تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: كيف يتسلَّل الارجاء عَبْرَ التمويه والتلبيس

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي كيف يتسلَّل الارجاء عَبْرَ التمويه والتلبيس

    ثَمَّ اختلافٌ كبير بين مقالات المرجئة القدامى للتعبير عن فكرة الإرجاء وبين مقالات مرجئة العصر الذين استحدثوا طرقاً جديدة في إثبات مقولاتهم والمجادلة عنها، وهذا الفرق يتجلى بمعرفة مدى درجة التصريح والوضوح بين المقالتين، فمقولات المرجئة المتقدمين على اختلاف أنواعهم تتسم بوضوح الفكرة وبعدها عن الالتواء، بل ومباينة هذه الأفكار لمعتقد السلف السليم الذي أجمعوا عليه وأصلوا له الأدلة والبراهين وجادلوا عنه بالحق؛ ليبطلوا باطل الإرجاء ومعتقد أهله، حتى أن أحدا من هؤلاء المرجئة القدامى لم يكن ليخلط مقولاته بمقولات السلف أو يَلْتبس عليه ذلك أو يُلبِّس ذلك على أتباعه!!، لم يكن هذا ليحدث قط بل كان الأمر يعرض بوضوح وجلاء، وأمانة علمية في النقل، كما كان يسرد الإمام أبو الحسن الأشعري1 وغيره آراء السلف بوضوح ثم ينشأ يذكر رأيه ومذهبه حتى وإن ناقض قول السلف في العديد من القضايا، ويترك الفرصة بعد ذلك للمدقق لينظر في الأدلة ويناقش المسائل المتصلة بعضها ببعض في نظام واحد، حتى يترجح له في النهاية بكل وضوحٍ فضل السلف وعمق علمهم واستدلالهم.

    أما مرجئة العصر فوضعهم مختلف تماماً، فلئن كان ديدن أهل البدع والأهواء في كل وقت هو التلبيس والتناقض، فلقد كان لمرجئة هذا الزمان من هذا التلبيس النصيب الأكبر والحظ الأوفر، حيث غلب على كلامهم الالتواء وعلى معتقدهم الخلط والإيهام، والبحث هنا وهناك عن دليل أو شبهة دليل ليؤيد مسألة من مسائلهم، حتى إذا جمعت هذه الأدلة على هذه المسائل لم تجدها تنتظم في نظام واحد، فالنظام الواحد تكون فيه الفروع مبنية على الأصول والجزئيات مندرجة من الكليات، فلا تنافر ولا تناقض، أما عند هؤلاء فإنها مسائل شتى وفق أصول مختلفة من هنا ومن هناك.

    وذلك يرجع لأنهم وافقوا في الظاهر كلام السلف ولكنهم صرفوا كلامهم أي كلام السلف- عن مرادهم، وأولوه على معنى يوافق مرادهم هم أي مراد المرجئة- من عدم إدخال العمل في الإيمان وعدم التكفير بالأعمال الظاهرة المكفرة وإنما مرد الأمر للتكذيب والجحود فقط، ولذا فإنك ترى أحدهم يقول بكلام أئمة أهل السنة ويوقر مقولاتهم مما يوهم بموافقته لهم وعدم الاختلاف معهم، ثم يعقب على كلامهم بتوضيح معانيه وفك رموزه بكلامه هو ويأتي بمعنى من عنده لا يوافق كلام السلف ولا أرادوه، ويزعم بعد ذلك أن هذا هو مذهب أهل السنة وطريقة أهل الحديث والأثر، ويرمي في الوقت نفسه من يُجري كلام السلف على ظاهره الذي أرادوه منه، ويرميهم بالغلو والتكفير ، وكثيرا ما تجد بعض شيوخهم يقوم بتدريس آحاد كتب المتقدمين من السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين ثم يؤصل لمذهبه هو غير متقيد بالمتن الذي يقوم بشرحه ولا بصاحب المتن أو مراده فتجد المتن هو متن أحد علماء السلف الصالح والشرح شيء آخر بين تخصيص وتقييد، وتأويل وإيهام عن قصد أو عن غير قصد، وأحيانا يلتبس ذلك على المستمع فيظن أن هذا هو مذهب المصنِّف الأصلي ولا يدري أنه من كلام الشارح الملبِّس.

    ومما ساعد في رواج هذه التناقضات والتأويلات لدي العامة والأتباع في الآونة الأخيرة وأدى إلى استفحال أمرهم وانتشار أفكارهم في بقاع شتى، عواملُ التأييد الغربي الصليبي وأذنابهم من أنظمة الاستبداد هنا وهناك ممن دعموا وأيدوا نشوء هذه التيارات الفكرية وإزكاء خرافاتها، بغرض تمييع قضايا الدين وتذويب وصهر المؤمنين في بوتقة روح الأفكار الغربية، ففكر الإرجاء هو أكبر معين على غزو الأمة في سويداء عقيدتها، حيث يتركها كالثوب المهلهل لا يستر عورة فضلا عن أن يكون درعا واقيا لها من سهام أعدائها.

    حقيقة مذهب الإرجاء العصري والفرق بينه وبين مذهب أهل السنة والجماعة

    بالرغم من إظهار المرجئة المعاصرين لقول أهل السنة على مستوى التعريف النظري إلا أنهم لم يصلوا في أفضل حالهم لحال بعض مرجئة الفقهاء القدامى الذين اقتربوا من كلام أهل السنة، فجعلوا الأعمال لازماً من لوازمه، ، ومع كل هذا أنكر عليهم السلف على مستوى النظر والفهم وسموهم بالمرجئة لإخراجهم العمل عن مسمى الإيمان وإن كان الخلاف عندئذ يكون لفظياً، أما مرجئة الزمان فقد كانوا أكثر شططاً من ذلك حتى بلغ الكلام ببعضهم مبلغ الغلاة في الإرجاء، وذلك حين أخرجوا العمل من مسمى الإيمان وافترضوا أن الرجل يكون مسلما وإن لم يأت بأي عمل من أعمال الدين.
    فلم يجرؤ مرجئة العصر بإظهار مخالفة ما استقر عليهم أمر الناس من رجحان طريقة السلف وصحة مذهبهم الذي أجمعوا عليه وبطلان مذاهب مخالفيهم، لذا اعتمدوا هذه الطريقة فأظهروا قولهم في الإيمان وقالوا وأقروا بما أجمع عليه أهل السنة من أن الإيمان "قول وعمل يزيد وينقص"
    ثم عمدوا إلى هذه الأقوال فأظهروا لها معنى مخالف لظاهر كلام السلف مغاير لما قصدوه وموافق لمذهب الإرجاء[
    محمود محمد الزاهد]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: كيف يتسلَّل الارجاء عَبْرَ التمويه والتلبيس

    من الاشياء التى بنى عليها مرجئة العصر تلبيساتهم
    إشتراط قصد الكفر
    الفرق بين هذا القول وقول أهل السنة، أن أهل السنة يشترطون (قصد الفعل أي التعمد) ، أما (مرجئة العصر) و(الجهمية) فيضيفون شرطاً آخر وهو (قصد الكفر بالقلب)، فإذا انتفى هذا الشرط ولو مع وجود التعمد فلا يكون الشخص كافرا عندهم في (الحقيقة).
    فتنبه لهذا الأمر تكن على بينة من الخلاف بين أهل السنة و(مرجئة العصر)،
    أن لجوء (مرجئة العصر) إلى قول (مرجئة الفقهاء) لا يدوم طويلا، إذ سرعان ما يعودون إلى قولهم الأصلي، ألا وهو قول الجهمية،
    فمرجئة الفقهاء يكفِّرون بالعمل المكفر بذاته لأنه عندهم علامة ودليل على الكفر القلبي أي دليل على انتفاء الإيمان القلبي، ولكن هؤلاء يزيدون على (مرجئة الفقهاء) باشتراط (قصد الكفر والاستحلال القلبي)؛ فلو نفى الفاعل أن يكون قاصدا الكفر والاستحلال بفعله المكفّر، لكان عند (مرجئة العصر) مؤمنا لأنه لم يعتقد الكفر بقلبه، أما عند (مرجئة الفقهاء) فهو كافر لأن فعله يدل على انتفاء الإيمان من قلبه وإن أنكر ذلك بلسانه.
    الدليل على أن (مرجئة العصر) في باب الكفر على عقيدة(الجهمية)
    يقرر شيخ الإسلام قاعدة لأهل السنة في التكفير تخالف مذهب المرجئة على اختلاف أنواعهم، ومقتضاها أن من الأفعال والأقوال ما هو كفر ناقل عن الملة، مع قطع النظر عن الاعتقاد القلبي وعما إذا كان صاحبها يقصد الكفر أو لا يقصده، فيقول رحمه الله تعالى:
    "وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كُفْرٌ كَفَرَ بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافرا، إذ لا يقصد أحد الكفر إلا ما شاء الله".
    ويبين أن الاعتقاد بهذا من لوازم القول بأن الإيمان (قول وعمل)، في مثال للأعمال المكفرة، فيقول منتقضا ما يشترطه (مرجئة العصر) من الاستحلال:
    "إن سب الله وسب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل".
    فمن يدعي أن الإيمان قول وعمل، ثم يشترط الاستحلال وقصد الكفر للتكفير بالأعمال المكفرة، فهو يكذب نفسه وينقض غزله من بعد قوة أنكاثاً.
    ويبين إمام من أئمة السلف وهو إسحاق بن راهويه رحمه الله تعالى، أن إجماع أهل السنة قد انعقد على أن من الأعمال ما يكفر صاحبها ولو لم يُظهر اعتقاداً مكفرا (من اعتقاد للاستحلال أو تكذيب أو جحود) فيقول:
    "قد أجمع العلماء على أن من سب الله عز وجل، أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئا أنزله الله، أو قتل نبيا من أنبياء الله، أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله".
    ويقول أيضاً:
    "ومما أجمعوا على تكفيره وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد، فالمؤمن الذي آمن بالله تعالى، وبما جاء من عنده، ثم قتل نبيا، أو أعان على قتله، ويقول قتل الأنبياء محرم، فهو كافر".
    فتأمل خروج " مرجئة العصر " عن إجماع السلف –في هذه المسألة باشتراطهم الاستحلال وحصرهم الكفر في الاعتقاد القلبي، ثم بعد ذلك يزعمون أنهم أتباع السلف!!
    ويرد الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله على من يشترط (قصد الكفر) للتكفير بالعمل المكفر فيقول عند قوله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً):
    (وهذا من أدلّ الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لايكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته، وذلك أن الله تعالى ذِكْره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآيةأن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهمذلك، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم، ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لايكفر بالله أحدٌ إلا من حيث يعلم، لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهمالذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه مثابين مأجورين عليه،ولكن القول بخلاف ماقالوا، فأخبر جَلَّ ثناؤه عنهم أنهم بالله كفرة وأن أعمالهم حابطة) (جامع البيان) 16/43 ــ 35.
    وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
    "إن المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه، ومن غير أن يختار ديناً على دين الإسلام".
    ويقول الشيخ حمد بن عتيق النجدي رحمه الله تعالى ناسفاً ما يزعمه (المرجئة) :
    "وأما خروجه –أي الخصم- عما بعث الله به رسوله من الكتاب والسنة وما عليه الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم، فقوله: (فمن شرح بالكفر صدرا، أي فتحه ووسعه وارتد عن الدين وطابت نفسه بالكفر فذلك الذي ندين الله بتكفيره هذه عبارته. وصريحها أن من قال الكفر أو فعله لا يكون كافرا وأنه لا يكفر إلا من فتح صدره للكفر ووسعه، وهذا معارض لصريح المعقول وصحيح المنقول وسلوك سبيل غير سبيل المؤمنين، فإن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة قد اتفقت على أن من قال الكفر أو فعله كفر، ولا يشترط في ذلك انشراح الصدر بالكفر، ولا يستثنى من ذلك إلا المكره، وأما من شرح بالكفر صدرا أي فتحه ووسعه وطابت نفسه به ورضي فهذا كافر عدو لله ولرسوله وإن لم يتلفظ بذلك بلسانه ولا فعله بجوارحه، هذا هو المعلوم بدلالة الكتاب والسنة وإجماع الأمة"

    ويرد الإمام ابن حزم على من يحصر الكفر في الجحود والاستحلال مفسراً قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ)( ).
    قال ابن حزم:
    "فجعلهم مرتدين كفارا بعد علمهم بالحق، وبعد أن تبين لهم الهدى، بقولهم للكفار ما قالوا فقط، وأخبرنا تعالى أنه يعلم إسرارهم، ولم يقل تعالى إنهم جحدوا، بل قد صح أن في سرهم التصديق، لأن الهدى قد تبين لهم، ومن تبين له شيء فلا يمكن البتة أن يجحده بقلبه أصلا".

    قال أبو محمد بن حزم في "الإحكام" (1/45): "الكفر هو في الدين صفةُ مَن جحد شيئًا مما افترض الله تعالى الإيمانَ به بعد قيام الحُجَّة عليه ببلوغ الحقّ إليه بقَلْبِه دُونَ لِسانه أو بلسانه دون قلبه أوْ بِهِما معًا، أوْ عَمِلَ عَمَلاً جاء النَّصّ بأنَّهُ مُخرجٌ له بذلك عنِ اسْمِ الإيمان".

    وقال شيخُ الإسلام ابنَ تيمية - رحمه الله - في "مجموع الفتاوى" (12/335): "الكُفْر عدم الإيمان بالله ورسله، سواءٌ كان معه تكذيب أو لم يكن معه تكذيب بَلْ شَكٌّ وَرَيْب أو إعراض عن هذا كله حسدًا أو كِبْرًا أوِ اتّباعا لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة، وإن كان الكافر المكذّب أعظم كفرا وكذلك الجاحد المكذّب حسدًا مع استيقان صدق الرسل، والسور المكية كلها خطاب مع هؤلاء".

    وقال أيضا(8/348): "فالكفر عدم تصديق الرسول سواء كان معه اعتقاد تكذيب أم لا بل وعدم الإقرار بما جاء به والمحبة له". اهـ.
    وقال(20/86): "والكفر عدم الإيمان باتّفاق المسلمين سواء اعتقد نقيضه وتكلَّم به أو لم يعتقدْ شيئًا ولم يتكلَّم، ولا فرق في ذلك بين مذهب أهل السنة والجماعة؛ الذين يجعلون الإيمان قولاً وعملاً بالباطن والظاهر وقول من يجعله نفس اعتقاد القلب؛ كقول الجهميَّة وأكثر الأشعرية أو إقرار اللسان كقول الكرَّامية أو جميعها كقول فقهاء المرجئة وبعض الأشعرية فإن هؤلاء مع أهل الحديث وجمهور الفقهاء من المالكيَّة والشافعيَّة والحنبليَّة وعامَّة الصوفيَّة وطوائف من أهل الكلام من متكلّمي السنة وغير متكلمي السنة من المعتزلة والخوارج".
    وقال السبكي: "التكفير حكم شرعي سببه جَحْدُ الرُّبوبية أو الوحدانية أو الرسالة أو قول أو فعل حكم الشارع بأنَّه كفر وإن لم يكن جحدًا".

    وينقسم الكفر إلى أقسام ثلاثة: قولي – فعلي – اعتقادي:
    أما بالقول: فَكَسَبّ الله أو سب رسوله أو سب الدين أو الاستهزاء بشريعةٍ من الشرائع، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 65-66]، وقال تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} [التوبة: 74]، فمن تكلم بالكفر كفر؛ إذا توفرت فيه شرائط البلوغ والعقل والاختيار، وانتفت عنه موانع الجهل والجنون والإكراه وما شابه، حتى ولو لم يرد الكفر ولم يقصده.
    وأمَّا بالفعل: فكالسُّجودِ للصنم أو الذَّبْحِ لِغَير الله أو رَمْيِ المصحَفِ في القاذورات؛ قال تعالى: {لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ} [فُصِّلتْ: 37].
    وأما بالاعتقاد: فالكفر يقع بالاعتقاد ولو لم يصحبه قول أو فعل كمن يعتقد قِدَمَ العالم أو أن بوسعه الخروج على الشريعة الإسلامية، أو ارتاب فيما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءامَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات: 15] والكفر قد يكون تكذيبًا بالقلب وهذا الكفر قليلٌ في الكُفَّار كما قال ابن القيم؛ لأنَّ الله تعالى أيَّد رسله وأعطاهم من البراهين والآيات على صدقهم ما أقام به الحُجَّة وأزال به المعذرة.
    وكل أنواع الكفر تُخرج عن الإسلام بمفردها ولو لم ينضمَّ إليها نوع آخر، ما دام مرتكبها قاصدًا للفعل أو القول، متعمدًا له، ولو لم يقصد الخروج من الإسلام؛ فإنه يشترط في الحكم بالتكفير، قصد الفعل أو القول وإن لم يقصد حقيقة المعنى، فإن تكلم بالكفر عن خطأ أو نسيان أو هذيان أو كان نائمًا أو حاكيًا أو قارئًا أو مكرهًا أو جرت الكلمة على لسانه بدون اختياره بسبب الدهشة؛ كما في حديث الرجل الذي أخطأ من شدة الفرح فقال: ((اللهم أنت عبدى وأنا ربك))، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أخطأ من شدة الفرح))-: فكل هؤلاء لا يكفرون، إنما يكفر من قصد القول أو الفعل.

    قال ابن نُجيم في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق": "إنَّ مَن تكلَّم بكلمة الكفر هازلاً أوْ لاعبًا كفر عند الكُلّ ولا اعتبار باعتقاده".

    قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى

    : "فقد أخبر سبحانه وتعالى أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوض ونلعب".
    ويرد شيخ الإسلام على الذين يقولون: من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان قاصدا للكفر ومعتقدا له ومستحلا له بقلبه كفر؛ وأما إن نفى الاستحلال بقلبه أو نفى اعتقاد الاستخفاف والكفر (كما يقول (مرجئة العصر))، فهذا ليس بكافر؛ فيقول رحمه الله تعالى:
    "إن الحكاية المذكورة عن الفقهاء أنه إذا كان مستحلاً كفر، وإلا فلا، ليس لها أصل، وإنما نقلها القاضي من كتاب بعض المتكلمين الذين نقلوها عن الفقهاء، وهؤلاء نقلوا قول الفقهاء بما ظنوه جاريا على أصولهم أو بما قد سمعوه من بعض المنتسبين إلى الفقه ممن لا يعد قوله قولاً، وقد حكينا نصوص أئمة الفقه وحكاية إجماعهم عمن هو من أعلم الناس بمذاهبهم، فلا يظن ظان أن في المسألة خلافاً يجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد، وإنما ذلك غلط، لا يستطيع أحد أن يحكي عن واحد من الفقهاء أئمة الفتوى هذا التفصيل البتة ... وإذا تبين أن مذهب سلف الأمة ومن اتبعهم من الخلف أن هذه المقالة في نفسها كفر استحلها صاحبها أو لم يستحلها، فالدليل على ذلك جميع ما قدمناه في المسألة الأولى من الدليل على كفر الساب مثل قوله تعالى: (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ)( )، وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)( )، وقوله تعالى: (لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ).
    وما ذكرناه من الأحاديث والآثار فإنما هو أدلة بينة في أن نفس أذى الله ورسوله كفر، مع قطع النظر عن اعتقاد التحريم وجوداً وعدماً"
    : فهذا هو الإجماع لا يزيغ عنه إلا من تلبّس بالإرجاء !

    ويصف شيخ الإسلام (حال) المرجئة حين تقام عليهم الحجة في هذا بالإجماع كيف يلجأون إلى القول بأن هذه الأعمال وأمثالها ليست كفرا بنفسها بل تدل وتنبىء عن الكفر القلبي، فيقول:
    "فهؤلاء القائلون بقول جهم والصالحي قد صرحوا بأن سب الله ورسوله وتكلم بالتثليث، وكل كلمة من كلام الكفر، ليس كفراً في الباطن ، ولكنه دليل في الظاهر على الكفر، ويجوز مع هذا أن يكون هذا الساب الشاتم في الباطن عارفا بالله موحدا له مؤمنا به
    فإذا أقيمت عليهم حجة بنص أو إجماع أن هذا كافر ظاهراً وباطناً، قالوا هذا يقتضي أن ذلك مستلزم للتكذيب الباطن"

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
    "وقالوا (أي المرجئة): حيث حكم الشارع بكفر أحد بعمل أو قول فلكونه دليلاً على انتفاء ما في القلب، وقولهم متناقض، فإنه إذا كان ذلك دليلا مستلزما لانتفاء الإيمان الذي في القلب امتنع أن يكون الإيمان ثابتاً في القلب مع الدليل المستلزم لنفيه، وإن لم يكن دليلا لم يجز الاستدلال به على الكفر الباطن".
    ويقول ابن حزم:
    "وأما سب الله تعالى فما على وجه الأرض مسلم يخالف في أنه كفر مجرد، إلا أن الجهمية والأشعرية وهما طائفتان لا يعتد بهما، يصرحون بأن سب الله تعالى وإعلان الكفر ليس كفراً، قال بعضهم: ولكنه دليل على أنه يعتقد الكفر لا أنه كافر بيقين بسبه الله تعالى".
    ويقول رحمه الله تعالى:
    "قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ)( )، فنص تعالى على أن من الكلام في آيات الله ما هو كفر بعينه مسموع، وقال تعالى: (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ)( ).
    فنص تعالى على أن الاستهزاء بالله تعالى وآياته أو برسول من رسله كفر مخرج عن الإيمان، ولم يقل تعالى في ذلك أني علمت أن في قلوبكم كفراً، بل جعلهم كفاراً بنفس الاستهزاء، ومن ادعى غير ذلك فقد قوّل الله تعالى ما لم يقل وكذب على الله تعالى".
    ويضرب ابن حزم مثالا لما يقوله الجهمية والأشعرية ومن سلك سبيلهم، فيقول:
    "مثل هلا يدخل هذه الدار اليوم إلا كافر، أو يقول كل من دخل هذه الدار اليوم فهو كافر، قالوا [أي المرجئة ومن نحا نحوهم]: فدخول تلك الدار دليل على أنه يعتقد الكفر لا أن دخول الدذا أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ار كفر.

    ويرد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى على من يزعم أن الكفر لا يكون إلا بشرح الصدر بالكفر، (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً)( )،
    "لو كان التكلم بالكفر لا يكون كفراً إلا إذا شرح به الصدر لم يستثن المكره، فلما استثنى المكره عُلِم أن كل من تكلم بالكفر غيره مكره فقد شرح به صدرا، فهذا حكم وليس بقيد"( ).
    ويقول أيضاً:
    "ومعلوم أنه لم يرد بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط، لأن ذلك لا يكره الرجل عليه، وهو قد استثنى من أُكره.
    ولم يرد من قال واعتقد، لأنه استثنى المكره، وإنما يكره على القول فقط.
    فعلم أنه أراد من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضب من الله وله عذاب أليم، وأنه كافر بذلك إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدرا من المكرهين فإنه كافر أيضاً. فصار من تكلم بالكفر كافراً، إلا من أكره فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، وقال تعالى: (لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)، فبين أنهم كفار بالقول مع أنهم لم يعتقدوا صحته وهذا باب واسع".
    ويقول في رده على من يدعي أن المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كفروا لأنهم منافقون في الأصل لا أنهم كفروا بمجرد الاستهزاء
    "فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوض ونلعب"
    ويقول رحمه الله تعالى: "فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر، فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف، ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم، ولكن لم يظنوه كفرا، وكان كفرا كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه".
    وقال: "ولهذا قال سبحانه وتعالى: (لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)( )، ولم يقل قد كذبتم في قولكم إنما كنا نخوض ونلعب، بل بين أنهم كفروا بعد إيمانهم بهذا الخوض واللعب".
    وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب
    "قوله تعالى: (مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)( )، فحكم تعالى حكماً لا يبدّل، أن من رجع عن دينه إلى الكفر، فهو كافر، سواء كان له عذر خوفا على نفس أو مال أو أهل، أم لا، وسواء كفر بباطنه أم بظاهره دون باطنه، وسواء كفر بفعاله ومقاله، أو بأحدهما دون الآخر، وسواء كان طامعا في دنيا ينالها من المشركين أم لا، فهو كافر على كل حال إلا المكره، وهو في لغتنا المغصوب، فإذا أكره الإنسان على الكفر وقيل له: اكفر وإلا قتلناك أو ضربناك، أو أخذه المشركون فضربوه، ولم يمكنه التخلص إلا بموافقتهم، جاز له موافقتهم في الظاهر، بشرط أن يكون قلبه مطمئنا بالإيمان، أي ثابتا عليه، معتقدا له، فأما إن وافقهم بقلبه فهو كافر ولو كان مكرهاً".
    وقد حكى الشهرستاني عن المرجئة قولهم: "من قتل نبياً أو لطمه كفر لا من أجل القتل واللطم ولكن من أجل الاستخفاف والعداوة والبغض، وإلى هذا المذهب مَيْل ابن الرواندي وبشر المريسي ، قالا: الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان جميعا، والكفر هو الجحود والإنكار، والسجود للشمس والقمر والصنم ليس بكفر في نفسه ولكنه علامة على الكفر".
    * وحاصل الكلام أن (مرجئة العصر) لا يرون الكفر بالعمل مخرجا من الملة إلا بشرط الاعتقاد والاستحلال، وهذا شرط ورثوه عن (الجهمية)،
    وإذا تبين ما سبق، فهذا أوان أن نثني عنان القلم ، أن ((مرجئة العصر)) لا يكتفون باشتراط الاستحلال للتكفير بالذنوب غير المكفرة كما هو مذهب أهل السنة.
    ولا يكتفون باشتراط الاستحلال للتكفير بالأعمال المكفرة بذاتها كما هو مذهبهم ومذهب غلاة المرجئة.
    بل يتجاوزون ذلك كله فيشترطون الاستحلال للتكفير بالاستحلال!!!
    بل يشترطون أن يصاحب ذلك اعتراف الفاعل بـ"الاستحلال القلبي الاعتقادي".
    فإذا تبين لك هذا، أدركت منتهى الشذوذ الذي تلبس به (اهل الارجاء)،
    ولا شك أن الاستحلال منشأه الاعتقاد القلبي، لأن فساد الظاهر يستلزم فساد الباطن، ولكن إجراء الأحكام الشرعية –ومنها الحكم بالكفر- لا اعتبار فيه لذلك، لأن مناط الأحكام هو الظاهر فقط، إلا أن يوجد مانع شرعي معتبر،
    يقول ابن حزم حقيقة
    "قال الله عز وجل: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَه ُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ)( )، وبحكم اللغة التي نزل بها القرآن أن الزيادة في الشيء لا تكون البتة إلا منه لا من غيره، فصح أن النسيىء كفر وهو عمل من الأعمال وهو تحليل ما حرم الله تعالى وهو عالم بأن الله تعالى حرمه، فهو كافر بذلك الفعل نفسه، وكل من حرم ما أحل الله تعالى فقد أحل ما حرم الله عز وجل، لأن الله تعالى حرم على الناس أن يحرموا ما أحل الله"
    ويقول شيخ الإسلام
    "والإيجاب والتحريم ليس إلا لله ولرسوله، فمن عاقب على فعل أو ترك بغير أمر الله ورسوله، وشرع ذلك دينا ، فقد جعل لله نداً ولرسوله نظيراً، بمنزلة المشركين الذين جعلوا لله أنداداً، أو بمنزلة المرتدين الذين آمنوا بمسيلمة الكذاب، وهو ممن قيل فيه: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ).
    قال العلاّمة محمد بن صالح العُثَيمين في فتاوى "نور على الدرب": "...... كيف يكون مؤمنًا مَنْ سَبَّ هذا الدينَ ولو كان مازحًا إذا كان قَدْ قَصَدَ الكلام؛ فإنَّ مَنْ سب دين الإسلام جادًّا أو مازحًا فإنه كافرٌ كُفْرًا مُخْرِجًا عن المِلَّة، عليه أن يتوب إلى الله - عزَّ وجلَّ - وسبُّ الدين مازحًا أشدُّ من سبه جادًّا وأعظم؛ ذلك لأنَّ من سب شيئًا جادًّا وكان هذا السَّبّ واقعًا على هذا .... أمَّا شئٌ سبق على لسانه بأن كان يريد أن يمدح الدين فقال كلمة سبٍّ بدون قصد بل سبقًا على اللسان فهذا لا يُكفَّر لأنه ما قصد السبَّ، بخلاف الذي يقصده وهو يمزح فإن هنا قصدًا وقع في قلبه، فصار له حكم الجادّ، أمَّا هذا الذي ما قصد ولكن سبق على اللسان فإنَّ هذا لا يضرُّ، ولهذا ثبت في الصحيح في قِصَّة الرَّجُل الذي ((كان في فلاةٍ فأضاع راحِلَته وعليها .... وقال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" أخطأ من شدة الفرح)) فلم يؤاخذ؛ لأنَّ هذا القول الذي صَدَرَ منه غيرُ مقصودٍ له بل سبق على لسانه فأخطأ من شدة الفرح، فمثل هذا لا يَضُرّ الإنسانَ، لا يضر الإنسانَ لأنه ما قصده، فَيَجِبُ أن نَعْرِفَ الفَرْقَ بين القصد وعدمِه، يجب أن نعرف الفرق بين قَصْدِ الكلام وعدم قصد الكلام، ليس بين قَصْدِ السب وعدم قصده لأنَّ هنا ثلاث مراتب: المرتبة الأولى أن يقصد الكلام والسَّبّ، وهذا فعل الجادّ كما يصنع أعداء الإسلام بسبّ الإسلام. الثانية أن يقصد الكلام دون السَّبّ؛ بمعنى يقصد ما يدل على السَّبّ لكنَّه مازحٌ غير جاد فهذا حكمه كالأوَّل يكون كافرًا؛ لأنه استهزاء وسخرية. المرتبة الثالثة: أن لا يقصد الكلام ولا السَّبَّ وإنَّما يسبق لسانُه فيتكلَّمُ بما يدل على السب دون قصدٍ إطلاقًا، لا قَصَدَ الكلامَ ولا قَصَدَ السَّبَّ فهذا هو الذي لا يؤاخذ به وعليه يتنزل قولُه تعالى: {لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89].
    ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم – (( إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يُلقي لها بالا، يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا، يهوي بها فى جهنم))؛ رواه البخاري من حديث أبى هريرة، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: "أي لا يتأملها بخاطره، ولا يتفكر في عاقبتها، ولا يظن أنها تؤثر شيئا، وهو من نحو قوله تعالى - وتحسبونه هينا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [سورة النور آية:15]، وقد وقع في حديث بلال بن الحارث المزني الذي أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم بلفظ " إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة ".
    قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البراك :
    من أظهر شيئاً مما تقدم من أنواع الردة جاداً أو هازلاً أو مداهناً أو معانداً في خصومة - أي غير مكره - كَفَرَ بذلك لقوله تعالى ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان .. الآية ) النحل : 106 .
    و من ذلك : إظهار السجود للصنم مجاملة للمشركين ، وطلباً للمنزلة لديهم ، والنيل من دنياهم ، مع دعوى أنه يقصد بذلك السجود لله أو لا يقصد السجود للصنم ، فإنه بذلك مظهرٌ لكفر من غير إكراه ، فيدخل في عموم قوله تعالى ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان .. الآية ) النحل : 106 أ.هـ (جواب في الإيمان و نواقضه ص9 بترقيم الشاملة )
    قال فضيلة الشيخ عبدالعزيز الراجحي
    وكذلك أيضا يكون الكفر بالفعل كما لو سجد للصنم كفر بهذا السجود، أو داس مصحفا بقدميه، أو لطخه بالنجاسة يكفر بهذا العمل، يكفر بهذا العمل ولو لم يجحد ولو لم يعتقد بقلبه بهذا العمل بهذا السجود للصنم، كذلك يكون كافرا أ.هـ (شرح العقيدة الطحاوية ص 234 بترقيم الشاملة )

    وبهذا كله، يتعين فساد ما رام (مرجئة العصر)) بلوغه، وتهافت ما ركبوا لتحصيله، ، ولولا ما برع فيه بعضهم من تلبيس الحق بالباطل، تمكينا لعقيدة الجهم وتأصيلا لما ورثوه عنه من اشتراط الاعتقاد القلبي في التكفير بالأعمال المكفرة بنفسها لما اسهب القلم !! ولكن أليس في التجائهم إلى التلبيس أكبر شاهد على شعورهم بتهافت مذهبهم وتداعي بنيانهم؟؟

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: كيف يتسلَّل الارجاء عَبْرَ التمويه والتلبيس

    مناقشة اعتبار المقاصد
    تعريف القصد شرعا وأنواعه :
    1 - القصد بمعنى النية والإرادة الجازمة المستلزمة للفعل ويسمى القصد إلى الفعل وهو التعمد للفعل وهو القصد الأول وفقدانه يغير المناط وله صور تندرج تحت باب الخطأ
    2- القصد بالفعل وهو الاختيار والطواعية ويسمى القصد الثاني أو المقارن للفعل وفقدانه يلغي المناط وله صور تندرج تحت باب الإكراه
    ويطلقه بهذين المعنيين معا أهل السنة والإتباع من السلف الصالح
    راجع عوارض الأهلية للجبوري450
    وفي الموافقات يقول الشاطبي :
    ( إن الأعمال بالنيات والمقاصد معتبرة في التصرفات من العبادات والعادات والأدلة على هذا المعنى لا تنحصر...وأيضا فالعمل إذا تعلق به القصد تعلقت به الأحكام التكليفية وإذا عري عن القصد لم يتعلق به شيء منها كفعل النائم والمجنون والغافل ..) ا.هـ
    وفي إعلام الموقعين 3/106 يقول ابن القيم رحمه الله :
    « فإن المتكلم عليه أن يقصد بتلك الألفاظ معانيها والمستمع عليه أن يحملها على تلك المعاني فإن لم يقصد المتكلم بها معانيها بل تكلم بها غير قاصد لمعانيها أو قاصدًا لغيرها أبطل الشارع عليه قصده فإن كان هازلاً أو لاعبًا لم يقصد المعني ألزمه الشارع المعني كمن هزل بالكفر والطلاق والنكاح والرجعة بل لو تكلم الكافر بكلمة الإسلام هازلاً ألزمه به وجرت عليه أحكامه ظاهرًا ». أ.هـ.
    ويقول شيخ الاسلام ابن تيمية في الفتاوى 5/248 :
    ( بل التوحيد الذي لابد منه لا يكون إلا بتوحيد الإرادة والقصد وهو توحيد العبادة وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله : أن يقصد الله بالعبادة ويريده بذلك دون ما سواه وهذا هو الإسلام فإن الإسلام يتضمن أصلين:أحدهما : الاستسلام لله وحده والثاني : أن يكون ذلك لله سالما فلا يشركه أحد في الإسلام وهذا هو الاستسلام له دون ما سواه وسورة ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) تفسر ذلك. ولا ريب أن العمل مسبوق بالعلم. فلابد أن يعلم ويشهد أن لا إله إلا الله ) ا.هـ
    ويقول ابن تيمية في منهاج السنة 3/ 99 :
    ( والإنسان قد يكون في قلبه معارف وإرادات ولا يدري أنها في قلبه فوجود الشيء في القلب شيء والدراية به شيء آخر، ولهذا يوجد الواحد من هؤلاء يطلب تحصيل ذلك في قلبه وهو حاصل في قلبه فتراه يتعب تعبًا كثيرًا لجهله ، وهذا كالموسوس في الصلاة فإن كل من فعل فعلاً باختياره وهو يعلم ما يفعله فلابد أن ينويه ووجود ذلك بدون النية التي هي الإرادة ممتنع.) ا.هـ

    أما قصد الكفر نفسه أو الباعث للكفر فليس له اعتبار عند أهل السنة والسلف الصالح في الدنيا والآخرة وليس شرطا في الكفر
    والأدلة على ذلك كثيرة :
    بعض الأدلة من القرآن الكريم
    الدليل الأول من القرآن :
    قال تعالى [وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ]. {التوبة}.
    قال ابن تيمية في الإيمان 208 عن هذه الآية :
    ( فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه فدل على أنه كان عندهم إيمان ضعيف ففعلوا هذا المحرم الذي عرفوا أنه محرم ولكنهم لم يظنوه كفرا وكان كفرا كفروا به فإنهم لم يعتقدوا جوازه ) ا.هـ
    وفي محاسن التأويل للقاسمي 8/253 :
    ( [وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ ]- أي عن إتيانهم بتلك القبائح المتضمنة للاستهزاء بما ذكر [ لَيَقُولُنَّ ]- أي في الاعتذار إنه لم يكن عن القلب حتى يكون نفاقا وكفرا بل – [إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ]- أي ندخل هذا الكلام لترويح النفس ... قال الكيا الهراسي الطبري الشافعي فيه دلالة على أن اللاعب والجاد في إظهار كلمة الكفر سواء وأن الاستهزاء بآيات الله كفر ) ا.هـ
    وفي تفسير القرطبي 4/3036 :
    ( قال القاضي أبو بكر بن العربي : لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدا أو هزلا وهو كيفما كان كفر فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة ) ا.هـ
    وفي أحكام القرآن 4/248 يقول أبو بكر الجصاص عنها :
    ( فيه الدلالة على أن اللاعب والجاد سواء في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه لأن هؤلاء المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوا لعبا فأخبر الله عن كفرهم باللعب بذلك وروي عن الحسن وقتادة: أنهم قالوا في غزوة تبوك أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام ؟! هيهات هَيهات ؟! فأطلع الله نبيه على ذلك , فأخبر أن هذا القول كفر منهم على أي وجه قالوه من جد أو هزل فدل على استواء حكم الجاد والهازل في إصدار كلمة الكفر ودل أيضا على أن الاستهزاء بآيات الله وبشيء من شرائع دينه يكفر فاعله ) ا.هـ
    فاعتقاد الكفر أو قصد الكفر أو الباعث عليه أو العلم بالكفر ليس بلازم أو شرط للكفر
    الدليل الثاني من القرآن :
    قال تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ] {الحجرات:2}
    يقول ابن تيمية في الصارم المسلول 54 عن هذه الآية :
    ( فوجه الدلالة أن الله سبحانه نهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته صلى الله عليه وسلم وعن الجهر له كجهر بعضهم لبعض لأن هذا الرفع والجهر قد يفضي إلى حبوط العمل وصاحبه لا يشعر فإنه علل نهيهم عن الجهر وتركهم له بطلب سلامة العمل عن الحبوط وبين أن فيه من المفسدة جواز حبوط العمل وانعقاد سبب ذلك
    وما قد يفضي إلى حبوط العمل يجب تركه غاية الوجوب والعمل يحبط بالكفر قال سبحانه [وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] {البقرة:217} وقال تعالى [وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ] {المائدة:5} وقال تعالى[ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] {الأنعام:88} وقال[وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ] {الزُّمر:65} وقال [ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ] {محمد:9} , كما أن الكفر إذا قارنه عمل لم يقبل لقوله تعالى [الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ] {محمد:1} , وقوله [وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ] {التوبة:54} , وهذا ظاهر ولا يحبط الأعمال غير الكفر لأن من مات على الإيمان فإنه لابد أن يدخل الجنة ويخرج من النار إن دخلها ولو حبط عمله لم يدخل الجنة قط ولأن الأعمال إنما يحبطها ما ينافيها ولا ينافي الأعمال مطلقا إلا الكفر وهذا معروف من أصول أهل السنة ,
    نعم قد يبطل بعض الأعمال بوجود ما يفسده كما قال تعالى [لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأَذَى] {البقرة:264} , ولهذا لم يحبط الله الأعمال في كتابه إلا بالكفر,
    فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي والجهر له بالقول يخاف منه أن يكفر صاحبه وهو لا يشعر ويحبط عمله بذلك وأنه مظنة لذلك وسبب فيه فمن المعلوم أن ذلك لما ينبغي له من التعزير والتوقير والتشريف والتعظيم والإكرام والإجلال ولما أن رفع الصوت قد يشتمل على أذى له واستخفاف به وإن لم يقصد الرافع ذلك فإذا كان الأذى والاستخفاف الذي يحصل في سوء الأدب من غير قصد صاحبه يكون كفرا , فالأذى والاستخفاف المقصود المتعمد كفر بطريق الأولى ) ا.هـ
    ويقول الفخر الرازي الشافعي في التفسير الكبير مفاتح الغيب 28/114 :
    ( قوله ( أن تحبط ) إشارة إلى أنكم إن رفعتم أصواتكم وتقدمتم تتمكن منكم هذه الرذائل وتؤدي إلى الاستحقار ، وإنه يفضي إلى الانفراد والارتداد المحبط وقوله تعالى : ( وأنتم لا تشعرون ) إشارة إلى أن الردة تتمكن من النفس بحيث لا يشعر الإنسان ) ا.هـ
    وقال البخاري في التفسير:
    ( باب قوله [ لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ] – تشعرون : تعلمون , ومنه الشاعر - ونقله الحافظ في الفتح عن أبي عبيدة في الشرح 8/455 ). ا.هـ

    الدليل الثالث من القرآن:
    قال تعالى[فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ] {الأعراف:30}
    قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسيرها :
    ( وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها فيركبها عنادا منه لربه فيها لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه مهتدٍ وفريق الهدى فرقٌ وقد فرّق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية ) ا.هـ , ونقله ابن كثير عنه ,
    وأقره القاسمي 7/53 وقال القاسمي أيضا:
    ( وحاصله كما قال القاضي أن الآية دلت على أن الكافر المخطئ والمعاند سواء في استحقاق الذم قال القاضي : وللفارق أن يحمله على المقصر في النظر أي يحمل الضمير في(اتخذوا) على الكافر المقصر في النظر وأما الذين اجتهدوا وبذلوا الوسع فمعذورون كما هو مذهب البعض كذا في العناية ) ا.هـ
    ويقول الإمام البغوي في تفسيره معالم التنزيل2/156
    ( فيه دلالة على أن الكافر الذي يظن أنه في دينه على الحق والجاحد والمعاند سواء ) ا.هـ
    الدليل الرابع من القرآن:
    قال تعالي [قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْنًا(105) ]. {الكهف}.
    قال القرطبي في تفسيرها :
    (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ) فيه دلالة على أن من الناس من يعمل العمل ويظن أنه محسن وقد حبط سعيه والذي يوجب إحباط السعي إما فساد الاعتقاد أو المراءاة والمراد هنا الكفر ) ا.هـ
    وقال ابن كثير في تفسيرها :
    ( فإن هذه الآية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى وقبل وجود الخوارج بالكلية وإنما هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية أنه مصيب فيها وأن عمله مقبول وهو مخطئ وعمله مردود كما قال تعالى [وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ(2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ(3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً(4) ]. {الغاشية}., وقال تعالى [وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا] {الفرقان:23} , وقال تعالى [وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا] {النور:39} ... وقال (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا) أي عملوا أعمالا باطلة على غير شريعة مشروعة مرضية مقبولة (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) أي يعتقدون أنهم على شيء وأنهم مقبولون محبوبون ) ا.هـ
    الدليل الخامس من القرآن :
    قال تعالى[وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ(36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُم ْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ(37) ]. {الزُّخرف}.
    يقول ابن القيم في مفتاح دار السعادة 1/47 عنها:
    ( فأخبر سبحانه أن من ابتلاه بقرينه من الشياطين وضلاله به إنما كان بسبب إعراضه وعشوّه عن ذكره الذي أنزله على رسوله فكان عقوبة هذا الإعراض أن قيّض له شيطانا يقارنه فيصده عن سبيل ربه وطريق فلاحه وهو يحسب أنه مهتدٍ حتى إذا وافى ربه يوم القيامة مع قرينه وعاين هلاكه وإفلاسه قال [يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ القَرِينُ] {الزُّخرف:38} , وكل من أعرض عن الاهتداء بالوحي الذي هو ذكر الله فلابد أن يقول هذا يوم القيامة
    فإن قيل: فهل لهذا عذر في ضلاله إذ كان يحسب أنه على هدى كما قال تعالى (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) ؟!
    قيل : لا عذر لهذا وأمثاله من الضُّلال الذين منشأ ضلالهم الإعراض عن الوحي الذي جاء به الرسول ولو ظن أنه مهتدٍ فإنه مُفرّط بإعراضه عن اتباع داعي الهدى , فإذا ضلَّ فإنما أتِيَ من تفريطه وإعراضه . وهذا بخلاف من كان ضلاله لعدم بلوغ الرسالة وعجزه عن الوصول إليها فذاك له حكم آخر , والوعيد في القرآن إنما يتناول الأول وأما الثاني فإن الله لا يعذب أحدا إلا بعد إقامة الحجة عليه كما قال تعالى [وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا] {الإسراء:15} , وقال : [رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا] {النساء:165} , وقال تعالى [وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ] {الزُّخرف:76} ) ا.هـ
    وهذه الأدلة قد استدل بها الشيخ ابن باز وعلماء الدعوة النجدية رحمهم الله على كفر الضالين من عباد القبور وأمثالهم وإن لم يقصدوا الكفر نفسه وإن لم يعتقدوه وإن كانوا جهالا مهما كان الباعث على ذلك .
    بعض الأدلة من السنة
    الدليل الأول من السنة :
    روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ) وفي رواية عند البخاري (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفعه الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم )
    قال الحافظ في الفتح11/317 :
    ( قال القاضي عياض : يحتمل أن تكون تلك الكلمة من الخنا والرفث وأن تكون في التعريض بالمسلم بكبيرة أو بمجون أو استخفاف بحق النبوة والشريعة وإن لم يعتقد ذلك ... ويقول الحافظ : ( لا يلقي لها بالا ) بالقاف في جميع الروايات أي لا يتأملها بخاطره ولا يتفكر في عاقبتها ولا يظن أنها تؤثر شيئا وهو من نحو قوله تعالى [إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُم ْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ] {النور:15} وقد وقع في حديث بلال بن الحارث المزني الذي أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم بلفظ ( إن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم القيامة ) وقال في السخط مثل ذلك ) ا.هـ
    واستدل به العلماء ومنهم ابن تيمية في عدم اعتبار قصد الكفر واعتقاده وباعثه فقال في الصارم المسلول527 :
    ( فقد اتفقت نصوص العلماء من جميع الطوائف على أن التنقص له كفر مبيح للدم وهم في استتابته على ما تقدم من الخلاف ولا فرق في ذلك بين أن يقصد عيبه لكن المقصود شيء آخر حصل السب تبعا له أو لا يقصد شيئا من ذلك بل يهزل ويمزح أو يفعل غير ذلك فهذا كله يشترك في هذا الحكم إذا كان القول نفسه سباً فإن الرجل يتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب , ومن قال ما هو سب وتنقص له فقد آذى الله ورسوله وهو مأخوذ بما يؤذي به الناس من القول الذي هو في نفسه أذى , وإن لم يقصد أذاهم , ألم تسمع إلى الذين قالوا : ( إنما كنا نخوض ونلعب ) فقال الله تعالى [ قُلْ أَبِاللهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ]. {التوبة}.) ا.هـ
    الدليل الثاني من السنة :
    روى البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة ) ,
    يقول الحافظ في الفتح 12/313 :
    ( وممن جنح إلى بعض هذا البحث الطبري في تهذيبه فقال بعد أن سرد أحاديث الباب : فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالما فإنه مبطل لقوله في الحديث ( يقولون الحق ويقرأون القرآن ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء ) ومن المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين وأموالهم إلا بخطأ منهم فيما تأولوه من آي القرآن على غير المراد منه ... ثم قال الحافظ : وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه ومن غير أن يختار دينا على دين الإسلام ) ا.هـ
    وقال أبو بطين في الدرر السنية 10/391 :
    ( ومما يبين أن الجهل ليس بعذر في الجملة قوله صلى الله عليه وسلم في الخوارج ما قال مع عبادتهم العظيمة ومن المعلوم أنه لم يوقعهم فيه إلا الجهل وهل صار الجهل عذرا لهم ؟ ) ا.هـ
    الدليل الثالث من السنة :
    روى ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبري وصححه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي : عن ابن
    عمر رضي الله عنهما قال: قال رجل في غزوة تبوك : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا وأكذب ألسنا ولا أجبن عند اللقاء – يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء , فقال له عوف بن مالك كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب فوجد القرآن قد سبقه فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق , قال ابن عمر : كأني أنظر إليه متعلقا بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الحجارة لتنكب رجليه وهو يقول إنما كنا نخوض ونلعب فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم [أَبِاللهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ]. {التوبة}. ما يلتفت إليه وما يزيد عليه ) ا.هـ
    وفي تيسير العزيز الحميد 619 قال الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ :
    ( أي يعتذرون بأنهم لا يقصدوا الاستهزاء والتكذيب ,إنما قصدوا الخوض في الحديث واللعب [وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65)]. {التوبة}., لم يعبأ باعتذارهم إما لأنهم كانوا كاذبين فيه وإما لأن الاستهزاء على وجه الخوض واللعب لا يكون صاحبه معذورا وعلى التقديرين فهذا عذر باطل فإنهم أخطأوا موقع الاستهزاء وهل يجتمع الإيمان بالله وكتابه ورسوله والاستهزاء بذلك في قلب ؟! بل ذلك عين الكفر فلذلك كان الجواب مع ما قبله [ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ]. {التوبة}.... ثم نقل عن ابن تيمية قوله : وقول من يقول إنهم كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولا بقلوبهم ! لا يصح لأن الإيمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر فلا يقال ( قد كفرتم بعد إيمانكم ) فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر وإن أريد إنكم أظهرتم الكفر بعد إظهاركم فهم لم يظهروا ذلك إلا لخواصهم ...
    ثم قال الشيخ سليمان :وفي الآية دليل على أن الرجل إذا فعل الكفر ولم يعلم أنه كفر لا يعذر بذلك بل يكفر وعلى أن السابّ كافر بطريق الأولى نبه عليه شيخ الإسلام .... وفي هذا الحديث من الفوائد أن الإنسان قد يكفر بكلمة يتكلم بها أو عمل يعمل به وأشدها خطرا إرادات القلوب فهي كالبحر الذي لا ساحل له ) ا.هـ
    من أقوال العلماء
    في أن اعتقاد الكفر أو قصد الكفر أو الباعث عليه أو العلم بالكفر ليس بشرط لازم للكفر
    من أقوال أئمة الأحناف
    في بدائع الصنائع 9/4378 وشرح الفقه الأكبر 207 ( يقول الإمام أبو حنيفة في رواية أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم عنه : لا عذر لأحد في جهله معرفة خالقه لأن الواجب على جميع الخلق معرفة الرب سبحانه وتعالى وتوحيده لما يرى من خلق السماوات والأرض وسائر ما خلق الله فأما الفرائض فمن لم يعلمها ولم تبلغه فإن هذا لم تقم عليه حجة حُكمية ) ا.هـ
    وفي مجمع الأنهر كتاب الردة 696 قال الشيخ زادة الحنفي
    ( وإن لم يعتقد أو لم يعلم أنها لفظة الكفر فقد كفر عند عامة العلماء ولا يعذر بالجهل ) ا.هـ
    نقل علي القاري ( في شرح الفقه الأكبر421 ) عن صدر الدين القونوي الحنفي قال :
    ( ولو تلفظ بكلمة الكفر طائعا غير معتقد له يكفر لأنه راض ٍ بماشرته وإن لم يرضَ بحكمه ولا يعذر بالجهل عند عامة العلماء خلافا للبعض ) أ.هـ
    ونقل عن الإمام السرخسي قوله ( وكذا لو صلى لغير القبلة أو بغير طهارة متعمدا يكفر وإن وافق ذلك القبلة وكذا إن وافق الطهارة وكذا لو أطلق كلمة الكفر استخفافا لا اعتقادا ) ا.هـ
    ونقل الإمام الكشميري في فيض الباري شرح صحيح البخاري 1/50 عن ابن الهمام إمام الأحناف قال ( ولذا قال تعالى [ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ]. {التوبة}. في جواب قولهم [إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ]. {التوبة}. ولم يقل إنكم كذبتم في قولكم بل أخبرهم بأنهم بهذا اللعب والخوض اللذين هما من أخص علائم الكفر خلعوا ربقة الإسلام من أعناقهم وخرجوا من حماه إلى الكفر فدل على أن مثل تلك الأفعال إذا وجدت في رجل يحكم عليه بالكفر ولا ينظر إلى تصديقه في قلبه ولا يلتفت إلى أنها كانت منه خوضا وهزوا فقط أو كانت عقيدة ) ا.هـ
    ومن أقوال المالكية :
    قال القاضي عياض المالكي ونقله ابن حجر الهيتمي من الشفا بشرح علي القاري 2/438 :
    ( من تكلم غير قاصد للسب له ولا معتقد له في جهته صلى الله عليه وسلم بكلمة الكفر من لعنه أو سبه أو تكذيبه أو إضافة ما لا يجوز عليه أو بنفي ما يجب له مما هو في حقه صلى الله عليه وسلم نقيصة مثل أن ينسب إليه الكبيرة أو المداهنة في تبليغ الرسالة أو في حكم بين الناس أو يغض من مرتبته أو شرف نسبه أو وُفور علمه أو زهده أو يكذب بما اشتهر من أمور أخبر بها صلى الله عليه وسلم وتواتر الخبر بها عنه عن قصد لرد خبره أو يأتي بسَفهٍ من القول ونوع من السب في جهته وإن ظهر بدليل حاله أنه لم يتعمد ذمه ولم يقصد سبه إما لجهالة حملته على ما قاله أو لضجر أو سكر اضطره إليه أو قلة مراقبة وضبط للسانه فحكمه القتل دون تلعثم إذ لا يعذر أحد في الكفر بالجهالة ولا بدعوى زلل اللسان ولا بشيء مما ذكرناه إذا كان عقله في فطرته السليمة إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان وبهذا أفتى الأندلسيون على من نفى الزهد عنه صلى الله عليه وسلم كما مر ) ا.هـ
    ويقول العلامة الدردير المالكي في الشرح الصغير باب الردة 347 :
    ( ولا يعذر بجهل أو سكر أو تهور أو بغيظ أو بقوله أردت كذا قال في الشرح : (ولا يعذر) الساب( بجهل) لأنه لا يعذر أحد في الكفر بالجهل , (أو تهور) كثرة الكلام بدون ضبط ولا يقبل منه سبق اللسان (أو غيظ) فلا يعذر إذا سب حال الغيظ بل يقتل ( أو بقوله أردت كذا ) أي أنه إذا قيل له بحق رسول الله فلعن ثم قال أردت العقرب أي أنها مرسلة لمن تلدغه فلا يقبل منه ويقتل ) ا.هـ
    وقال الإمام المقري المالكي في القواعد والفوائد الأصولية 52:
    ( أمر الله عز وجل العلماء أن يبينوا ومن لا يعلم يسأل فلا عذر بالجهل ما أمكن التعلم ) ا.هـ
    وقال الإمام القرافي في الفروق عن أدعية جُهال الصوفية :
    ( واعلم أن الجهل بما تؤدي إليه هذه الأدعية ليس عُذرا للداعي عند الله تعالى لأن القاعدة الشرعية دلت على أن كل جهل يمكن المكلف دفعه لا يكون حجة للجاهل فإن الله تعالى بعث رسله إلى خلقه برسائله وأوجب عليهم كافة أن يعلموها ثم يعملوا بها فالعلم والعمل واجبان فمن ترك التعلم والعمل وبقي جاهلا فقد عصى الله معصيتين لتركه واجبين وإن علم ولم يعمل فقد عصى معصية واحدة بترك العمل ومن علم وعمل فقد نجا ... ) أ.هـ
    ومن أقوال الشافعية :
    قول ابن حجر الهيتمي في الإعلام بقواطع الإسلام 65 بعد نقل كلام القاضي عياض :
    ( وما ذكره ظاهر موافق لقواعد مذهبنا إذ المدار في الحكم بالكفر على الظواهر ولا نظر بالمقصود والنيات ) ا.هـ
    ونقل الزركشي صاحب المنثور في القواعد 2/15 :
    قول الشافعي رحمه الله ( لو عُذر الجاهل لأجل جهله لكان الجهل خيراً من العلم إذ كان يحُط عن العبد أعباء التكليف ويريح قلبه من ضروب التعنيف فلا حجة للعبد في جهله الحكم بعد التبليغ والتمكين لئلا يكون على الله حجة بعد الرسل ) ا.هـ
    يقول الحافظ في الفتح 12/313 :
    ( وممن جنح إلى بعض هذا البحث الطبري في تهذيبه فقال بعد أن سرد أحاديث الباب : فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالما فإنه مبطل لقوله في الحديث ( يقولون الحق ويقرأون القرآن ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء )... ثم قال الحافظ : وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه ومن غير أن يختار دينا على دين الإسلام ) ا.هـ
    ومن أقوال الحنابلة :
    قال ابن تيمية في الصارم المسلول 177 :
    (وهذا شأن كل من تعمد الكذب عليه فإنه إنما يقصد تحصيل غرض له إن لم يقصد الاستهزاء به والأغراض في الغالب إما مال أو شرف كما أن المسيء إنما يقصد إذا لم يقصد مجرد الإضلال، إما الرياسة بنفاذ الأمر وحصول التعظيم أو تحصيل الشهوات الظاهرة ، وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كُفر كفرَ بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله ) ا.هـ ,
    ويقول ابن تيمية في الصارم 325 :
    ( والغرض هنا أنه كما أن الردة تتجرد عن السب فكذلك قد تتجرد عن قصد تبديل الدين وإرادة التكذيب بالرسالة كما تجرد كفر إبليس عن قصد التكذيب بالربوبية وإن كان عدم هذا القصد لا ينفعه كما لا ينفع من قال الكفر( أي من تلفظ به ) أن لا يقصد أن يكفر ) ا.هـ
    وقال ابن تيمية في الصارم 528 :
    ( فمن شاجر غيره في حكم وحرك لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحش في منطقه فهو كافر بنص التنزيل ولا يعذر بأن مقصوده رد الخصم فإن الرجل لا يؤمن حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ) ا.هـ
    وقال الشيخ سليمان بن عبد الله في تيسير العزيز الحميد 617 في شرح باب من هزل بشيء فيه ذكر الله .. ( شيء ) أي أنه يكفر بذلك لاستخفافه بجناب الربوبية والرسالة وذلك مناف للتوحيد ولهذا أجمع العلماء على كفر من فعل شيئا من ذلك فمن استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه كفرَ ولو هازلا لم يقصد حقيقة الاستهزاء إجماعا) ا.هـ ,
    وقال أيضا في تيسير العزيز 554 على قوله تعالى [لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ]. {التوبة}.
    ( والآية دليل على أن الرجل إذا فعل الكفر لو لم يعلم أو يعتقد أنه كافر لا يعذر بذلك بل يكفر بفعله القولي والعملي ) ا.هـ
    ومن أقوال بعض العلماء :
    قال الإمام الشوكاني في الرسائل السلفية 2/29 :
    ( وكثيرا ما يأتي هؤلاء الرعايا بألفاظ كفرية فيقول هو يهودي ليفعلن كذا وليفعل كذا .. ومرتد تارة بالفعل وهو لا يشعر ) ا.هـ
    وقال محمد بن إسماعيل الصنعاني في تطهير الاعتقاد 36 : ( قلت قد خرج الفقهاء في كتب الفقه في باب الردة أن من تكلم بكلمة الكفر يكفر وإن لم يقصد معناها ) ا.هـ
    وقال الشيخ محمد بن إبراهيم في فتاويه 12/191 :
    (س1:يقول بعضهم إن كان مراده كذا فهو كافر ؟ قال : ( مراد هؤلاء أنه لا يكفر إلا المعاند فقط وهذا من أعظم الغلط فإن أقسام المرتدين معروفة منهم من ردته عناد وبعضهم لا , وفي القرآن قال عز وجل ( ويحسبون أنهم مهتدون) وحسبانهم أنهم على شيء لا ينفعهم , وبعضهم يقولون إن كان مرادهم كذا , وهذه شبهة كالشبهة الأخرى وهي عدم تكفير المنتسب إلى الإسلام وتلك شبهة عدم تكفير المعين وصريح الكتاب والسنة يرد هذا ) ا.هـ
    وقال الشيخ حمد بن عتيق في رسالة الدفاع عن أهل السنة والإتباع 28 نقلا عن الفقهاء :
    ( فقالوا إن المرتد هو الذي يكفر بعد إسلامه إما نطقا وإما فعلا وإما اعتقادا وقرروا أن من قال الكفر كفر وإن لم يعتقده ولم يعمل به إذا لم يكن مكرها وكذلك إذا فعل الكفر كفر وإن لم يعتقده ولا نطق به ) ا.هـ
    وقال الإمام البربهاري في شرح السنة 45 : ( قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا عذر لأحد في ضلالة ركبها حسبها هدى ولا في هدى تركه حسبه ضلالة فقد بينت الأمور وثبتت الحجة وانقطع العذر ) ا.هـ.
    يقول الشيخ محمد حامد الفقي في تعليق على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 351

    ( إن نصوص القرآن والسنة صريحة بأن الجهل جريمة لا عذر , وأن من المعلوم من الضرورة العقلية أن الجاهل للشيء يفسده ولا يصلحه سواء في الدين والدنيا , فمن عجب أن يقيموا ما جعله الله جريمة يعاقب عليها أشد العقوبة عذرا يغفر به البدع والخرافات الجاهلية , التي حولت الناس عن الإسلام إلى الجاهلية الأولى ) أ.هـ

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: كيف يتسلَّل الارجاء عَبْرَ التمويه والتلبيس

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوسفيان مشاهدة المشاركة
    مناقشة اعتبار المقاصد
    القصد وأنواعه :
    1 - القصد بمعنى النية والإرادة الجازمة المستلزمة للفعل ويسمى القصد إلى الفعل وهو التعمد للفعل وهو القصد الأول وفقدانه يغير المناط وله صور تندرج تحت باب الخطأ
    2- القصد بالفعل وهو الاختيار والطواعية ويسمى القصد الثاني أو المقارن للفعل وفقدانه يلغي المناط وله صور تندرج تحت باب الإكراه
    ويطلقه بهذين المعنيين معا أهل السنة والإتباع من السلف الصالح

    أما قصد الكفر نفسه أو الباعث للكفر فليس له اعتبار عند أهل السنة والسلف الصالح في الدنيا والآخرة وليس شرطا في الكفر
    جزاك الله خيرا اخى -ابوسفيان
    مزيد بيان
    إن القصد يطلق عند العلماء ويراد به عدة معان منها :
    1 ـ القصد بمعنى الإرادة الجازمة :
    ويسمي القصد إلى الفعل والباعث إليه، فإذا انتفي هذا النوع من القصد فإن ذلك الفعل أو القول يدخل تحت باب الخطأ وسبق اللسان.
    ومنه حديث الذي أضل راحلته ثم وجدها فقال : " اللهم أنت عبدي وأنا ربك ".
    وقرائن الحال لها دخل في اعتبار هذا المانع من عدمه.
    2 ــ القصد بمعنى الاختيار والطواعية في إتيان الفعل المكفر :
    ويعبر عنه بعض الفقهاء بقوله : ( فمن أتى الكفر قاصدا مختارا طائعا ) بحيث يكون المرء غير مكره.
    3 ــ القصد بمعنى الاعتقاد والنية :
    بمعنى أن يأتي المرء العمل المكفر قاصدا به الخروج من الدين، وهذا هو الذي وهذا هو الذى تناقشه اخى ابو سفيان.
    إذ القصد بالمعني الأول والثاني لا يكاد أحد يخالف في اشتراطه،
    وهما معتبران عند أهل السنة والجماعة؛
    وأما القصد بالمعني الأخير فغير معتبر عند اهل السنة والجماعة

    ( رابعا :الامور المحتملة يعنى تحتمل الكفر وغيره
    ــ إن اشتراط القصد بمعنى النية والاعتقاد وقصد الكفر لا يكون معتبرا إلا في الأقوال والأفعال الصريحة الظاهرة بخلاف الأقوال والأفعال المحتملة للكفر وغيره .
    فمثلا لو أنا رأينا رجلا يدعوا عند القبر فإنا نسأله من تدعوا، فإن قال أدعوا الله لصاحب هذا القبر أن يغفر له ويتجاوز عنه فإنا نقول له : أحسنت، وأما إن قال أدعوا صاحب هذا القبر أن يغفر لي وأن يكشف كربتي، قلنا له : بأن عمله هذا كفر ولا نسأله هل تقصد بذلك أن تكفر أم لا .---
    اذا المسألة المهمة هنا ان اعتبار المقاصد فى الامور المحتملة وليست فى المسائل الصريحة الظاهرة
    ونضرب مثال باعتبار المقاصد فى الامور المحتملة التى تحتمل الكفر وغيره
    ما أورده القاضي عياض حيث قال: (وقد اختلف أئمتنا في رجل أغضبه غريمه، فقال له: صل على النبي محمد، فقال له الطالب: لا صلى الله على من صلى عليه، فقيل لسحنون: هل هو كمن شتم النبي صلى الله عليه وسلم، أو شتم الملائكة الذين يصلون عليه، قال: لا، إذا كان على ما وصفت من الغضب؛ لأنه لم يكن مضمراً الشتم.
    وقال أبو إسحاق البرقي، وأصبغ بن الفرج: لا يقتل، لأنه إنما شتم الناس، وهذا نحو قول سحنون؛ لأنه لم يعذره بالغضب في شتم النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه لما احتمل الكلام عنده، ولم تكن معه قرينة على شتم النبي صلى الله عليه وسلم، أو شتم الملائكة صلوات الله عليهم، ولا مقدمة يحمل عليها كلامه، بل القرينة تدل على أن مراده الناس غير هؤلاء، لأجل قول الآخر له:
    صل على النبي، فحمل قوله وسبه لمن يصلي عليه الآن لأجل أمر الآخر له بهذا عند غضبه.
    وذهب الحارث بن مسكين القاضي وغيره في مثل هذا إلى القتل

    اما قصد الكفر الصريح الظاهر فليس له اعتبار عند أهل السنة والسلف الصالح ونذكر جملة من اقوال اهل العلم تأكيدا وتكميلا لما ذكرته سابقا اخى ابو سفيان
    1 ــ يقول الله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ (66) }.
    فهؤلاء قوم صدر منهم قول مكفر وهو الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من الصحابة الكرام ولم يقصدوا أن يكفروا به، وإنما كان الحامل لهم هو الخوض واللعب، ولم يكذبهم الله في اعتذارهم بذلك .
    إلا أن هذا لم يمنع من الحكم عليهم بالكفر {لا تعتذروا قد كفركم بعد إيمانكم}.
    قال ابن تيمية رحمه الله : ( فدل على أنهم لم يكونوا عند أنفسهم قد أتوا كفرا، بل ظنوا أن ذلك ليس بكفر فبين أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه، فدل على أنهم كان عندهم إيمان ضعيف، فعلوا هذا المحرم، الذي عرفوا أنه محرم، ولكن لم يظنوه كفرا، وكان كفرا كفروا به، فإنهم لم يعتقدوا جوازه ) اهــ الفتاوى (7/273).
    2 ــ قوله تعالى : { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) }.
    فهذه الآيات وأمثالها كثيرة تدل على أن كثيرا من الكفار يظن أنه على الحق والهدي، بل وأنه أهدى من الذين ءامنوا سبيلا وأقوم طريقا.
    قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري رحمه الله :
    ( وهذا من أدل الدلالة على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته؛ وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك ) اهــ [( ج 18 / ص 128 )].
    وانظر لزاما قوله في تفسير قوله تعالى : { إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (30) }.
    3 ــ قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ (2) }.
    ووجه الدلالة من الآية واضح، وهو أن المرء قد يقع في الكفر والشرك وهو لا يعلم ولا يشعر، أي من دون أن يقصد بعمله أن يكون كافرا .
    ـ قال الرازي :
    ( قوله تعالى : { وأنتم لا تشعرون } إشارة إلى أن الردة تتمكن من النفس بحيث لا يشعر الإنسان ) تفسير الرازي ج 1 / 4103 ومفاتح الغيب ج 28 / 98.
    وقال مثله صاحب كتاب " اللباب في علوم الكتاب " ج17 / 525.
    ـ يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ــ رحمه الله ــ في تفسير الآية المذكورة : ـ ( { وأنتم لا تشعرون } أي لا تدرون، فإذا كان هذا فيمن لا يدري دل على وجوب التعلم والتحرز وأن الإنسان لا يعذر بالجهل كثير من الأمور ) [الدرر السنية (9/ 397)].
    نصوص وأقوال العلماء في أن القصد بمعنى الاعتقاد والنية غير معتبر:
    1 ـ الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله:
    قال الإمام الطبري رحمه الله بعد أن ساق أحاديث في ذم الخوارج وأنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، قال:
    ( فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالما فإنه مبطل لقوله في الحديث يقولون الحق ويقرءون القرآن ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء ومن المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين وأموالهم إلا بخطأ منهم فيما تأولوه من آي القرآن على غير المراد منه ). [فتح الباري ( 12 / 300 )].
    2 ـ الإمام البخاري رحمه الله :
    قال الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ في صحيحه :
    ( باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر ).
    يقول الشيخ الدكتور عبد العزيز الحميدي ــ أعاده الله للحق ــ( ) في كتابه القيم الماتع " تقرير القرآن العظيم لحكم موالاة الكافرين " شارحا عبارة البخاري هذه : ـ
    ( وكيف يحبط عمله وهو لا يشعر ؟ أن يفعل فعلا ظاهرا، أو يقع في ناقض عملي وليس في قلبه قصد الكفر، أو الرضا به، أو نحو ذلك، فيكفر ويحبط عمله وهو لا يشعر ) اهــ . [تقرير القرآن العظيم لحكم موالاة الكافرين ( ص : 32 )].
    3 ــ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
    يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله :
    ( وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر بذلك و إن لم يقصد أن يكون كافرا ). [الصارم المسلول ( ج / 148 )].
    وقال أيضا :
    ( والغرض هنا أنه كما أن " الردة " تتجرد عن السبب، كذلك قد تتجرد عن قصد تبديل الدين وإرادة التكذيب بالرسالة، كما تجرد كفر إبليس عن قصد التكذيب بالربوبية، وإن كان عدم هذا القصد لا ينفعه، كما لا ينفع من قال الكفر أن لا يقصد أن يكفر ) . [الصارم المسلول ( ج 1 / 375 )].
    4 ــ الإمام شمس الدين السرخسي الحنفي رحمه الله: ـ
    قال رحمه الله:
    ( وكذلك من صلى لغير القبلة، أو بغير طهارة متعمدا يكفر، وإن وافق ذلك القبلة، وكذا لو أطلق كلمة الكفر استخفافا لا اعتقاد اهـ
    الشاهد قوله : لو أطلق كلمة الكفر استخفافا لا اعتقادا ) فالمستخف لا يقصد الكفر.
    5 ـ الإمام ابن نجيم رحمه الله:-
    قال في " البحر الرائق " :
    ( والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلا أو لاعبا كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده ) اهـ [ البحر الرائق ( ج 5 / 134 ) ].
    وقد نقل هذا الكلام وأقره ابن عابدين في حاشيته ( ج 4 / 224 ).
    6 ـ الحافظ ابن حجر رحمه الله :
    قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ عند شرحه لأحاديث الخوارج : ـ
    ( وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير قصد الخروج منه ومن غير أن يختار دينا على دين الإسلام ) اهـ [ فتح الباري ( ج 12 / 302 ) ].
    7 ـ الإمام عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله:
    قال الشيخ عبد اللطيف في رده على أحد المعترضين على دعوة الحق :
    ( وقوله : ( عبارة الفقهاء في باب حكم المرتد يقولون : " وكل مسلم ارتد وهو مكلف مختار " ) فمرادهم أن أفعاله تقع عن اختيار وقصد لا أن يختار أن يكفر وهو يعلم بأن ما فعله كفر هذا سوء فهم وعدم فقه ) اهـ [ مصباح الظلام ( ص : 318 ) ].
    8 ـ الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله:
    يقول الإمام الصنعاني ـ رحمه الله ـ :
    صرح الفقهاء في كتب الفقه في " باب الردة " أن من تكلم بكلمة الكفر كفر وإن لم يقصد معناها ) اهـ [ عقيدة الموحدين ( ص : 131 ) ].
    9 ـ الإمام محمد بن علي الشوكاني رحمه الله:
    قال محمد بن علي الشوكاني: ( وكثيرا ما يأتي هؤلاء الرعايا بألفاظ كفرية فيقول هو يهودي ليفعلن كذا وليفعلن كذا فيرتد تارة بالقول وتارة بالفعل وهو لا يشعر ) الدواء العاجل ص 14.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •