وصفتان علاجيتان


عوّدت نفسي – دائماً- أن أحمل (سراج) التفاؤل أينما رحلت.. وقد وجدت في ذلك راحة نفسية (كبيرة).

لقد وجدت ذلك السراج يضيء لي أكثر الأزقة (عتمة)، ويرسم – بأشعته – النافذة بين يدي طريقاً لا حباً يغري بسلوكه.

لقد مرت عليّ (نماذج) كثيرة، ذرفت الدمع شفقة من أجلها .. كان أصحابها يعيشون تحت (مطرقة) مشكلات مقلقة، لكن (دمعي) لم يكن لينسكب لمجرد المعاناة، مع تأثري بها، إذ إن المعاناة – حين نستثمرها، ونراها تحت ضوء سراج التفاؤل، تصهر نفوسنا، وتصقلها، لتوقظ فينا الحس الإنساني من جهة، وقد تدفعنا – تحت ضغطها – للتعبير الكتابي، ما يدفع بأسلوبنا في (سلّم) الرقي، من جهة أخرى.

إذاً لماذا ذرفت الدمع؟!

لقد كان (حبل) العجز يلتف على (نفوس وعقول) بعضهم كأفعى، كنت أرى – بوضوح –
(سلالم) النجاة، ربما على بضع خطوات، لكن (عصابة) العجز كانت (محكمة) على عيون أولئك .. كنت احترق لوضعهم، لكن لم يكن لي من وسيلة – في محاولة إنقاذهم – إلا الصراخ عبر الكلمة (الهاتفية أو المكتوبة) لإقناعهم برؤية تلك السلالم .. لكن كلماتي تلك كأنما كانت تفهم من قبلهم (عكس) دلالتها.

ليتني كنت شاعراً – ولو ساعة – لأوسع (العجز) هجاءً. ليت العجز رجل إذاً لبرزت له واتخذت (قراراً) بقتله، مهما تكن النتائج، مع يقيني أنه لن يجد من يطلب بثأره!
إنني سأقدم على ذلك لشعوري أن (شمس) الإرادة ستشرق بعد قتله على كثيرين، فيتحسسون طريقهم، ويعلنون انعتاقهم من مشكلاتهم..

كم هم أولئك الذين يفتك فيهم الوسواس القهري، ويفتت نفوسهم .. ولكن فيروسات العجز تجعلهم يستسلمون له!
كم هم أولئك الذين ينهشهم (وحش) الاكتئاب لأن جيوش العجز قد احتلت أكبر مساحة من نفوسهم!
كم هو أولئك الذين يقتلهم الخوف مرات في اليوم الواحد، لأن سيف العجز (خنق) روح الإرادة لديهم!

أحياناً أجد نفسي لا أصدق وأنا أقرأ رسالة أفهم منها أن صاحبها (مقيد) برباط العجز .. أدهش، وسر الدهشة حين يكون يمتلك أسلوباً مشرقاً، وقلماً قابلاً للركض، بمجرد إطلاق سراحه على الورق.

نشأت لدي قناعة (ضخمة)، وصلت إلى حد الوصفة (العلاجية)، أطلقت عليها
(الكتابة علاجاً) .. وكانت هي الجناح الآخر لمبدأ، كنت ولا زلت أحمل مشعله، هو (القراءة علاجاً) !


د. عبد العزيز المقبل