي لا تتعارض مع شرعة الإسلام على رعاية الإنسان وتعهده حتى يصير سيداً في هذه الأرض سيادة محكومة بالعبودية التامة لله رب العالمين(14)، وهي أداة التغيير الكبرى وأثرها عظيم، وهي الخصيصة المثلى للأبوين في حقهما على الولد بعد سبب الإيجاد كما قال الله - تعالى -: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَي ْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 23-24].
    قال السعدي - رحمه الله -: "أي أدع لهما بالرحمة أحياءً وأمواتاً، جزاءً على تربيتهما إياك صغيراً.
    وفُهم من هذا أنه كلما ازدادت التربية ازداد الحق، وكذلك من تولى تربية الإنسان في دينه ودنياه، تربية صالحة غير الأبوين، فإن له على من رباه حق التربية"[15]ا. هـ.
    يتبع



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,556

    افتراضي رد: معالم في تربية الأبناء

    معالم في تربية الأبناء
    أحمد بن علي برعود

    فالتربية لا يستغني عنها الأبوان المريدان صلاح الأبناء إذا استوعبت جميع مجالاتها الثلاثة:
    المجال الأول: تربية الجسد
    وتكون بتوفير الغذاء والكساء والمسكن للأبناء من كسب حلال والعناية بالصّحة والنظافة والنشاط.
    المجال الثاني: تربية للقلب
    وتكون بتغذيته بالإيمان والاعتقادات الصحيحة فلا يكن تعلّق بغير الله، ولا تعلّق بخرافة أو بدعة.
    المجال الثالث: تربية للروح
    وتكون بتزكية النفس، والدعوة للأخلاق الحسنة والسلوك الحميد، والقيام بالعبادات والتكاليف الشرعية[16].
    المعلم السادس: أن يعطي المربي للأبناء كل مرحلة حقها من التوجيهات والنصائح.
    وهي عبارة عن ثلاث مراحل:
    المرحلة الأول: هي مرحلة الطفولة دون سن التمييز
    وهي غالباً ما دون الخامسة أو السادسة أو السابعة وضابطها أن لا يحسن معرفة الخطاب ولا رد الجواب.
    المرحلة الثانية: وهي مرحلة الطفولة في سن التمييز
    وهي ما دون البلوغ وضابطها أن يعرف الخطاب ويرد الجواب، وهي من السابعة غالباً وما فوق.
    المرحلة الثالثة: هي مرحلة بلوغ الحلم
    وهي مرحلة التكليف وتعرف بالعلامات نزول المني، ظهور شعر العانة، الحيض عند الأنثى، أو بلوغ الخامسة عشر، وحقها من التوجيهات النصائح:
    أولاً: العناية بقلب الفتى بإصلاحه بالأمور التي تصلح القلب فمن ذلك الحض على قيام الليل، وتذكيره بأمور الآخرة وذكر الجنة والنار.
    ثانياً: التمسك بالكتاب والسنة فهما العاصم من كل زيغ وفتنة وانحراف، وبيان له الأفكار التي تدس المخالفة للكتاب والسنة.
    ثالثاً: الحوار والإقناع.
    رابعاً: الوعظ مع بيان العلّة والحكمة.
    خامساً: الاقتراب والمصادقة بحيث تكون العلاقة قائمة على الاحترام والتقدير.
    سادساً: تنظيم له دورة في الطهارة تكون في المسجد أو غير المسجد للبالغين لأن الفتى والفتاة يحتاجان إلى حديث خاص عن أحكام الطهارة.
    سابعاً: الرفق والرحمة وعدم الإثقال في التعليم.
    ثامناً: إدخاله في مجتمع الرجال، فببلوغه صار رجلاً فينبغي أن يُقبل في مجتمع الرجال أو يخاطب مخاطبة الرجال وكذلك الفتيات يدخلن مجتمع النساء.
    تاسعاً: الإشراك الفعلي في تحمّل المسؤولية.
    عاشراً: مراعاة الرغبة والإقبال في التوجيه إلى العلم والمعارف والمهن.
    المعلم السابع: التطاوع والتقارب بين الأبوين وخاصة في حضرة الأبناء
    فالانسجام بين الأبوين له أثر عظيم بعد مشيئة الله لدوام العشرة بينهما وحسن رعايتهما لأولادهما، لأن الخلاف بينهما، يمزّق كيان الأسرة ويشتتها، كما إنه إذا ظهر أمام الأولاد يدفعهم إلى التمرد والعصيان أو الإصابة ببعض الأمراض النفسية، ولذلك جعل الشرع الهجر لتأديب الزوجة في المضجع فقط فقال - عز وجل -: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء: 34].
    وفي السنن والمسند عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: «يا رسول الله ما حق امرأة أحدنا عليه قال: أن تطعمها إذا أطعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبّح، ولا تهجر إلا في البيت».
    قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "الهجر هو أن لا يجامعها ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهر" كذا قال غير واحد(17).
    المعلم الثامن: أن يظهر الأبوان حبهما لأبنائهما من غير مبالغة:
    لا شك أن الأبناء لهما حب في قلبي أبويهما، ولا ينبغي إخفاء ذلك الحب بل ينبغي أن يشعر به الأبناء، حتى يبادلوا أبويهما ذلك الشعور، ولكن ذلك باعتدال من غير إفراط، لأن الإفراط في الحب يعمي صاحبه ويحول بينه وبين التربية الصحيحة، كما لذلك أثر سيئ على الأبناء حيث يبعث فيهم ألاّ مبالاة وكذا ضعف الهيبة للأبوين ولأوامرهما، بل قد يبلغ الأمر إلى فرض أوامرهم عليهما.
    أولاً: احترامهم وتوقيرهم وعلى وجه الخصوص في حضرة غيرهم.
    ثانياً: السلام عليهم إذا دخل وهم جلوس.
    ثالثاً: بذل الهدية لهم وتتأكد إذا اتصلت بمناسبة لمجيء من سفر أو نجاح أو نحو ذلك.
    رابعاً: الثناء عليهم فيما فعلوا من أمر معروف وخير ويكون عند الأسرة وكذلك عند أصحابهم لأن الثناء له أثر على النفوس إذا كان حقاً.
    خامساً: تفقّد أحوالهم وصحتهم ومتابعة علاجهم إذا مرضوا.
    سادساً: اصطحابهم للنزهة والمناسبات والمسرات والجمع والأعياد وفي الصلوات.
    سابعاً: الاعتناء بمصالحهم وإقناعهم بها.
    ثامناً: إشراكهم في المشاريع الأسرية.
    وكل ما ذكرناه يحقق بإذن الله الأمر الذي أردناه وهو تبادل مشاعر الحب بين الآباء والأبناء وهذا من أعظم المكاسب في تربية الأبناء، فنسأل الله أن لا يحرمنا من الحب لأبنائنا ومن حبهم لنا.
    المعلم التاسع: منح الآباء الأولاد الثقة:
    لا يمكن للآباء اكتشاف مهارات وقدرات أولادهم ما لم يمنحوهم الثقة مع المتابعة والملاحظة بحسب فئاتهم العمريّة، ومن الخطأ الذي يرتكبه بعض الآباء والأمهات الحجر على الأبناء في القيام ببعض المهام الأسريّة في التربية بما يتناسب مع جنسهم ذكوراً و إناثاً، ولا يستعجل كل من الأبوين النتائج السليمة في بداية خطوات منح الثقة بل يجعلانهم يتصرفون بحسب عقولهم بعد توضيح لهم المهمة والفكرة والعمل، ومن الطبيعي أن تكون النتائج الأوليّة في الغالب متدنية ولكن بالتشجيع وتجدد الثقة تتحول النتائج إلى مقبولة ثم تكون نتائج مرضية.
    المعلم العاشر: دفعهم إلى المخالطة باعتدال ومنعهم العزلة التامة:
    فالأولاد دون التمييز وبعد التمييز لا يستغنون عن مخالطة أقرانهم في الشارع وفي المدرسة وفي المسجد، ومنعهم من ذلك له آثار سلبية سيئة من عقد نفسية وانطواء وعزلة عن الناس، ولا يعني ممارسة هذا الحق لهم تركهم من غير ملاحظة ومراقبة وتوجيه، بل يتطلب هذا الأمر جهداً كبيراً وذلك بالقيام بغسل كل ما يجلبه الأطفال من الشارع خاصة، وكذا المدرسة إذا لم تكن مدرسة تربوية تعليمية، وهذا الغسيل يجعل الأولاد قادرين على التغلّب بإذن الله على كل خلق سيئ ومواجهته بالخلق الطيّب، والتمييز بين الحق والباطل حتى لا يُغرر بهم فينخدعون.
    وختاماً أيها الآباء:
    فتلك عشرة معالم في تربية الأبناء، فانظروا فيها نظر راغب جاد لا نظر عابر غير راغب في ازدياد، وأن ما ذكرته في تلك المعالم متيسّر سهل إذا وجد.
    أولاً: القناعة بما ذُكر في المعالم.
    ثانياً: الرغبة والاستعداد.
    ثالثاً: العزيمة الصادقة.
    رابعاً: الجدّية في التطبيق.
    أسأل الله الكريم رب العرش العظيم لي ولكم التوفيق والسداد والصلاح، وأن يصلح بنا ويجعلنا وإياكم صالحين مصلحين، ويقر أعيننا بصلاح أولادنا أجمعين، ويجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، ويجزي خيراً من كتب وانتفع ونشر أو أعان على النشر.
    وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
    ________________
    [1] رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر - رضي الله عنه -.
    [2] رواه النسائي وصححه الألباني في صحيح الجامع.
    [3] رواه البخاري ومسلم عن عائشة - رضي الله عنها -.
    [4] انظر فيض القدير 6/ 378.
    [5] رواه مسلم عن أبي هريرة.
    [6] رواه الطبراني عن الأسود بن سريع، وصححه الألباني في صحيح الجامع 4559.
    [7] انظر تفسير ابن كثير عند تفسيره لسورة الكهف.
    [8] رواه ابن ماجه والحاكم والبيهقي عن عائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع 2928.
    [9] رواه أبو داود وغيره.
    [10] رواه أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي عن ابن عمر وصححه الألباني في صحيح الجامع 4481.
    [11] رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والحاكم عن ابن مسعود، وصححه الألباني في صحيح الجامع 5381.
    [12] رواه الترمذي والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة، وصححه الألباني في صحيح الجامع 3199.
    [13] رواه الطبراني عن عمار بن ياسر، وفي راوية الحاكم والبيهقي من حديث ابن عمر: «ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديهن والديوث، ورجلة النساء» والحديثان في صحيح الجامع 3062-3063.
    [14] انظر منهج أهل السنة والجماعة في قضية التغيير.
    [15] انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان.
    [16] بتصرف من كتاب نحو تربية إسلامية راشدة من الطفولة حتى البلوغ تأليف محمد بن شاكر الشريف، وما بين القوسين من عندي.
    [17] انظر تفسير ابن كثير


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •